فصل : و أما واجبات الحج فخمسة .
فصل : و أما واجبات الحج فخمسة السعي بين الصفا و المروة بمزدلفة و رمي الجمار و الحلق أو التقصير و طواف الصدر و أما السعي فالكلام فيه مواضع في بيان صفته و في بيان قدره و في بيان ركنه و في بيان شرائط جوازه و في بيان السنة و في بيان وقته و في بيان حكمه إذا تأخرى عن وقته .
أما وقت فقد قال أصحابنا : إنه أصحابنا : إنه واجب و قال الشافعي : أنه فرض حتى لو ترك الحاج خطوة منه و أتى أقصى بلاد المسلمين يأمر بأن يعود إلى ذلك الموضع فيضع قدمه عليه و يخطو تلك الخطوة و قال بعض الناس ليس بفرض و لا واجب و احتج هؤلاء بقوله عز و جل : { فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما } و كلمة جناح لا تستعمل في الفرائض و الواجبات و يدل عليه قراءة أبي { فلا جناح عليه أن يطوف بهما } .
و احتج الشافعي بما روي عن صفية بنت فلان أنها سمعت إمرأة سألت رسول الله A عن ذلك فقال : [ إن الله تعالى كتب عليكم السعي بين الصفا و المروة ] أي فرض عليكم إذا الكتابة عبارة عن الفرض كما في قوله تعالى : { كتب عليكم الصيام } و { كتب عليكم القصاص } و غير ذلك .
و لنا : قوله عز و جل : { و لله على الناس حج البيت } و حج البيت هو زيارة البيت لما ذكرنا فيما تقدم فظاهره يقتضي أن يكون طواف الزيارة هو الركن لا غير إلا أنه زيد عليه الوقوف بعرفه بدليل فمن ادعى زيادة السعي فعليه الدليل و قول النبي A [ الحج عرفة ] فظاهره يقتضي أن يكون الوقوف بعرفة كل الركن إلا أنه زيد عليه طواف الزيادة فمن ادعى زيادة السعي فعليه الدليل .
و عن عائشة Bه عنها أنها قالت : [ ما تم حج امرئ قط إلا بالسعي ] و فيه إشارة إلى أنه واجب و ليس بفرض لأنها وصفت الحج بدونه بالنقصان وفوت الواجب هو الذي يوجب النقصان فأما فوت الفرض فيوجب الفساد و البطلان و لأن الفرضية إنما ثبتت بدليل مقطوع به و لا يوجد ذلك في محل الاجتهاد إذا كان الخلاف بين أهل الديانة .
و أما الآية المراد منها رفع الجناح على الطواف بهما مطلقا بل على الطواف بهما لمكان الأصنام التي كانت هنالك لما قيل إنه كان بالصفا صنم و بالمروة صنم و قيل كان بين الصفا و المروة أصنام فتحرجوا عن الصعود عليهما و السعي بينهما احترازا عن التشبيه بعبادة الأصنام و التشبيه بأفعال الجاهلية فرفع الله عنهم الجناح بالطواف بهما أو بينهما مع كون الأصنام هنالك .
و أما قراءة أبي Bه فيحتمل أن تكون لا صلة زائدة معناه لا جناح عليه أن يطوف بينهما لأن لا قد تزاد في الكلام صلة كقوله تعالى : { ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك } معناه أن تسجد فكان كالقراءة المشهورة في المعنى .
و أما الحديث فلا يصح تعلق الشافعي به على زعمه لأنه قال روت صفية بنت فلان فكانت مجهولة لا تدري من هي و العجب منه أن يأبى مرة قبول المراسيل لتوهم الغلط و يحتج بقول امرأة لا تعرف و لا يذكر اسمها على أنه إن ثبت فلا حجة له فيه لأن الكنية قد تذكر و يراد بها الحكم قال الله تعالى : { و أولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } أي في حكم الله و قال عز و جل : { كتب الله عليهم } أي حكم الله عليكم فإن أريد بها الأول تكون حجة و إن أريد بها الثاني لا تكون حجة لأن حكم الله تعالى لا يقتصر على الفريضة بل الوجوب و الانتداب و الإباحة من حكم الله تعالى فلا يكون حجة مع الاحتمال أو نحملها على الوجوب دون الفرضية توفيقا بين الدلائل صيانة لها عن التناقض .
و إذا كان واجبا فإن تركه لعذر فلا شيء عليه و إن تركه عذر لزمه دم لأن هذا حكم ترك الواجب في هذا الباب أصله طواف الصدر و أصل ذلك ما روي عن النبي A أنه قال : [ من حج هذا البيت فليكن آخر عهده بالبيت الطواف ] و رخص للحائض بخلاف الأركان فإنها لا تسقط بالعذر لأن ركن الشيء ذاته فإذا لم يأت به فلم يوجد الشيء أصلا كأركان الصلاة بخلاف الواجب و لو ترك أربعة أشواط بغير عذر فعليه دم .
و الأصل أن كل ما وجب في جمعية دم في أكثره دم أصله طواف الصدر الجمار و لو ترك ثلا ثة أشواط أطعم لكل شوط نصف صاع من بر مسكينا إلا أن يبلغه ذلك دما فله الخيار و الأصل في ذلك أن كل ما يكون في جمعية دم يكون في أقله صدقة لما نذكر إن شاء الله تعالى و لو ترك الصعود على الصفا و المروة يكره له ذلك و لا شيء عليه لأن الصعود عليهما سنة فيكره تركه و لكن لو ترك لا شيء عليه كما لو ترك الرمل في الطواف