ركن الإعتاق - القسم الثاني .
و الدليل على التفرقة بين المسألتين أنه لو قال لزوجته و هي معروفة النسب من الغير هذه بنتي لم تقع الفرقة .
و لو قال لأمته : هذه بنتي و هي معروفة النسب تعتق و ما افترقا إلا لما قلنا و كذا لو قال لزوجته : هذه بنتي و هي تصلح بنتا له ثم قال : أوهمت أو أخطأت لا تقع الفرقة .
و لو قال لأمته : هذه بنتي و هي تصلح بنتا له ثم قالت أوهمت أو أخطأت يقع العتق فدل على التفرقة بينهما و كذلك لو قال : هذا أبي فإن كان يصلح أبا و ليس للقائل أب معروف يثبت النسب و العتق بلا خلاف و إن كان يصلح أبا له و ليس للقائل أب معروف يثبت النسب و العتق بلا خلاف و إن كان يصلح أبا له و لكن للقائل أب معروف لا يثبت النسب و يعتق عندنا خلافا للشافعي و إن كان لا يصلح أبا له لا يثبت النسب بلا شك و لكن يعتق عند أبي حنيفة و عندهما لا يعتق .
و كذلك لو قال : هذه أمي فالكلام فيه كالكلام في الأب و أما الكلام في الحرية بأن كان المملوك أمة ففي كل موضع يثبت النسب تثبت الحرية و إلا فلا و لو قال لعبده هذه بنتي أو قال لأمته : هذا ابني اختلف المشايخ فيه قال بعضهم : يعتق و قال بعضهم : لا يعتق .
و لو قال لمملوكه : هذا عمي أو خالي يعتق بلا خلاف بين أصحابنا و لو قال هذا أخي أو أختي ذكر في ( الأصل ) أنه لا يعتق بخلاف قوله : هذا ابني أو أبي أو عمي أو خالي و روى الحسن عن أبي حنيفة أنه يعتق كما في قوله عمي أو خالي وجه هذه الرواية أنه وصف مملوكه بصفة من يعتق عليه إذا ملكه فيعتق عليه كما إذا قال هذا عمي أو خالي .
وجه رواية ( الأصل ) : أن قوله : هذا أخي يحتمل تحقيق العتق و يحتمل الإكرام و التخفي به لأنه يستعمل في ذلك عرفا و شرعا قال الله تعالى : { فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين و مواليكم } فلا يحمل على العتق من غير نية بخلاف اسم الخال و العم فإنه لا يستعمل في الإكرام عرفا و عادة فلا يقال هذا خالي أو عمي على إرادة الإكرام فكان ذكره للتحقيق و بخلاف قول هذا ابني أو هذا أبي لأنه لا يستعمل في الإكرام عرفا و شرعا و قد منع الشرع من ذلك قال الله تعالى : { و ما جعل أدعياءكم أبناءكم } و قال سبحانه و تعالى : { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين و مواليكم } .
و روي أنهم كانوا يسمون زيد بن حارثة زيد بن محمد فنزل قوله تعالى : { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم و لكن رسول الله و خاتم النبيين } فكفوا عن ذلك و إن لم يكن مستعملا في الإكرام يحمل على التحقيق .
و أما النداء فهو أن يقول : يا ابني يا أبي يا ابنتي يا أمي يا خالي يا عمي أو يا أختي أو يا أخي على رواية الحسن لا يعتق في هذه الفصول لأن الغرض بذكر اسم النداء هو استحضار المنادى لا تحقيق معنى الاسم فيه إلا إذا كان الاسم موضوعا له على ما بينا فاحتمل أنه أراد به النداء على طريق الإكرام دون تحقيق العتق فلا يحمل على العتق من غير نية .
و لو قال لعبده يا ابن أو لأمته : يا ابنة لا يعتق لعدم الإضافة إلى نفسه و لو قال : يا بني أو يا بنية يعتق لوجود الإضافة .
و أما الكناية : فنحو قوله : لا سبيل لي عليك أو لا ملك لي عليك أو خليت سبيلك أو خرجت من ملكي فإن نوى العتق يعتق و إلا فلا لأن كل واحدة من هذه الألفاظ يحتمل العتق و يحتمل غيره فإن قوله لا سبيل لي عليك يحتمل سبيل اللوم و العقوبة / أي ليس لي عليك سبيل اللوم و العقوبة لوفائك بالخدمة و الطاعة و يحتمل لا سبيل لي عليك لأني كاتبتك فزالت يدي عنك و يحتمل لا سبيل لي عليك لأني أعتقتك فلا يحمل على العتق إلا بالنية و يصدق إذا قال عنيت به غير المعتق إلا إذا قال : لا سبيل لي عليك إلا سبيل الولاء و إطلاق الولاء يراد به ولاء العتق و ذلك لا يكون إلا بعد العتق .
و لو قال : إلا سبيل المولاة دين في القضاء لأن مطلق الموالاة يراد بها الموالاة في الدين أو يستعمل في ولاء الدين و ولاء العتق فأي ذلك نوى يصدق في القضاء و قوله لا ملك لي عليك يحتمل ملك اليد أي كاتبتك فزالت يدي عنك و يحتمل لا ملك لي عليك لأني بعتك و يحتمل لا ملك لي عليك لأني أعتقتك فتقف على النية .
و قوله : خليت سبيلك يحتمل سبيل الاستخدام أي لا أستخدمك و يحتمل أعتقتك و لو قال له أمرك بيدك أو قال له اختر وقف على النية لأنه يحتمل العتق و غيره فكان كناية .
و لو قال له : أمر عتقك بيدك أو جعلت عتقك في يدك أو قال له اختر العتق أو خيرتك في عتقك أو في العتق لا يحتاج فيه إلى النية لأنه صريح و لكن لا بد من اختيار العبد المعتق و يقف على المجلس لأنه تمليك .
و قوله : خرجت عن ملكي يحتمل ملك التصرف فيكون بمعنى كاتبتك و يحتمل أعتقتك و لو قال لمملوكه نسبك حر أو أصلك حر فإن كان يعلم أنه سبي لا يعتق و إن لم يكن سبي يعتق لأن الأصل أن حرية الأبوين تقتضي حرية الولد لأن المتولد من الحرين يكون حرا إلا أن حرية المسبي بطلت بالسبي فبقي الحكم في غير المسبي على الأصل .
و لو قال لعبده : أنت لله تعالى لم يعتق في قول أبي حنيفة و قال أبو يوسف إن نوى العتق يعتق .
وجه قوله أن قوله : لله تعالى يحتمل أن يكون بيان جهة القربة للإعتاق المحذوف فإذا نوى العتق يعتق كما لو قال أنت حر لله و لأبي حنيفة أن الإعتاق إثبات صفة للمملوك لم تكن ثابتة قبل الإعتاق لأنه إثبات العتق و لم يوجد لأن كونه تعالى كان ثابتا قبل الإعتاق فلم يكن ذلك إعتاقا فلا يعتق .
و لو قال له : أنت عبد الله لم يعتق بلا خلاف أما على قول أبي حنيفة فظاهر لما ذكرنا أن الإعتاق إنشاء العتق فيقتضي أن لا يكون ثابتا قبله و كونه عبدا لله صفة ثابتة له قبل هذه المقالة .
و أما على قول أبي يوسف فلأن قوله عبدا لله لا يحتمل أن يكون جهة القربة للإعتاق و قوله لله تعالى يحتمل ذلك .
و روي عن أبي يوسف أنه قال : إذا قال لعبده قد جعلتك لله تعالى في صحته أو مرضه و قال لم أنو العتق و لم يقل شيئا حتى مات قبل أن يبين لا يعتق و إن نوى العتق عتق .
و كذلك إذا قال هذا في مرضه فمات قبل أن يبين فهو عبد أيضا لأنه يحتمل أنه أراد بهذا اللفظ النذر و يحتمل أنه أراد به العتق فلا يعتق إلا بالنية و لا يلزم الورثة بعد الموت الصدقة لأن النذر يسقط بالموت عندنا .
و روي عن أبي يوسف أنه قال : إذا قال لأمته : أطلقتك يريد به العتق تعتق لأن الإطلاق إزالة اليد و المرء يزيل يده عن عبده بالعتق و بغير العتق بالكتابة فإذا نوى به العتق تعتق كما لو قال لها خليت سبيلك .
و لو قال لها : طلقتك يريد به العتق لا تعتق عندنا لما نذكر و لو قال فرجك علي حرام يريد العتق لم تعتق لأن حرمة الفرج مع الرق يجتمعان كما لو اشترى أخته من الرضاعة أو جارية قد وطىء أمها أو بنتها أو جارية مجوسية أنها لا تعتق و روي عن أبي يوسف أنه قال : إذا قال لعبده : ( أ ن ت ح ر ) أو قال لزوجته : ( أ ن ت ط ا ل ق ) فتهجى ذاك هجاء إن نوى العتق أو الطلاق وقع لأنه يفهم من هذه الحروف عند انفرادها ما يفهم عند التركيب و التأليف إلا أنها ليست بصريحة في الدلالة على المعنى لأنها عند انفرادها لم توضع للمعنى فصارت بمنزلة اللفظ إلا أن فيها ضرب استتار و إبهام لأن الإنسان قد يكتب ذلك لإرادة العتق و قد يكتب لتجويد الخط فالتحق بسائر الكنايات فافتقر إلى النية و الكلام في هذا كالكلام في الطلاق و قد ذكرناه في الطلاق و كذا الإشارة من الأخرس إذا كانت معلمة مفهومة المراد لأنها في الدلالة على المراد في حقه كالعبارة في الطلاق .
و الأصل في قيام الإشارة مقام العبارة قوله تعالى خطابا / لمريم عليها السلام : { فقولي إني نذرت للرحمن صوما } أي صمتا و إمساكا و ذلك على الإشارة لا على القول منها و قد سماها الله تعالى قولا فدل أنها تعمل عمل القول .
و أما الألفاظ التي يقع بها العتق أصلا نوى أو لم ينو فنحو أن يقول لعبده : قم أو اقعد أو اسقني و نوى به العتق لأن هذه الألفاظ لا تحتمل العتق فلا تصح فيها نية العتق .
و كذا لو قال : لا سلطان لي عليك لأن السلطنة عبارة عن نفاذ المشيئة على وجه القهر فانتقاؤها لا يقتضي انتفاء الرق كالمكاتب فلا يقتضي العتق بخلاف قوله لا سبيل لي عليك لأنه نفى السبيل كلها و لا ينتفي السبيل عليها مع قيام الرق ألا ترى أن للمولى على مكاتبه سبيل المطالبة ببدل الكتابة .
و كذا للسلطان يحتمل الحجة أيضا فقوله : لا سلطان لي عليك أي لا حجة لي عليك و انتفاء حجته على عبده لا يوجب حريته و كذا لو قال لعبده اذهب حيث شئت أو توجه حيث شئت من بلاد الله تعالى يريد به العتق أو قال له أنت طالق أو طلقتك أو أنت بائن أو أبنتك أو قال لأمته أنت طالق أو طلقتك أو أنت بائن أو أبنتك أو أنت علي حرام أو حرمتك أو أنت خلية أو برية أو بتة أو اذهبي أو اخرجي أو اعزبي أو تقنعي أو استبرئي أو اختاري و نوى العتق فاختارت و غير ذلك مما ذكرنا في الطلاق و هذا عندنا .
و عند الشافعي : يقع العتق بها إذا نوى و لقب المسألة أن صريح الطلاق و كناياته لا يقع بها العتاق عندنا خلافا له .
وجه قوله : أن قوله لمملوكته أنت طالق أو طلقتك إثبات الانطلاق أو إزالة القيد و أنه نوعان كامل و ذلك بزوال الملك و الرق و هو تفسير العتق و ناقص و ذلك بزوال اليد لا غير كما في المكاتب و المأذون فإذا نوى به العتق فقد نوى أحد النوعين فنوى ما يحتمله كلامه فصحت نيته و لهذا إذا قال لزوجته أنت حرة و نوى به الطلاق طلقت كذا هذا .
و لنا : أن هذه الألفاظ المضافة إلى المملوك عبارات عن زوال يد المالك عنه أما قوله أنت طالق فلأن الطلاق عبارة عن رفع القيد و القيد عبارة عن المنع عن العمل لا عن الملك و المانع يد المالك فرفع المانع يكون بزوال يده زوال يد المالك عن المملوك لا يقتضي العتق كالمكاتب و كذا قوله اذهب حيث شئت أو توجه إلى أين شئت لأنه عبارة عن رفع اليد عنه و أنه لا ينفي الرق كالمكاتب و به تبين أن القيد ليس بمتنوع بل هو نوع واحد و زواله عن المملوك لا يقتضي زوال الملك كالمكاتب .
و كذا قوله : أنت بائن أو أبنتك لأنه ينبىء عن الفصل و التبعيد و كذا التحريم يجامع الرق كالأخت من الرضاعة من الأمة المجوسية و نحو ذلك بخلاف قوله لامرأته أنت حرة لأن التحريم تخليص و القيد ثبوت فينافيه و لأن ملك اليمين لا يثبت بلفظ النكاح و ما لا يملك بلفظ النكاح لا يزول الملك عنه بلفظ الطلاق كسائر الأعيان و هذا لأن الطلاق رفع ما يثبت بالنكاح فإذا لم يثبت ملك اليمين بلفظ النكاح لا يتصور رفعه بلفظ الطلاق بخلاف قوله لامرأته : أنت حرة و نوى به الطلاق لأن ملك المتعة لا يختص ثبوته بلفظ النكاح فإنه كما يثبت بغير النكاح يثبت بغيره من الشراء و غبره فلا يختص زواله بلفظ الطلاق .
ألا ترى أنه يزول بردة المرأة و كذا بشرائها بأن اشترى الزوج امرأنه فجاز أن يزول بلفظ التحرير و لو قال لعبده : رأسك رأس حر أو بدنك بدن حر أو فرجك فرج حر لم يعتق لأن هذا تشبيه لكن بحذف حرف التشبيه و أنه جائز من باب المبالغة قال الله تعالى : { و هي تمر مر السحاب } أي كمر السحاب و قال الشاعر : .
( و عيناك عيناها و جيدك جيدها سوى أن عظم الساق منك دقيق ) .
فتشبيه الشيء بالشيء لا يقتضي المشاركة بينهما في جميع الصفات و هذا معنى قولهم كلام التشبيه لا عموم له قال الله عز و جل : { كأنهن الياقوت و المرجان } و قال تعالى : { كأنهن بيض مكنون } فلا يعتق و لو نوى فقال رأسك رأس حر و بدنك بدن حر و فرجك فرج حر فهو حر لأن هذا ليس بتشبيه بل هو وصف و قد وصف جملة أو ما يعبر به عن جملة بالحرية فيعتق .
و لو قال : ما أنت إلا مثل الحر أو أنت مثل الحر لم يعتق في القضاء و لا فيما بينه و بين الله تعالى كذا ذكر في الأصل لأن هذا تشبيه بحرف التشبيه و التشبيه لا يقتضي المشاركة في جميع الصفات بخلاف قوله ما أنت إلا حر لأن ذلك ليس بتشبيه بل هو تحرير لأنه نفى و أثبت و النفي ما زاده إلا تأكيدا كقول القائل لغيره ما أنت إلا فقيه .
و روي عن أبي يوسف أنه قال : إذا قال كل مالي حر و له عبيد لم يعتقوا / لأنه جمع بين العبيد و غيرهم من الأموال و وصف الكل بالحرية بقوله كل مالي حر و معلوم أن غير العبيد من الأموال لا يحتمل الوصف بالحرية التي هي العتق فينصرف الوصف بالحرية إلى الحرية التي يحتملها الكل و هي أن تكون جميع أمواله خالصة صافية له لا حق لأحد فيها فلا تعتق عبيده و الله عز و جل الموفق