فصل : في شرائط ركن التيمم .
فصل : و أما شرائط الركن فأنواع : .
منها : أن لا يكون واجدا للماء قدر ما يكفي الوضوء أو الغسل في الصلاة التي تفوت إلى خلف و ما هو من أجزاء الصلاة لقوله تعالى : { فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا } شرط عدم وجدان الماء لجواز التيمم و قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ التيمم وضوء المسلم و لو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء أو يحدث ] جعله وضوء المسلم إلى غاية وجود الماء أو الحدث و الممدود إلى غاية ينتهي عند وجود الغاية و لا وجود للشيء مع وجود ما ينتهي وجوده عند وجوده وقال صلى الله عليه و سلم : [ التراب طهور المسلم ما لم يجد الماء أو يحدث ] و لأنه بدل و وجود الأصل يمنع المصير إلى البدل .
ثم عدم الماء نوعان : عدم من حيث الصورة و المعنى و عدم من حيث المعنى لا من جث الصورة .
أما العدم من حيث الصورة و المعنى فهو أن يكون الماء بعيدا عنه ولم يذكر حد البعد في ظاهر الرواية و روي عن محمد أنه : قدره بالميل و هو أن يكون ميلا فصاعدا فإن كان أقل من ميل لم يجز التيمم و الميل ثلث فرسخ و قال الحسن بن زياد من تلقاء نفسه : و إن كان الماء أمامه يعتبر ميلين و إن كان يمنة أو يسرة يعتبر ميلا واحدا و بعضهم فصل بين المقيم و المسافر فقالوا : إن كان مقيما يعتبر قدر ميل كيفما كان و إن كان مسافرا و الماء على يمينه أو يساره فكذلك و إن كان أمامه يعتبر ميلين .
و روى عن أبي يوسف : أنه إن كان الماء بحيث لو ذهب إليه لا تنقطع عنه جلبة العير و يحسن أصواتهم أو أصوات الدواب فهو قريب و إن كان يغيب عنه ذلك فهو بعيد .
و قال بعضهم : إن كان بحيث يسمع أصوات أهل الماء فهو قريب و إن كان لا يسمع فهو بعيد و كذا ذكر الكرخي .
و قال بعضهم : قدر فرسخ .
و قال بعضهم : مقدار ما لا يسمع الأذان و قال بعضهم : إذا خرج من المصر مقدار ما لا يسمع لو نودي من أقصى المصر فهو بعيد و أقرب الأقاويل اعتبار الميل لأن الجواز لدفع الحرج و إليه وقعت الإشارة في آية التيمم و هو قوله تعالى على أثر الآية { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم } و لا حرج فيما دون الميل فأما الميل فصاعدا فلا يخلو عن حرج و سواء خرج من المصر للسفر أو لأمر آخر .
و قال بعضهم : لا يتيمم إلا أن يكون قصد سفرا و إنه ليس بسديد لأن ما له ثبت الجواز و هو دفع الحرج لا يفصل بين المسافر و غيره .
هذا إذا كان علم ببعد الماء ببقين أو بغلبة الرأي أو أكبر الظن أو أخبره بذلك رجل عدل و أما إذا علم أن الماء قريب منه أما قطعا أو ظاهرا أو أخبره عدل بذلك لا يجوز له التيمم لأن شرط جواز التيمم لم يوجد و هو عدم الماء و لكن يجب عليه الطلب هكذا روي عن محمد أنه قال : إذا كان الماء على ميل فصاعدالم يلزمه طلبه و إن كان أقل من ميل أتيت الماء و إن طلعت الشمس هكذا روى الحسن عن أبي حنيفة و لا يبلغ بالطلب ميلا .
و روي عبد محمد أنه يبلغ به ميلا فإن طلب أقل من ذلك لم يجز التيمم و إن خاف فوت الوقت و هو رواية عن أبي حنيفة و الأصح أنه يطلب قدر ما لا يضر بنفسه و رفقته بالانتظار و كذلك إذا كان يقرب من العمران يجب عليه الطلب حتى لو تيمم و صلى ثم ظهر الماء لم تجز صلاته لأن العمران لا يخلو عن الماء ظاهرا و غالبا و الظاهر ملحق بالمتيقن في الأحكام .
و لو كان بحضرته رجل يسأله عن قرب الماء فلم يسأله حتى تيمم و صلى ثم سأله فإن لم يخبره بقرب الماء فصلاته ماضية و إن أخبره بقرب الماء توضأ و أعاد الصلاة لأنه تبين أن الماء بقرب منه و لو سأله لأخبره فلم يوجد الشرط و هو عدم الماء و إن سأله في الابتداء فلم يخبره حتى تيمم و صلى ثم أخبره بقرب الماء لا يجب عليه إعادة الصلاة لأن المتعنت لا قول له فإن لم يكن بحضرته أحد يخبره بقرب الماء و لا غلب على ظنه أيضا قرب الماء لا يجب عليه الطلب عندنا و قال الشافعي : يجب عليه أن يطلب عن يمين الطريق و يساره قدر غلوة حتى لو تيمم و صلى قبل الطلب ثم ظهر أن الماء قريب منه فصلاته ماضية عندنا و عنده لم تجز و احتج بقوله تعالى : { فلم تجدوا ماء } و هذا يقتضي سابقية الطلب فكان الطلب شرطا و صار كما لو كان في العمران .
و لنا : أن الشرط عدم الماء و قد تحقق من حيث الظاهر إذ المفازة مكان عدم الماء غالبأ بخلاف العمران .
و قوله : الوجود يقتضي سابقية الطلب من الواجد ممنوع ألا ترى إلى قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ من وجد لقطة فليعرفها ] و لا طلب من الملتقط و لأن الطلب لا يفيد إذا لم يكن على طمع من وجود الماء و الكلام فيه و ربما ينقطع عن أصحابه فيلحقه الضرر فلا يجب عليه الطلب و لكن يستحب له ذلك إذا كان على طمع من وجود الماء فان أبا يوسف قال في الأمالي : سألت أبا حنيفة عن المسافر لا يجد الماء أيطلب عن يمين الطريق و يساره ؟ .
قال : إن طمع في ذلك فليفعل و لا يبعد فيضر بأصحابه إن انتظروه أو بنفسه إن انقطع عنهم .
ثم ما ذكرنا من اعتبار البعد و القرب مذهب أصحابنا الثلاثة .
فأما على مذهب زفر فلا عبرة للبعد و القرب في هذا الباب بل العبرة للوقت بقاء وخروجا فإن كان يصل الماء قبل خروج الوقت لا يجزيه التيمم لم و إن كان الماء بعيدا و إن كان لا يصل إليه قبل خروج الوقت يجزنه التيمم و إن كان الماء قريبا و المسألة نذكرها بعد إن شاء الله تعالى .
و أما العدم من حيث المعنى لا من حيث الصورة فهو أن يعجز عن استعمال الماء لمانع مع قرب الماء منه نحو ما إذا كان على رأس البئر ولم يجد آلة الاستقاء فيباح له التيمم لأنه إذا عجز عن استعمال الماء لم يكن واجدا له من حيت المعنى فيدخل تحت النص وكذا إذا كان بينه وبين الماء عدو أو لصوص أو سبع أو حية يخاف على نفسه الهلاك إذا أتاه لأن إلقاء النفس في التهلكة فيتحقق العجز عن استعمال الماء و كذا إذا كان معه ماء و هو يخاف على نفسه العطش لأنه مستحق الصرف إلى العطش و المستحق كالمصروف فكان عادما للماء معنى .
وسئل نصر بن يحيى عن ماء موضوع في الفلاة في الحب أو نحو ذلك أيكون للمسافر أن يتيمم أو يتوضا به ؟ .
قال : يتيمم ولا يتوضأ به لأنه لم يوضع للوضوء و إنما وضع للشرب إلا أن يكون كثيرا فيستدل بكثرته على أنه وضع للشرب و الوضوء جميعا فيتوضأ به و لا يتيمم و كذا إذا كان به جراحة أو جدري أو مرض يضره استعمال الماء فيخاف زيادة المرض باستعمال الماء يتيمم عندنا .
و قال الشافعي : لا يجوز التيمم حتى يخاف التلف .
وجه قوله : أن العجز عن استعمال الماء شرط جواز التيمم و لا يتحقق العجز إلا عند خوف الهلاك .
و لنا : قوله تعالى : { و إن كنتم مرضى أو على سفر } إلى قوله { فتيمموا صعيدا طيبا } أباح التيمم للمريض مطلقا من غير فصل بين مرض ومرض إلا أن المرض الذي لا يضر معه استعمال الماء لير بمراد فبقي المرض الذي يضر معه استعمال الماء مرادا بالنص و روي أن واحدا من الصحابة Bهم أجنب و به جدري فاستفتى أصحابه فأفتوه بالاغتسال فاغتسل فمات فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : [ قتلوه قتلهم الله هلا سألوا إذ لم يعلموا ؟ فإنما شفاء العي السؤال كان يكفيه التيمم ] و هذا نص و لأن زيادة .
المرض سبب الموت و خوف الموت مبيح فكذا خوف سبب الموت لأنه خوف الموت بواسطة و الدليل عليه أنه أثر في إباحة الإفطار و ترك القيام بلا خلاف فههنا أولى لأن القيام ركن في باب الصلاة و الوضوء شرط فخوف زيادة المرض لما أثر في إسقاط الركن فلأن يؤثر في إسقاط الشرط أولى .
و لو كان مريضا لا يضره استعمال الماء لكنه عاجز عن الاستعمال بنفسه و ليس له خادم و لا مال يستأجر به أجيرا فيعينه على الوضوء أجزأه التيمم سواء كان في المفازة أو في المصر و هو مذهب أصحابنا لأن العجز متحقق و القدرة موهومة فوجد شرط الجواز .
و روي عن محمد أنه إن كان في المصر لا يجزيه إلا أن يكون مقطوع اليد لأن الظاهر أنه يجد أحدا من قربب أو بعيد يعينه و كذا العجز لعارض على شرف الزوال بخلاف مقطوع اليدين