صفة الواجب .
و أما صفة الواجب فقد اختلف فيها .
قال أصحابنا : إنه دم نسك وجب شكرا لما وفق للجمع بين النسكين بسفر واحد فله أن يأكل منه و يطعم من شاء غنيا كان المطعم أو فقيرا .
و يستحب له أن يأكل الثلث و يتصدق بالثلث و يهدي الثلث لأقربائه و جيرانه سواء كانوا فقراء أو أغنياء كدم الأضحية لقوله D : { فكلوا منها و أطعموا البائس الفقير } و قال الشافعي : إنه دم كفارة وجب للنقص يترك إحدى السفرتين لأن الإراد أفضل عنده لا يجوز للغني أن يأكل منه و سبيله دماء الكفارات .
و أم القارن فحكمه حكم المتمتع في وجوب الهدي عليه إن وجد و الصوم إن لم يجد و إباحة الأكل من لحمه للغني و الفقير لأنه في معنى المتمتع فيما لأجله وجب الدم و هو الجمع بين الحجة و العمرة في سفر واحد .
و قد روي [ أن رسول الله A كان قارنا فنحر البدن و أمر عليا Bه فأخذ من كل بدنة قطعة فطبخها و أكل رسول الله A من لحمها و حسا من مرقها ] .
و أما مكان هذا الدم فالحرم لا يجوز في غيره لقوله تعالى : { و الهدي معكوفا أن يبلغ محله } و محله الحرم و المراد منه هدى المتعة لقوله تعالى : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } و الهدى اسم لما يهدي إلى بيت الله الحرام أي يبعث و ينقل إليه .
و أما زمانه فأيام النحر حتى لو ذبح قبلها لم يجز لأنه دم نسك عندنا فيتوقت بأيام النحر كالأضحية .
و أما بيان أفضل أنواع ما يحرم به فظاهر الرواية عن أصحابنا أن القران أفضل ثم التمتع ثم الإفراد و روي عن أبي حنيفة أن الإفراد أفضل من التمتع و به أخذ الشافعي و قال مالك التمتع أفضل .
و ذكر محمد في كتاب الرد على أهل المدينة أن حجة كوفية و عمرة كوفية احتج الشافعي بما روي [ أن رسول الله A أفرد بالحج عام حجة الوداع ] فدل أن الإفراد أفضل هو A كان يختار الأعمال أفضلها .
و لنا : أن المشهور [ أن النبي A قرن بين الحج و العمرة ] رواه عمر و علي و ابن عباس و جابر و أنس Bهم و روي عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ أتاني آت من ربي و أنا بالعقيق فقال : قم فصل في هذا الوادي المبارك ركعتين و قل لبيك بعمرة في حجة ] .
حتى روي عن أنس Bه [ أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصرخ بها صراخا و يقول لبيك بعمرة في حجة ] فدل أنه صلى الله عليه و سلم كان قارنا و روي عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ تابعوا بين الحج و العمرة فإن المتابعة بينهما تزيد في العمر و تنفي الفقر ] و لأن القرآن و التمتع جمع بين عبادتين بإحرامين فكان أفضل من إتيان عبادة واحدة بإحرام واحد .
و إنما كان القران أفضل من التمتع لأن القارن حجته و عمرته أفاقيتان لأنه يحرم بكل واحدة منهما من الآفاق و المتمتع عمرته آفاقية وحجته مكية لأنه يحرم بالعمرة من الآفاق و بالحجة من مكة و الحجة الآفاقية أفضل رمن الحجة المكية لقوله تعالى : { و أتموا الحج و العمرة لله } .
و روينا عن علي و ابن مسعود Bهما أنهما قالا : إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك و ما كان أتم فهو أفضل .
و أما ما رواه الشافعي فالمشهور ما روينا و العمل بالمشهور أولى مع ما أن فيما روينا زيادة ليست في روايته و الزيادة برواية العدل مقبولة على أنا نجمع بين الروايتين على ما هو الأصل عند تعارض الدليلين أنه يعمل بهما بالقدر الممكن فنقول : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قارنا لكنه كان يسمي العمرة و الحجة في التلبية بهما مرة و كان صلى الله عليه و سلم يلبي بهما لكنه كان يسمي بإحداهما مرة إذ تسمية ما يحرم به في التلبية ليس بشرط لصحة التلبية فراوي الإفراد سمعه يسمى الحجة في التلبية فبنى الأمر على الظاهر فظنه مفردا فروى الإفراد و روي القران وقف على حقيقية الحال فروى القران