خلو الزوج عما سوى العيوب الخمسة .
فصل : و أما خلو الزوج عما سوى هذه العيوب الخمسة من الجب و العنة و التأخذ و الخصاء و الخنوثة فهل هو شرط لزوم النكاح قال أبو حنيفة و أبو يوسف : ليس بشرط و لا يفسخ النكاح به .
و قال محمد : خلوه من كل عيب لا يمكنها المقام معه إلا بضرر كالجنون و الجذام و البرص شرط لزوم النكاح حتى يفسخ به النكاح و خلوه عما سوى ذلك ليس بشرط و هو مذهب الشافعي .
وجه قول محمد : أن الخيار في العيوب الخمسة إنما ثبت لدفعه الضرر عن المرأة و هذه العيوب في إلحاق الضرر بها فوق تلك لأنها من الأدواء المعتدية عادة فلما ثبت بتلك فلأن يثبت بهذه أولى بخلاف ما إذا كانت هذه العيوب في جانب المرأة لأن الزوج و إن كان يتضرر بها لكن يمكنه دفع الضرر عن نفسه بالطلاق فإن الطلاق بيده و المرأة لا يمكنها ذلك لأنها لا تملك الطلاق فتعين الفسخ طريقا لدفع الضرر .
و لهما : أن الخيار في تلك العيوب ثبت لدفع ضرر فوات حقها المستحق بالعقد و هو الوطء مرة واحدة و هذا الحق لم يفت بهذه العيوب لأن الوطء يتحقق من الزوج مع هذه العيوب فلا يثبت الخيار هذا في جانب الزوج .
و أما في جانب المرأة فخلوها عن العيب ليس بشرط للزوم النكاح بلا خلاف بين أصحابنا حتى لا يفسخ النكاح بشيء من العيوب الموجود فيها .
و قال الشافعي : خلو المرأة عن خمسة عيوب بها شرط اللزوم و يفسخ النكاح بها و هي الجنون و الجذام و البرص و الرتق و القرن .
و احتج بما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ فر من المجذوم فرارك من الأسد ] و الفسخ طريق الفرار و لو لزم النكاح لما أمر بالفرار و روي أنه صلى الله عليه و سلم : [ تزوج امرأة فوجد امرأة بياضا في كشحها فردها و قال لها الحقي بأهلك ] و لو وقع النكاح لازما لما رد لأن مصالح النكاح لا تقوم مع هذه العيوب أن تختل بها لأن بعضها مما ينفر عنها الطباع السليمة و هو الجذام و الجنون و البرص فلا تحصل الموافقة فلا تقوم المصالح أو تختل و بعضها مما يمنع من الوطء و هو الرتق و القرن و عامة مصالح النكاح يقف حصولها على الوطء فإن العفة عن الزنا السكن و الولد لا يحصل إلا بالوطء و لهذا يثبت الخيار في العيوب الأربعة كذا ههنا .
و لنا : أن النكاح لا يفسخ بسائر العيوب فلا يفسخ بهذه العيوب أيضا لأن المعنى يجمعها و هو أن العيب لا يفوت ما هو حكم هذا العقد من جانب المرأة و هو الأزدواج الحكمي و ملك الاستماع و إنما يختل و يفوت به بعض ثمرات العقد و فوات جميع ثمرات هذا العقد لا يوجب حق الفسخ بأن مات أحد الزوجين عقيب العقد حتى يجب عليه كمال المهر ففوات بعضها أولى و هذا الأن الحكم الأصلي للنكاح هو الازدواج الحكمي و ملك الاستمتاع شرع مؤكدا له و المهر يقابل إحداث هذا الملك و بالفسخ لا يظهر أن إحداث الملك لم يكن فلا يرتفع ما يقابل و هو المهر فلا يجوز الفسخ و لا شك أن هذه العيوب لا تمنع من الاستمتاع أما الجنون و الجذام و البرص فلا يشكل و كذلك الرتق و القرن لأن اللحم يقطع و القرن يكسر فيمكن الاستمتاع بواسطة لهذا المعنى لم يفسخ بسائر العيوب كذا هذا .
و أما الحديث الأول : فنقول بموجب إنه يجب الاجتناب عنه و الفرار يمكن بالطلاق لا بالفسخ و ليس فيه تعيين طريق الاجتناب و الفرار .
و أما الثاني : فالصحيح من الرواية أنه قال لها الحقي بأهلك و هذا من كنايات الطلاق عندنا و الكلام في الفسخ و الرد المذكور فيه قول الراوي يكون حجه أو نحمله على الرد بالطلاق عملا بالدلائل صيانة لها عن التناقض و الله تعالى الموفق و خلو النكاح من خيار الرؤية ليس بشرط للزوج للزوم النكاح حتى لو تزوج المرأة و لم يرها لا خيار له إذا رآها بخلاف البيع و كذا خلوه عن خيار الشرط سواء جعل الخيار للزوج أو للمرأة أو لهما ثلاثة أيام أو أقل أكثر حتى لو تزوج بشرط الخيار بطل الشرط و جاز النكاح .
فصل : و أما الثاني فشرط بقاء النكاح لازما نوعان : نوع يتعلق بالزوج نكاح زوجته و نوع يتعلق بالمولى في نكاح أمته أما الذي يتعلق بالزوج في نكاح زوجته فعدم تمليكه الطلاق منها أو من غيرها بأن يقول لامرأته اختاري أو أمرك بيدك ينوي الطلاق أو طلقي نفسك و أنت طالق إن شئت أو يقول لرجل طلق امرأتي إن شئت كذا عدم التطليق بشرط و الإضافة و هذا معنى عدم بقاء النكاح لازما .
و أما الذي يتعلق بالمولى في نكاح أمته فهو أن لا يعتق أمته المنكوحة حتى لو أعتقها لا يبقى العقد لازما و كان لها الخيار و هو المسمى بخيار العتاقة و الكلام فيه في مواضع : في بيان شرط ثبوت هذا الخيار و في بيان وقت ثبوته و في بيان ما يبطل به .
أما الأول فلثبوت هذا الخيار شرائط : منها وجود النكاح وقت الإعتاق حتى لو أعتقها ثم زوجها من إنسان فلا خيار لها لانعدام النكاح وقت الإعتاق و لو أعتقها ثم زوجها و هي صغيرة فلها خيار البلوغ لا خيار العتق لما قلنا .
و منها : أن يكون التزويج نافذا حتى لو زوجت الأمة نفسها من إنسان بغير إذن مولاها ثم أعتقها المولى فلا خيار لها و أما كون الزوج رقيقا وقت الإعتاق فهل هو شرط ثبوت الخيار لها .
قال أصحابنا : ليس بشرط و ثبت الخيار لها سواء كان زوجا حرا أو عبدا و قال الشافعي شرط لا خيار لها إذا كان زوجها حرا .
و احتج بما روى عن عائشة Bها أنها قالت : [ زوج بريرة كان عبدا فخيرها رسول الله صلى الله عليه و سلم ] و لو كان حرا ما خيرها و هذا نص في الباب و الظاهر أنها إنما قالت ذلك سماعا من رسول الله صلى الله عليه و سلم و لأن الخيار في العبد إنما ثبت لدفع الضرر و هو ضرر عدم الكفاءة و ضرر لزوم نفقة الأولاد و ضرر نقصان المعاشرة لكون العبد مشغولا بخدمة المولى و شيء من ذلك لم يوجد في الحر فلا يثبت الخيار .
و لنا : [ ما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال لبربرة حين اعتقت ملكت بضعك فاختاري ] و روي ملكت أمرك و روي ملكت نفسك و الاستدلال به من وجهين : أحدهما : بنصه و و الآخر بعلة النص .
أما الأول : فهو أنه خيرها رسول الله صلى الله عليه و سلم حين أعتقت و قد روى أن زوجها كان حرا فإن قيل روينا عن عائشة Bها أن زوجها كان عبدا فتعارضت الروايتان فسقط الاحتجاج بهما .
فالجواب ما روينا مثبت الحرية و ما رويتم مبق للرق و المثبت أولى لأن البقاء قد يكون باستصحاب الحال و الثبوت يكون بناء على الدليل لا محالة فمن قال كان عبدا احتمل أنها اعتمد استصحاب الحال و من قال كان حرا بني الأمر على الدليل لا محالة فصار كالمزكيين جرح أحدهما شاهدا و الآخر زكاه أنه يؤخذ بقول الجارح لما قلنا ـ كذا هذا ـ و لأن ما روينا موافق للقياس و ما رويتم مخالف له لما نذكره إن شاء الله تعالى فالموقف للقياس أولى .
و أما الثاني : فهو أن النبي صلى الله عليه و سلم جعل ملكها بضعها أو أمرها أو نفسها علة لثبوت الخيار لها لأنه أخبر أنها ملكت بضعها ثم أعقبه بإثبات الخيار لها بحرف التعقيب و ملكها نفسها مؤثر في رفع الولاية في الجملة لأن الملك اختصاص و لا اختصاص مع ولاية الغير و الحكم إذا ذكر عقيب وصف له أثر في الجملة في جنس ذلك الحكم في الشرع كان ذلك تعليقا لذلك الحكم بذلك الوصف في أصول الشرع كما في قوله تعالى : { السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما } و قوله عز و جل : { الزانية و الزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } و كما [ روي : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سها فسجد ] .
و روى أنى ماعزا زنا فرجم و نحو ذلك و الحكم يتعمم بعموم العلة و لا يتخصص بخصوص المحل كما في سائر العلل الشرعية و العقلية و زوج و إن كان عبدا لكن النبي صلى الله عليه و سلم لما بنى الخيار فيه على معنى عام و هو ملك البضع يعتبر عموم المعنى لا خصوص المحل و الله الموفق .
و لأن بالإعتاق يزداد ملك النكاح عليها لأنه يملك عليها عقدة زائدة لم يكن يملكها قبل الإعتاق بناء على أن الطلاق بالبناء على أصل أصحابنا و المسألة فريعة ذلك الأصل .
و لها : أن لا ترضى بالزيادة لأنها تتضرر بها و لها ولاية رفع الضرر من نفسها لا يمكنها رفع الزيادة إلا برفع أصل النكاح فبقيت لها ولاية رفع النكاح و فسخه ضرورة رفع الزيادة و قد خرج الجواب عن قوله إنه لا ضرر فيه لما بينا من وجه الضرر و لأنه لو لم يثبت لها الخيار و بقي النكاح لازما لأدى ذلك إلى أن يستوفي الزوج منافع بضع حرة جبرا ببدل استحقه غيرها بالعقد و هذا لا يجوز كما لو كان الزوج عبدا و لأن القول ببقاء هذالا النكاح لازما يؤدي إلى استيفاء منافع الحرة من غير بدل تستحقه الحرة و هذا لا يجوز لأنها ترضى باستيفاء منافع بضعها إلا ببدل تستحقه هي فلو لم يثبت الخيار لها لصار الزوج مستوفيا منافع بضعها و هي حرة جبرا عليها من غير رضاها ببدل استحقه مولاها و هذا لا يجوز لهذا المعنى ثبت لها الخيار إذا كان زوجها عبدا كذا إذا كان حرا و كذا اختلف في أن كونها رقيقة وقت النكاح هل هو شرط أم لا ؟ .
قال أبو يوسف : ليس بشرط و يثبت لها الخيار سواء كانت رقيقة وقت النكاح فأعتقها المولى أو كانت حرة وقت النكاح ثم طرأ عليها الرق فأعتقها حتى أن الحربية إذا تزوجت في دار الحرب ثم سبيا معا ثم أعتقت فلها الخيار عنده و قال محمد : هو شرط و لا خيار لها و كذا المسملة إذا تزوجت مسلما ثم ارتدا و لحقا بدار الحرب ثم سبيت و زوجها معها فأسلما ثم أعتقت الأمة فهو على هذا اختلاف .
فمحمد فرق بين الرق الطارئ على النكاح و بين المقارن إياه و أبو يوسف سوى بينهما وجه الفرق لمحمد أنها إذا كانت رقيقة وقت النكاح فالنكاح ينعقد موجبا للخيار عند الإعتاق و إذا كانت حرة فنكاح الحرة لا ينعقد موجبا فلا يثبت الخيار بطريان الرق بعد ذلك لأنه لا يوجب خللا في الرضا و لأبي يوسف أن الخيار يثبت بالإعتاق لأن زيادة الملك تثبت به لأنها توجب العتق و العتق موجب الإعتاق ولا يثبت بالنكاح لأن النكاح السابق ما انعقد موجبا للزيادة لأنه صادف الأمة و نكاح الأمة لا يوجب زيادة الملك فالحاصل أن أبي يوسف يجعل زيادة الملك حكم الإعتاق و محمد يجعلها حمكم العقد السابق عند وجود الإعتاق .
و على هذا الأصل يخرج قول أبي يوسف أن خيار العتق يثبت مرة بعد أخرى و قول محمد إنه لا يثبت إلا مرة واحدة حتى لو أعتقت الأمة فاختارت زوجها ثم ارتد الزوجان معا ثم سبين و زوجها معها فأعتقت فلها أن تختار نفسها عند أبي يوسف و عند محمد ليس لها ذلك لأن عند أبي يوسف الخيار ثبت بالإعتاق و قد تكرر الإعتاق فيتكرر الخيار و عند محمد يثبت بالعقد و أنه لم يتكرر فلا يثبت إلا خيار واحد