فصل : و أما بيان ما يفوت الحج بعدالشروع .
و أما بيان ما يفوت الحج بعد الشروع فيه بفواته و بيان حكمه إذا فات بعد الشروع فيه فالحج بعد الشروع فيه لا يفوت إلا بفوات الوقوف بعرفة لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ الحج عرفة ] فمن وقف بعرفة فقد تم حجه و الاستدلال به من وجهين : .
أحدهما : أنه جعل الحج الوقف بعرفة فإذا وجد فقد وجد الحج و الشيء و الشيء الواحد في زمان واحد لا يكون موجودا و فائتا .
و الثاني : أنه جعل تمام الحج الوقوف بعرفة و ليس الرماد منه تمام الذي هو ضد النقصان لأن ذلك لا يثبت بالوقف وحده فيدل أن المراد منه خروجه عن احتمال الفوات .
و قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ من أدرك عرفة بليل فقد أدرك الحج و من فاته عرفة بليل فقد فاته الحج ] جعل مدرك الوقف بعرفة مدركا للحج و المدرك لا يكون فائتا و أما حكم فواته بعد الشروع فيه فيتعلق بفواته الشروع بعد فيه أحكام : .
منها : أنه يتحلل من إحرامه بعمل العمرة و هو الطواف بالبيت و السعي بين الصفا و المروة و الحلق أو التقصير إن كان مفردا بالحج و يجب عليه ذلك لما روي الدار قطني بإسناده عن عبد الله بن عباس و عبد الله بن عمر Bهم عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من فاته عرفة بليل فققد فاته الحج فليحل بعمرة من غير دم و عليه الحج من قابل ] .
و عن عمر و زيد بن ثابت و عبد الله بن عباس Bهم أنهم قالوا فيمن فاته الحج : يحل بعمل العمرة من غير هدي و عليه الحج من قابل .
ثم اختلف أصحابنا فيما يتحلل به فائت الحج من الطواف أنه يلزمه ذلك بإحرام الحج أو بإحرام العمرة قال أبو حنيفة و محمد : بإحرام الحج و قال أبو يوسف بإحرام العمرة و ينقلب إحرامه إحرام عمرة .
و احتج بقول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث الدار قطني فليحل بعمرة سماه عمرة و لا عمرة إلا بإحرام العمرة فقد أن إحرامه ينقلب إحرام عمرة ولأن المؤدى أفعال العمرة فكانت عمرة .
و لهما : قول الصحابة Bهم : يحل بعمل العمرة أضاف العمل إلى العمرة و الشيء لا يضاف إلى نفسه هو الأصل و لأنه أحرم بالحج لا بالعمرة حقيقة لأنه مفرد بالحج و اعتبار الحقيقية أصل في الشرع فالقول بانقلاب إحرام الحج إحرام العمرة تغييرا لحقيقة من غير دليل مع أن الإحرام عقد لازم لا يحتمل الانفساخ و في الانقلاب انفساخ و هذا لا يجوز .
و الدليل على صحة ما ذكرنا أن فائت الحج لو كان من أهل مكة يتحلل بالطواف كما يتحلل أهل الآفاق و لا يلزمه الخروج إلى الحل .
و لو انقلب إحرامه إحرام عمرة و صار معتمرا للزمه الخروج إلى الحل و هو التنعيم أو غيره .
و كذا فائت الحج إذا جامع ليس عليه قضاء العمرة و لو كان عمرة لوجب عليه قضاؤه كالعمرة المبتدأة فثبت بما ذكرنا من الدلائل أن إحرامه بالحج لم ينقلب إحرام عمرة و به تبين أن المؤدى ليس أفعال العمرة بل مثل أفعال العمرة تؤدى بإحرام الحجة و الحديث محمول على عمل العمرة توفيقا بين الدليلين .
و منها : أن عليه الحج من قابل لما روينا من الحديث و قول الصحابة Bهم و لأنه إذا فاته الحج من هذه السنة بعد الشروع فيه بقي الواجب عليه على حاله فيلزمه الإتيان به و لا دم على فائت الحج عندنا .
و قال الحسن بن زياد : عليه دم و به أخذ الشافعي .
وجه قول الحسن : أنه يتحلل قبل وقت التحلل فيلزمه دم كالمحصر .
و لنا : ما روي عن جماعة من الصحابة Bهم أنهم قالوا : فيمن فاته الحج يحل بعمرة من غير هدي و كذا في حديث الدار قطني جعل النبي صلى الله عليه و سلم التحلل و الحج من قابل كل الحكم في فائت الحج بقوله : [ من فاته الوقوف بعرفة بليل فقد فاته الحج و ليحل بعمرة و عليه الحج من قابل ] فمن ادعى زيادة الدم فقد جعل الكل بعضا و هو نسخ أو تغيير فلا بد له من دليل .
و قوله : تحلل قبل الوقوف مسلم لكن بأفعال العمرة و هو فائت الحج و التحلل بأفعال العمرة من فائت الحج طواف الصدر لأنه طواف عرف وجوبه في الشرع بعد الفراغ من الحج على ما قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ من حج هذا البيت فليكن آخر عهده به الطواف ] و هذا لم يحج فلا يجب عليه و إن كان فائت الحج قارنا فإنه يطوف للعمرة و يسعى لها ثم يطوف طوافا آخر لفوات الحج و يسعى له و يحلق أو يقصر و قد بطل عنه دم القران .
أما الطواف للعمرة و العسي لها فلأن القارن محرم بعمرة و حجة و العمرة لا تفوت لأن جميع الأوقات و قتها فيأتي بها كما يأتي المدرك للحج .
و أما الطواف و السعي للحج فلأن الحجة قد فاتته في هذه السنة بعد الشروع فيها و فائت الحج بعد الشروع فيه لا يتحلل بأفعال العمرة فيطوف و يسعى و يحلق أو يقصر و أما سقوط دم القران يجب للجمع بين العمرة و الحج و لم يوجد فلا يجب و يقطع التلبية إذا أخذ في الطواف الذي يتحلل به على ما ذكرنا فيما تقدم إن كان متمتعا ساق الهدي بطل تمتعه و يصنه كما يصنع القارن لأن دم المتعة يجب للجمع بين العمرة و الحجة و لم يوجد الجمع لأن الحجة فاتته