فيمن أجب في ليلة باردة .
و لو أجنب في ليلة باردة يخاف على نفسه الهلاك لو اغتسل و لم يقدر على تسخين الماء و لا على أجرة الحمام في المصر أجزأه التيمم في قول أبي حنيفة و قال أبو يوسف و محمد : إن كان في المصر لا يجزئه .
وجه قولهما : أن الظاهر في المصر وجود الماء المسخن و الدفء فكان العجز نادرا فكان ملحقا بالعدم .
و لأبي حنيفة : ما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أنه بعث سرية و أمر عليهم عمرو بن العاص Bه وكان ذلك في غزوة ذات السلاسل ] فلما رجعوا شكوا منه أشياء من جملتها أنهم قالوا : صلى بنا و هو جنب فذكر النبي صلى الله عليه و سلم ذلك له فقال : يا رسول الله أجنبت في ليلة باردة و خفت على نفسي الهلاك لو اغتسلت فذكرت ما قال الله تعالى : { و لا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } فتيممت وصليت بهم .
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ألا ترون صاحبكم كيف نظر لنفسه و لكم ] و لم يأمره بالإعادة ولم يستفسره إنه .
كان في مفازة أو مصر و لأنه علل فعله بعلة عامة و هي خوف الهلاك ورسول الله صلى الله عليه و سلم استصوب ذلك منه و الحكم يتعمم بعموم العلة .
و قولهما : إن العجز في المصر نادر فالجواب عنه إنه في حق الفقراء الغرباء ليس بنادر على أن الكلام فيما إذا تحقق العجز من كل وجه حتى لو قدر على الاغتسال بوجه من الوجوه لا يباح له التيمم و لو كان مع رفيقه ماء فإن لم يعلم به لا يجب عليه الطلب عندنا و عند الشافعي : يجب على ما ذكرنا و إن علم به ولكن لا ثمن له فكذلك عند أبي حنيفة و قال أبو يوسف عليه السؤال .
وجه قوله : أن الماء مبذول في العادة لقلة خطره فلم يعجز عن الاستعمال و لأبي حنيفة أن العجز متحقق و القدرة موهومة لأن الماء من أعز الأشياء في السفر فالظاهر عدم البذل فإن سأله فلم يعطه أصلا أجزأه التيمم لأن العجز قد تقرر و كذا إن كان يعطيه بالثمن و لا ثمن له لما قلنا و إن كان له ثمن ولكن لا .
يبيعه إلا بغبن فاحش يتيمم و لا يلزمه الشراء عند عامة العلماء و قال الحسن البصري يلزمه الشراء و لو بجميع ماله لأن هذه تجارة رابحة .
و لنا : أنه عجز عن استعمال الماء إلا باتلاف شيء من ماله لأن ما زاد على ثمن المثل لا يقابله عوض و حرمة مال المسلم كحرمة دمه .
قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ حرمة مال المسلم كحرمة دمه ] و لهذا أبيح له القتال دون ماله كما أبيح له دون نفسه ثم خوف فوات بعض النفس مبيح للتيمم فكذا فوات بعض المال بخلاف الغبن اليسير فان تلك الزيادة غير معتبرة لما يذكر ثم قدر الغبن الفاحش في هذا الباب بتضعيف الثمن