و أما وقت الرمي من اليوم الأول و الثاني .
فصل : و أما وقت الرمي من اليوم الأول و الثاني من أيام التشريق و هو اليوم الثاني و الثالث من أيام الرمي فبعد الزوال حتى لا يجوز الرمي فيهما قبل الزوال في الرواية المشهورة عن أبي حنيفة و روي عن أبي حنيفة أن الأفضل أن يرمي في اليوم الثاني و الثالث بعد الزوال فإن رمى قبله جاز .
وجه هذه الرواية : أن قبل الزوال وقت الرمي في يوم النحر فكذا في اليوم الثاني و الثالث لأن الكل أيام النحر .
وجه الرواية المشهورة ما روي عن جابر Bه [ أن رسول الله A رمى الجمرة يوم النحر ضحى و رمى في بقية الأيام بعد الزوال ] و هذا الباب لا يعرف بالقياس بل التوقيف فإن أخر الرمي فيهما إلى الليل فرمى قبل طلوع الفجر جاز و لا شيء عليه لأن الليل و قت الرمي في أيام لما روينا من الحديث فإذا رمى في اليوم الثاني من أيام التشريق بعد الزوال فأراد أن ينفرد من منى إلى مكة و هو المراد من النفر الأول فله ذلك لقوله تعالى : { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } أي من نفر إلى مكة بعد مارمى يومين من أيام التشريق و ترك الرمي في اليوم الثالث فلا إثم عليه في تعجيله و الأفضل أن لا يتعجل بل يتأخر إلى آخر أيام الشتريق و هو اليوم الثالث منها فيستوفي الرمي في الأيام كلها ثم نفر و هو المعنى من النفر الثاني و ذلك معنى قوله تعالى : { و من تأخر فلا إثم عليه } .
و في ظاهر هذه الآية الشريفة إشكال من وجهين : .
أحدهما : أنه ذكر قوله تعالى : { لا إثم عليه } في المتعجل و المتأخر جميعا و هذا إن كان يستقيم في حق المتعجل لأنه يترخص لا يستقيم في حق المتاخر لأنه أخذ بالعزيمة و الأفضل .
و الثاني : أنه قال تعالى في المتأخر : { فلا إثم عليه لمن اتقى } قيده بالتقوى و هذا لا التقييد بالمتعجل أليق لأنه أخذ بالرخصة و لم يذكر فيه هذا التقييد .
و الجواب عن الإشكال الأول ما روي عن ابن عباس Bه أنه قال في هذه الآية فمن تعجل في يومين غفر له و من تأخر غفر له و كذا روي عن ابن مسعود Bه أنه قال في قوله تعالى { فلا إثم عليه } : رجع مغفورا له و أما قوله تعالى : { لمن اتقى } فهو بيان أن ما سبق من وعد المغفرة للمعتجل و المتأخر بشرط التقوى .
ثم من أهل التأويل من صرف التقوى إلى الاتقاء عن قتل الصيد في الإحرام أي لمن اتقى قتل الصيد في حال الإحرام و صرف أيضا قوله تعالى : { و اتقوا الله } أي فاتقوا الله و لا تستحلوا قتل الصيد في افحرام و منهم من صرف التقوى إلى الاتقاء عن المعاضي كلها في الحج و فيما بقي من عمره و يحتمل أن يكون المراد منه التقوى عما حظر عليه الإحرام من الرفث و الفسوق و الجدال و غيرها الله تعالى أعلم .
و إنما يجوز له النفر في اليوم الثاني و الثالث ما لم يطلع الفجر من اليوم الثاني فإذا طلع الفجر لم يجز له النفر .
و قت الرمي من اليوم الثالث من أيام التشريق و هو اليوم الرابع من أيام الرمي فالوقت المستحب له بعد الزوال و لو رمى قبل الزوال يجوز في قول أبي حنيفة و في قول أبي يوسف و محمد لا يجوز و احتجا بما روي عن جابر Bه [ أن النبي A رمى الجمرة يوم الخمر ضحى و رمى في بقية الأيام بعد الزوال ] و أوقات المناسك لا تعرف قياسا أو قته بعد الزوال و لأن هذا يوم من أيام الرمي فكان وقت الرمي فيه بعد زوال كاليوم الثاني و الثالث من أيام التشريق .
و أبي حنيفة ما روي عن ابن عباس Bه انه قال : إذا افتتح النهار من آخر أيام التشريق جاز الرمي و الظاهر [ أنه قال سماعا من النبي A ] إذ هو باب لا يدرك بالرأي و الاجتهاد فصار اليوم الأخير من أيام التشريق مخصوصا من حديث جابر Bه بهذا الحديث أو يحمل فعله في اليوم الأخير على الاستحباب و لأن له أن ينفر قبل الرمي و يترك الرمي في هذا اليوم رأسا فإذا جاز له ترك الرمي أصلا فلأ يجوز له الرمي قبل الزوال أولى و الله تعالى أعلم