تفسير الغبن .
و ذكر في النوادر فقال : إن كان الماء يشترى في ذلك الموضع بدرهم و هو لا يبيعه إلا بدرهم ونصف يلزمه الشراء و إن كان لا يبيع إلا بدرهمين لا يلزمه و إن كان يبيعه بثمن المثل في ذلك الموضع يلزمه الشراء لأنه فدر على استعمال الماء بالقدرة على بدله من غير إتلاف فلا يجوز له التيمم كمن قدر على ثمن الرقبة لا يجوز له التكفير بالصوم و إن كان لا يبيع إلا بغبن يسير فكذلك عند أصحابنا و قال الشافعي : لا يلزمه الشراء اعتبارا بالغبن الفاخر .
و هذا الاعتبار غير سديد لأن ما لا يتغابن الناس فيه فهو زيادة متيقن بها لأنها لا تدخل تحت اختلاف المقومين فكانت معتبرة و ما يتغابن الناس فيه يدخل تحت اختلافهم فعند بعضهم هو زيادة و عند بعضهم : ليس بزيادة فلم تكن زيادة متحققة فلا تعتبر .
و ذكر الكرخي في جامعه إن المصلي إذا رأى مع رفيقه ماءا كثيرا و لا يدري أيعطيه أم لا : إنه يمضي على صلاته لأن الشروع قد صح فلا ينقطع بالشك فإذا فرغ من صلاته سأله فإن أعطاه توضأ و استقبل الصلاة لأن البذل بعد الفراغ دليل البذل قبله و إن أبى فصلاته ماضية لأن العجز قد تقرر فإن أعطاه بعد ذلك لم ينتقض ما مضى لأن عدم الماء استحكم بالإباء و يلزمه الوضوء لصلاة أخرى لأن حكم الإباء ارتفض بالبذل .
و قال محمد : في رجلين مع أحدهما إناء يغترف به من البئر و و وعد صاحبه أن يعط الإناء قال ينتظر و إن خرج الوقت لأن الظاهر هو الوفاء بالعهد فكان قادر ا على استعمال الماء بالوعد و كان قادرا على استعمال الماء ظاهرا فيمنع المصير إلى التيمم وكذا إذا وعد الكاسي العاري أن يعطيه الثوب إذا فرغ من صلاته لم تجزه الصلاة عريانا لما قلنا و على هذا الأصل يخرج المسافر يتيمم و في رحله ماء لم يعلم به حتى صلى ثم علم به أجزأه في قول أبي حنيفة و محمد و لا يلزمه الإعادة و قال أبو يوسف : لم يجزئه و يلزمه الإعادة و هو قول الشافعي C تعالى .
و أجمعوا على أنه لو صلى في ثوب نجس ناسيا أو توضأ بماء نجس ناسيا ثم تذكر لا يجزئه و تلزمه الإعادة لأبي يوسف وجهان : .
أحدهما : أنه نسي ما لا ينسى عادة لأن الماء من أعز الأشياء في السفر لكونه سببا لصيانة نفسه عن الهلاك فكان القلب متعلقا به فالتحق النسيان فيه بالعدم .
و الثاني : أن الرحل موضع الماء عادة غالبا لحاجة المسافر إليه فكان الطلب واجبا فإذا تيمم قبل الطلب لا يجزئه كما في العمران .
و لهما : أن العجز عن استعمال الماء قد تحقق بسبب الجهالة و النسيان فيجوز التيمم كما لو حصل العجز بسبب البعد أو المرض أو عدم الدلو و الرشا .
و قوله : نسي ما لا ينسى عادة ليس كذلك لأن النسيان جبلة في البشر خصوصا إذا مر به أمر يشغله عما وراءه و السفر محل المشقات و مكان المخاوف فنسيان الأشياء فيه غير نادر و أما قوله الرحل معدن الماء و مكانه فليس كذلك فإن الغالب في الماء الموضوع في الرحل هو النفاد لقلته فلا يكون بقاؤه غالبا فيتحقق العجز ظاهرا بخلاف العمران لأنه لا يخلو عن الماء غالبا .
و لو صلى عريانا أو مع ثوب نجس و في رحله ثوب طاهر لم يعلم به ثم علم قال بعض مشايخنا : .
يلزمه الإعادة بالاجماع و ذكر الكرخي أنه على الاختلاف و هو الأصح و لو كان عليه كفارة اليمين وله رقبة قد نسيها و صام .
قيل : أنه على الاختلاف و الصحيح أنه لا يجوز بالإجماع لأن المعتبر ثمة ملك الرقبة ألا ترى أنه لو عرض عليه رقبة كان له أن لا يقبل و يكفر بالصوم و بالنسيان لا ينعدم الملك و ههنا المعتبر هو القدرة على الاستعمال و بالنسيان زالت القدرة ألا ترى لو عرض عليه الماء لا يجزئه التيمم و لأن النسيان في هذا .
الباب في غاية الندرة فكان ملحقا بالعدم .
و لو وضع غيره في رحله ماء و هو لا يعلم به فتيمم و صلى ثم علم ؟ لا رواية لهذا أيضا .
و قال بعض مشايخنا في لفظ الرواية في الجامع الصغير يدل على أنه يجوز بالإجماع فانه قال في الرجل يكون في رحله ماء فينسى و النسيان يستدعي تقدم العلم ثم مع ذلك جعل عذرا عندهما فبقي موضع لا علم فيه أصلا ينبغي أن يجعل عذرا عند الكل .
و لفظ الرواية : في كتاب الصلاة يدل على أنه على الاختلاف فإنه قال : مسافر تيمم ومعه ماء في رحله و هو لا يعلم به و هذا يتناول حالة النسيان و غيرها و لو ظن أن ماءه قد فني فتيمم و صلى ثم تبين له أنه قد بقي لا يجزئه بالإجماع لأن العلم لا يبطل بالظن فكان الطلب واجبا بخلاف النسيان لأنه من أضداد .
العلم .
و لو كان على رأسه أو ظهره ماء أو كان معلقا في عنقه فنسيه فتيمم ثم تذكر لا يجزنه بالإجماع لأن النسيان في مثل هذه الحالة نادر و لو كان الماء معلقا على الإكاف فلا يخلو إما إن كان راكبا أو سائقا .
فإن كان راكبا فإن كان الماء في مؤخر الرحل فهو على الاختلاف و إن كان في مقدم الرحل لا يجوز بالإجماع لأن نسيانه نادر وإن كان سائقا فالجواب على العكس و هو أنه إن كان في مؤخر الرحل لا يجوز بإجماع لأنه يراه و يبصره فكان النسيان نادرا و إن كان في مقدم الرحل فهو على الاختلاف والله أعلم