تفسير الإحداد .
أما الأول فا الإحداد في اللغة عبارة عن الامتناع من الزينة يقال : أحدت على زوجها و حدت أي امتنعت من الزينة و هو أن تجتنب الطيب و لبس المطيب و المعصفر و المزعفر و تجتنب الدهن و الكحل و لا تختصب و لا تمتشط و لا تلبس حليا و لا تتشوف .
أما الطيب : فلما روت [ أم سلمة Bها : أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى المعتدة أن تختصب بالحناء ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ الحناء طيب ] فيدل على وجوب اجتناب الطيب و لأن الطيب فوق الحناء فالنهي عن الحناء يكون نهيا عن الطيب دلالة كالنهي عن التأفيف نهي عن الضرب و القتل دلالة و كذا لبس الثوب المطيب و المصبوغ بالعصفر و الزعفران له رائحة طيبة فكان كالطيب و أما الدهن فلما فيه من زينة الشعر و في الكحل زينة العين و لهذا حرم على المحرم جميع ذلك و هذا في حال الاختيار فأما في حال الضرورة فلا بأس به بأن اشتكت عينها فلا بأس بأن تكتحل أو اشتكت رأسها فلا بأس أن تصب فيه الدهن / أو لم يكن لها إلا ثوب مصبوغ فلا بأس أن تلبسه لكن لا تقصد به الزينة لأن مواضع الضرورة مستثناة .
و قال أبو يوسف : لا بأس أن تلبس القصب و الخز الأحمر و ذكر في الأصل و قال لا تلبس قصبا و لا خزا تتزين به لأن الخز و القصب قد يلبس للزينة و قد يلبس للحاجة و الرفاء فاعتبر فيه القصد فإن قصد به الزينة لم يجز و إن لم يقصد به جاز .
و أما الثاني : و هو بيان أنه واجب أم لا فنقول : لا خلاف بين الفقهاء أن المتوفى عنها زوجها يلزمها الإحداد و قال نفاة القياس : لا إحداد عليها و هم محجوجون بالأحاديث و إجماع الصحابة Bهم .
أما الأحاديث فمنها : ما روي [ أن أم حبيبة Bها لما بلغت موت أبيها أبي سفيان انتظرت ثلاثة أيام ثم دعت بطيب و قالت مالي إلى الطيب من حاجة لكن سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : لا يحل لامرأة تؤمن بالله و اليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر و عشرا ) ] و روي [ أن امرأة مات زوجها فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم تستأذنه في الانتقال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن إحداكن كانت تمكث في شر أحلاسها إلى الحول ثم تخرج فتلقي البعرة أفلا أربعة أشهر و عشرا ] فدل الحديث أن عدتهن قبل نزول هذه الآية كانت حولا و إنهن كن في شر أحلاسهن مدة الحول ثم انتسخ ما زاد على هذه المدة و بقي الحكم فيما بقي على ما كان قبل النسخ و هو أن تمكث المعتدة هذه المدة في شر أحلاسها و هذا تفسير الحداد .
و أما الإجماع : فإنه روي عن جماعة من الصحابة Bهم منهم عبد الله بن عمر و عائشة و أم سلمة و غيرهم Bهم مثل قولنا و هو قول السلف و اختلف في المطلقة ثلاثا أو بائنا قال أصحابنا : يلزمها الحداد و قال الشافعي لا يلزمها الحداد .
وجه قوله : أن الحداد في المنصوص عليه إنما وجب لحق الزوج تأسفا على ما فاتها من حسن العشرة و إدامة الصحبة إلى وقت الموت و هذا المعنى لم يوجد في المطلقة لأن الزوج أوحشها بالفرقة و قطع الوصلة باختيار و لم يمت عنها فلا يلزمها التأسف .
و لنا : أن الحداد إنما وجب على المتوفى عنها زوجها لفوات النكاح الذي هو نعمة في الدين خاصة في حقها لما فيه من قضاء شهوتها و عفتها عن الحرام و صيانة نفسها عن الهلاك بدرور النفقة و قد انقطع ذلك كله بالموت فلزمها الإحداد إظهارا للمصيبة و الحزن و قد وجد هذا المعنى في المطلقة الثلاث و المبانة فيلزمها الإحداد و قوله الإحداد في عدة الوفاة وجب لحق الزوج لا يستقيم لأنه لو كان لحق الزوج لما زاد على ثلاثة أيام كما في موت الأب