فصل ـ حكم الخلع .
و أما حكم الخلع فنقول و بالله التوفيق : يتعلق بالخلع أحكام بعضها يعم كل طلاق بائن و بعضها : يخص الخلع أما الذي يعم كل طلاق بائن فنذكره في بيان حكم الطلاق إن شاء الله تعالى .
و أما الذي يخص الخلع فالخلع لا يخلو : إما إن كان بغير بدل و إما إن كان ببدل فإن كان بغير بدل بأن قال : خالعتك ونوى الطلاق فحكمه اأنه يقع الطلاق و لا يسقط شيء من المهر و إن كان ببدل فإن كان البدل هو المهر بأن خلعها على المهر فحكمه أن المهر إن كان غير مقبوض أنه يسقط المهر عن الزوج و تسقط عنه النفقة الماضية و إن كان مقبوضا فعليها أن ترده على الزوج و إن كان البدل مالا آخر سوى المهر فحكمه حكم سقوط كل حكم وجب بالنكاح قبل الخلع من المهر و النفقة الماضية و وجوب البدل حتى لو خلعها على عبد أو على مائة درهم و لم يذكر شيئا آخر فله ذلك ثم إن كان لم يعطها المهر برىء و لم يكن لها عليه شيء سواء كان لم يدخل بها أو كان قد دخل بها و إن كان قد أعطاها المهر لم يرجع عليها بشيء سواء كان بعد الدخول بها أو قبل الدخول بها و كذلك إذا بارأها على عبد أو على مائة درهم فهو مثل الخلع في جميع ما وصفنا و هذا قول أبي حنيفة .
و قال أبو يوسف : في المبارأة مثل قول أبي حنيفة و قال في الخلع : إنه لا يسقط به إلا ما سميا .
و قال محمد : لا يسقط في الخلع و المبارأة جميعا إلا ما سميا حتى إنه لو طلقها على مائة درهم و مهرها ألف درهم فإن كان المهر غير مقبوض فإنها لا ترجع عليه بشيء سواء كان الزوج لم يدخل بها أو كان قد دخل بها في قول أبي حنيفة و له عليها مائة درهم و عندهما : إن كان قبل الدخول بها فلها أن ترجع عليه بنصف المهر و ذلك خمسمائة و له عليها مائة درهم فيصير قدر المائة قصاصا فيرجع عليه بأربعمائة و إن كان بعد الدخول فلها أن ترجع عليه بكل المهر إلا قدر المائة فترجع عليه بتسعمائة و إن كان المهر مقبوضا فله عليها المائة لا غير و ليس له أن يرجع عليها بشيء من المهر سواء كان قبل الدخول بها أو بعده في قول أبي حنيفة و عندهما : إن كان قبل الدخول يرجع إلى الزوج عليها بنصف المهر و إن كان بعده لا يرجع عليها بشيء و هكذا الجواب في المبارأة عند محمد .
و الحاصل : أن ههنا ثلاث مسائل : الخلعو المبارأة و الطلاق على مال و لا خلاف بينهم في الطلاق على مال أنه يبرأ به من سائر الحقوق التي وجبت لها بسبب النكاح و لا خلاف أيضا في سائر الديون التي وجبت لا بسبب النكاح و إنها لا تسقط بهذه التصرفات و إنما الخلاف بينهم في الخلع و المبارأة و اتفق جواب أبي حنيفة و أبي يوسف فيالمبارأة و اختلف جوابهما في الخلع و اتفق جواب أبي يوسف و محمد في الخلع و اختلف في المبارأة فأبو يوسف مع أبي حنيفة في المبارأة و مع محمد في الخلع .
وجه قول محمد : أن الخلع طلاق بعوض فأشبه الطلاق على مال و الجامع بينهما أن حق الإنسان لا يسقط من غير إسقاطه و لم بوجد في الموضعين إلا إسقاط ما سميا فلا يسقط ما لم تجز به التسمية و لهذا لم يسقط به سائر الديون التي لم تجب بسبب النكاح و كذا لا تسقط نفقة العدة إى بالتسمية و إن كانت من أحكام النكاح كذا هذا .
وجه قول أبي يوسف و هو الفرق بين الخلع و المبارأة : أن المبارأة صريح في إيجاب البراءة لأنها إثبات البراءة نصا فيقتضي ثبوت البراءة مطلقا فيظهر في جميع الحقوق الثابتة بينهما بسبب النكاح فأما الخلع فليس نصا في إيجاب البراءة لأنه ليس في لفظه ما ينبىء عن البراءة و إنما تثبت البراءة مقتضاة و الثابت بطريق الاقتضاء لا يكون ثابتا من جميع الوجوه فثبتت البراءة بقدر ما وقعت التسمية لا غير .
و لأبي حنيفة أن الخلع في معنى المبارأة مفاعلة من البراءة و الإبراء إسقاط فكان إسقاطا من كل واحد من الزوجين الحقوق المتعلقة بالعقد المتنازع فيه كالمتخاصمين في الديون إذا اصطلحا على مال سقط بالصلح جميع ما تنازعا كذا بالمبارأة و الخلع مأخوذ من الخلع و هو النزع و النزع إخراج الشيء من الشيء فمعنى قولنا خلعها : أي أخرجها من النكاح و ذلك بإخراجها من سائر الحكام بالنكاح و ذلك إنما يكون بسقوط الأحكام الثابتة بالنكاح و هو معنى البراءة فكان الخلع في معنى البراءة و العبرة في العقود للمعاني لا للألفاظ و قد خرج الجواب عما ذكره أبو يوسف .
و أما قول محمد : إنه لم يوجد منها إسقاط غير المسمى فنقول : إن لم يوجد نصا فقد وجد دلالة لما ذكرنا أن لفظ الخلع دليل عليه و لأن قصدهما من الخلع قطع المنازعة و إزالة الخلف بينهما و المنازعة و الخلف إنما وقعا في حقوق النكاح و لا تندفع المنازعة و الخلف إلا بإسقاط حقوقه فكان ذلك تسمية منها لسائر الحقوق المتعلقة بالنكاح دلالة بخلاف سائر الديون لأنه لا تعلق لها بالنكاح و لم تقع المنازعة فيها و لا في سببها فلا ينصرف الإسقاط إليها بخلاف الطلاق على مال لأنه لا بد على إسقاط الحقوق الواجبة بالنكاح لا نصا و لا دلالة .
و أما نفقة العدة : فلأنها لم تكن واجبة قبل الخلع فلا يتصور إسقاطها بالخلع بخلاف النفقة الماضية لأنها كانت واجبة قبل الخلع بفرض القاضي أو بالتراضي فكان الخلع إسقاطا بعد الوجوب فصح و لو خلعها على نفقة العدة صح و لا تجب النفقة و لو أبرأت الزوج عن النفقة في حال قيام النكاح لا يصح الإبراء و تجب النفقة لأن النفقة في النكاح تجب شيئا فشيئا على حسب حدوث الزمان يوما فيوما فكان الإبراء عنها إبراء قبل الوجوب فلم يصح فأما نفقة العدة فإنما تجب عند الخلع فكان الخلع على النفقة مانعا من وجوبها و لا يصح الخلع على السكنى و الإبراء عنه لأن السكنى تجب حقا لله تعالى قال الله تعالى : { لا تخرجوهن من بيوتهن و لا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } فلا يملك العبد إسقاطه و الله تعالى أعلم