شرائط وجوب هذه النفقة .
فصل : و أما شرط وجوب هذه النفقة فلوجوبها شرطان : .
أحدهما : يعم النوعين جميعا أعني نفقة النكاح و نفقة العدة .
و الثاني : يخص أحدهما و هو نفقة العدة .
أما الأول : فتسليم المرأة نفسها إلى الزوج وقت وجوب التسليم و نعني بالتسليم التخلية و هي أن تخلي بين نفسها و بين زوجها برفع المانع من وطئها أو الاستمتاع بها حقيقة إذا كان المانع من قبلها أو من قبل غير الزوج فإن لم يوجد التسليم على هذا التفسير وقت وجوب التسليم فلا نفقة لها .
و على هذا تخرج مسائل : إذا تزوج بالغة حرة صحيحة سليمة و نقلها إلى بيته فلها النفقة لوجود سبب الوجوب و شرطه و كذلك إذا لم ينقلها و هي بحيث لا تمنع نفسها و طلبت النفقة و لم يطالبه بالنقلة فلها النفقة لأنه وجد سبب الوجوب و هو استحقاق الحبس و شرطه و هو التسليم على التفسير الذي ذكرنا فالزوج بترك النقلة ترك حق نفسه مع إمكان الاستيفاء فلا يبطل حقها في النفقة فإن طالبها بالنقلة فامتنعت فإن كان امتناعها بحق بأن امتنعت لاستيفاء مهرها العاجل فلها النفقة لأنه لا يجب عليها التسليم قبل استيفاء العاجل من مهرها فلم يوجد منها الامتناع من التسليم وقت وجوب التسليم و على هذا قالوا لو طالبها بالنقلة بعدما أوفاها المهر إلى دار مغصوبة فامتنعت فلها النفقة لأن امتناعها بحق فلم يجب عليها التسليم فلم تمنع من التسليم حال وجوب التسليم .
و لو كانت ساكنة منزله فمنعته من الدخول عليها لا على سبيل النشوز فإن قالت : حولني إلى منزلك أو اكتر لي منزلا أنزله فإني أحتاج إلى منزلي هذا آخذ كراءه فلها النفقة لأن امتناعها عن التسليم في بيتها لغرض التحويل إلى منزله أو إلى منزل الكراء امتناع بحق فلم يوجد منها الامتناع من التسليم وقت وجوب التسليم و إن كان بغير حق بأن كان الزوج قد أوفاها مهرها أو كان مؤجلا فلا نفقة لها لانعدام التسليم حال وجوب التسليم فلم يوجد شرط الوجوب فلا تجب و لهذا لم تجب النفقة للناشزة و هذه ناشزة .
و لو منعت نفسها عن زوجها بعدما دخل بها برضاها لاستيفاء مهرها فلها النفقة عند أبي حنيفة لأنه منع بحق عنده و عندهما لا نفقة لها لكونه منعا بغير حق عندهما و لو منعت نفسها عن زوجها بعدما دخل بها على كره منها فلها النفقة لأنها محقة في المنع و إن كانت صغيرة يجامع مثلها فهي كالبالغة في النفقة لأن المعنى الموجب للنفقة يجمعهما و إن كانت لا يجامع مثلها فلا نفقة لها عندنا و عند الشافعي : لها النفقة بناء على أن سبب الوجوب عنده النكاح .
و شرطه : عدم النشوز و قد وجد أو شرط الوجوب عندنا تسليم النفس و لا يتحقق التسليم في الصغيرة إلى لا يجامع مثلها لا منها و لا من غيرها لقيام المانع / في نفسها من الوطء و الاستمتاع لعدم قبول المحل لذلك فانعدم شرط الوجوب فلا يجب .
و قال أبو يوسف : إذا كانت الصغيرة تخدم الزوج و ينتفع الزوج بها بالخدمة فسلمت نفسها إليه فإن شاء ردها و إن شاء أمسكها فإن أمسكها فلها النفقة و إن ردها فلا نفقة لها لأنها إذا لم تحتمل الوطء لم يوجد التسليم الذي أوجبه العقد فكان له أن يمتنع من القبول فإن أمسكها فلها النفقة لأنه حصل له منها نوع منفعة و ضرب من الاستمتاع و قد رضي بالتسليم القاصر و إن ردها فلا نفقة لها حتى يجيء بحال يقدر فيها على جماعها لانعدام التسليم الذي أوجبه العقد و عدم رضاه بالتسليم القاصر .
و إن كان الزوج صغيرا و المرأة كبيرة فلها النفقة لوجود التسليم منها على التفسير الذي ذكرنا و إنما عجز الزوج عن القبض و أنه ليس بشرط لوجوب النفقة و كذلك لو كان الزوج مجبوبا أو عنينا أو محبوسا في دين أو مريضا لا يقدر على الجماع أو خارجا للحج فلها النفقة لما قلنا .
و لو كانت المرأة مريضة قبل النقلة مرضا يمنع من الجماع فنقلت و هي مريضة فلها النفقة بعد النقلة و قبلها أيضا فإذا طلبت النفقة فلم ينقلها الزوج و هي لا تمتنع من النقلة لو طالبها الزوج و إن كانت تمتنع فلا نفقة لها كالصحيحة كذا ذكر في ظاهر الرواية .
و روي عن أبي يوسف : أنه لا نفقة لها قبل النقلة فإذا نقلت و هي مريضة فله أن يردها وجه رواية أبي يوسف أنه لم يوجد التسليم إذا هو تخلية و تمكين و لا يتحقق ذلك مع المانع و هو تبوؤ المحل فلا تستحق النفقة كالصغيرة التي لا تحتمل الوطء و إذا سلمت نفسها و هي مريضة له أن يردها لأن التسليم الذي أوجبه العقد و هو التسليم الممكن من الوطء لما لم يوجد كان له أن لا يقبل التسليم الذي لم يوجبه العقد و هكذا قال أبو يوسف في الصغيرة التي لم يجامع مثلها أن له أن يردها لما قلنا .
وجه ظاهر الرواية : أن التسليم في حق التمكين من الوطء إن لم يوجد فقد وجد في حق التمكين من الاستمتاع و هذا يكفي لوجوب النفقة كما في الحائض و النفساء و الصائمة صوم رمضان و إذا امتنعت فلم يوجد منها التسليم رأسا فلا تستحق النفقة .
و قال أبو يوسف : إذا كانت المريضة تؤنسه و ينتفع بها في غير الجماع فإن شاء ردها و إن شاء أمسكها فإن أمسكها فلها النفقة و إن ردها فلا نفقة لها لما ذكرنا في الصغيرة و إن نقلت و هي صحيحة ثم مرضت في بيت الزوج مرضا لا تستطيع معه الجماع لم تبطل نفقتها بلا خلاف لأن التسليم المطلق و هو التسليم الممكن من الوطء و الاستمتاع قد حصل بالانتقال لأنها كانت صحيحة كذا الانتقال ثم قصر التسليم لعارض يحتمل الزوال فأشبه الحيض أو نقول التسليم المستحق بالعقد في حق المريضة التي لا تحتمل الجماع قبل الانتقال و بعده هو التسليم في حق الاستمتاع لا في حق الوطء كما في حق الحائض و كذا إذا نقلها ثم ذهب عقلها فصارت معتوهة مغلوبة أو كبرت فطعنت في السن حتى لا يستطيع زوجها جماعها أو أصابها بلاء فلها النفقة لما قلنا و لو حبست في دين ذكر في الجامع الكبير أن لا نفقة لها و لم يفصل بين ما إذا كان الحبس قبل الانتقال أو بعده و بين ما إذا كانت قادرة على التخلية أو لا لأن حبس النكاح قد بطل بأعراض حبس الدين لأن صاحب الدين أحق بحبسها بالدين و فات التسليم أيضا بمعنى من قبلها و هو مطلها فصارت كالناشزة .
و ذكر الكرخي : أنها إذا كانت محبوسة في دين من قبل النقلة فإن كانت تقدر على أن تخلي بينه و بين نفسها فلها النفقة و إن كانت في موضع لا تقدر على التخلية فلا نفقة لها و هذا تفسير ما أجمله محمد في الجامع لأنها إذا كانت تقدر على أن توصله إليها فالظاهر منها عدم المنع لو طالبها الزوج و هذا تفسير التسليم فإن لم يطالبها فالتقصير جاء من قبله فلا يسقط حقها و إن كانت لا تقدر على التخلية فالتسليم فات بمعنى من قبلها و هو مماطلتها فلا تستوجب النفقة و لو حبست بعد النقلة لم تبطل نفقتها لما قلنا في المريضة و ذكر القدوري أن ما ذكره الكرخي في الحبس محمول على ما إذا كانت محبوسة لا تقدر على قضائه فإما إذا كانت قادرة على القضاء فلم تقض فلا نفقة لها و هذا صحيح لأنها إذا لم تقض مع القدرة على القضاء صارت كأنها حبست نفسها فتصير بمعنى الناشزة و لو فرض القاضي لها النفقة ثم أخذها / رجل كارهة فهرب بها شهرا أو غصبها غاصب لم يكن لها نفقة في المدة التي منعها لفوات التسليم لا لمعنى من جهة الزوج .
و روي عن أبي يوسف : أن لها النفقة لأن الفوات ما جاء من قبلها و الرتقاء و القرناء لهما النفقة بعد النقلة و قبلها إذا طلبتا و لم يظهر منهما الإمتاع في ظاهر الرواية و روي عن أبي يوسف أن لهما النفقة بعد الانتقال فأما قبل فلا نفقة لهما .
وجه رواية أبي يوسف : أن التسليم الذي أوجبه العقد لم يوجد في حقهما قبل الانتقال و بعده إلا أنه لما قبلهما مع العلم بالعيب فقد رضي بالتسليم القاصر كما قال في المريضة إلا أن ههنا قال : لا يجوز له أن يردهما و قال في الصغيرة التي ينتفع بها في الخدمة و المريضة التي يستأنس بها إن له أن يردهما .
وجه ظاهر الرواية : أن العقد انعقد في حقهما موجبا تسليم مثلهما و هو التمكين من الاستمتاع دون الوطء و هذا النوع من التسليم يكفي لاستحقاق النفقة كتسليم الحائض و النفساء و المحرمة و الصائمة مع ما أن التسليم المطلق يتصور منهما بواسطة إزالة المانع من الرتق و القرن بالعلاج فيمكن الانتفاع بهما وطأ و لو حجت المرأة حجة فريضة فإن كان ذلك قبل النقلة فإن حجت بلا محرم و لا زوج فهي ناشزة و إن حجت مع محرم لها دون الزوج فلا نفقة لها في قولهم جميعا لأنها امتنعت من التسليم بعد وجوب التسليم فصارت كالناشزة و إن كانت انتقلت إلى منزل الزوج ثم حجت مع محرم لها دون الزوج فقد قال أبو يوسف لها النفقة و قال محمد : لا نفقة لها .
وجه قول محمد : أن التسليم قد فات بأمر من قبلها و هو خروجها فلا تستحق النفقة كالناشزة .
و لأبي يوسف : أن التسليم المطلق قد حصل بالانتقال إلى منزل الزوج ثم فات بعارض أداء فرض و هذا لا يبطل النفقة كما لو انتقلت إلى منزل زوجها ثم لزمها صوم رمضان أو نقول حصل التسليم المطلق بالانتقال ثم فات لعذر فلا تسقط النفقة كالمريضة ثم إذا وجبت لها النفقة على أصل أبي يوسف يفرض لها القاضي نفقة الإقامة لا نفقة السفر لأن الزوج لا يلزمه إلا نفقة الحضر فأما زيادة المؤونة التي تحتاج إليها المرأة في السفر من الكراء و نحو ذلك فهي عليها لا عليه لأنها لأداء الفرض و الفرض عليها فكانت تلك المؤونة عليها لا عليه كما لو مرضت في الحضر كانت المداواة عليها لا على الزوج فإن جاورت بمكة أو أقامت بها بعد أداء الحج إقامة لا تحتاج إليها سقطت نفقتها لأنها غير معذورة في ذلك فصارت كالناشزة فإذا طلبت نفقة ثلاثة أشهر قدر الذهاب و المجيء لم يكن على الزوج ذلك و لكن يعطيها نفقة شهر واحد فإذا عادت أخذت ما بقي لأن الواجب عليه لها نفقة الإقامة لا نفقة السفر و نفقة الإقامة تفرض لها كل شهر فشهر و هذه الجملة لا تتفرع على أصل محمد هذا إذا لم يخرج الزوج معها إلى الحج فأما إذا خرج فلها النفقة بلا خلاف لوجود التسليم المطلق لإمكان الإنتفاع بها وطأ و استمتاعا في الطريق فصارت كالمقيمة في منزله .
و لو آلى منها أو ظاهر منها فلها النفقة لأن حق الحبس قائم و التسليم موجود و لتمكنه من وطئها و الاستمتاع بها بغير واسطة في الإيلاء و بواسطة تقديم الكفارة في الظهار فوجد سبب وجوب النفقة و شرط وجوبها فتجب .
و لو تزوج أخت امرأته أو عمتها أو خالتها و لم يعلم بذلك حتى دخل بها فرق بينهما و وجب عليه أن يعتزلها مدة عدة أختها فلامرأته النفقة لوجود سبب الوجوب و شرطه و هو التسليم إلا أنه امتنع الانتفاع بها بعارض يزول فأشبه الحيض و النفاس و صوم رمضان و لا نفقة لأختها و إن وجبت عليها العدة لأنها معتدة من نكاح فاسد .
و على هذا الأصل يخرج ما إذا تزوج حر أو عبد أمة أو قنة أو مدبرة أو أم ولد أنه إن بوأها المولى تجب النفقة و إلا فلا لأن سبب الوجوب و هو حق الحبس و شرطه و هو التسليم لا يتحقق بدون التبوئة لأن التبوئة هو أن يخلي المولى بينها و بين زوجها في منزل زوجها لا يستخدمها فإذا كانت مشغولة بخدمة المولى لم تكن محبوسة عند الزوج و لا مسلمة إليه و لا يجبر المولى على التبوئة لأن خدمتها حق المولى فلا يجبر الإنسان على إيفاء حق نفسه لغيره فإن بوأها المولى ثم بدا له أن يستخدمها فله ذلك لما ذكرنا أن خدمتها حق المولى لأن منافع سائر الأعضاء بقيت على ملكه و إنما أعارها للزوج بالتبوئة و للمعير أن يسترد عاريته و لا نفقة على الزوج مدة الاستخدام / لفوات التسليم فيها من جهة المولى و لو بوأها مولاها بيت الزوج فكانت تجيء في أوقات إلى مولاها فتخدمه من غير أن يستخدمها قالوا : لا تسقط نفقتها لأن الاسترداد إنما يحصل بالاستخدام و لم يوجد و لأن هذا القدر من الخدمة لا يقدح في التسليم كالحرة إذا خرجت إلى منزل أبيها و إن كانت مكاتبة تزوجت بإذن المولى حتى جاز العقد فلها النفقة و لا يشترط التبوئة لأن خدمتها ليست حق المولى إذ لا حق للمولى في منافعها .
ألا ترى أنه ليس للمولى أن يستخدمها فكانت في منافعها كالحرة فيجبر المولى على التسليم و يجب على الزوج النفقة و العبد إذا تزوج بإذن المولى حرة أو أمة فهو في وجوب النفقة كالحر لاستوائهما في سبب الوجوب و هو حق الحبس و شرطه هو التسليم و لهذا استويا في وجوب المهر إلا أن الفرق بينهما أن النفقة إذا صارت مفروضة على العبد تتعلق برقبته و كسبه يباع فيها إلا أن يفديه المولى فيسقط حق الغريم كسائر الديون و يبدأ بها قبل الغلة لمولاه فإن كان المولى ضرب عليه ضريبة فإن نفقة امرأته تقدم على ضريبة مولاه لأنها بالفرض صارت دينا في رقبته حتى يباع بها فأشبه سائر الديون بخلاف الغلة فإنها لا تجب للمولى على عبده دين في الحقيقة فإن مات العبد قبل البيع بطلت النفقة و لا يؤخذ المولى بشيء لفوات محل التعليق فيبطل التعليق كالعبد المرهون إذا هلك يبطل الدين الذي تعلق به .
و كذلك إذا قتل العبد في ظاهر الرواية و ذكر الكرخي : أنه إذا قتل كانت النفقة في قيمته .
وجه ما ذكره الكرخي : أن القيمة قامت مقام العبد لأنها بدله فتقوم مقامه كأنه هو كما في سائر الديون .
وجه ظاهر الرواية : أن القيمة تقام مقام الرقبة في الديون المطلقة لا فيما يجري مجرى الصلات و النفقة تجري مجرى الصلات على أصل أصحابنا لما نذكر إن شاء الله تعالى فتسقط بالموت قبل القبض كسائر الصلات و لهذا لو كان الزوج حرا فقتل خطأ سقطت عندنا و لا تقام الدية مقامه فكذا إذا كان عبدا و كذلك المدبر و أم الولد لما قلنا غير أن هؤلاء لا يباعون لأن ديونهم تتعلق بأكسابهم لا برقابهم لتعذر استيفائها من رقابهم لأن الاستيفاء بالبيع و رقابهم لا تحتمل البيع .
و أما المكاتب : فعندنا يتعلق الدين برقبته و كسبه كالقن لقصور الاستيفاء من رقبته لاحتمال العجز لأنه إذا عجز يعود قنا فيسعى فيها ما دام مكاتبا فإذا قضي بعجزه و صار قنا يباع فيها إلا أن يفديه المولى كما في الكتابة .
و أما المعتق البعض : فهو عند أبي حنيفة بمنزلة المكاتب إلا أنه لا يتصور فيه العجز و البيع في الدين فيسعى في نفقتها و عندهما هو حر عليه دين و لا يجب على العبد نفقة ولده سواء كان من امرأة حرة أو أمة لأنه إن كان من حرة يكون حرأ فلا يجب على العبد نفقة الحر و تكون على الأم نفقته إن كانت غنية و إن كانت محتاجة فعلى من يرث الولد من القرابة و إن كان من أمة فيكون عبدا لمولاها فلا يلزم غير نفقته و كذلك الحر إذا تزوج أمة فولدت له أولادا فنفقة الأولاد على مولى الأمة لأنهم ممماليكه و العبد و الحر في ذلك سواء و كذلك المدبرة و أم الولد في هذه الأمة القنة لما قلنا .
و إن كان مولى الأمة في هذه المسائل فقيرا و الزوج أب الولد غنيا لا يؤمر الأب بالنفقة على ولده بل إما أن يبيعه مولاه أو ينفق عليه إن كان من أمة قنة و إن كان من مدبرة أو أم ولد ينفق الأب عليه ثم يرجع على المولى إذا أيسر لتعذر الجبر على البيع ههنا لعدم قبول المحل .
فإما إذا كانت مكاتبة فنفقة أولادها لا تجب على زوجها و إنما تجب على الأم المكاتبة سواء كان الأب حرا أو عبدا لأن ولد المكاتبة ملك المولى رقبة و هو حق المكاتبة كسبا ألا ترى أنها تستعين بإكسابه في رقبتها و عتقها و إذا كانت أكسابه حقا لها كانت نفقته عليها لأن نفقة الإنسان تتبع كسبه قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه ] و إن زوج ابنته من عبده فلها النفقة على العبد لأن البنت يجب عليها على أبيها دين فيجوز أن يجب على عبد أبيها و إن زوج أمته من عبده فنفقتهما جميعا على المولى لأنهما جميعا ملك المولى و الله عز و جل أعلم .
و الكتابية في استحقاق النفقة على زوجها المسلم كالمسلمة لاستوائهما في سبب الاستحقاق و شرطه و الذمي في وجوب النفقة عليه لزوجته التي ليست / من محارمه كالمسلم لاستوائهما في سبب الوجوب و شرطه و لأن ما ذكرنا من دلائل الوجوب لا يوجب الفصل بين المسلم و الذمي في النفقة و لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ و إذا قبلوا عقد الذمة فأعلمهم أن لهم ما للمسلمين و عليهم ما على المسلمين ] و على المسلم نفقة زوجته فهكذا على الذمي .
و أما إذا كانت من محارمه فقد قال أبو حنيفة : أنها إذا طلبت النفقة فإن القاضي يقضي بالنفقة لها .
و عند أبي يوسف و محمد و زفر و الشافعي : لا يقضي بناء على أن هذا النكاح فاسد عندهم و أما عند أبي حنيفة فقد ذكر بعض مشايخنا أنه صحيح عندهم حتى قال : إنهما يقران عليه و لا يعترض عليهما قبل أن يترافعا أو يسلم أحدهما .
و ذكر الكرخي : أن هذا النكاح فاسد بالإجماع و إنما أوجب أبو حنيفة النفقة مع فساد هذا النكاح لأنهما يقران عليه مع فساده عنده فإن أبا حنيفة قال : إني أفرض عليه النفقة لكل امرأة أقرت على نكاحها جائزا كان النكاح عندي أو باطلا و وجهه أنه لما أقره على نكاحها فقد ألحق هذا النكاح بالنكاح الصحيح في حق وجوب النفقة و قد يلحق النكاح الفاسد بالصحيح في بعض الأحكام من النسب و العدة و غير ذلك و يستوي في استحقاق هذه النفقة المعسرة و الموسرة فتستحق الزوجة النفقة على زوجها و إن كانت موسرة لاستوائهما في سبب الاستحقاق و شرطه و لأن هذه النفقة لها شبه بالأعواض فيستوي فيها الفقير و الغني كنفقة القاضي و المضارب بخلاف نفقة المحارم إنها لا تجب للغني لأنها تجب صلة محضة لمكان الحاجة فلا تجب عند عدم الحاجة و تجب هذه النفقة من غير قضاء القاضي لكنها لا تصير دينا في الذمة إلا بقضاء أو رضا على ما نذكر إن شاء الله تعالى بخلاف نفقة ذوي الأرحام فإنها لا تجب من غير قضاء القاضي و نفقة الوالدين و المولودين تجب من غير قضاء القاضي و الفرق بين هذه الجملة يذكر في نفقة الأقارب إن شاء الله تعالى و لا نفقة للناشزات لفوات التسليم بمعنى من جهتها و هو النشوز و النشوز في النكاح أن تمنع نفسها من الزوج بغير حق خارجة من منزله بأن خرجت بغير إذنه و غابت أو سافرت فأما إذا كانت في منزله و منعت نفسها في رواية فلها النفقة لأنها محبوسة لحقه منتفع بها ظاهرا و غالبا فكان معنى التسليم حاصلا و النشوز في العدة أن تخرج من بيت العدة مراغمة لزوجها أو تخرج لمعنى من قبلها و قد روي أن فاطمة بنت قيس كانت تبدو على أحمائها فنقلت النبي صلى الله عليه و سلم إلى بيت ابن أم مكتوم و لم يجعل لها نفقة و لا سكنى لأن الإخراج كان بمعنى من قبلها فصارت كأنها خرجت بنفسها مراغمة لزوجها .
و أما الثاني : و هو الشرط الذي يخص نفقة العدة فهو أن لا يكون وجوب العدة بفرقة حاصلة من قبلها بسبب محظور استحسانا و القياس أنه ليس بشرط و قد مر وجه القياس و الاستحسان فيما تقدم و كل امرأة لها النفقة فلها الكسوة لقوله تعالى : { و على المولود له رزقهن و كسوتهن بالمعروف } و غير ذلك من النصوص التي ذكرناها فيما تقدم و لأن سبب وجوبهما لا يختلف و كذا شرط الوجوب و يجبان على الموسر و المعسر لأن دليل الوجوب لا يفصل و الله سبحانه و تعالى أعلم .
و كل امرأة لها النفقة لها السكنى لقوله عز و جل : { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم } و قرأ ابن مسعود Bه : ( أسكنوهن من حيث سكنتم و أنفقوا عليهن من وجدكم ) و لأنهما استويا في سبب الوجوب و شرطه و هو ما ذكرنا فيستويان في الوجوب و يستوي في وجوبهما أصل الوجوب الموسر و المعسر لأن دلائل الوجوب لا توجب الفصل و إنما يختلفان في مقدار الواجب منهما و سنبينه إن شاء الله تعالى في موضعه .
و لو أراد الزوج أن يسكنها مع ضرتها أو مع أحمائها كأم الزوج و أخته و بنته من غيرها و أقاربه فأبت ذلك عليه أن يسكنها في منزل مفرد لأنهن ربما يؤذينها و يضرون بها في المساكنة و إباؤها دليل الأذى و الضرر و لأنه يحتاج إلى أن يجامعها و يعاشرها في أي وقت يتفق و لا يمكنه ذلك إذا كان معهما ثالث حتى لو كان في الدار بيوت ففرغ لها بيتا و جعل لبيتها غلقا على حدة قالوا إنها ليس لها أن تطالبه ببيت آخر .
و لو كانت في منزل الزوج و ليس معها أحد يساكنها فشكت إلى القاضي أن الزوج يضربها و يؤذيها سأل القاضي جيرانها فإن أخبروا بما قالت و هم قوم صالحون فالقاضي يؤدبه / و يأمره بأن يحسن إليها و يأمر جيرانه أن يتفحصوا عنها و إن لم يكن الجيران قوما صالحين أمره القاضي أن يحولها إلى جيران صالحين فإن أخبروا القاضي بخلاف ما قالت أقرها هناك و لم يحولها و للزوج أن يمنع أباها و أمها و ولدها من غيره و محارمها من الدخول عليها لأن المنزل منزله فكان له أن يمنع من شاء و ليس له أن يمنعهم من النظر إليها و كلامها خارج المنزل لأن ذلك ليس بحق له إلا أن يكون في ذلك فتنة بأن يخاف عليها الفساد فله أن يمنعهم من ذلك أيضا