شرائط الركن .
فصل : و أما شرائط الركن فأنواع بعضها يرجع إلى الحالف و بعضها يرجع إلى المحلوف عليه و هو الشرط و بعضها يرجع إلى المحل المحلوف بطلاقه و عتاقه و بعضها يرجع إلى نفس الركن أما الذي يرجع إلى الحالف فما ذكرنا في الطلاق و العتاق و كلما هو شرط جواز الطلاق و العتاق فهو شرط انعقاد اليمين بهما و ما لا فلا و سنبين جملة ذلك في كتاب الطلاق و العتاق .
و أما الذي يرجع إلى المحلوف عليه و هو الشرط فمنها أن يكون أمرا في المستقبل فلا يكون التعليق بأمر كائن يمينا بل يكون تنجيزا حتى لو قال لامرأته أنت طالق إن كانت السماء فوقنا يقع الطلاق في الحال و على هذا يخرج ما إذا قال لامرأته و هي حائض أو مريضة إذا حضت أو مرضت فأنت طالق أن ذلك على حيض مستقبل و مرض مستقبل و هو حيض آخر يوجد في المستقبل أو مرض آخر لا على الحال فإن عينت ما يحدث من هذا الحيض و ما يزيد من هذا المرض فهو كما نوى لأن الحيض ذو أجزاء تحدث حالا فحالا و كذلك المرض يزداد و يكون ذلك حيضا و مرضا فإذا نوى ذلك ما يحتمله لفظه فيصدق .
فإن قال : فإن حضت غدا فأنت طالق و هو يعلم أنها حائض فهذا على هذه الحيضة إذا دام الحيض منها إلى أن ينشق الفجر من الغد بعد أن تكون تلك الساعة تمام الثلاثة أو أكثر لأنه إذا علم بحيضها استحال أن يعني بيمينه حدوث حيضة أخرى في غد فتعين أنه أراد استمرار هذه الحيضة و دوامها و إنما اعتبر بتلك الساعة لتمام الثلاثة أو أكثر لأن الحيض إذا انقطع فيما دونها فليس بحيض فلا يوجد شرط اليمين و إن كان لا يعلم بحيضها فهو على حيض مستقبل و يدين في القضاء لأنه إذا لم يعلم بحيضها فالظاهر أنه أراد حدوث الحيض و كذلك هذه الوجوه في المرض .
و كذلك المحموم إذا قال : إن حميت أو المصدوع إذا قال إن صدعت و كذلك الرعاف و إن كان صحيحا فقال إن صحيت فامرأتي طالق و كان صحيحا حين سكت طلقت امرأته و هو كبصير قال : إن أبصرت و كسميع قال : إن سمعت لأن الصحة عرض يحدث ساعة فساعة فالموجود في الزمان الثاني غير الموجود في الزمان الأول و قد حدثت له الصحة حين ما فرغ من هذا الكلام فوجد شرط الحنث و لا يمكن شرط صحة أخرى في المستقبل كالحيض و المرض فتقع يمينه على ما يحدث عقيب الكلام و على هذا يخرج ما إذا قال لامرأته إذا قمت أو قعدت أو ركبت أو لبست فأنت طالق و هي قائمة أو قاعدة أو راكبة أو لابسة أنه إذا مكث ساعة بعد اليمين مقدار ما يقدر على تركها حنث و كذلك السكنى إذا لم يأخذ في النقلة من ساعته لأن الدوام على هذه الأفعال يعني به تجدد أمثالها يسمى باسم هذه الأفعال فقد وجد ما تناوله الاسم عقيب اليمين فيحنث و إما الدخول بأن قال إن دخلت هذه الدار فأنت طالق و هي داخلة فهذا لا يكون إلا على دخول مستقبل فإن نوى الذي هو فيه لا يحنث لأن الدخول هو الانفصال من خارج إلى داخل و هذا لا يحتمل التجدد فلا يثبت الاسم في حالة البقاء أعني الثاني في زمان وجوده .
و كذلك إذا قال لها : إن خرجت و هي خارجة لأن الخروج ضد الدخول و هو الانفصال من داخل إلى خارج و أنه لا يتجدد في الثاني من زمان وجوده فلا يثبت الاسم بخلاف القيم و الركوب و اللبس و نحوهما يوضح الفرق أنه يقال قمت يوما وركبت يوما و لبست يوما و لا يقال : دخلت الدار يوما و لا خرجت من الدار يوما على إرادة المكث و كذلك الحبل إذا قال للحبلى إذا حبلت فأنت طالق فهذا يقع على حبل مستقبل لأنه يراد به ابتداء العلوق عرفا و عادة و لو قال إن أكلت أو ضربت فهو على الحادث كل شيء أكله بعد يمينه أو ضربه بعد يمينه يحنث لأن الضرب يتجدد .
و ذكر في الأصل إذا قال لها : أنت طالق ما لم تحيضي أو ما لم تحبلي و هي حبلى أو حائض في حال الحلف فهي طالق حين سكت إلا أن يكون ذلك منها حين سكت لأنه جعل حدوث الحيض و الحبل شرط البر فما لم يوجد عقيب اليمين يحنث و إن عنى به ما فيه من الحيض دين فيما بينه و بين الله تعالى و لا يدين في الحبل لأن الحيض ذو أجزاء فجاز أن يسمى ما يحدث من أجزائه باسم الابتداء فأما الحبل فليس بذي أجزاء ألا ترى أن الحيض يزداد و الحبل ليس بمعني يحتمل الزيادة فلا يصدق أصلا و الله عز و جل أعلم .
و منها أن يكون المذكور في المستقبل متصور الوجود حقيقة لا عادة هو شرط انعقاد اليمين فإن كان مما يستحيل وجوده حقيقة لا ينعقد كما إذا قال لامرأته إن ولج الجمل في سم الخياط فأنت طالق و إن اجتمع الضدان فأنت طالق لأن مثل هذا الكلام يذكر لتأكيد النفي أي طلاقك أمر لا يكون أصلا و رأسا كما لا يلج الجمل في سم الخياط و لا يجتمع الضدان قال الله تعالى : { و لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط } أي لا يدخلونها رأسا و على هذا يخرج ما إذا قال : إن لم أشرب الماء الذي في هذا الكوز فامرأته طالق أو عبده حر أو قال إن لم أقتل فلانا و لا ماء في الكوز و فلان ميت و هو يعلم بذلك أو لا يعلم به و قد ذكرنا جملة هذا و تفصيله و ما فيه من الاتفاق و الاختلاف و ما يتصل بذلك من المسائل في اليمين بالله تعالى .
و أما الذي يرجع إلى المحل المحلوف بطلاقه و عتاقه فقيام الملك فيه و الإضافة إلى الملك أو إلى سبب الملك و سنبين ذلك في كتاب الطلاق و العتاق و نذكر ذلك كله