وقت ثبوته و ما يبطل به الخيار .
فصل : و أما ما يبطل به فهذا الخيار يبطل بالإبطال نصا و دلالة من قول أو فعل يدل على الرضا بالنكاح على ما بينا في خيار الإدراك و يبطل بالقيام عن المجلس لأنه دليل الإعراض كخيار المخيرة و لا يبطل بالسكوت بل يمتد إلى آخر المجلس إذا لم يوجد منها دليل الإعراض كخيار لأن السكوت يحتمل أن يكون لرضاها بالمقام معه و يحتمل أن يكون للتآمل لأن بالعتق ازداد الملك عليها فيحتاج إلى التأمل و لا بد للتأمل من زمان فقدر ذلك بالمجلس كما في خيار المخيرة و خيار القبول في البيع بخلاف خيار البلوغ أنه يبطل بالسكوت من البكر لأن البلوغ ما ازداد الملك فلا حاجة إلى التأمل فلم يكن سكوتها للتأمل فكان دليل الرضا و في خيار المخيرة ثبت المجلس بإجماع الصحابة Bهم غير معقول و لأنه لما ازداد الملك عليها جعلها العقد السابق في حق الزيادة بمنزلة إنشاء النكاح فيتقيد بالمجلس و إذا اختارت نفسها حتى وقعت الفرقة بغير طلاق لما نذكر إن شاء الله تعالى فلا تفتقر هذه الفرقة إلى قضاء القاضي بخلاف الفرقة بخيار البلوغ ووجه الفرق بينهما قد ذكرناه فيما تقدم و الله عز و جل أعلم و أما بقاء الزوج قادرا على النفقة فليس بشرط لبقاء النكاح لازما حتى لو عجز عن النفقة لا يثبت لها حق المطالبة بالتفريق و هذا عندنا و عند الشافعي شرط و يثبت لها حق المطالبة بالتفريق احتج بقوله عز و جل : { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } .
أمر عز و جل بالإمساك بالمعروف و قد عجز عن الإمساك بالمعروف لأن ذلك بإيفاء حقها في الوطء و النفقة فتعين عليه التسريح بالإحسان فإن فعل و إلا ناب للقاضي منابه في التسريح و هو التفريق و لأن النفقة عوض عن ملك النكاح و قد فات العوض فلا يبقى النكاح لازما كالمشتري إذا وجد المبيع معيبا و الدليل عليه أن فوات العوض بالجب و العنة يمنع بالجب و العنة يمنع بقاءه لازما فكذا فوات المعوض لأن النكاح عقد معاوضة .
و لنا : أن التفريق إبطال ملك النكاح على الزوج من غير رضاه و هذا في الضرر فوق ضرر المرأة بعجز الزوج عن النفقة لأن القاضي يفرض النفقة على الزوج إذا طلبت المرأة الفرض و يأمرها بالإنفاق من مال نفسها إن كان لها مال و بالاستدانة إن لم يكن إلى وقت اليسار فتصير النفقة دينا في ذمته بفضاء القاضي فترجع المرأة عليه بما أنفقت إذا أيسر الزوج فيتأخر حقها إلى يسار الزوج و لا يبطل و ضرر الإبطال فوق ضرر التأجيل بخلاف التفريق بالجب و العنة و لأن هناك الضرر من الجانبين جميعا ضرر إبطال الحق لأن حق المرأة يفوت عن الوطء و ضررها أقوى لأن الزوج لا يتضرر بالتفريق كثير ضرر لعجزه عن الوطء فأما المرأة فإنها محل صالح للوطء فلا يمكنها استيفاء حظها من هذا الزوج و لا من زوج آخر لمكان هذا الزوج فكان الرجحان لضررها فكان أولى بالدفع .
و أما الآية الكريمة فقد قيل في التفسير أن الإمساك بالمعروف هو الرجعة و هو أن يراجعها على قصد الإمساك و التسريح بالإحسان هو أن يتركها حتى تنقضي عدتها مع ما أن الإمساك بالمعروف يختلف باختلاف حال الزوج .
ألا ترى إلى قوله D : { على الموسع قدره و على المقتر قدره } فالإمساك بالمعروف في حق العاجز عن النفقة بالتزام النفقة على أنه إن كان عاجزا عن الإمساك بالمعروف فإنما يجب عليه التسريح بالإحسان إذا كان قادرا و لا قدرة له على ذلك لأن ذلك بالتطليق مع إيفاء حقها في نفقة العدة و هو عاجز عن نفقة الحال فيكف يقدر على نفقة العدة على أن لفظ التسريح محتمل يحتمل أن يكون المراد منه التفريق بإبطال النكاح و يحتمل أن يكون المراد منه التفريق و التعبيد من حيث المكان و هو تخيلة السبيل و إزالة اليد إذ حقيقة الستريح هي التخلية و ذلك قد يكون بإزالة اليد و الحبس و عندنا لا يبقى له ولاية الحبس فلا يكون حجة مع الاحتمال .
و أما قوله النفقة : عوض عن ملك النكاح فممنوع فإن العوض مذكورا في العقد نصا و النفقة غير منصوص عليها فلا تكون عوضا بل هي بمقابلة الاحتباس و عندنا ولاية تزول عند العجز ثم إن سلمنا أنه عوض لكن بقاء المعوض مستحقا يقف على استحقاق العوض في الجملة لا على وصول للحال و النفقة ههنا مستحقة في الجملة و إن كانت لا تصل إليها للحال فيبقى حقا للزوج و الله D أعلم