الشرط و الغاية في اليمين .
و لو قال : مكان هذا إن لم يطأها فهذا على ما بينه و بين الموت فمتى و طئها بر لأن كلمة إن كلمة شرط فلا تقتضي التعجيل قال هشام عن أبي يوسف : فإن قال لغلامه إن لم تأتني حتى أضربك فأنت حر فجاء من ساعته فلم يضربه قال متى ما ضربه فإنه يبر في يمينه و لا يعتق إلا أن ينوي ساعة أمره بذلك لما ذكرنا إن للشرط فلا تقتضي التعجيل إذا لم يكن في الكلام ما يدل عليه .
و لو قال : إن لم أشتر اليوم عبدا فأعتقه فعلي كذا فاشترى عبدا فوهبه ثم اشترى آخر فأعتقه قال محمد إنما وقعت يمينه على العبد الأول فإذا أمسى و لم يعتقه حنث لأن تقدير كلامه إن اشتريت عبدا فعلي عتقه فإن لم أعتقه فعلي حجة و هذا قد استحقه الأول فلم يدخل الثاني في اليمين .
قال هشام عن محمد فمن قال لآخر : إن مت و لم أضربك فكل مملوك لي حر فمات الحالف و لم يضربه قال محمد : لا يعتقون لأن من شرط الحنث أن يكون بعد الموت و لا ملك له في ذلك الوقت فلا يعتقون .
و إن قال : إن لم أضربك فكل مملوك لي حر لا يحنث حتى تخرج نفسه فيحنث قبل خروج نفسه يعني في آخر جزء من أجزاء حياته فيعتقون حينئذ لأن شرط الحنث ترك الضرب و إنه يتحقق في تلك الحالة .
و لو قال : إن لم أدخل هذه الدار حتى أموت فغلامه حر فلم يدخلها حتى مات لم يعتق و كذلك قال محمد فيمن قال : إن لم أضربك فيما بيني و بين أن أموت فعبدي حر فلم يضربه حتى مات عتق العبد قبل أن يموت لأن في الأول حنث بعد الموت و قال محمد في الزيادات فيمن قال لرجل : امرأته طالق إن لم تخبر فلانا بما صنعت حتى يضربك فعبدي حر فأخبره فلم يضربه بر في يمينه لأنه جعل شرط البر الإخبار لأنه سبب صالح للضرب جزاء له على صنعه و الإخبار مما لا يمتد و لا يضرب له المدة فتعذر جعله للغاية فجعل للجزاء .
و قوله : حتى يضربك بيان الغرض بمعنى ليضربك فيصير معناه إن لم أتسبب لضربك فإذا أخبر بصنيعه فقد سبب لضربه فبر في يمينه و كذلك إذا قال إن لم آتك حتى تغديني أو إن لم أضربك حتى تضربني فعبدي حر فأتاه فلم يغده أو ضربه و لم يضربه بر في يمينه لأن التغذية لا تصلح غاية للإتيان لكونها داعية إلى زيادة الإتيان و كذلك الضرب يدعو إلى زيادة الضرب يدعو إلى زيادة الضرب لا إلى تركه و إنهائه فلا يجعل غاية و يجعل جزاء لوجود شرطه .
و لو قال : إن لم ألزمك حتى تقضيني حقي أو لم أضربك حتى يدخل الليل أو حتى تشتكي يدي أو حتى تصيح أو حتى يشفع لك فلان أو حتى ينهاني فلان فترك الملازمة قبل أن يقضي حقه أو ترك الضرب قبل وجود هذه الأسباب حنث لأن كلمة حتى ههنا للغاية إذ المعقود عليه فعل ممتد و هو الملازمة و الضرب في قضاء الدين مؤثر في إنهاء الملازمة إذ هو المقصود من الملازمة و الشفاعة و الصياح و النهي و غيرها مؤثر في ترك الضرب و إنهائه فصارت للغاية لوجود شرطها و لو نوى به الجزاء يصدق فيما بينه و بين الله تعالى لأنه نوى ما يحتمله كلامه و لا يصدق في القضاء لأنه أراد به التخفيف على نفسه فكان متهما .
و إن قال : إن لم آتك اليوم حتى أتغذى عندك أو إن لم آتك حتى أضربك فعبدي حر فأتاه فلم يتغد عنده أو لم يضربه حتى مضى اليوم حنث لأن كلمة حتى ههنا للعطف لأن الفعلين جميعا من جانب واحد و هو الحالف فيصير كأنه قال إن لم آتك اليوم فأضربك أو فأتغدى عندك فإن لم يوجدا جميعا لا يبر بخلاف قوله حتى تغديني لأن هناك أحد الفعلين من غيره فكان عوض فعله فلا يحنث بعدمه و إن لم يوقت باليوم فأتاه و لم يتغد لم يحنث لأن البر موجود بأن يأتيه و يتغدى أو يتغدى من غير إتيان و وقت البر متسع فلا يحنث كما لو صرح به و قال إن لم آتك فأتغدى عندك و لو قال ذلك : لا يحنث ما دام حيا كذلك هذا و حكى هشام عن أبي يوسف : إن من قال لأمته : إن لم تجيئني الليلة حتى أجامعك مرتين فأنت حرة فجاءته فجامعها مرة و أصبح حنث في يمينه و هذا و قوله إن لم تجيئني الليلة فأجامعك مرتين سواء فيصير المجيء و المجامعة مرتين شرطا للبر فإذا انعدم يحنث فإن لم يوقت بالليل لا يحنث و له أن يجامعها في أي وقت شاء لأن وقت البر يتسع عند عدم التوقيت .
وقال ابن سماعة عن محمد : إذا قال : إن ركبت دابتك فلم أعطك دابتي فعبدي حر قال : هذا على الفور إذا ركب دابته فينبغي أن يعطيه دابة نفسه ساعتئذ و كذلك إذا قال إن دخلت دارك فلم أجلس فيها لأن الفاء للتعقيب فيقتضي وجود ما دخلت عليه عقيب الشرط قال و لو قال إن رأيت فلانا فلم آتك به فعبدي حر فرآه أول ما رآه مع الرجل الذي قال له إن رأيته فلم آتك به فإن الحالف حانث الساعة لأن يمينه وقعت على أول رؤية و يستحيل أن يأتيه بمن هو معه .
قال القدوري : وقد كان يجب أن لا يحنث عند أبي حنيفة و محمد كما قالا فيمن قال له إن رأيت فلانا فلم أعلمك بذلك فعبدي حر فرآه أول ما رآه مع الرجل الذي قال له ذلك لم يحنث عند أبي حنيفة و محمد لأن العلم بمن قد علمه محال وكذلك الإتيان بمن معه فيصير كمن قال لأشربن الماء الذي في هذا الكوز ولا ماء فيه ولو أن رجلا قال : إن لقيتك فلم أسلم عليك فإن سلم عليه ساعة يلقاه و إلا حنث وكذلك إن قال إن استعرت دابتك فلم تعرني لأن هذا على المجازاة يدا بيد و ليس هذا مثل قوله إن دخلت الدار فإن لم أكلم فلانا فهذا متى ما كلمه بر و الأصل فيه أن يجيء في هذا الباب أمور تشتبه فإن لم في معنى فلم يحمل على معظم معاني كلام الناس .
و لو قال : إن أتيتني فلم آتك أو إن زرتني فلم أزرك أو إن أكرمتني فلم أكرمك فهذا على الأبد و هو في هذا الوجه مثل فإن لم لأن الزيارة لا تتعقب الزيارة عادة فكان المقصود هو الفعل .
فإن قيل : أتيتني فلم آتك فالأمر في هذا مشتبه قد يكون بمعنى إن لم آتك قبل إتيانك و قد يكون بمعنى إن لم آتك بعد إتيانك فكان محتملا للأمرين فيحمل على ما كان الغالب من معاني كلام الناس عليه فإن لم يكن فهو على ما نوى أي ذلك نوى من قبل أو بعد حملا على ما نوى و إن لم تكن له نية يلحق بالمشتبه الذي لا يعرف له معنى .
فأما الذي يعرف من معناه أنه قبل أو بعد فهو على الذي يعرف في القضاء وفيما بينه و بين الله تعالى إذا لم يكن له نية فإن نوى خلاف ما يعرف لم يدين في الحكم و دين فيما بينه و بين الله تعالى فالذي الظاهر منه قبل كقوله إن خرجت من باب الدار و لم أضربك و الذي ظاهره بعد مثل قوله عن أعطيتني كذا و لم أكافئك بمثله و المحتمل كقوله : إن كلمتك و لم تكلمني فهذا يحتمل قبل و بعد فأيهما فعل لم يكن للحالف فيه و إن كان نوى أحد الفعلين فهو على ما نوى و إن كان قبل ذلك فنطق يكون هذا جوابا له فهو على الجواب و الله عز و جل الموفق .
و أما الذي يرجع إلى نفس الركن فخلوه عن الاستثناء نحو أن يقول : إن شاء الله تعالى أو إلا أن شاء الله تعالى أو إلا أن يشاء الله أو ما شاء الله أو إلا أن يبدو لي غير هذا أو إلا أن أرى غير هذا أو إلا أن أحب غير هذا أو قال : إن أعانني الله أو يسر الله أو قال بمعونة الله أو قال بمعونة الله أو بتيسره و نحو ذلك فإن قال شيئا من ذلك موصولا لم تنعقد اليمين ن و إن كان مفصولا انعقدت .
و سيأتي الكلام في الاستثناء و شرائطه في كتاب الطلاق و لو قال : إلا أن أستطيع فإن عنى استطاعة الفعل و هو المعنى الذي يقصد فلا يحنث أبدا لأنها مقارنة للفعل عندنا فلا توجد ما لم يوجد الفعل و إن عني به استطاعة الأسباب و هي سلامة الآلات و الأسباب و الجوارح و الأعضاء فإن كانت له هذه الاستطاعة فلم يفعل حنث و إلا فلا و هذا لأن لفظ الاستطاعة يحتمل كل واحد من المعينين لأنه يستعمل فيهما ن قال الله تعالى : { ما كانوا يستطيعون } .
و قال { إنك لن تستطيع معي صبرا } و المراد منه استطاعة الفعل و قال الله تعالى : { و لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } و قال عز و جل : { فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا } و المراد منه استطاعة سلامة الأسباب و الآلات فأي ذلك نوى صحت نيته و إن لم يكن له نية يحمل على استطاعة الأسباب و هو أن لا يمنعه مانع من العوارض و الاشتغال لأنه يراد بها ذلك في العرف و العادة فعند الإطلاق ينصرف إليه و الله عز و جل أعلم