بيان كفارة الظهار .
فصل : و أما بيان كفارة الظهار فالكلام فيه يقع في مواضع : .
في تفسير كفارة الظهار و في بيان سبب وجوبها و في بيان شرط وجوبها و في بيان شرط جوازها .
أما تفسيرها : فما ذكره الله عز و جل في كتابه العزيز من أحد الأنواع الثلاثة لكن على الترتيب الإعتاق ثم الصيام ثم الإطعام و أما سبب وجوب الكفارة فلا خلاف في أن الكفارة لا تجب إلا بعد وجود العود و الظهار لقوله عز و جل : { و الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا } غير أنه اختلف في العود .
قال أصحاب الظواهر : هو أن يكون لفظ الظهار .
و قال الشافعي : هو إمساك المرأة على النكاح بعد الظهار و هو أن / يسكت عن طلاقها عقيب الظهار مقدار ما يمكنه طلاقها فيه فإذا أمسكها على النكاح عقيب الظهار مقدار ما يمكنه طلاقها فيه فلم يطلقها فقد وجبت عليه الكفارة على وجه لا يحتمل السقوط بعد ذلك سواء غابت أو ماتت و إذا غاب فسواء طلقها أو لم يطلقها راجعها أو لم يراجعها و لو طلقها عقيب الظهار بلا فصل يبطل الظهار فلا تجب الكفارة لعدم إمساك المرأة عقيب الظهار .
و قال أصحابنا : العود هو العزم على وطئها عزما مؤكدا حتى لو عزم ثم بدا له في أن لا يطأها لا كفارة عليه لعدم العزم المؤكد لا أنه وجبت الكفارة بنفس العزم ثم سقطت كما قال بعضهم لأن الكفارة بعد سقوطها لا تعود إلا بسبب جديد .
وجه قول أصحاب الظواهر : التمسك بظاهر لفظة العود لأن العود في القول عبارة عن تكراره قال الله تعالى : { ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا } : أي يرجعون إلى القول الأول فيكررونه .
وجه قول الشافعي : أن قوله تعالى : { و الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل } يقتضي وجوب الكفارة بعد العود و ذلك فيما قلنا لا فيما قلتم لأن عندكم لا تجب الكفارة و إنما يحرم الوطء إلى أن يؤدي الكفارة فترتفع الحرمة و هذا خلاف النص و لنا أن قول القائل قال فلان كذا ثم عاد قال في اللغة : يحتمل أن يكون معناه عاد إلى ما قال و فيما قال أي كرره و يحتمل أن يكون معناه عاد لنقض ما قال فإنه حكي أن أعرابيا تكلم بين يدي الأصمعي بأنه كان يبني بناء ثم يعود له فقال له الأصمعي : ما أردت بقولك أعود له ؟ .
فقال : أنقضه .
و لا يمكن حمله على الأول و هو التكرار لأن القول لا يحتمل التكرار لأن التكرار إعادة عين الأول و لا يتصور ذلك في الإعراض لكونها مستحيلة البقاء فلا يتصور إعادتها و كذا النبي صلى الله عليه و سلم : [ لما أمر أويسا بالكفارة لم يسأله أنه هل كرر الظهار أم لا ] و لو كان ذلك شرطا لسأله إذ الموضع موضع الإشكال و كذا الظهار الذي كان متعارفا بين أهل الجاهلية لم يكن فيه تكرار القول و إذا تعذر حمله على الوجه الأول يحمل على الثاني و هو العود لنقض ما قالوا و فسخه فكان معناه ثم يرجعون ( عما ) قالوا : و ذلك بالعزم على الوطء لأن ما قاله المظاهر هو تحريم الوطء فكان العود لنقضه و فسخه استباحة الوطء و بهذا تبين فساد تأويل الشافعي العود بإمساك المرأة و استبقاء النكاح لأن إمساك المرأة لا يعرف عودا في اللغة و لا إمساك شيء من الأشياء يتكلم فيه بالعود و لأن الظهار ليس برفع النكاح حتى يكون العود لما قال استبقاء للنكاح فبطل تأويل العود بالإمساك على النكاح .
و الدليل على بطلان هذا التأويل أن الله تعالى قال : { ثم يعودون لما قالوا } و ثم التراخي فمن جعل العود عبارة عن استبقاء النكاح و إمساك المرأة عليه فقد جعله عائدا عقيب القول بلا تراخ و هذا خلاف النص .
أما قوله : إن النص يقتضي وجوب الكفارة و عندكم لا تجب الكفارة فليس كذلك بل عندنا تجب الكفارة إذا عزم على الوطء كأنه قال تعالى إذا عزمت على الوطء فكفر قبله كما قال سبحانه و تعالى : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا } و قوله سبحانه : { إذا ناجيتم الرسول فقدموا } و نحو ذلك .
و اختلف أيضا في سبب وجوب هذه الكفارة .
قال بعضهم : إنها تجب بالظهار و العود جميعا لأن الله تعالى علقها بهما بقوله تعالى : { و الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة } .
و قال بعضهم : سبب الوجوب هو الظهار و العود شرط لأن الظهار ذنب ألا ترى أن الله تعالى جعله منكرا من القول وزورا و الحاجة إلى رفع الذنب و الزجر عنه في المستقبل ثابتة فتجب الكفارة لأنها رافعة للذنب و زاجرة عنه .
و الدليل عليه أنه تضاف الكفارة إلى الظهار لا إلى العود يقال كفارة الظهار و الأصل أن الأحكام تضاف إلى أسبابها لا إلى شروطها و قال بعضهم : سبب الوجوب هو العود و الظهار شرط لأن الكفارة عبادة و الظهار محظور محض فلا يصلح سببا لوجوب العبادة .
و قال بعضهم : كل واحد منهما شرط و سبب الوجوب أمر ثالث هو كون الكفارة طريقا متعينا لإيفاء الواجب و كونه قادرا على الإيفاء لأن إيفاء حقها في الوطء واجب و يجب عليه في الحكم إن كانت بكرا أو ثيبا و لم يطأها مرة و إن كانت ثيبا و قد وطئها مرة لا يجب فيما بينه و بين الله تعالى اتصال ذلك أيضا لإيفاء حقها .
و عند بعض أصحابنا : يجب / في الحكم أيضا حتى يجبر عليه و لا يمكنه إيفاء الواجب إلا برفع الحرمة و لا ترتفع الحرمة إلا بالكفارة فتلزمه الكفارة ضرورة إيفاء الواجب على الأصل المعهود أن إيجاب الشيء إيجاب له و لما لا يتوصل إليه إلا به كالأمر بإقامة الصلاة يكون أمرا بالطهارة و نحو ذلك و الله أعلم .
و أما شرط وجوبها فالقدرة على أدائها لاستحالة وجوب الفعل بدون القدرة عليه فلا يجب على غير القادر و كذا العود أو الظهار أو كلاهما على حسب اختلاف المشايخ فيه على ما مر .
و أما شرط جوازها فلجواز هذه الكفارة من الأنواع الثلاثة أعني الإعتاق و الصيام و الإطعام شرائط نذكرها في كتاب الكفارات إن شاء الله تعالى و الله عز و جل أعلم