شرط وجوب العوض .
و أما شرط وجوب العوض و هو المسمى في عقد الخلع فله شرطان .
أحدهما : قبول العوض لأن قبول العوض كما هو شرط وقوع الفرقة من جانبه فهو شرط لزوم العوض من جانبها لما ذكرنا و سواء كان العوض المذكور في الخلع من مهرها الذي استحقته بعقد النكاح من المسمى و مهر المثل أو مالا آخر و هو المسمى بالجعل فهذا الشرط يعم العوضين جميعا .
و الثاني : يخص الجعل لأن ما يصلح عوضا في النكاح يصلح عوضا في الخلع من طريق الأولى و ليس كل ما يصلح عوضا في الخلع يصلح عوضا في النكاح لأن باب الخلع أوسع إذ هو يتحمل جهالة لا يتحملها النكاح على ما نذكر لذلك اختص وجوب المسمى فيه بشرط لم يشترط في النكاح لوجوب المسمى وهو تسمية مال متقوم موجود وقت الخلع معلوم أو مجهول جهالة قليلة أو كثيرة و إذا لم تكن متفاحشة فإن وجد هذا الشرط وجب الجعل و إلا فلا يجب و هل يجب عليها رد ما استحقته من المسمى أو مهر المثل بعقد النكح ينظر إن كان المسمى مالا متقوما يجب و إن كان معدوما وقت الخلع أو مجهولا جهالة متفاحشة كجهالة الجنس و ما يجري مجراها و إن لم يكن المسمى مالا متقوما فلا شيء عليها أصلا و تقع الفرقة ثم الجعل في الخلع إن كان مما يصح تسميته مهرا في النكاح فحكمه حكم المهر أعني أن المسمى في النكاح إن كان مما يجبر الزوج على تسليم عينه إلى المرأة ففي الخلع تجبر المرأة على تسليم عينه إلى الزوج و إن كان مما يتخير الزوج بين تسليم الوسط منه و بين تسليم قيمته ففي الخلع تتخير المرأة كالعبد و الفرس و نحو ذلك لأن المسمى في العقدين جميعا عوض عن ملك النكاح إلا أنه في أحدهما عوض عنه ثبوتا و في الآخر سقوطا فيعتبر أحد العقدين بالآخر في هذا الحكم و القيمة فيما يوجب الوسط منه أصل لأن كونه وسطا يعرف بها على ما مر في كتاب النكاح .
و بيان هذه الشرائط في مسائل : إذا خلع امرأته على ميتة أو دم أو خمر أو خنزير وقعت الفرقة و لا شيء له على المرأة من الجعل و لا يرد من مهرها شيئا أما وقوع الفرقة فلأن الخلع بعوض معلق بقبول المرأة ما جعل عوضا ذكرا و تسمية سواء كان المسمى مما يصلح عوضا أو لا لأنه من جانب الزوج تعليق الطلاق بشرط القبول و قد قبلت فصار كأنه صرح بتعليق الطلاق بقبولها العوض المذكور فقبلت و لو كان كذلك لوقع الطلاق إذا قبلت كذا هذا و أما عدم وجوب شيء له على المرأة فلأن الخلع طلاق و الطلاق قد يكون بعوض و قد يكون بغير عوض و الميتة و الدم ليست بمال في حق أحد فلا تصلح عوضا و الخمر و الخنزير لا قيمة لهما في حق المسلمين فلم يصلحا عوضا في حقهم فلم تصح تسمية شيء من ذلك فإذا خلعها عليه فقد رضي بالفرقة بغير عوض فلا يلزمها شيء و لأن الخلع من جانب الزوج إسقاط الملك و إسقاط الملك قد يكون بعوض و قد يكون بغير عوض كالإعتاق فإذا ذكر ما لا يصلح عوضا أصلا أو ما لا يصلح عوضا في حق المسلمين فقد رضي بالإسقاط بغير عوض فلا يستحق عليها شيئا و لأن منافع البضع عند الخروج عن ملك الزوج غير متقومة لأن المنافع في الأصل ليست بأموال متقومة إلا أنها جعلت متقومة عند المقابلة بالمال المتقوم فعند المقابلة بما ليس بمال متقوم يبقى على الأصل و لأنها إنما أخذت حكم التقوم في باب النكاح عند الدخول في ملك الزوج احتراما لها تعظيما للآدمي لكونها سببا لحصوله فجعلت متقومة شرعا صيانة لها عن الابتذال .
و الحاجة إلى الصيانة عند الدخول في الملك لا عند الخروج عن الملك لأن بالخروج يزول الابتذال فلا حاجة إلى التقوم فبقيت على الأصل و جعل الفرق بما ذكرنا بين الخلع على هذه الأشياء و بين النكاح عليها لأن هناك يجب مهر المثل لأن النكاح لم يشرع إلا بعوض لما ذكرنا في مسائل النكاح و المذكور لا يصلح عوضا فالتحق ذلك بالعدم و وجب العوض الأصلي و هو مهر المثل فأما الخلع فالعوض فيه غير لازم بل هو مشروع بعوض و بغير عوض فلم يكن من ضرورة صحته لزوم العوض .
و كذا النكاح تمليك البضع بعوض و الخلع إسقاط الملك بعوض و بغير عوض و كذا منافع البضع عند الدخول أعطي لها حكم التقوم شرعا لكونها وسيلة إلى حصول الآدمي المكرم و الخلع إبطال معنى التوسل فلا يظهر معنى التقوم فيه .
و لو لعها على شيء أشارت إليه مجهول فقالت : على ما في بطون غنمي أو نعمي من ولد أو على ما في ضروعها من لبن أو على ما في بطن جاريتي من ولد أو على ما في نخلي أو شجري من ثمر فإن كان هناك شيء فهو له عندنا .
و قال الشافعي : لا شيء له .
وجه قوله : أن الجنين في البطن و اللبن في الضرع لا يصلح عوضا في الخلع لأنه غير مقدور التسليم و لهذا لم يصلح عوضا في النكاح و كذا في الخلع .
و الدليل عليه أنه لا يجوز بيعه و الأصل عنده أن كل ما لا يجوز بيعه لا يصلح عوضا في الخلع .
و لنا : الفرق بين الخلع و بين النكاح وهو أن باب الخلع أوسع من باب النكاح ألا ترى لو خلعها على عبد له آبق صحت التسمية و لو زوجها عليه لم تصح التسمية فتصح إضافته إلى ما هو مال متقوم موجود كما تصح إضافته إلى العبد الآبق بل أولى لأن ذاك له خطر الوجود و العدم و هذا موجود و بهذا تبين أن القدرة على تسليم البدل ليست بشرط في الخلع فإنه جائز على العبد الآبق و القدرة على تسليمه غير ثابتة بخلاف البيع فإن القدرة على تسليم المبيع شرط و إن لم يكن هناك شيء ردت عليه ما استحقت بعقد النكاح لأنها لما سمت مالا متقوما فقد غرته بتسمية المال المتقوم فصارت ملتزمة تسليم مال متقوم ضامنة له ذلك و الزوج لم يرض بزوال ملكه إلا بعوض هو مال متقوم و قد تعذر عليه الوصول إليه لعدمه و لا سبيل إلى الرجوع إلى القيمة المذكورة لجهالتها و لا إلى قيمة البضع لما أنه لا قيمة للبضع عند الخروج عن الملك لما ذكرنا فوجب الرجوع إلى ما قوم البضع على الزوج عند الدخول و هو ما استحقته المرأة من المسمى أو مهر المثل