ثلاثة ألفاظ من الكتابات رواجع .
فصل : و أما الكناية فثلاثة ألفاظ من الكنايات رواجع بلا خلاف و هي قوله اعتدي و استبري رحمك و أنت واحدة .
أما قوله : اعتدي فلما روي عن أبي حنيفة أنه قال : القياس في قوله اعتدي أن يكون بائنا و إنما اتبعنا الأثر و كذا قال أبي يوسف : القياس أن يكون بائنا و إنما تركنا القياس لحديث [ جابر Bه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لسودة بنت زمعة Bها اعتدي فناشدته أن يراجعها لتجعل يومها لعائشة Bها حتى تحشر في جملة أزواجه فراجعها و رد عليها يومها ] و لأن قوله : اعتدي أمر بالاعتداد و الاعتداد يقتضي سابقة الطلاق و المقتضى يثبت بطريق الضرورة فيقتدر بقدر الضرورة و الضرورة ترتفع بالأقل و هو الواحدة الرجعية فلا يثبت ما سواها ثم قوله اعتدي إنما يجعل مقتضيا للطلاق في المدخول بها و أما في غير المدخول بها فإنه يجعل مستعارا من الطلاق و قوله استبري رحمك تفسير / اعتدي لأن الاعتداد شرع للاستبراء فيفيد ما يفيده قوله : اعتدي .
و أما قوله : أنت واحدة فلأنه لما نوى الطلاق فقد جعل قوله واحدة نعتا لمصدر محذوف و هو الطلقة كأنه قال أنت طالق طلقة واحدة كما يقال : أعطيته جزيلا أن عطاء جزيلا و اختلف في البواقي من الكنايات فقال أصحابنا رحمهم الله إنها بوائن و قال الشافعي رواجع .
وجه قوله : أن هذه الألفاظ كنايات الطلاق فكانت مجازا عن الطلاق ألا ترى أنها لا تعمل بدون نية الطلاق فكان العامل هو الحقيقة و هو المكني عنه لا المجاز الذي هو الكناية و لهذا كانت الألفاظ الثلاثة رواجع فكذا البواقي .
و لنا : أن الشرع ورد بهذه الألفاظ و أنها صالحة لإثبات البينونة و المحل قابل للبينونة فإذا وجدت من الأهل ثبتت البينونة استدلالا بما قبل الدخول و لا شك أن هذه الألفاظ صالحة لإثبات البينونة فإنه تثبت البينونة بها قبل الدخول و بعد انقضاء العدة و يثبت به قبول المحل أيضا لأن ثبوت البينونة في محل لا يحتملها محال .
و الدليل على أن الشرع ورد بهذه الألفاظ قوله تعالى : { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } و قوله تعالى : { فتعالين أمتعكن و أسرحكن سراحا جميلا } و قوله : { فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } و التسريح و المفارقة من كنايات الطلاق على بينا .
و روي : [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوج امرأة فرأى في كشحها بياضا فقال لها : الحقي بأهلك ] و هذا من ألفاظ الكنايات و إن [ ركانة بن زيد أو زيد بن ركانة طلق امرأته ألبتة فحلفه رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أراد بها الثلاث ] و قوله ألبتة من الكنايات فإذا ثبت أن هذا التصرف مشروع فوجود التصرف حقيقة بوجود ركنه و وجوده شرعا بصدوره من أهله و حلوله في محله و قد وجد فتثبت البينونة و إذا ثبتت البينونة فقد زال الملك فلا يملك الرجعة و لأن شرع الطلاق في الأصل لمكان المصلحة لأن الزوجين قد تختلف أخلاقهما و عند اختلاف الأخلاق لا يبقى النكاح مصلحة لأنه لا يبقى وسيلة إلى المقاصد فتنقلب المصلحة إلى الطلاق ليصل كل واحد منهما إلى زوج يوافقه فيستوفي مصالح النكاح منه إلا أن المخالفة قد تكون من جهة الزوج و قد تكون من جهة امرأة فالشرع شرع الطلاق و فوض طريق دفع المخالفة و الإعادة إلى الموافقة إلى الزوج لاختصاصه بكمال العقل و الرأي فينظر في حال نفسه فإن كانت المخالفة من جهته يطلقها طلاقا واحدا رجعيا أو ثلاثا في ثلاثة أطهار و يجرب نفسه في هذه المدة فإن كان يمكنه الصبر عنها و لا يميل قلبه إليها يتركها حتى تنقضي عدتها و إن كان لا يمكنه الصبر عنها راجعها و إن كانت المخالفة من جهتها تقع الحاجة إلى أن تتوب و تعود إلى الموافقة و ذلك لا يحصل بالطلاق الرجعي لأنها إذا علمت إن النكاح بينهما قائم لا تتوب فيحتاج إلى الإبانة التي بها يزول الحل و الملك لتذوق مرارة الفراق فتعود إلى الموافقة عسى و إذا كانت المصلحة في الطلاق بهذين الطريقين مست الحاجة إلى شرع الإبانة عاجلا و آجلا تحقيقا لمصالح النكاح بالقدر الممكن .
و قوله : هذه الألفاظ مجاز عن الطلاق ممنوع بل هي حقائق عامة بأنفسها لأنها صالحة للعمل بأنفسها على ما بينا فكان وقوع البينونة بها لا بالمكني عنه على أنا إن سلمنا أنها مجاز عن الطلاق فلفظ المجاز عامل بنفسه أيضا كلفظ الحقيقة فإن المجاز أحد نوعي الكلام فيعمل بنفسه كالحقيقة و لهذا قلنا إن للمجاز عموما كالحقيقة إلا أنه يشترط النية لتنوع البينونة و الحرمة إلى الغليظة و الخفيفة فكان الشرط في الحقيقة نية التميز و تعيين أحد النوعين لا نية الطلاق و الله تعالى أعلم .
و يستوي فيما ذكرنا من الصريح و الكناية و الرجعي و البائن أن يكون ذلك بمباشرة الزوج بنفسه بطريق الأصالة أو بغيره بإذنه أو أمره و ذلك نوعان : توكيل و تفويض أما التفويض فنحو قول الرجل لامرأته أمرك بيدك و قوله : اختاري و قوله : أنت طالق إن شئت و ما يجري مجراه و قوله طلقي نفسك