سبب وجوب اللعان .
فصل : و أما بيان سبب وجوب اللعان فسبب وجوبه القذف بالزنا و أنه نوعان : .
أحدهما : بغير نفي الولد .
و الثاني : بنفي الولد أما الذي بغير نفي الولد فهو أن يقول لامرأته يا زانية أو زنيت أو رأيتك تزنين و لو قال لها جومعت جماعا حراما أو وطئت وطأ حرام فلا لعان و لا حد لعدم القذف بالزنا و لو قذفها بعمل قوم لوط فلا لعان و لا حد في قول أبي حنيفة .
و عند أبي يوسف و محمد : يجب اللعان بناء على أن هذا الفعل ليس بزنا ( عنده ) فلم يوجد القذف بالزنا و عندهما : هو زنا و المسألة تأتي في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى .
و لو كان له أربع نسوة فقذفهن جميعا بالزنا في كلام واحد أو قذف كل واحدة بالزنا بكلام على حدة فإن كان الزوج و هن من أهل اللعان يلاعن في كل قذف مع كل واحدة على حدة لوجود سبب وجوب اللعان في حق كل واحدة منهن و هو القذف بالزنا و إن لم يكن الزوج من أهل اللعان يحد حد القذف و يكتفى بحد واحد عن الكل لأن حد القذف يتداخل .
و لو كان الزوج من أهل اللعان و البعض منهن ليس من أهل اللعان يلاعن منهن من كانت من أهل اللعان لا غير .
و لو قال لامرأته : يا زانية بنت الزانية وجب عليه اللعان و الحد لأنه قذف زوجته و قذف أمها و قذف الزوجة يوجب اللعان و قذف الأجنبية يوجب الحد ثم إنهما إذا اجتمعا على مطالبة الحد بدىء بالحد لأجل الأم لأن في البداية إسقاط اللعان لأنه يصير محدودا في القذف فلم يبقى من أهل الشهادة و اللعان شهادة و الأصل أن الحدين إذا اجتمعا و في البداية بأحدهما إسقاط الآخر بدىء بما فيه إسقاط الآخر لقوله صلى الله عليه و سلم : [ ادرؤا الحدود ما استطعتم ] و قد استطعنا درء الحد بهذا الطريق و إن لم تطالبه الأم و طالبته المرأة يلاعن بينهما و يقام حد القذف للأم بعد ذلك إن طالبته به كذا ذكر في ظاهر الرواية .
و ذكر الطحاوي : أنه لا يقام الحد للأم بعد اللعان و هذا غير سديد لأن المانع من إقامة اللعان في المسألة الأولى هو خروج الزوج من أهلية اللعان لصيرورته محدودا في القذف و لم يوجد ههنا .
و كذلك لو كانت أمها ميتة فقال لها : يا زانية بنت الزانية كان لها المطالبة و الخصومة في القذفين لوجوب اللعان و الحد ثم إن خاصمته في القذفين جميعا يبدأ بالحد فيحد للأم حد القذف لما فيه من إسقاط اللعان و إن لم تخاصم في قذف أمها و لكنها خاصمت في قذف نفسها يلاعن بينهما و يحد للأم لما ذكرنا و كذلك الرجل إذا قذف أجنبية بالزنا ثم تزوجها و قذفها بالزنا بعد التزوج وجب عليه الحد و اللعان لوجود سبب وجوب كل واحد منهما ثم إن خاصمته في القذفين جميعا يبدأ بحد القذف حتى يسقط اللعان و لو لم تخاصم في حد القذف و خاصمت في اللعان يلاعن بينهما ثم إذا خاصمت في الحد يحد لما قلنا و الله أعلم .
و أما الذي ينفي الولد فهو أن يقول لامرأته هذا الولد من الزنا أو يقول هذا الولد ليس مني لا يكون قذفا لها بالزنا لجواز أن لا يكون ابنه بل يكون ابن غيره و لا تكون هي زانية بأن كانت / وطئت بشبهة فالجواب نعم هذا الاحتمال ثابت لكنه ساقط الاعتبار بالاجماع لأن الأمة أجمعت على أنه إن نفاه عن الأب المشهور بأن قال له لست بأبيك يكون قاذفا لأمه حتى يلزمه حد القذف مع وجود هذا الاحتمال .
و لو جاءت زوجته بولد فقال لها لم تلديه لم يجب اللعان لعدم القذف لأنه أنكر الولادة و إنكار الولادة لا يكون قذفا فإن أقر بالولادة أو شهدت القابلة على الولادة ثم قال بعد ذلك ليس بابني وجب اللعان لوجود القذف و لو قال لامرأته و هي حامل ليس هذا الحمل مني لم يجب اللعان في قول أبي حنيفة لعدم القذف بنفي الولد .
و قال أبو يوسف و محمد : إن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من وقت القذف وجب اللعان و إن جاءت به لأكثر من ستة أشهر لم يجب .
وجه قولهما : أنها إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت القذف فقد تيقنا بوجوده في البطن وقت القذف و لهذا لو أوصى لحمل امرأته فجاءت به لأقل من ستة أشهر استحق الوصية و إذا تيقنا بوجوده وقت النفي كان محتملا للنفي إذ الحمل تتعلق به الأحكام فإن الجارية ترد على بائعها و يجب للمعتدة النفقة لأجل حملها فإذا نفاه يلاعن فإذا جاءت به لأكثر من ستة أشهر فلم يتيقن بوجوده عند القذف لاحتمال أنه حادث و لهذا لا تستحق الوصية .
و لأبي حنيفة : أن القذف بالحمل لو صح إما أن يصح باعتبار الحال أو باعتبار الثاني لا وجه للأول لأنه لا يعلم وجوده للحال لجواز أنه ريح لا حمل و لا سبيل إلى الثاني لأنه يصير في معنى التعليق بالشرط كأنه قال إن كنت حاملا فأنت زانية و القذف لا يحتمل التعليق بالشرط بخلاف الرد بعيب الحبل لأنه يمكن القول بالرد على اعتبار الحال لوجود العيب ظاهرا و احتمال الريح خلاف الظاهر فلا يورث إلا شبهة و الرد بالعيب لا يمتنع بالشبهات بخلاف القذف و النفقة لا يختص وجوبها بالحمل عندنا فإنها تجب لغير الحامل و لا يقطع نسب الحمل قبل الولادة بلا خلاف بين أصحابنا .
أما عند أبي حنيفة فظاهر لأنه لا يلاعن و قطع النسب من أحكام اللعان و أما عندهما فلأن الأحكام إنما تثبت للولد لا للحمل و إنما يستحق اسم الولد بالانفصال و لهذا لا يستحق الميراث و الوصية إلا بعد الانفصال و عند الشافعي يلاعن و يقطع نسب الحمل .
و احتج بما روي : [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لاعن بين هلال بن أمية و بين امرأته و هي حامل و ألحق الولد بها ] فدل أن القذف بالحمل يوجب اللعان و قطع نسب الحمل و لا حجة له فيه لأن هلالا لم يقذفها بالحمل بل بصريح الزنا و ذكر الحمل و به نقول إن من قال لزوجته زنيت و أنت حامل يلاعن لأنه لم يعلق القذف بالشرط .
و أما قطع النسب فلأن رسول الله صلى الله عليه و سلم علم عن طريق الوحي أن هناك ولدا ألا ترى أنه قال صلى الله عليه و سلم [ إن جاءت به على صفة كذا فهو لكذا و إن جاءت به على صفة كذا فهو لكذا ] و لا يعلم ذلك إلا بالوحي و لا طريق لنا إلى معرفة ذلك فلا ينفي الولد و الله الموفق