فصل : و منها العدد .
و منها العدد فلا ينعقد النكاح بشاهد واحد لقوله A : لا نكاح إلا بشهود .
و قوله [ لا نكاح إلا بشاهدين ] و أما عدالة الشاهد فليست بشرط لانعقاد النكاح عندنا فينعقد بحضور الفاسقين و عند الشافعي : شرط و لا ينعقد إلا بحضور من ظاهره العدالة .
و احتج بما روي عن رسول الله A أنه قال : [ لا نكاح إلا بولي و شاهدي عدل و لأن الشهادة خبر يرجح فيه جانب الصدق على جانب الكذب و الرجحان لإنما يثبت بالعدالة ] .
و لنا : أن عمومات النكاح مطلقة عن شرط ثم اشتراط أصل الشهادة بصفاتها المجمع عليها ثبتت بالدليل فمن ادعى شرط العدالة فعليه البيان و لأن الفسق لا يقدح في ولاية الأنكاح بنفسه لما ذكرنا في شرائط الولاية و كذا يجوز للحاكم الحكم بشهادته في الجملة و لو حكم لا ينقض حكمه لأنه محل الاجتهاد من أهل تحمل الشهادة و الفسق لا يقدح في أهليه التحمل و إنما يقدح في الأداء فيظهر أثره في الأداء لا في الانعقاد و قد ظهر حتى لا يجب على القاضي القضاء بشهادته و لا يجوز أيضا إلا إذا تحرى القاضي الصدق في شهادته و كذا كون الشاهد غير محدود في القذف ليس بشرط الانعقاد النكاح فينعقد بحضور المحود في القذف غير أنه كان قد تاب بعدما حد ينعقد النكاح بالإجماع و إن كان لم يتب لا تقبل شهادته عندنا على التأبيد خلافا للشافعي لأن كونه مردود الشهادة على التأبيد يقدح في الأداء لا في التحمل و لأنه يصلح وليا في النكاح بولاية نفسه و يصح القبول منه نفسه و يجوز القضاء بشهادته في الجملة فينعقد النكاح بحضوره و إن حد و لم يتب و لم يحد ينعقد عندنا خلافا للشافعي و هي مسألة شهادة الفاسق .
و كذا بصر الشاهد ليس بشرط فينعقد النكاح بحضور الأعمى لما ذكرنا و لأن العمى لا يقدح إلا في الأداء لتعذر التمييز بين الشهود عليه و بين المشهود له ألا ترى أنه لا يقدح في ولاية الإنكاح و لا في قبول النكاح بنفسه و لا في المنع من جواز القضاء بشهادته في الجملة فكان من أهل ينعقد النكاح بحضوره و كذا ذكوره الشاهدين ليست بشرط عندنا و ينعقد النكاح بحضور رجل و امرأتين عندنا .
و عند الشافعي : شرط و لا ينعقد إلا بحضور رجلين و نذكر المسألة في كتاب الشهادات .
و كذا إسلام الشاهدين ليس بشرط في نكاح الكافرين فينعقد نكاح الزوجين الكافرين بشهادة كافرين و كذا تقبل شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض سواء اتفقت مللهم أو اختلفت و هذا عندنا .
و عند الشافعي : إسلام الشاهد شرط لأنه ينعقد نكاح الكافر بشهادة الكافر و لا يقبل شهادتهم أيضا و الكلام في القبول نذكره في كتاب الشهادات و نتكلم ههنا في انعقاد النكاح بشهادته .
و احتج الشافعي بالمروي عن النبي A أنه قال : [ لا نكاح إلا بولي و شاهدي عدل ] و لا عدالة مع الكفر لأن الكفر أعظم الظلم و أفحشه لا يكون الكافر عدلا فلا ينعقد النكاح بحضوره .
و لنا قوله عليه الصلاة و السلام : [ لا نكاح إلا بشهود ] و قوله : [ لا نكاح إلا بشاهدين ] و الاستثناء من النفي من حيث الظاهر و الكفر لا يمنع كونه شاهدا لما ذكرنا و كذا لا يمنع أن يكون وليا في االنكاح بولاية نفسه و لا قابلا للعقد بنفسه و لا جواز للقضاء بشهادته في الجملة و كذا كون شاهد النكاح مقبول الشهادة عليه ليس بشرط لانعقاد النكاح بحضوره و ينعقد النكاح بحضوره من لا تقبل شهادته عليه أصلا كما إذا تزوج امرأة ابنيه منها و هذا عندنا .
و عند الشافعي : لا ينعقد .
وجه قوله : أن الشهادة في باب النكاح للحاجة إلى صيانته عن الجحود و الإنكار و الصيانة لا تحصل إلا بالقبول فإذا لم يكن مقبول الشهادة لا تحصل الصيانة .
و لنا : أن الاشتهار في النكاح لدفع تهمه الزنا لا لصيانة العقد عن الجحود و الإنكار و التهمة تندفع بالحضور من غير قبول على أن معنى الصيانة يحصل بسبب حضورهما و إن كان لا تقبل شهادتهما لأن النكاح يظهر و يشتهر بحضورهما فإذا ظهر و اشتهر نقبل الشهادة فيه بالتسامع فتحصل الصيانة .
و كذا إذا تزوج امرأة بشهادة ابنيه لا منها أو ابنيها لا منه يجوز لما قلنا ثم وقوع الحجر و الإنكار ينظر إنوقعت شهادتها لواحد من الأبوين لا تقبل و إن وقعت عليه تقبل لأن شهادة الابن الأبويه غير مقبولة و شهادتهما عليه مقبولة و لو زوج الأب ابنته من رجل بشهادة ابنيه و هما أخوا المرأة فلا يشك أنه يجوز النكاح ن و إذا وقع الجحود بين الزوجين فإن كان الأب مع الجاحد منهما أيهما كان يقبل شهادتهما لأن هذه شهادة على الأب مع المدعي منهما أيهما كان لا تقبل شهادتهما عند أبي يوسف و عند محمد : تقبل .
فأبو يوسف نظر إلى الدعوى والإنكار فقال : إذا كان الأب مع المنكر فشهادتهما تقع على الأب فتقبل و إذا كان مع المدعي فشهادتهما تقع للأب فأبو يوسف نظر إلى الدعوى و الإنكار فقال : إذا كان الأب مع المنكر فشهادتهما تقع على الأب فتقبل و إذا كان مع المدعي فشهادتهما تقع للأب لأن التزويج كان من الأب فلا تقبل و محمد نظر إلى المنفعة و عدم المنفعة فقال : إن كان لأب منفعة لا تقبل سواء كان مدعيا أو منكرا و إن لم يكن له منفعة تقبل و ههنا لا منفعة للأب فتقبل و الصيحيح نظر محمد لأن المانع من القبول هو التهمة و إنها تنشأ عن النفع .
و كذلك هذا الاختلاف فيما إذا قال رجل لعبده : إن كلمك زيد فأنت حر ثم قال العبد : كلمني زيد و أنكر المولى فشهد للعبد ابنا زيد أن أباهما قد كلمه و المولى ينكر تقبل شهادتهما في قول محمد سواء كان زيد يدعى الكلام أو لا يدعى لأنه لا منفعة لزيد في الكلام .
و عند أبي يوسف : إن كان زيد يدعى الكلام لا تقبل و إن كان لا يدعى تقبل و كذلك هذا الاختلاف فيمن توكل عن غيره في عقد ثم شهد ابنا الوكيل على العقد فإن كان حقوق العقد لا ترجع إلى العاقد تقبل شهادتهما عند محمد سواء ادعى الوكيل أو لم يدع لأنه ليس فيه منفعة و عند أبي يوسف : إن كان يدعي لا تقبل و إن كان منكرا تقبل