القسم الثاني : بيان حكم ما يحرم على المحرم .
و لنا : و جوه من الاستدلال بالعمد : .
أحدها : أن الكفارات وجبت رافعة للجناية و لهذا سماه الله تعالى كفارة بقوله D : { أو كفارة طعام مساكين } و قد وجدت الجناية و على الإحرام في الخطأ .
ألا ترى أن الله عز و جل سمى الكفارة في القتل الخطأ توبة بقوله تعالى في آخر الآية : { توبة من الله } و لا توبة إلا من الجناية و الحاجة إلى رفع الجناية موجودة و الكفارة صالحة لرفعها لأنها أعلى الجنايتين و هي العمد و ما صلح رافعا لأعلى الذنبين يصلح رافعا لأدناهما بخلاف قتل الآدمي عمدا أنه لا يوجب الكفارة عندنا و الخطأ يوجب لأن النقص هناك وجب ورد بإيجاب الكفارة في الخطأ و ذنب الخطأ دون ذنب العمد و ما يصلح لرفع الأدنى لا يصلح لرفع الأعلى فامتنع الوجوب من طريق الاستدلال لانعدام طريقه .
و الثاني : أن المحرم بالإحرام أمن الصيد عن التعرض و التزام ترك التعرض له فصار الصيد كالأمانة عنده و كل ذي أمانة إذا أتلف الأمانة يلزم الغرم عمدا كان أو خطأ بخلاف قتل النفس عمدا لأن النفس محفوظة بصاحبها و ليست بأمانة عند القاتل حتى يستوي حكم العمد و الخطأ في التعرض لها .
و الثالث : أن الله تعالى ذكر التخيير في حال العمد و موضوع التخيير في حال الضرورة لأنه في التوسع و ذا في حال الضرورة كالتخيير في الحلق لمن به مرض أو به أذى من رأسه بقوله : { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } و لا ضرروة في حال العمد .
فعلم أن ذكر التخيير فيه لتقدير الحكم به حال الضرورة و لولاء لما ذكر التخيير فكان إيجاب الجزاء في حال العمد إيجابا في حال الخطأ و لهذا كان ذكر التخيير الموضوع للتخفيف و التوسع في كفارة اليمين بين الأشيا الثلاثة حالة العمد ذكرا في حالة العمد ذكرا في حالة الخطأ و النوم و الجنون دلالة و أما تخصيص العامد فقد عرف من أصلنا أنه ليس في ذكر حكمه و بيانه في حال دليل نفيه في حال أخرى فكان تمسكا بالمسكوت فلا يصح و يحتمل أن يكون تخصيص العامد لعظم ذنبه تنبيها على الإيجاب على من قصر ذنبه من الخاطىء و الناسي من طريق الأولى لأن الواجب لما رفعلا أعلى الذنبين فلأن يرفع الأدنى أولى و على هذا كانت الآية حجة عليه و الله أعلم .
و يستوي في وجوب كمال جزاء بقتل الصيد حال الانفراد و الاجتماع عندنا حتى لو اشترك جماعة من المحرمين في قتل صيد يجب على كل واحد منهم جزاء كامل عند أصحابنا .
و عند الشافعي : يجب عليهم جزاء واحد .
وجه قوله : أن المقتول واحد فلا يضمن إلا بجزاء واحد كما إذا قتلى جماعة رجلا واحدا خطأ أنه لا تجب عليهم إلا دية واحدة و كذا جماعة من المحلفلين إذا قتلوا صيدا واحدا في الحرم لا يجب عليهم إلا قيمة واحدة كذا هذا .
و لنا : قوله تعالى : { و من قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } و كلمة { من } تناول كل واحد من القاتلين على حياله كما في قوله عز و جل : { و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم } .
و قوله تعالى : { و من يظلم منكم نذقه عذابا كبير } و قوله عز و جل : { و من يكفر بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر } و أقرب المواضع قوله عز و جل : { و من قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة } حتى يجبى على كل واحد من القاتلين خطأ كفارة على حدة و لا تلزمه الدية أنه لا يجب عليهم إلا دية واحدة لأن ظاهر اللفظ و عمومه يقتضي وجوب الدية على كل واحد منهم و إنما عرفنا وجوب دية واحدة بالإجماع و قد ترك ظاهر اللفظ بدليل و الشافعي نظر إلى المحل فقال : المحل و هو المقتول متحد فلا يجب إلا ضمان واحد و أصحابنا نظروا إلى الفعل فقالوا : الفعل متعدد فيتعدد الجزاء و نظرنا أقوى لأن الواجب جزاء الفعل لأن الله تعالى سماه جزاء بقوله : { فجزاء مثل ما قتل من النعم } و الجزاء يقابل الفعل لا المحل .
و كذا سمي الواجب كفارة بقوله عز و جل : { أو كفارة طعام مساكين } و الكفارة جزاء الجناية بخلاف الدية فإنها يدل المحل فتتحد باتحاد المحل و تتعدد بتعدده و هو الجواب عن صيد الحرم لأن ضمانه يشبه ضمان الأموال لأنها يجب بالجناية على الحرم و الحرم واحد فلا يجب إلا قيمة واحدة .
و لو قتل معلما كالبازي و الشاهين و الصقر و الحمام الذي يجيء من مواضع بعيدة و نحو ذلك يجب عليه قيمتان قيمة معلما لصاحبه بالغة ما بلغت وقيمته غير معلم حقا لله لأنه جنى على حقين حق الله تعالى و حق العبد و التعليم وصف مرغوب فيه في حق العباد لأنهم ينتفعون بذلك و الله عز و جل يتعالى عن أن ينتفع بشيء و لأن الضمان الذي هو حق الله تعالى يتعلق بكونه صيدا و كونه معلما وصف زائد على كونه صيدا فلا يعتبر ذلك في وجوب الجزاء و قد قالوا في الحمامة المصوتة أنه يضمن قيمتها مصونة في رواية و في رواية غير مصونة .
وجه الرواية الأولى : أن كونها مصوته من باب الحسن و الملاحة و الصيد مضمون بذلك كما لو قتل صيدا حسنا مليحا له زيادة قيمة على تلك الصفة و كما لو قتل حمامة مطوقة أو فاختة مطوقة .
وجه الرواية الأخرى : على نحو ما ذكرنا أن كونها مصونة لا يرجع إلى كونه صيدا فلا يلزم المحرم ضمان ذلك و هذا يشكل بالمطوقة و الصيد الحسن المليح .
و لو أخذ بيض صيد فشواه أو كسره فعليه قيمته يتصدق به لما روى عن الصحابة Bهم : [ أنهم حكموا في بيض النعامة بقيمته ] و لأنه أصل الصيد إذا الصيد يتولد منه فيعطي له حكم الصيد احتياطا فإن شوى بيضا أو جرادا فضمنه لا يحرم أكله و لو أكله أو غيره حلالا كان أو محرما لا يلزمه شيء بخلاف الصيد الذي قتله المحرم أنه لا يحل أكله و لو أكل المحرم الصائد منه بعد ما أدى جزاءه يلزمه قيمة ما أكل ههنا في قول أبي حنيفة لأن الحرمة هناك لكونه ميتة لعدم الذكاة لخروجه عن أهلية الذكاة و الحرمة ههنا ليست لمكان كونه ميتة لأنه لا يحتاج إلى الذكاة فصار كالمجوسي إذا شوى بيضا أو جرادا أنه يحل أكله كذا هذا .
فإن كسر البيض فخرج منه فرخ فعليه قيمته حيا يؤخذ فيه بالثقة .
و قال مالك : عليه نصف عشر قيمته و اعتبره بالجنين لأن ضمانه ضمان الجنايات و في الجنين نصف عشر قيمته كذا فيه .
و لنا : أن الفرخ صيد لأنه يفرض أن يصير صيدا فيعطي له حكم الصيد و يحتمل أنه مات بكسره و يحتمل أنه كان ميتا قبل ذلك و ضمان الصيد يؤخذ فيه بالاحتياط لأنه وجب حقا لله تعالى و حقوق الله تعالى يحتاط في إيجابها .
و كذلك إذا ضرب بطن ظبية فألقت جنينا ثم ماتت الظبية قيمتهما يؤخذ في ذلك كله بالثقة أما قيمة الأم فلأنه قتلها و أما قيمة الجنين فلأنه يحتمل أنه مات بفعله و يحتمل أنه كان ميتا فيحكم بالضمان فإن قتل ظبية فعليه قيمتها حاملا لأن الحمل يجري مجرى صفاتها و حسنها و ملاحتها و سمنها و الصيد مضمون بأوصافه .
و لو حلب صيدا فعليه ما نقصه الحلب لأن اللبن جزء من أجزاء الصيد فإذا نقصه الحلب يضمن كما لو أتلف جزأ من أجزائه كالصيد المملوك و أما إذا قتل الصيد تسببا فإن كان متعديا في التسبب يضمن و إلا فلا بيان ذلك أنه إذا نصب شبكة فتعقل به صيد و مات أو حفر للصيد فوقع فيها فعطب يضمن لأنه متعد في التسبب .
و لو ضرب فسطاطا لنفسه فتعقل به صيد فمات أو حفر للماء أو للخبز فوقع فيها صيد فمات لا شيء عليه لأن ذلك مباح له فلم يكن متعديا في التسبب و هذا كمن حفر بئرا على قارعة الطريق فوقع فيها صيد فمات لا شيء لأن ذلك مباح له فلم سكن متعديا في التسبب و هذا كمن حفر بئرا على قارعة الطريق فوقع فيها إنسان أو بهيمة مات يضمن و لو كان الحفر في دار نفسه فوقع فيها إنسان لا يضمن لأنه في الأول متعد بالتسبب و في الثاني لا كذا هذا .
و لو أعان محرما أو حلالا على صيد ضمن لأن الإعانة علىالصيد تسبب إلى قتله و هو متعد في هذا التسبب لأنه تعاون على الإثم و العدوان و قد قال الله تعالى : { و لا تعاونوا على الإثم و العدوان } و لو دل عليه أو أشار إليه فإن كان المدلول يرى الصيد أو يعلم به من غير دلالة أو إشارة فلا شيء على الدال إلا أنه يكره ذلك فقتله بدلالته لأنه نوع تحريض على اصطياده و إن رآه المدلول بدلالته فقتله فعليه الجزاء عند أصحابنا و قال الشافعي لا جزاء عليه .
وجه قوله : أن وجوب الجزاء متعلق بقتل الصيد و لم يوجد .
و لنا : ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ الدال على الشيء كفاعله ] .
و روي : الدال على الخير كفاعله و الدال عل الشر كفاعله فظاهر الحديث يقتضي أن يكون لدلالة حكم الفعل إلا ما خص بدليل .
و روى أن أبا قتادة Bه شد على حمار وحش و هو حلال فقتله و أصحابه محرمون فمنهم من أكل و منهم من أبي فسألوا النبي صلى الله عليه و سلم عن ذلك فقال A : [ هل أشرتم هل أعنتم فقالوا : لا فقال : كلوا إذا ] فلولا أن الحكم يختلف بالإعانة و الإشارة و إلا لم يكن للفحص عن ذلك معنى و دل ذلك على حرمة الإعانة و الإشارة و ذا يدل على وجوب الجزاء و روي أن رجلا سأل عمر Bه فقال : إني أشرت إلى ظبية فقتلها صاحبي فسأل عمر عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما فقال ما ترى فقال : أرى عليه شاة فقال عمر رضي الله تعالى عنه و أنا أرى مثل ذلك .
و روري أن رجلا أشار إلى بيضة نعامة فكسرها صاحبه فسأل عن ذلك عليا و ابن عباس Bهما فحكما عليه بالقيمة .
و كذا حكم عمر و عبد الرحمن Bهما محمول على القيمة و لأن المحرم قد أمن الصيد بإحرامه و الدلالة تزيل الأمن لأن أمن الصيد في حال قدرته و يقظته يكون بتوحشه عن الناس و في حال عجزه و نومه يكون باختفائه عن الناس و الدلالة تزيل الاختفاء فيزول الأمن فكانت الدلالة في إزالة الأمن كالاصطياد و لأن الإعانة و الدلالة و الإشارة تسبب إلى القتل و هو معتمد في هذا التسبب لكونه مزيلا للأمن و إنه محظور الإحرام فأشبه نصب الشبكة و نحو ذلك و لأنه لما أمن الصيد عن التعرض بعقد الإحرام و التزم ذلك صار به الصيد كالأمانة في يده فأشبه المودع إذا دل سارقا على سرقة الوديعة .
و لو استعار محرم من محرم سكينا ليذبح به صيدا فأعاره إياه فذبح به الصيد فلا جزاء على صاحب السكين كذا ذكر محمد في الأصل من الشمايخ من فصل في ذلك تفضيلا فقال إذا كان المستعير يتوصل إلى قتل الصيد بغيره لا يضمن و إن كان لا يتوصل إليه إلا بذلك السكين يضمن المعير لأنه يصير كالدال .
ونظير هذا ما قالوا لو أن محرما رأى صيدا و له قوس أو سلاح يقتل به و لم يعرف أن ذلك في أي موضع فدله محرم على سكيتنه أو على قوسه فأخذه فقتله به أنه إن كان يجد غير ما دله عليه مما يقتله به لا يضمن الدال و إن لم يجد غيره يضمن و لا يحل للمحرم أكل ما ذبحه من الصيد و لا لغيره من المحرم و الحلال و هو بمنزلة الميتة لأنه بالإحرام خرج من أن يكون أهلا للذكاة فلا تتصور منه الزكاة كالمجوسي إذا ذبح و كذا الصيد خرج من أن يكون محلا للذبح في حقه لقوله تعالى : { و حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } و التحريم المضاف إلى الأعيان يوجب خروجها عن محلية التصرف شرعا كتحريم الميتة و تحريم الأمهات و التصرف الصادر من غير الأهل و في غير محله يكون ملحقا بالعدم فإن أكل المحرم الذابح منه فعليه الجزاء و هو قيمته في قول أبي حنيفة .
و قال أبي يوسف و محمد و الشافعي رحمهم الله تعالى : ليس عليه إلا التوبة و الاستغفار و لا خلاف في أنه لو أكله غيره لا يلزمه إلا التوبة و الاستغفار وجه قولهم أنه أكل ميتة فلا يلزمه إلا التوبة و الاستغفار كما لو أكله غيره .
و أبي حنيفة C تعالى أنه تناول محظور إحرامه فيلزمه الجزاء و بيان ذلك أن كونه ميتة لعدم الأهلية و المحلية و عدم الأهلية و المحلية بسبب الإحرام بهذه الواسطة مضافة إلى الإحرام فإذا أكله فقد ارتكب محظور إحرامه فيلزمه الجزاء بخلاف ما إذا أكله محرم أنه لا يجب عليه جزاء ما أكل لأن ما أكله ليس محظور إحرمه بل محظور إحرام غيره و كما لا يحل له لغيره محرما كان أو حلالا عندنا و قال الشافعي : يحل لغيره أكله .
وجه قوله أن الحرمة لمكان أنه صيد لقوله تعالى : { و حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } و هو صيده لا صيد غيره فيحرم عليه لا على غيره .
و لنا : أن حرمته لكونه ميتة لعدم أهلية الذكاة و محلها فيحرم عليه و على غيره كذبيحة المجوسي هذا إذا أدى الجزاء ثم أكل فأما إذا أكل قبل أداء الجزاء فقد ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي أن عليه جزءا واحدا و يدخل ضمان ما أكل في الجزاء .
و ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي أنه لا رواية في هذه المسألة فيجوز أن يقال : يلزمه جزاء آخر و يجوز أن يقال يتداخلان و سواء تولى صيده بنفسه أو بغيره من المحرمين بأمره أو رمى صيدا فقتله أو أرسل كلبه أو بازيه المعلم أنه لا يحل له لأن صيد غيره بأمره صيده معنى و كذا صيد البازي و الكلب و السهم لأن فعل الاصطياد منه و إنما ذلك آلة الاصطياد و الفعل لمستعمل الآلة لا للآلة و يحل للمحرم أكل صيد اصطاده الحلال لنفسه عند عامة العلماء .
و قال داود بن علي الأصفهاني : لا يحل و المسألة مختلفة بين الصحابة Bه روى عن طلحة و عبيد الله و قتادة و جابر و عثمان في رواية أنه يحل و عن علي و ابن عباس و عثمان في رواية أنه لا يحل .
و احتج هؤلاء بقوله تعالى : و { و حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } أخبر أن صيد البر محرم على المحرم طلقا من غير فصل بين أن يكون صيد المحرم أو الحلال و هكذا قال ابن عباس أن الآية مبهمة لا يحل لك أن يصده و لا أن تأكله و روي عن ابن عباس Bه أن الصعب بن جثامة أهدى إلى رد عليك و لكنا حرم و في رواية قال : لولا أنا حرم لقبلناه منك .
و عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه و سلم : [ نهى عن لحم الصيد مطلقا ] .
و لنا : ما روي عن أبي قتادة Bه أنه كان حلالا و أصحابه محرمون فشد على حمار و حش فقتله فأكل منه بعض أصحابه و أبى البعض فسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إنما هي طعمة اطعمكموها الله هل معكم من لحمه شيء ] .
و عن جابر Bه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لحم صيد البر حلال لكم و أنتم حرم ما لم نصيدوه أو يصاد لكم ] و هذا نص في بالبا و لاحجة لهم في الآية لأن فيها تحريم صيد البر لا تحريم لحم الصيد و هذا لحم الصيد و ليس بصيد حقيقية لانعدام معنى الصيد و هو الامتناع و التوحش على أن الصيد في الحقيقية مصدر و إنما يطلق على المصيد مجازا .
و أما حديث الصعب بن جثامة فقد اختلفت الروايات فيه عن ابن عباس Bه روي في بعضها أنه أهدى إليه حمارا و حشيا كذا روى مالك و سعيد و جابر و غيرهما عن ابن عباس Bه فلا يكون حجة .
و حديث زيد بن أرقم محمول على صيد بنفسه أو غيره بأمره أو بإعانته أو بدلالته أو بإشارته عملا بالدلائل كلها و سواء صاده الحلال لنفسه أو للمحرم بعد أن لا يكون بأمره عندنا .
و قال الشافعي : إذا صاده له لا يحل له اكله و احتج بما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ صيد البر حلال لكم و أنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصاد لكم ] و لا حجة له فيه لأنه لا يصير مصيدا له إلا بأمره و به نقول و الله أعلم .
و أما حكم الصيد إذا جرحه المحرم فإن جرحه جرحا يخرجه عن حد الصيد و هو الممتنع المتوحش بأن قطع رجل ظبي أو جناح طائر فعليه الجزاء لأنه أتلفه حيث أخرجه عن حد الصيد فيضمن قيمته و إن جرحه جرحا لم يخرجه عن حد الصيد يضمن ما نقصته الجراحة لوجود إتلاف ذلك القدر من الصيد فإن اندملت الجراحة و برئ الصيد لا يسقط الجزاء لأن الجزاء يجب بإتلاف جزء من الصيد و بالإندمال لا يتبين أن الإتلاف لم يكن بخلاف ما إذا جرح آدميا فاندملت جراحته آثر أنه لا ضمان عليه لأن الضمان هناك إنما يجب لأجل الشين و قد ارتفع فإن رمى صيدا فكفر عنه ثم رآه بعد ذلك فقتله فعليه كفارة أخرى لأنه لما كفر الجراحة ارتفع حكمها و جعلت كأن و قتها الآن فيجب عليه الضمان لكن الضمان صيد مجروح لأن تلك الجراحة قد أخرج ضمانها مرة فلا تجب مرة أخرى فإن جرحه و لم يكفر ثم رآه بعد ذلك فقتله الكفارة و ليس عليه في الجراحة شيء لأنه لما قتله قبل أن يكفر عن الجراحة صار كأنه قتله دفعة واحدة .
و ذكر الحاكم في مختصره إلا ما نقصته الجراحة الأولى أي يلزمه ضمان صيد مجروح لأن ذلك النقصان قد وجب عليه ضمانه مرة فلا يجب مرة أخرى و لو جرح صيدا فكفر عنه قبل أن يموت ثم مات أجزأته الكفارة التي أداها قبل وجوبها لكن بعد وجود سبب الوجوب و أنه جائز كما لو جرح إنسانا خطأ فكفر عنه ثم مات المجروح أنه يجوز لما قلنا كذا هذا .
و إن نتف ريش الصيد أو قلع سن ظبي فنبت و عاد إلى مكان أو ضرب على عين ظبي فابيضت ثم ارتفع بياضها قال أبي حنيفة في سن الظبي أنه لا شيء عليه إذا نبت و لم يحك عنه في غيره شيء .
و قال أبي يوسف : عليه صدقة وجه قوله إن وجوب الجزاء بالجناية على الإحرام و بالنبات و العمود إلى ما كان لا يتبين إن الجناية لم تكن فلا يسقط الجزاء و أبي حنيفة أن وجوب الجزاء لمكان النقصان و قد زال فيزول الضمان كما لو قلع سن ظبي لم يثغر .
و أما حكم أخذ الصيد فالمحرم إذا أخذ الصيد يجب عليه إرساله سواء كان في يده أو في قفص معه أو في بيته لأن الصيد استحق الأمن بإحرامه و قد فوت عليه الأمن بالأخذ فيجب عليه إعادته إلى حالة الأمن و ذلك بالإرسال فإن أرسله محرم من يده فلا شيء على المرسل لأن الصائد ما ملك الصيد فلم يصر بالإرسال متلفا ملكه و إنما وجب عليه الإرسال ليعود إلى حالة الأمن فإذا أرسل فقد فعل ما وجب عليه و إن قتله فعلى كل واحد منهما جزاء أما القاتل فلأنه محرم قتل صيدا و أما الآخذ فلأنه فوت الأمن على الصيد بالأخذ و أنه سبب لوجوب الضمان إلا أنه يسقط بالإرسال فإذا تعذر الإرسال لم يسقط و للأخذ أن يرجع بما ضمن على القاتل عند أصحابنا الثلاثة .
و قال زفر : لا يرجع وجه قوله : أن المحرم لم يملك الصيد بالأخذ فكيف يملك بدله عنه الإتلاف .
و لنا : أن الملك له و إن لم يثبت فقد وجد سبب الثبوت في حقه و هو الأخذ قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ الصيد لمن أخذه ] إلا أنه تعذر جعله سببا لملك غير الصيد فيجعل سببا لملك بدله فيملك بدله عند الإتلاف و يجعل كأن الأصل ملكه كمن غضب مدبرا فجاء إنسان و قتله في يد الغاصب أو غصبه من يده فضمن المالك الغاضب فإن للغاضب أن يرجع بالضمان على الغاصب و القاتل و كذا هذا في غصب أم الوالد و إن لم يملك المدبر و أم الولد لما قلنا كذا هذا .
و لو أصاب الحلال صيدا ثم أحرم فإن كان ممسكا إياه بيده فعليه إرساله ليعود به إلى الأمن الذي استحق بالإحرام فإن لم يرسله حتى هلك في يده يضمن قيمته و إن أرسله إنسان من يده ضمن له قيمته في قول أبي حنيفة و عند أبي يوسف و محمد لا يضمن .
و جه قولهما : أن الإرسال كان واجبا على المحرم حقا لله فإذا أرسله الأجنبي فقد احتسب بالإرسال فلا يضمن كما لو أخذه و هو محرم فأرسله إنسان من يده و لأبي حنيفة أنه أتلف صيدا مملوكا له فيضمن كما لو أتلف قبل الإحرام و الدليل على أن الصيد ملكه أنه أخذه و هو حلال و أخذ الصيد من الحلال سبب لثبوت الملك لقوله صلى الله عليه و سلم : [ الصيد لمن أخذه ] و اللام للملك و العارض و هو الإحرام أثره في حرمة التعرض لا في زوال الملك بعد ثبوته .
و أما قولهما : إن المرسل احتسب بالإرسال لأنه واجب فنقول : الواجب هو الإرسال على وجه يفوت يده عن الصيد أصلا و رأسا أو على وجه يزول يده الحقيقة عنه إن قالا على وجه يفوت يد أصلا و رأسا مننوع و إن قالا على وجه يزول يده الحقيقة عنه فسملم لكن ذلك يحصل بالإرسال في بيته و إن أرسله في بيته فلا شيء عليه بخلاف ما إذا اصطاده و هو محرم فأرسله غيره من يده لأن الواجب على الصائد هناك إرسال الصيد على وجه يعود إليه به الأمن الذي استحقه بإحرامه .
و في الإمساك في القفص أو في البيت لا يعود الأمن بخلاف المسألة الأولى لأن الصيد هناك ما استحق الأمن و قد أخذه و صار ملكا له و إنما يحرم عليه التعرض في حال فيجب إزالة التعرض و ذلك يحصل بزوال يده الحقيقية فلا يحرم عليه الإرسال في البيت أو في القفص و الدليل على التفرقة بينهما في الفصل الأول لو أرسله ثم وجده بعد ما حل من إحرامه في يد آخر له أن يسترده منه و في الفصل الثاني ليس له أن يسترده و إن كان الصيد في قفص معه او في بيته لا يجب إرساله عندنا .
و عند الشافعي : يجب حتى أنه لو لم يرسله فمات لا يضمن عندنا و عنده يضمن و الكلام فيه مبني على أن من أحرم و في ملكه صيد لا يزول ملكه عنه عندنا و عنده يزول .
و الصحيح قولنا : لما بينا أنه ملكا له و العارض و هو حرمة التعرض لا يوجب زوال الملك و يستوي فيما يوجب الجزاء الرجل و المرأة و المفرد و القارن غير أن القارن يلزمه جزاآن عندنا لكونه محرما بإحرامين فيصير جانيا فيلزمه كفارتان .
و عند الشافعي : لا يلزمه إلا جزاء واحد لكونه محرما بإحرام واحد و أما الذي يوجب فساد الحج فالجماع لقوله عز و جل : { فلا رفث و لا فسوق } عن ابن عباس و ابن عمر Bهما أنه الجماع و أنه مفسد للحج لما نذكر في بيان ما يفسد الحج و بيان حكمه إذا فسد إن شاء الله تعالى هذا الذي ذكرنا بيان ما يخص المحرم من المحظورات و هي محظورات الإحرام و الله أعلم