بيان ألفاظ الطلاق .
فصل : و أما بيان الألفاظ التي يقع بها طلاق السنة فالألفاظ التي يقع بها طلاق السنة نوعان نص و دلالة .
أما النص فنحو أن يقول : أنت طالق للسنة و جملته أن الرجل إذا قال لامرأته و هي مدخول بها أنت طالق للسنة و لا نية له فإن كانت من ذوات الأقراء وقعت تطليقة للحال إن كانت طاهرا من غير جماع و إن كانت حائطا أو في طهر جامعها فيه لم تقع الساعة فإذا حاضت و طهرت وقت بها تطليقة واحدة لأن قوله : أنت طالق للسنة إيقاع تطليقة بالسنة المعرفة باللام لأن اللام الأولى للاختصاص فيقتضي أن تكون التطليقة مختصة بالسنة فإذا أدخل لام التعريف في السنة فيقتضي استغراق السنة و هذا يوجب تمحصها سنة بحيث لا يشوبها معنى البدعة أو تنصرف إلى السنة المتعارف فيما بين الناس .
و السنة المتعارفة المعهودة في باب الطلاق ما لا يشوبها معنى البدعة و ليس ذلك إلا الواقع في طهر لا جماع فيه و إن نوى ثلاثا فثلاث لأن التطليقة المختصة بالسنة المعرفة بلام التعريف نوعان : حسن و أحسن فالأحسن أن يطلقها واحدة في طهر لا جماع فيه و الحسن أن يطلقها ثلاثا في ثلاثة أطهار فإذا نوى الثلاثة فقد نوى أحد نوعي التطليقة المختصة بالسنة فتصبح نيته كما لو قال أنت طالق ثلاثا للسنة و إن أراد واحدة بائنة لم تكن بائنة لأن لفظة الطلاق لا تدل على البينونة و كذا لفظ السنة بل تمنع ثبوت البينونة لأن الإبانة ليست بمسنونة على ظاهر الرواية .
و يستحيل أن يثبت باللفظ ما يمنع ثبوته و إن نوى الثنتين لم يكن ثنتين لأنه عدد محض بخلاف الثلاث لأنه فرد من حيث إنه كل جنس الطلاق و لو أراد بقوله طالق واحدة و بقوله للسنة أخرى لم يقع لأن قوله : للسنة من ألفاظ الطلاق بدليل أنه لو قال لامرأته أنت للسنة و نوى الطلاق لا يقع .
و لو قال : أنت طالق ثنتين أو ثلاثا للسنة وقع عند كل طهر لم يجامعها تطليقة لأنها هي التطليقة المختصة بالسنة المعرفة بلام التعريف .
و لو قال : أنت طالق ثلاثا للسنة و نوى الوقوع للحال صحت نيته و يقع الثلاث من ساعة تكلم عند أصحابنا الثلاثة .
و قال زفر : لا تصح نيته و تتفرق على الأطهار وجه قوله أنه نوى ما لا يتحمله لفظه فتبطل نيته .
و بيان ذلك أن قوله أنت طالق ثلاثا للسنة إيقاع التطليقات الثلاث في ثلاثة أطهار لأنها هي التطليقات المختصة بالسنة المعرفة بلام التعريف فصار كأنه قال : أنت طالق ثلاثا في ثلاثة أطهار و لو نص على ذلك و نوى الوقوع للحال لم تصح نيته كذا هذا .
و لنا : أن الطلاق تصرف مشروع في ذاته و إنما الحظر و الحرمة في غيره لما تبين فكان كل طلاق في أي وقت سنة فكان إيقاع الثلاث في الحال إيقاعا على وجه السنة حقيقة إلا أن السنة عند الإطلاق تنصرف إلى ما لا يشوبه معنى البدعة بملازمة الحرام إياه للعرف و العادة فإذا نوى الوقوع للحال فقد نوى ما يحتمله كلامه و فيه تشديد على نفسه فتصح نيته و لأن السنة نوعان : سنة إيقاع و سنة وقوع لأن وقوع الثلاث جملة عرف بالسنة لما تبين فإذا نوى الوقوع للحال فقد نوى أحد نوعي السنة فكانت نيته محتملة لما نوى فصحت و إن كانت آيسة أو صغيرة فقال لها أنت طالق للسنة و لا نية له طلقت للحال واحدة و إن كان قد جامعها و كذا إذا كانت حاملا قد استبان حملها و إن نوى الثلاث بقوله : للآيسة و الصغيرة أنت طالق ثلاثا للسنة يقع للحال واحدة و بعد شهر أخرى و بعد شهر أخرى و كذا في الحامل على قول أبي حنيفة و أبي يوسف و أما على قول محمد لا يقع إلا واحدة بناء على أن الحامل تطلق ثلاثا للسنة عندهما و عنده لا تطلق للسنة إلا واحدة .
و لو قال : أنت طالق تطليقة للسنة فهو مثل قوله أنت طالق للسنة و كذلك إذا قال أنت طالق طلاق السنة .
و أما الدلالة فنحو أن يقول : أنت طالق طلاق العدة أو طلاق العدل أو طلاق الدين أو طلاق الإسلام أو طلاق الحق أو طلاق القرآن أو طلاق الكتاب .
أما طلاق العدة فلأنه الطلاق في طهر لا جماع فيه لقوله عز و جل : { فطلقوهن لعدتهن } و طلاق العدل هو المائل عن الباطل إلى الحق لأن العدل عند الإطلاق ينصرف إليه و إن كان الاسم في اللغة وضع دلالة على مطلق الميل كاسم الجور و عند الإطلاق ينصرف إلى الميل من الحق إلى الباطل و إن وضع في اللغة دلالة على مطلق الميل و الطلاق المائل من الباطل إلى الحق هو طلاق السنة و طلاق الدين و الإسلام و القرآن و الكتاب هو ما يقتضيه الدين و الإسلام و القرآن و الكتاب و هو طلاق السنة .
و كذلك طلاق الحق هو ما يقتضيه الدين إلى الحق و ذلك طلاق السنة و كذلك قوله أنت طالق أحسن الطلاق أو أجمل الطلاق أو أعدل الطلاق لأنه أدخل ألف التفصيل و أضاف إلى الطلاق المعرف باللام الواقع على الحسن فيقضي وقوع طلاق له مزية على جميع أنواع الطلاق بالحسن و الجمال و العدالة كما إذا قيل فلان أعلم الناس يوجب هذا مزية له على جميع طبقات الناس في العلم و هذا تفسير طلاق السنة .
و لو قال : أنت طالق تطليقة حسنة أو جميلة يقع للحال .
و لو قال : أنت طالق تطليقة عدلة أو عدلية أو عادلة أو سنية يقع للسنة في قول أبي يوسف وسوى بينه و بين قوله أنت طالق للسنة و فرق بينه و بين قوله أنت طالق تطليقة حسنة أو جميلة .
ذكر محمد في الجامع الكبير أنه يقع للحال تطليقة رجعية سواء كانت حائضا أو غير حائض جامعها في طهرها أو لم يجامعها و سوى بينه و بين قوله أنت طالق تطليقة حسنة أو جميلة و فرق بين هذا و بين قوله أنت طالق للسنة .
وجه قول محمد : أن قوله أنت طالق تطليقة سنية وصف التطليقة بكونها سنية و الطلاق في أي وقت كان فهو سني لأنه تصرف مشروع و باقتران الفسخ به لا يخرج من أن يكون مشروعا في ذاته و هذا القدر يكفي لصحة الاتصاف بكونها سنية و لا يشترط الكمال ألا يرى أنه لو قال لامرأته أنت بائن يقع تطليقة واحدة و لا ينصرف إلى الكمال و هو البينونة الحاصلة بالثلاث كذا ههنا .
و لهذا وقع الطلاق للحال في قوله حسنة أو جميلة بخلاف قوله أنت طالق للسنة لأن ذلك إيقاع تطليقة مختصة بالسنة لأن اللام الأولى للاختصاص كما يقال هذا اللجام للفرس و هذا الإكاف لهذه البغلة و هذا القفل لهذا الباب و اللام الثانية للتعريف فإن كانت لتعريف الجنس و هو جنس السنة اقتضى صفة التمحض للسنة و هو أن لا يشوبها بدعة و إن كانت لتعريف المعهود فالسنة المعهودة في باب الطلاق مالا يشوبه معنى البدعة و هو الطلاق طهر لا جماع فيه .
وجه قول أبي يوسف : أن هذا إيقاع طلاق موصوف بكونه سنيا مطلقا فلا يقع إلا على صفة السنة المطلقة و الطلاق السني على الإطلاق لا يقع في غير وقت السنة و لهذا يقع في وقت السنة في قوله أنت طالق للسنة كذا هذا .
و فرق أبو يوسف بين السنية و بين الحسنة و الجميلة و ما كان الغالب فيه أن يجعل صفة للطلاق يجعل صفة له كقوله سنية و عدلية و ما كان الغالب فيه أن يجعل صفة للمرأة يجعل صفة لها كقوله : حسنة و جميلة لأن المرأة مذكورة في اللفظ بقوله : أنت و التطليقة مذكورة أيضا فيحمل على ما يغلب استعمال اللفظ فيه .
و لو قال لامرأته : و هي ممن تحيض أنت طالق للحيض وقع عند كل طهر من كل حيضة تطليقة لأن الحيضة التي يضاف إليها الطلاق هي أطهار العدة وإن كانت ممن لا تحيض فقال لها أنت طالق للحيض لا يقع عليها شيء لأنه أضاف الطلاق إلى ما ليس بموجود فصار كأنه علقه لشرط لم يوجد .
و لو قال لها و هي ممن لاتحيض أنت طالق للشهور يقع للحال واحدة وبعد شهر أخرى وبعد شهر أخرى لأن الشهور التي يضاف إليها الطلاق هي شهور العدة و كذا الحامل على قياس قول أبي حنيفة و أبي يوسف .
و لو نوى بشيء من الألفاظ التي يقع بها طلاق السنة و هو الطلاق في الطهر الذي لا جماع فيه الوقوع للحال تصح نيته و يكون على ما عنى لأنه نوى ما يحتمله كلامه أما في لفظ الأحسن و الأجمل و الأعدل فلأن ألف التفضيل قد تذكر و يراد به مطلق الصفة قال الله سبحانه و تعالى : { و هو أهون عليه } أي هين عليه إذ لا تفاوت للأشياء في قدرة الله تعالى بل هي بالنسبة إلى قدرته سواء وقد نوى ما يحتمله لفظه و لا تهمة في العدول عن هذا الظاهر لما فيه من التشديد على نفسه فكان مصدقا و كذا في سائر الألفاظ لما ذكرنا أن الطلاق تصرف مشروع في نفسه فكان إيقاعه سنة في كل وقت أو لأن وقوعه عرف بالسنة على ما نذكر .
و ذكر بشر عن أبي يوسف أن هذا النوع من الألفاظ أقسام ثلاثة : .
قسم منها يكون طلاق السنة فيما بينه وبين الله تعالى و في القضاء نوى أو لم ينو و قسم منها يكون طلاق السنة فيما بينه و بين الله تعالى و في القضاء إن نوى و إن لم ينو لا يكون للسنة و يقع الطلاق للحال .
و قسم منها ما يصدق فيه إذا قال نويت به طلاق السنة فيما بينه و بين الله تعالى و يقع في أوقاتها و لا يصدق في القضاء بل يقع للحال .
أما القسم الأول : فهو أن يقول أنت طالق للعدة أو أنت طالق طلاق العدل أو طلاق الدين أو طلاق الإسلام أو قال : أنت طالق طلاقا عدلا أو طلاق عدة أو طلاق سنة أو أحسن الطلاق أو أجمل الطلاق أو طلاق الحق أو طلاق القرآن أو طلاق الكتاب أو قال أنت طالق للسنة أو في السنة أو بالسنة أو مع السنة أو عند السنة أو على السنة .
و أما القسم الثاني : فهو أن يقول : أنت طالق في كتاب الله عز و جل أو بكتاب الله عز و جل أو مع كتاب الله عز و جل لأن في كتاب الله عز و جل دليل وقوع الطلاق للسنة و البدعة لأن فيه شرع الطلاق مطلقا فكان الطلاق تصرفا مشروعا في نفسه فكان كلامه يحتمل الأمرين فوقف على نيته .
و أما القسم الثالث فهو أن يقول أنت طالق على الكتاب أو الكتاب أو على قول القضاة أو على قول الفقهاء أو قال أنت طالق طلاق القضاة أو طلاق الفقهاء لأن القضاة و الفقهاء يقولون من كتاب الله عز و جل قال الله عز و جل : { و لا رطب و لا يابس إلا في كتاب مبين } و في كتاب الله عز و جل دليل الأمرين جميعا لما بينا فكان لفظة محتملا للأمرين فيصدق فيم بينه و بين الله عز و جل و يقع في وقت السنة و لا يصدق في القضاء لأنه خلاف الظاهر و الله عز و جل أعلم .
ولو كان الزوج غائبا فأراد أن يطلقها للسنة واحدة فإنه يكتب إليها إذا جاءك كتابي هذا ثم حضت و طهرت فأنت طالق و إن أراد أن يطلقها ثلاثا يكتب إليها إذا جاءك كتابي هذا ثم حضت و طهرت فأنت طالق ثم حضت و طهرت فأنت طالق ثم إذا حضت و طهرت فأنت طالق .
و ذكر محمد في الرقيات أنه يكتب إليها إذا جاءك كتابي هذا فعلمت ما فيه ثم حضت و طهرت فأنت طالق و تلك الرواية أحوط و الله عز و جل أعلم