صفة الرضاع المحرم .
و قال مالك : لا شيء / لها .
وجه قوله : أن الفرقة جاءت من قبلها لوجود علة الفرقة منها و هي ارتضاعها لأنه بذلك يحصل اللبن في جوفها فينبت اللحم و ينشر العظم فتحصل الجزئية التي هي المعنى المؤثر في الحرمة و إنما الموجود من المرضعة التمكين من ارتضاعها بإلقائها ثديها فكانت محصلة للشرط و الحكم للعلة لا للشرط فلا يجب على الزوج للصغيرة شيء .
و لا يجب على الزوج للمرضعة شيء أيضا .
و لنا : ما ذكرنا أن الفرقة من أيهما كانت توجب سقوط كل المهر لما ذكرنا و إنما يجب نصف المهر مقدرا بالمسمى ابتداء صلة للمرأة نظرا لها و لم يوجد من الصغيرة ما يوجب خروجها عن استحقاق النظر لأن فعلها لا يوصف بالخطر و ليست هي من أهل الرضا لنجعل فعلها دلالة الرضا بارتفاع النكاح فلا تحرم نصف الصداق بخلاف الكبيرة لأن إقدامها على الإرضاع دلالة الرضا بارتفاع النكاح و هي من أهل الرضا و إرضاعها جناية فلا تستحق النظر بإيجاب نصف المهر لها ابتداء إذ الجاني لا يستحق النظر على جنايته بل يستحق الزجر و ذلك بالحرمان لئلا يفعل مثله في المستقبل فلا يجب لها شيء سواء تعمدت الفساد أو لم تتعمد لأن فعلها جناية في الحالين و يرجع الزوج بما أدى على الكبيرة إن كانت تعمدت الفساد و إن كانت لم تتعمد لم يرجع عليها كذا ذكر المشايخ و هذا قول أبي حنيفة و أبي يوسف .
و روي عن محمد : أن له أن يرجع عليها سواء تعمدت الفساد أو لم تتعمد و هو قول زفر و بشر المريسي و الشافعي .
وجه قولهم : أن هذا ضمان الإتلاف و أنه لا يختلف بالعمد و الخطأ و الدليل على أن هذا ضمان الإتلاف أن الفرقة حصلت من قبلها بإرضائها و لهذا لم تستحق المهر أصلا و رأسا سواء تعمدت الفساد أو لم تتعمد و إذا كان حصول الفرقة من قبلها بإرضائها صارت بالإرضاع مؤكدة نصف المهر على الزوج لأنه كان محتملا للسقوط بردتها أو تمكينها من ابن الزوج أو تقبيلها إذا كبرت فهي بالإرضاع أكدت نصف المهر بحيث لا يتحمل السقوط فصارت متلفة عليه ماله فتضمن وجه قول محمد أنها و إن تعمدت الفساد فهي صاحبة شرط في ثبوت الفرقة لأن علة الفرقة هي الارتضاع للصغيرة لما بينا و الحكم يضاف إلى العلة لا إلى الشرط على أن إرضاعها إن كان سبب الفرقة فهو سبب محض لأنه طرأ عليه فعل اختياري و هو ارتضاع الصغيرة و السبب إذا اعترض عليه فعل اختياري يكون سببا محضا و السبب المحض لا حكم له و إن كان صاحب السبب متعمدا في مباشرة السبب كفتح باب الإسطبل و القفص حتى خرجت الدابة و ضلت أو طار الطير و ضاع و لأن الضمان و لو وجب عليها إما أن يجب بإتلاف ملك النكاح أو بإتلاف الصداق أو بتأكيد نصفه على الزوج لا وجه للأول لأن ملك النكاح غير مضمون بالإتلاف على أصلنا و لا وجه للثاني لأنها ما أتلفت الصداق بل أسقطت نصفه الباقي بقي واجبا بالنكاح السابق و لا وجه للثالث لأن التأكيد لا يماثل التفويت فلا يكون اعتداء بالمثل و لأبي حنيفة و أبي يوسف أن الكبيرة و إن كانت محصلة شرطة الفرقة و علة الفرقة من الصغيرة كما ذكره محمد لكن الأصل أن الشرط مع العلة إذا اشتركا في الحظر و الإباحة أي في سبب المؤاخذة و عدمه فإضافة الحكم إلى العلة أولى من إضافته إلى الشرط .
فأما إذا كان الشرط محظورا و العلة غير موصوفة بالحظر فإضافة الحكم إلى الشرط أولى من إضافته إلى العلة كما في حق البئر على قارعة الطريق فالكبيرة إذا لم تكن تعمدت الفساد فقد استوى الشرط و العلة في عدم الحظر فكانت الفرقة مضافة إلى العلة و هي ارتضاعها و إن كانت تعمدت الفساد كان الشرط محظورا و هو إرضاع الكبيرة و العلة غير موصوفة بالحظر و هي ارتضاع الصغيرة فكان إضافة الحكم إلى الشرط أولى .
و إذا أضيفت الفرقة إلى الكبيرة عند تعمدها الفساد و وجب نصف المهر للصغيرة على الزوج ابتداء ملازما للفرقة صارت الفرقة الحاصلة منها كأنها علة لوجوبه لا أنه بقي النصف بعد الفرقة واجبا بالنكاح السابق لأن ذلك قول بتخصيص العلة لأنه قول ببقاء نصف المهر على وجود العلة المسقطة لكله و أنه باطل فصارت الكبيرة متلفة هذا القدر من / المال على الزوج إذ الأداء مبني على الوجوب فيثبت له حق الرجوع عليها و لهذا المعنى وجب الضمان على شهود الطلاق قبل الدخول إذا رجعوا بالإجماع بخلاف ما إذا لم تتعمد الفساد لأن عند عدم التعمد لا تكون الفرقة مضافة إلى فعل الكبيرة فلم يوجد منها علة وجوب نصف المهر على الزوج فلا يرجع عليها .
و أما مسألة فتح باب الإصطبل و القفص فكما يلزمهما يلزم محمدا لأن عنده يضمن الفاتح و إن اعترض على الفتح فعل اختياري فقد خرج الجواب عن الباقي فافهم .
ثم تعمد الفساد يثبت بثلاثة أشياء : بعلمها بنكاح الصغيرة و علمها بفساد النكاح بإرضاعها و عدم الضرورة و هي ضرورة خوف الهلاك على الصغيرة لو لم ترضعها و القول قولها في أنها لم تتعمد الفساد مع يمينها لأن الزوج بدعوى تعمد الفساد يدعي عليها الضمان و هي تنكر فكان القول قولها .
و على هذا حكم المهر و الرجوع في المسائل المتقدمة من الاتفاق و الاختلاف و لو تزوج كبيرة و صغيرتين فأرضعتهما الكبيرة فإن أرضعتهما معا حرمن عليه لأنهما جميعا صارتا بنتين للمرضعة فصار جامعا بينهن نكاحا فحرمن عليه و لا يجوز له أن يجمع بين الصغيرتين نكاحا أبدا لأنهما صارتا أختين من الرضاع و يجوز أن يتزوج بإحداهما إن كان لم يدخل بالكبيرة لأنها ربيبته من الرضاع فلا تحرم بمجرد العقد على الأم كما في النسب و إن كان قد دخل بها لا يجوز كما في النسب و إن أرضعتهما على التعاقب واحدة بعد أخرى فقد حرمت الكبيرة مع الصغيرة الأولى لأنها لما أرضعت الأولى صارت بنتا لها فجعل الجمع بين الأم و البنت فبانتا منه .
و أما الصغيرة الثانية فإنما أرضعتها بعدما بانت الكبيرة فلم يصر جامعا لكنها ربيبته من الرضاع : فإن كان قد دخل بأمها تحرم عليه و إلا فلا و لا يجوز نكاح الكبيرة بعد ذلك و لا الجمع بين الصغيرتين لما ذكرنا .
و لو تزوج كبيرة و ثلاث صبيات فأرضعتهن على التعاقب واحدة بعد أخرى حرمن عليه جميعا لأنها لما أرضعت الأولى صارت بنتا لها فحصل الجمع بين الأم و البنت فحرمتا عليه و لما أرضعت الثانية فقد أرضعتها و الكبيرة و الصغيرة الأولى مبانتان فلا يحرم بسبب الجمع لعدم الجمع و لكن ينظر إن كان قد دخل بالكبيرة تحرم عليه للحال لأنها ربيبته و قد دخل بأمها و إن كان لم يدخل بأمها لا تحرم عليه للحال حتى ترضع الثالثة فإذا ارتضعت الثالثة حرمتا عليه لأنهما صارتا أختين و الحكم في تزوج الكبيرة بعد ذلك و الجمع بين صغيرتين و تزوج إحدى الصغائر ما ذكرنا .
و لو تزوج صغيرتين و كبيرتين فعمدت الكبيرتان إلى إحدى الصغيرتين فأرضعتاها إحداهما بعد أخرى ثم أرضعتا الصغيرة الثانية واحدة بعد أخرى بانت الكبيرتان و الصغيرة الأولى و الصغيرة الثانية امرأته لأنهما لما أرضعتا الصغيرة الأولى صارت كل واحدة من الكبيرتين أم امرأته و صارت الصغيرة بنت امرأته فصار جامعا بينهن فحرمن عليه فلما أرضعتا الثانية فقد أرضعتاها بعد ثبوت البينونة فلم يصر جامعا فلا تحرم هذه الصغيرة بسبب الجمع و لكنها ابنة منكوحة كانت له فإن كان لم يدخل بها لا تحرم عليه و إن كان قد دخل بها تحرم و لا يجوز نكاح واحدة من الكبيرتين بعد ذلك بحال و الأمر في جواز نكاح الصغيرة الأولى على التفصيل الذي مر .
و لو كانت إحدى الكبيرتين أرضعت الصغيرتين واحدة بعد الأخرى ثم أرضعت الكبيرة الأخرى الصغيرتين واحدة بعد الأخرى ينظر إن كانت الكبيرة الأخيرة بدأت بالتي بدأت بها الكبيرة الأولى بانت الكبيرتان و الصغيرة الأولى و الصغيرة الأخرى امرأته و إن كانت بدأت بالتي لم تبدأ بها الأولى حرمن عليه جميعا و إنما كان كذلك لأن الكبيرة الأولى لما أرضعت الصغيرة الأولى فقد صارت بنتها فحصل الجمع بين الأم و البنت فحرمتا عليه فلما أرضعت الأخرى أرضعتها و هي أجنبية فلم يتحقق الجمع لكن صارت الأخرى ربيبته فإن كان لم يدخل بأمها لا تحرم و إن كان قد دخل بها تحرم فلما جاءت الكبيرة الأخيرة فأرضعت الصغيرة الأولى فقد صارت أم منكوحته فحرمت عليه فلما أرضعت الصغيرة الأخرى فقد أرضعتها و هي أجنبية فصارت ربيبته فلا تحرم إذا كان لم يدخل بأمها و إن كان قد دخل بأمها / تحرم و إذا كانت الكبيرة الأخيرة بدأت بالتي لم تبدأ بها الكبيرة الأولى فقد صارت بنتا لها فصار جامعها مع أمها فحرمتا عليه كما حرمت الكبيرة الأولى مع الصغيرة الأولى فحرمن جميعا .
و لو كان تحته صغيرة و كبيرة فأرضعت أم الكبيرة الصغيرة بانتا لأنهما صارتا أختين و كذا إذا أرضعت أخت الكبيرة الصغيرة لأنها صارت بنت أخت امرأته و الجمع بين المرأة و بين بنت أختها لا يجوز في الرضاع كما لا يجوز في النسب و لو أرضعتها عمة الكبيرة أو خالتها لم تبن لأنها صارت بنت عمة امرأته أو بنت خالتها و يجوز للإنسان أن يجمع بين امرأة و بين بنت عمها أو بنت خالتها في النسب فكذا في الرضاع .
و لو طلق رجلا امرأته ثلاثا ثم أرضعت المطلقة قبل انقضاء عدتها امرأة له صغيرة بانت الصغيرة لأنها صارت بنتا له فحصل الجمع في حال العدة و الجمع في حال قيام العدة كالجمع في حال قيام النكاح : و لو زوج ابنه و هو صغير امرأة لها لبن فارتدت و بانت من الصبي ثم أسلمت فتزوجها رجل فحبلت منه ثم أرضعت بلبنها ذلك الصبي الذي كان زوجها حرمت على زوجها الثاني كذا روى بشر بن الوليد عن محمد لأن ذلك الصبي صار ابنا لزوجها فصارت هي منكوحة ابنه من الرضاع فحرمت عليه .
و لو زوج رجل أم ولده مملوكا له صغيرا فأرضعته بلبن السيد حرمت على زوجها و على مولاها لأن الزوج صار ابنا لزوجها فصارت هي موطوءة أبيه فتحرم عليه و لا يجوز للمولى أن يطأها بملك اليمين لأنها منكوحة ابنه و لو تزوج صغيرة فطلقها ثم تزوج كبيرة لها لبن فأرضعتها حرمت عليه لأنها صارت أم منكوحة كانت له فتحرم بنكاح البنت و الله عز و جل أعلم