جائز بين أهل الذمة .
فصل : ثم كل نكاح جاز بين المسلمين و هو الذي بين المسملمين و هو الذي استجمع شرائط الجواز التي وصفناها فهو جائز بين أهل الذمة و أما ما فسد بين المسلمين من الأنكحة فإنها منقسمة في حقهم منها ما يصح و منها ما يفسد و هذا قول أصحابنا الثلاثة و قال زفر كل نكاح فسد في حق المسلمين فسد في حق أهل الذمة حتى لو ظهروا النكاح بغير شهود يعترض عليهم و يحملون على أحكامنا و إن لم يرفعوا إلينا و كذا إذا أسلموا يفرق بينهما عنده و عندنا لا يفرق بينهما و إن تحاكما إلينا أو أسلما بل يقران عليه .
وجه قولهم : أنهم لما قبلوا عقد الذمة فقد التزموا أحكامنا و رضوا بها و من أحكامنا أنه لا يجوز النكاح بغير شهود و لهذا لم يجز نكاحهم المحارم في حكم الإسلام و لأن تحريم النكاح بغير شهود في شريعتنا ثبت بخطاب الشرع على سبيل العموم بقوله A : [ لا نكاح إلا بشهود ] و الكفار مخاطبون بشرائع هي حرمات في الصحيح من الأقوال فكانت حرمة النكاح بغيرشهود ثابتة في حقهم .
و لنا : أنهم كانوا يتدينون النكاح بغير شهود و الكلام فيه و نحن أمرنا بتركهم و ما يدينون إلا ما استثنى من عقودهم كالزنا و هذا غير مستثنى منها في حقهم كما يصح منهم تملك الخمر و الخنزير و تمليكها فلا يعترض عليهم كما لا يعترض في الخمر و الخنزير و لأن الشهادة ليست بشرط بقاء النكاح على الصحة بدليل أنه لا يبطل فلا يموت الشهود فلا يجوز أن يكون شرط ابتداء العقد في الكافر لأن في الشهادة معنى عبادة قال الله تعالى : { و أقيموا الشهادة لله } فلا يؤاخذ الكافر بمراعاة هذاالشرط في العقد و لأن نصوص الكتاب العزيز مطلقة عن شرط الشهادة والتقيد بالشهادة في اللنكاح المسلم ثبت بدليل فمن ادعى التقييد بها في حق الكافر يحتاج إلى الدليل .
و أما قوله : انهم بالذمة التزموا أحكام الإسلام فنعم لكن جوازأنكحتم بغيرشهود من أحكام الإسلام و قوله تحريم النكاح بغير شهود عام ممنوع بل هو خاص في حق المسلمين لوجود المخصص لأهل الذمة و هو عمومات المتاب و لو تزوج ذمي الذمية في عدة من ذمي جاز المكاح في قول أبي حنيفة و هذا والنكاح بغير شهود سواء عندنا حتى لا يتعرض عليهما بالتفريق و إن ترافعا إلينا و لو سلمنا يقران على ذلك و قال أبي يوسف و محمد و زفر و الشافعي : النكاح فاسد يفرق بينهما .
وجه قولهم على نحو ما ذكرنا زفر في النكاح بغير شهود و هو أنهم بقبول الذمة التزموا أحكامنا و من أحكامنا المجمع إليها فساد النكاح المعتدة و لأن الخطاب بتحريم نكاح المعتدة عام قال تعالى : { و لا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } و الكفار مخابطون بالحرمات و كلام أبي حنيفة على نحو ما تقدم أيضا لأن في دياناتهم عدم وجوب العدة و الكلام فيه فلم يكن هذا نكاح المعتدة في اعتقادهم و نحن أمرنا بتركهوم و ما يدينون .
و كذا عمومات النكاح في الكتاب العزيز و السنة مطلقة عن هذه الشريطة أعني الخلو عن العدة و إنما عرف شرطا في نكاح المسلمين بإجماع و قوله D : { و لا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } خطاب للمسلمين أو يحمل علبيه عملا بالدلائل كلها صيانة لها عن التناقض و لأن العدة فيها معنى العبادة و هي حق الزوج أيضا من وجه قال الله تعالى : { فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } فمن حيث هي عبادة لا يمكن إيجابها على الكافرة لأن الكفار لا يخاطبون بشرائع هي عبدات أو قربات و كذا من حيث هي حق الزوج لأن الكافر لا يعتقده حقا لنفسه بخلاف المسلم إذا تزوج كتابية في عدة من مسلم أنه لا يجوز لأن المسلم يعتقد حقا واجبا فيمكن الإيجاب لحقه إن كان لا يمكن لحق الله تعالى من حيث هي عبادة و لهذا قلنا إنه ليس للزوج المسلم أن يجبر امرأته الكافرة على الغسل من الجناية و الحيض و النفاس لأن الغسل من باب القرية و هي ليست مخاطبة بالقربات و له أن يمنعها من الخروج من البيت لأن الإسكان حقه .
و أما نكاح المحارم و الجمع بين خمس نسوة و الجمع بين الأختين فقد ذكر الكرخي أن ذلك كله فاسد في حكم الإسلام بالإجماع لأن فساد هذه الأنكحة في حق المسلمين ثبت لفساد القطيعة الرحم و خوف الجور في قضاء الحقوق من النفقة و السكنى و الكسوة و غير ذلك و هذا معنى لا يوجب الفصل بين المسلم و الكافر إلا أنه مع الحرمة و السفاد لا يتعرض لهم قبل المرافعة و قبل الإسلام و لأنهم دانوا ذلك و نحن أمرنا أن نتركهم وما يدينون كما لا يتعرض لهم في عبادة غير الله تعالى و إن كانت محرمة .
و إذا ترافعا إلى القاضي فالقاضي يفرق بينهما كما يفرق بعد الإسلام لأنهما إذا ترافعا فقد تركا ما داناه و رضيا بحكم الإسلام و لقوله تعالى : { فإن جاؤوك فاحكم بينهم } .
و أما إذا لم يترافعا و لم يوجد الإسلام أيضا فقد قال أبي حنيفة و محمد : إنهما يقران على نكاحهما و لا يتعرض عليهما بالتفريق .
و قال أبي يوسف : يفرق بينهما الحاكم إذا علم ذلك سواء ترافعا إلينا أو لم يترافعا و له رفع أحدهما دون الآخر قال قال أبي حنيفة لا يعترض عليهما ما لم يترافعا جميعا و قال محمد : إذا رفع أحدهما يفرق بينهما .
أما الكلام في المسألة الأولى فوجه قول أبي يوسف ظاهر قوله تعالى : { و أن احكم بينهم بما أنزل الله و لا تتبع أهواءهم } أمر رسول الله A أن يحكم بينهم بما أنزله مطلقا عن شرط المرافعة و قد أنزل سبحانه و تعالى حرمة هذه الأنكحة فيلزم الحكم بها مطلقا و لأن الأصل في الشرائع هو العموم في حق الناس كافة إلا أنه تعذر تنفيذها في دار الحرب لعدم الولاية و أمكن في دار الإسلام فيلزم التنفيذ فيها و كان النكاح فاسدا و النكاح الفاسد زنا من وجه فلا يمكنون منه و كما لا يمكنون من الزنا في دار الإسلام و لأبي حنيفة و محمد قوله تعالى : { فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم } و الآية حجة له في المسألتين جميعا أما في المسألة الأولى فلأنه شرط االمجيء للحكم عليهم و أثبت سبحانه و تعالى التخيير بين الحكم و الإعراض إلا أنه قام الدليل على نسخ التخيير و لا دليل على نسخ شرط المجيء فكان حكم الشرط باقيا و يحمل المطلق على المقيد لتعذر العمل بهما و إمكان جعل المقيد بيانا للمطلق .
و أما في المسألة الثانية فلأنه سبحانه و تعالى شرط مجيئهم للحكم عليهم فإذا جاء أحدهما دون الآخر فلم يوجد الشرط و هو مجيئهم فلا يحكم بينهم و روي أن رسول الله A كتب إلى مجوس هجر : [ إما أن تذروا الربا أو تأذنوا بحرب من الله و رسوله ] و لم يكتب إليهم في أنكحتهم شيئا و لو كان التفريق مستحقا قبل المرافلعة لكتب به كما كتب بترك الربا .
و روي أن المسلمين لما فتحوا بلاد فارس لم يتعرضوا لأنكحتهم و ما روي أن عمر Bه : [ كتب أن يفرق بينهم و بين أمهاتهم ] لا يكاد يثبت لأنه لو ثبت النقل على طريق الاستفاضة لتوفر الدواعي إلى نقلها فلما لم ينقل دل أنه لم يثبت أو يحمل على أنه كتب ثم رجع عنه و لم يعمل به و لأن ترك التعرض و الإعراض ثبت حقا لهما فإذا رفع أحدهما فقد أسقط حق نفسه فبقي حق الآخر .
وجه قول محمد : أنه لما رفع أحدهما فقد رضي بحكم الإسلام فيلزم إجراء حكم الإسلام في حقه فيعتدى إلى الآخر كما إذا أسلم أحدهما إلا أن أبي حنيفة يقول الرضا الحكم ليس نظير افسلام بدليل أنه لو رضي ثم رجع عنه قبل الحكم عليه لم يلزمه بحكم افسلام و بعدما أسلم لا يمكنه أن يأبى الرضا بأحكام الإسلام و إذا لم يكن ذلك أمرا ضروريا فلا يعتدى غيره و جعل رضاه في حق الغير كالعدم بخلاف الإسلام و ذكر القاضي الإمام أبو زيد أن نكاح الإحرام صحيح فيما بينهم في قول أبي حنيفة بدليل أن الذمي إذا تزوج بمحارمه و دخل بها لم يسقط إحصانه عنده حتى لوقذفه إنسان بالزنا بعدما أسلم بحد قاذفه عنده و لو كان النكاح فاسدا لسقط إحصانه لأن الدخول في النكاح الفاسد يسقط الإحصان كما في سار الأنكحة الفاسدة و كذلك لو ترفعا إلينا فطلبت المرأة المنفعة فإن القاضي يقتضي بالنفقة في قول أبي حنيفة فدل أن نكاح المحارم وقع صحيحا فيما بينهم في حكم الإسلام .
واتفقوغا على أنه لو تزودج حربي أختين في عقدة واحدة أو على التعاقب ثم فارق إحداهما قبل الإسلام ثم أسلم أن النكاح الباقية صحيح و معلوم أن الباقي غير الثابت و لو وقع نكاحها فاسدا حال وقوعه لما أقر عليه بعد الإسلام .
و كذلك لو تزوج خمسا في عقد متفرقة ثم فارق الأولى منهن ثم أسلم بقي نكاح الأربع على الصحة و لو وقع فاسدا من الأصل لما انقلب صحيحا بالإسلام بل أن يتأكد الفساد فثبت أن هذه الأنكحة وقعت صحيحة في حقهم الإسلام ثم يفرق بينهما بعد الإسلام لا صحة لها في حق المسلمين .
و لو طلق الذمي امرأته ثلاثا أو خلاعها ثم قام عليها كقيامة عليها قبل الطلاق يفرق بينهما و إن لم يترافعا لأن العقد قد بطل بالطلقات الثلاث و بالخلع لأنه يدين بذلك فكان إقراره على قيامه عليها إقرارا على الزنا و هذا لا يجوز : و لو تزوج ذمي الذمية على أن لا مهر لها و ذلك في دينهم جائز صح ذلك و لا شيء لها في قول أبي حنيفة سواء دخل بها أو لم يدخل بها طلقها أو مات عنها أسلما أو أسلم أحدهما .
و عند أبي يوسف و محمد : لها مهر مثلها ثم إن طلقها بعد الدخول أو بعد الخلوة بها أو مات عنها تأكد ذلك و إن طلقها قبل الدخول بها أو قبل الخلوة سقط مهر المثل و لها المتعة كالمسلمة و لو تزوج حربي حربية في دار الحرب على أن لا مهر لها جاز ذلك و لا شيء لها في قولهم جميعا و الكلام في الجانبين علىنحو ما ذكرنا في المسائل المتقدمة هما يقولان إن حكم الإسلام قد لزم الزوجين الذميين لالتزامهما أحكامنا و من أحكامنا أنه لا يجوز النكاح من غير مال بخلاف الحربيين لأنهما ما التزما أحكامنا و أبي حنيفة يقول : إن في ديانتهم جواز النكاح بلا مهر و نجن امرنا بأن نتركهم و ما يدينون إلا فيما وقع الاستثناء في عقودهم كالربا و هذا لم يقع الاستثناء عنه فلا نعترض لهم و يكون جائزا في حقهم في حكم الإسلام كما يجوز لهم في حكم الإسلام تملك الخمور و الخنازير و تمليكها هذا إذا تزوجها و بقي المهر فأما إذا تزوجها و سكت عن تسميته بان تزوجها و لم يسم لها مهرا فلها مهر المثل في ظاهر رواية الأصل فإنه ذكر في الأصل أن الذمي ذمية بميتة أو دم أو بغير شيء أن النكاح و لها مهر مثلها .
فظاهر قوله : أو بغير شيء يشعر بالسكوت عن التسمية لا بالنفي فيدل على وجوب مهر المثل حال السكوت عن التسمية ففرق أبو حنيفة بين السكوت و بين النفي .
و حكي عن الكرخي أنه قال : قياس قول أبي حنيفة لا فرق بين حالة السكوت و بين النفي و وجهه أنه لما جاز النكاح في ديانتهم بمهر و بغير مهر لم يكن في نفس العقد ما يدل على التزام المهر فلا بد لوجوبه من دليل و هو التسمية و لم توجد فلا يجب بخلاف نكاح المسلمين لأنه لا جواز بدون المهر فكان ذلك العقد التزاما للمهر .
و وجه الفرق بين السكوت و بين النفي على ظاهر الرواية : أنه لما سكت عن تسمية المهر لم تعرف ديانته النكاح بلا مهر فيجعل إقدامه على النكاح إلتزاما للمهر كما في حق المسلمين و إذا نفى المهر نصا دل أنه يدين النكاح و يعتقده جائزا بلا مهر فلا يلزمه حكم نكاح أهل الإسلام بل يترك و ما يدينه فهو الفرق ثم ما صلح مهرا في نكاح المسلمين فإنه يصلح مهرا في نكاح أهل الذمة لا شك فيه لأنه لما جاز نكاحها عليه كان نكاحهم عليه أجوز و ما لا يصلح مهرا في نكاحخ المسلمين لا يصلح مهرا في نكاحهم أيضا إلا الخمر و الخنزير لأن ذلك مال متقوم في حقهم بمنزلة الشاة و الخل في حق المسلمين فيجوز أن يكون مهرا في حقهم في حكم الإسلام فإن تزوج ذمي ذمية على خمر أو خنزير ثم أسلما أو أسلم أحدهما فإن كان الخمر و الخنزير بعينه و لم يقبض فليس لها إلا العين و إن كان بغير عينه بأن كان في الذمة فلها في الخمر القيمة و في الخنزير مهر مثلها و هو قول أبي حنيفة و قال أبي يوسف : لها مهر مثلها سواء كان بعينه أو بغير عينه و قال محمد : لها القيمة سواء كان بعينه أو بغير عينه و لا خلاف في أن الخمر و الخنزير إذا كان دينا في الذمة ليس لها غير ذلك .
و جه قولهما : في أنه لا يجوز أن يكون لها العين أن الملك في العين و إن ثبت لها قبل الإسلام لكن في القبض معنى التمليك لأنه مؤكد للملك لأن ملكها قبل القبض واه غير متأكد ألا ترى أنه لو هلك عند الزوج كان الهلاك عليه كذا لو تعيب و بعد القبض كان ذلك كله عليها فثبت أن الملك قبل القبض غير متأكد فكان القبض مؤكد للملك و التأكيد إثبات من وجه فكان القبض تمليكا من وجه و المسلم منهي عن ذلك و لهذا لو اشترى ذمي من ذمي خمرا ثم أسلما أو أسلم أحدهما قبل القبض ينتقض البيع و أبي حنيفة أن المرأة تملك المهر قبل القبض ملكا تاما إذ الملك نوعان ملك رقبة و ملك يد و هو ملك التصرف و لا شك أن ملك الرقبة ثابت لها قبل القبض و كذلك ملك التصرف لأنها تملك التصرف في المهر قبل القبض من كل وجه فلم يبق إلا صورة القبض و المسلم غير منهي عن صورة قبض الخمر و الخنزير و إقباضهما كما إذا غصب مسلم من مسلم خمرا أن الغاضب يكون مأمورا بالتسليم و المغصوب منه يكون مأذونا له في القبض و كذا الذمي إذا غصب منه الخمر ثم أسلم و كمسلم أودعه الذمي خمرا ثم أسلم الذمي أن له أن يأخذ الخمر من المودع يبقى هذا القدر و هو أنه دخل المهر في ضمانها بالقبض لكن هذا لا يوجب ثبوت ملك لها لما ذكرنا أن ملكها تام قبل القبض مع ما أن دخوله في ضمانها أمر عليها فكيف يكون ملكا لها بخلاف المبيع فإن ملك الرقبة و إن كان ثابتا قبل القبض فملك التصرف لم يثبت بالقبض و فيه معنى التمليك و التملك و الإسلام يمنع منذ لك هذا إذا كانا عينين فإن كان دينين فليس لها إلا العين بالإجماع لأن الملك في هذه العين التي تأخذها ما كان ثابتا لها بالعقد بل كان ثابتا في الدين في الذمة و إنما يثبت الملك في هذا المعين بالقبض و القبض تملك من وجه و المسلم ممنوع من ذلك .
وجه قول أبي يوسف : أن الكلام لما منع القبض و القبض حكم العقد جعل كأن المنع كان ثابتا وقت العقد فيصار إلى مهر المثل كما لو كانا عند العقد مسلمين .
وجه قول محمد : أن العقد وقع صحيحا و التسمية في العقد قد صحت إلا أنه تعذر التسليم بسبب الإسلام لما في التسليم من التمليك من وجه على ما بيننا و المسلم ممنوع من ذلك فيوجب القيمة كما لهو هلك المسمى قبل القبض و أبو حنيفة يوجب القيمة في الخمر لما قاله محمد و هو القياس في الخنزير أيضا إلا أنه استحسن في الخنزير أيضا و أوجب مهر المثل لأن الخنزير حيوان و من تزوج امرأة على حيوان في الذمة يخير بين تسلميه و بين تسليم قيمة الوسط منه بل القيمة هي الأصل في التسليم لأن الوسط يعرف بها على ما ذكرنا فيما تقدم فكان إيفاء قيمة الخنزير بعد الإسلام حكم إيفاء الخنزير من وجه و لا سبيل إلى إيفاء العين بعد الإسلام فلا سبيل إلى إيفاء القيمة بخلاف الخمر لأن قيمتها لم تكن واجبة قبل الإسلام .
ألا ترى أنه لو جاء الزوج بالقيمة لا تجبر المرأة على القبول فلم يكن لبقائها بقاء الخمر من وجه لذلك افترقا هذا كله إذا لم يكن المهر مقبوضا قبل الإسلام فإن كان مقبوضا فلا شيء للمراة لأن الإسلام متى ورد و الحرام مقبوض يلاقيه بالعفو لأن الملك قد ثبت على سبيل الكمال بالعقد و القبض في حال الكفر فلا يثبت بعد الإسلام ملك و إنما يوجد دوام الملك و الإسلام لا ينافيه كمسملم تخمر عصيره أنه لا يؤمر بإبطال ملكه فيها و كما في نزول تحريم الربا .
و روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لما دخل مكة أبطل من الربا ما لم يقبض ] و لم يعترض A لما قبض بالفسخ و هو أحد تأويلات قوله D : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين } أمر سبحانه بترك ما بقي من الربا و الأمر بترك ما بقي من الربا هو النهي عن قبضه و الله D الموفق .
و لو تزوجها على ميتة أو دم ذكر في الأصل أن لها مهر مثلها و ذكر في الجامع الصغير أنه لا شيء لها منهم و وفق بين الروايتين فحمل ما ذكره في الأصل على الذميين و ما ذكره في الجامع على الحربيين و منهم من جعل في المسألة روايتين وجه رواية الأصل أنه لما تزوجها على الميتة و الدم فلم يرض باستحقاق بضعها إلا ببدل و قد تعذر استحقاق المسمى لأنه ليس بمال في حق أحد فكان لها مهر المثل كالمسملة .
وجه رواية الجامع الصغير أنها لما رضيت بالميتة مع أنها ليست بمال كان ذلك منها دلالة الرضا باستحقاق بضعها بغير عوض أصلا كما إذا تزوجها على أن لا مهر لها و الله D أعلم