وقت الحضانة التي من قبل النساء .
فصل : و أما وقت الحضانة التي من قبل النساء فالأم و الجدتان أحق بالغلام حتى يستغني عنهن فيأكل وحده و يشرب وحده و يلبس وحده كذا ذكر في ظاهر الرواية و ذكر أبو داود بن رشيد عن محمد و يتوضأ وحده يريد به الاستنجاء أي و يستنجي وحده و لم يقدر في ذلك تقديرا و ذكر الخصاف سبع سنين أو ثمان سنين أو نحو ذلك .
و أما الجارية فهي أحق بها حتى تحيض كذا ذكر في ظاهر الرواية .
و حكى هشام عن محمد حتى تبلغ أو تشتهى و إنما اختلف حكم الغلام و الجارية لأن القياس أن تتوقت الحضانة بالبلوغ في الغلام و الجارية جميعا لأنها ضرب ولاية و لأنها ثبتت للأم فلا تنتهي إلا بالبلوغ كولاية الأب في المال إلا أنا تركنا القياس في الغلام بإجماع الصحابة Bهم لما روينا أن أبا بكر الصديق Bه قضى بعاصم بن عمر لأمه ما لم يشب عاصم أو تتزوج أمه و كان ذلك بمحضر من الصحابة Bهم و لم ينكر عليه أحد من الصحابة فتركنا القياس في الغلام بإجماع الصحابة Bهم فبقي الحكم في الجارية على أصل القياس و لأن الغلام إذا استغنى يحتاج إلى التأديب و التخلق بأخلاق الرجال و تحصيل أنواع الفضائل و اكتساب أسباب العلوم و الأب على ذلك أقوم و أقدر مع ما أنه لو ترك في يدها لتخلق بأخلاق النساء و تعود بشمائلهن و فيه ضرر و هذا المعنى لا يوجد في الجارية فتترك في يد الأم بل تمس الحاجة إلى الترك في يدها إلى وقت البلوغ لحاجتها إلى تعلم آداب النساء و التخلق بأخلاقهن و خدمة البيت لا يحصل ذلك إلا و أن تكون عند الأم ثم بعد ما حاضت أو بلغت عند الأم حد الشهوة تقع الحاجة إلى حمايتها و صيانتها و حفظها عمن يطمع فيها لكونها لحما على وضم فلا بد ممن يذب عنها و الرجال على ذلك أقدر .
و أما غير هؤلاء من ذوات الرحم المحرم من الأخوات و الخالات و العمات إذا كان الصغير عندهن فالحكم في الجارية كالحكم في الغلام و هو أنها تترك في أيديهن إلى أن تأكل وحدها و تشرب وحدها و تلبس وحدها ثم تسلم إلى الأب و إنما كان كذلك لأنها و إن كانت تحتاج بعد الاستغناء إلى تعلم آداب النساء لكن في تأديبها استخدامها و ولاية الاستخدام غير ثابتة لغير الأمهات من الأخوات و الخالات و العمات فتسلمها إلى الأب احترازا عن الوقوع في المعصية .
و أما التي للرجال فأما وقتها فما بعد الاستغناء في الغلام إلى وقت البلوغ و بعد الحيض في الجارية إذا كانت عند الأم و الجدتين و إن كانا عند غيرهن فما بعد الاستغناء فيهما جميعا إلى وقت البلوغ لما ذكرنا من المعنى و إنما توقت هذا الحق إلى وقت بلوغ الصغير و الصغيرة لأن ولاية الرجال على الصغار و الصغائر تزول بالبلوغ كولاية المال غير أن الغلام إذا كان غير مأمون عليه فللأب أن يضمه إلى نفسه و لا يخلي سبيله كيلا يكتسب شيئا عليه و ليس عليه نفقته إلا أن يتطوع فأما إذا بلغ عاقلا و اجتمع رأيه و استغنى عن الأب و هو مأمون عليه فلا حق للأب في إمساكه كما ليس له أن يمنعه من ماله فيخلي سبيله فيذهب حيث شاء و الجارية إن كانت ثيبا و هي غير مأمونة على نفسها لا يخلي سبيلها و يضمها إلى نفسه و إن كانت مأمونة على نفسها فلا حق له فيها و يخلي سبيلها و تترك حيث أحبت و إن كانت بكرا لا يخلي سبيلها و إن كانت مأمونة على نفسها لأنها مطمع لكل طامع و لم تختبر الرجال فلا يؤمن عليها الخداع .
و أما شرطها فمن شرائطها العصوبة فلا تثبت إلا للعصبة من الرجال و يتقدم الأقرب فالأقرب الأب ثم الجد أبوه و إن علا ثم الأخ لأب و أم ثم الأخ لأب ثم ابن الأخ لأب و أم ثم ابن الأخ لأب ثم العم لأب و أم ثم العم لأب ثم ابن العم لأب و أم ثم ابن العم لأب إن كان الصبي غلاما و إن كان جارية فلا تسلم إليه لأنه ليس بمحرم منها لأنه يجوز له نكاحها فلا يؤتمن عليها .
و أما الغلام فإن عصبة و أحق به ممن هو أبعد منه ثم عم الأب لأب و أم ثم عم الأب لأب ثم عم الجد لأب و أم ثم عم الجد لأب و لو كان لها ثلاثة أخوة كلهم على درجة واحدة بأن كانوا كلهم لأب و أم أو لأب أو ثلاثة أعمام كلهم على درجة واحدة فأفضلهم صلاحا و ورعا أولى فإن كانوا في ذلك سواء فأكبرهم سنا أولى بالحضانة فإن لم يكن للجارية من عصباتها غير ابن العم اختار لها القاضي أفضل / المواضع لأن الولاية في هذه الحالة إليه فيراعي الأصلح فإن رآه أصلح ضمها إليه و إلا فيضعها عند امرأة مسلمة أمينة و كل ذكر من قبل النساء فلا حق له في الولد مثل الأخ لأم و الخال و أبو الأم لانعدام العصوبة .
و قال محمد : إن كان للجارية ابن عم و خال و كلاهما لا بأس به في دينه جعلها القاضي عند الخال لأنه محرم و ابن العم ليس بمحرم فكان المحرم أولى و الأخ من الأب أحق من الخال لأنه عصبة و هو أيضا أقرب لأنه من أولاد الأب و الخال من أولاد الجد .
و ذكر الحسن بن زياد : أن الصبي إذا لم يكن له قرابة من قبل النساء فالعم أولى به من الخال و أبي الأم لأنه عصبته و الأخ لأب أولى من العم و كذلك ابن الأخ لأنه أقرب فإن لم تكن له قرابة أشفق من جهة أبيه من الرجال و النساء فإن الأم أولى من الخال و الأخ لأم لأن لها ولادا و هي أشفق ممن لا ولاد له من ذوي الأرحام .
و منها : إذا كان الصغير جارية أن تكون عصبتها ممن يؤتمن عليها فإن كان لا يؤتمن لفسقه و لخيانته لم يكن له فيها حق لأن في كفالته لها ضرر عليها و هذه ولاية نظر فلا تثبت مع الضرر حتى لو كانت الإخوة و الأعمام غير مأمونين على نفسها و مالها لا تسلم إليهم و ينظر القاضي امرأة من المسلمين ثقة عدلة أمينة فيسلمها إليها إلى أن تبلغ فتترك حيث شاءت و إن كانت بكرا .
و منها : اتحاد الدين فلا حق للعصبية في الصبي إلا أن يكون على دينه ذكر محمد و قال هذا قول أبي حنيفة و قياسه لأن هذا الحق لا يثبت إلا للعصبة و اختلاف الدين يمنع التعصيب .
و قد قالوا في الأخوين : إذا كان أحدهما مسلما و الآخر يهوديا و الصبي يهودي إن اليهودي أولى به لأن عصبة لا المسلم و الله عز و جل الموفق و لا خيار للغلام و الجارية إذا اختلف الأبوان فيهما قبل البلوغ عندنا و قال الشافعي : يخير الغلام إذ عقل التخيير .
و احتج بما روى [ عن أبي هريرة Bه : أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : زوجي يريد أن ينتزع ابنه مني و إنه قد نفعني و سقاني من بئر أبي عتبة فقال : اسقهما عليه فقال الرجل : من يساقني في ابني فقال النبي صلى الله عليه و سلم : اختر أيهما شئت فاختار أمه فأعطاها إياه ] و لأن في هذا نظر للصغير لأنه يحتاج الأشفق .
و لنا : ما روينا عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال للأم : [ أنت أحق به ما لم تنكحي ] و لم يخير و لأن تخيير الصبي ليس بحكمة لأنه لغلبة هواه يميل إلى اللذة الحاضرة من الفراغ و الكسل و الهرب من الكتاب و تعلم آداب النفس و معالم الدين فيختار شر الأبوين و هو الذي يهمله و لا يؤدبه .
و أما حديث أبي هريرة Bه فالمراد منه التخيير في حق البالغ لأنها قالت : نفعني و سقاني من بئر أبي عتبة .
و معنى قولها : نفعني أي كسب علي و البالغ هو الذي يقدر على الكسب و قد قيل إن بئر أبي عتبة بالمدينة لا يمكن للصغير الاستقاء منه فدل على أن المراد منه التخيير في حق البالغ و نحن به نقول : إن الصبي إذا بلغ يخير .
و الدليل عليه ما روي عن عمار بن ربيعة المخزومي أنه قال : ( غزا أبي نحو البحرين فقتل فجاء عمي ليذهب بي فخاصمته أمي إلى علي بن أبي طالب Bه و معي أخ لي صغير فخيرني علي Bه ثلاثا فاخترت أمي فأبى عمي أن يرضى فوكزه علي Bه بيده و ضربه بدرته و قال : لو بلغ هذا الصبي أيضا خير ) فهذا يدل على أن التخيير لا يكون إلا بعد البلوغ