فصل : و أما الوقوف بمزدلفة .
و أما الوقوف بمزدلفة فالكلام فيه يقع فيمواضع في بيان صفته و ركنه و مكانه و زمانه و حكمه إذا فات عن وقته .
أما الأول فقد اختلف فيه أصحابنا قال بعضهم : إنه واجب و قال الليث إنه فرض و هو قول الشافعي و احتجا بقوله تعالى : { فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام } و المشعر الحرام المزدلفة و الأمر بالذكر عندها يدل على فرضية الوقوف بها .
و لنا : أن الفرضية لا تثبت إلا بدليل مقطوع به و لم يوجد لأن المسألة اجتهادية بين أهل الديانة و أهل الديانة لا يختلفون في موضع هناك دليل قطعي فيه .
و دليل الوجوب ما روي عن عروة بن المضرس الطائي جاء إلى النبي A و قال : أتعبت مطيتي فما مررت بشرف إلا علوته فهل لي من حج و في بعض الروايات قال : أتعبت راحلتي و أجهدت نفسي و ما تركت جبلا من جبال طيء إلا وقفت عليه فهل لي من حج فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من وقف معنا هذا الوقوف و صلى معنا هذه الصلاة و قد كان وقف قبل ذلك بعرفة ساعة بليل أو نهار فقد تم حجه ] فقد علق تمام الحج بهذا الوقوف و الواجب هو الذي يتعلق التمام بوجوده لا الفرض لأن المتعلق به أصل الجواز لا صفة التمام و قال النبي A : [ الحج عرفة من أدرك عرفة فقد أدرك الحج ] جعل الوقوف بعرفة كل الحج و ظاهره يقتضي أن يكون كل الركن و كذا جعل مدرك للحج و لو كان الوقوف بمزدلفة ركنا لم يكن الوقوف بعرفة كل الحج بل بعضه و لم يكن أيضا مدركا للحج بدونه و هذا خلاف الحديث و ظاهر الحديث يقتضي ان يكون الركن هو الوقوف بعرفة لا غير إلا أن طواف الزيارة عرف ركنا بدليل آخر و هو ما ذكرنا فيما تقدم و لأن ترك الوقوف بمزدلفة جائز لعذر على ما نبين و لو كان فرضا لما جاز تكرره أصلا كسائر الفرائض فدل أنه ليس بفرض بل هو واجب إلا أنه قد يسقط وجوبه لعذر من ضعف أو مرض أو حيض أو نحو ذلك حتى لو تعجل و لم يقف لا شيء عليه .
و أما الآية فقد قبل تأويلها : أن المراد من الذكر هو صلاة المغرب و العشاء بمزدلفة وقيل هو الدعاء و فرضيتها لا تقتضي فرضية الوقوف على أن مطلق الأمر للوجوب لا للفرضية ثبتت بدليل زائد و الله أعلم