ما يرجع إلى المعتق - القسم الثاني .
و إن كانت الجارية أولا فولادتها لم تجعل شرط العتق في أحد فلم يكن للغلام حال في الحرية رأسا فكان رقيقا على كل حال و أما الجارية و الأم فيعتق من كل واحدة منهما نصفها و تسعى في نصف قيمتها لأن كل واحدة منهما تعتق في حال و ترق في حال لأن الغلام إن كان أولا عتقت الأم و الجارية أما الأم فلوجود شرط العتق فيها و أما الجارية فلعتق الأم لأن الأم إذا عتقت عتقت الجارية بعتق الأم تبعا لها فعتقتا جميعا .
و إن كانت الجارية أولا لا يعتقان لأنه لم يوجد شرط العتق في الأم و إذا لم تعتق الأم لا تعتق الجارية لأن عتقها بعتقها فإذا هما يعتقان في حال و يرقان في حال فينتصف العتق فيهما فيعتق من كل واحدة منهما نصفها على الأصل المعهود لأصحابنا في اعتبار الأحوال عند اشتباهها و العمل بالدليلين بقدر الإمكان .
و روي عن محمد : أنه يستحلف المولى على علمه بالله تعالى ما يعلم الغلام ولد أولا فإن نكل عن اليمين عتقت الأم و ابنتها و كان الغلام عبدا و إن حلف كانوا جميعا أرقاء و كذلك إذا لم يخاصم المولى حتى مات و خوصم وارثه بعده فأقر أنه لا يدري و حلف بالله تعالى ما يعلم الغلام ولد أولا رقوا .
و وجه هذه الرواية : أن الأحوال إنما تعتبر عند تعذر البيان و البيان ههنا ممكن بالرجوع إلى قول الحالف فلا تعتبر الأحوال و الجواب أنه لا سبيل إلى البيان باليمين ههنا لأن الخصمين متفقان على أنهما لا يعلمان الأول منهما فلا يجوز للقاضي أن يكلف المولى الحلف على أنه لا يعلم الأول منهما مع تصادقهما على ذلك و إن اختلفا فالقول قول المولى أن الجارية هي الأولى لأنه ينكر العتق .
و لو قال لأمته : إن كان أول ولد تلدينه غلاما فأنت حرة و إن كانت جارية فهي حرة فولدت غلاما و جارية فإن علم أن الغلام كان أولا عتقت الأم و الجارية لا غير .
أما الأم : فلوجود الشرط .
و أما الجارية : فلعتق الأم .
و أما رق الغلام فلانفصاله على حكم الرق فلا يؤثر فيه عتق الأم و إن علم أن الجارية كانت هي الأولى عتقت هي لا غير لأن المعلق بولادتها عتقها لا غير و عتقها لا يؤثر في غيرها و إن لم يعلم أيهما أول فالجارية حرة على كل حال و الغلام عبد على كل حال و يعتق نصف الأم و تسعى في نصف قيمتها .
أما حرية الجارية على كل حال فلأنه لا حال لها في الرق لأن الغلام إن كان أولا عتقت الجارية لأن أمها تعتق فتعتق هي بعتق الأم و إن كانت الجارية أولا فقد عتقت لوجود شرط العتق في حقها فكانت حرة على كل حال .
و أما رق الغلام على كل حال فلأنه ليس له حال في الحرية سواء ولد أولا أو آخرا و أما الأم فإنما يعتق نصفها لأنها تعتق في حال و ترق في حال لأن الغلان إن كان هو الأول تعتق الأم و الجارية أيضا بعتق الأم و إن كانت الجارية أولا تعتق الجارية لا غير لأن المعلق بها عتقها لا غير و عتقها لا يتعدى إلى عتق الأم فإذا تعتق الأم في حال و لا تعتق في حال فيعتق نصفها اعتبارا للأحوال و إن اختلفا فالقول قول المولى لما بينا .
و لو قال لها : إن كان أول ولد تلدينه غلاما فهو حر و إن كان جارية فأنت حرة فولدت غلاما و جارية فإن علم أن الغلام ولد أولا عتق هو لا غير و إن علم أن الجارية ولدت أولا عتقت الأم و الغلام لا غير و إن لم يعلم أيهما ولد أولا فالغلام حر على كل حال لأن لا حال له في الرق سواء كان أولا أو آخرا و الجارية رقيقة على كل حال لأنه لا حال لها في الحرية تقدمت في الولادة أو تأخرت لأن الغلام إن كان هو الأول لا يعتق إلا هو و إن كانت الجارية هي الأولى لا تعتق إلا الأم و الغلام فلم يكن للجارية حال في الحرية فبقيت رقيقة و الأم يعتق منها نصفها و تسعى في نصف قيمتها لأن الجارية إن كانت هي الأولى تعتق الأم كلها و إن كان الغلام هو الأول لا يعتق شيء منها فتعتق في حال و لا تعتق في حال فيعتق نصفها و تسعى في النصف اعتبارا للحالين و عملا بهما بقدر الإمكان و إن اختلفا القول / قول المولى لما ذكرنا .
هذا إذا ولدت غلاما و جارية فأما إذا ولدت غلامين و جاريتين و المسألة بحالها فإن علم أولهم أنه ابن يعتق هو لا غير لأن المعلق عتقه لا غير يعتق هو لا غير عند وجود الشرط و إن علم أنه جارية فهي رقيقة و من سواها أحرار لأنه جعل ولادتها أولا شرط حرية الأم فإذا وجد الشرط عتقت الأم و يعتق كل من ولد بعد ذلك بعتق الأم تبعا لها و إن لم يعلم من كان أولهم يعتق من الغلامين كل واحد منهما ثلاثة أرباعه و يسعى في ربع قيمته و يعتق من الأم نصفها و تسعى في نصف قيمتها و يعتق من البنتين من كل واحدة منهما ربعها و تسعى في ثلاثة أرباع قيمتها و إنما كان كذلك .
و أما الغلامان فلأن أول من ولدت إن كان غلاما عتق الغلام كله لوجود الشرط و إن كان جارية عتق الغلامان لأن الأم تعتق و يعتق كل من ولد بعد ذلك و هم الغلامان و الجارية الأخرى و قد تيقنا بحرية أحد الغلامين و شككنا في الآخر و له حالتان يعتق في حال و لا يعتق في حال فيجعل ذلك نصفين فيعتق غلام واحد و نصف من الآخر و لا يعلم أيهما عتق كله و أيهما عتق نصفه فاستويا في ذلك و ليس أحدهما في ذلك بأولى من الآخر فيعتق من كل واحد منهما ثلاثة أرباعه و يسعى في ربع قيمته .
و أما الأم فإنها تعتق في حال و لا تعتق في حال لأن أول ما ولدت إن كان غلاما لا تعتق أصلا و إن كان جارية تعتق فتعتق في حال و ترق في حال فيعتق نصفها و تسعى في نصفها .
و أما الجاريتان فإحداهما أمة بلا شك لأن أول ما ولدت إن كان غلاما فهما رقيقان و إن كانت جارية فإن الأولى لا تعتق و تعتق الأخرى بعتق الأم فإذا في حالة لهما حرية واحدة و في حالة لا شيء لهما فيثبت لهما نصف ذلك و ليست إحداهما بأولى من الأخرى فيصير ذلك بينهما نصفين و هو ربع الكل فيعتق من كل واحدة منهما ربعها و تسعى في ثلاثة أرباع قيمتها و الله أعلم .
و لو قال لأمته : إن ولدت غلاما ثم جارية فأنت حرة و إن ولدت جارية ثم غلاما فالغلام حر فولدت غلاما و جارية فإن كان الغلام أولا عتقت الأم لوجود شرط عتقها و الغلام و الجارية رقيقان لانفصالهما على حكم الرق و عتق الأم لا يؤثر فيهما و إن كانت الجارية أولا عتق الغلام لوجود الشرط و الأم و الجارية رقيقتان لأن عتق الغلام لا يؤثر فيهما و إن لم يعلم أيهما أولا و اتفقا على أنهما لا يعلمان ذلك فالجارية رقيقة لأنه لا حال لها في الحرية لأنها ترق في جميع الأحوال .
و أما الغلام و الأم : فإنه يعتق من كل واحد منهما نصفه و يسعى في نصف قيمته لأن كل واحد منهما يعتق في حال و يرق في حال فيعتق نصفه و يسعى في نصف قيمته و إذا اختلفا فالقول قول المولى مع يمينه على علمه هذا إذا ولدت غلاما و جارية فأما إذا ولدت غلامين و جاريتين و المسألة بحالها فإن ولدت غلامين ثم جاريتين عتقت الأم لوجود الشرط و عتقت الجارية الثانية بعتقها و بقي الغلامان و الجارية الأولى أرقاء و إن ولدت غلاما ثم جاريتين ثم غلاما عتقت الأم لوجود الشرط و الجارية الثانية و الغلام الثاني بعتق الأم و إن ولدت غلاما ثم جارية ثم غلاما ثم جارية عتقت الأم بوجود الشرط و الغلام الثاني و الجارية الثانية بعتق الأم و إن ولدت جاريتين ثم غلامين عتق الغلام الأول لوجود الشرط و الغلام الثاني و الجارية الثانية بعتق الأم و إن ولدت جاريتين ثم غلامين عتق الغلام الأول لوجود الشرط و بقي من سواه رقيقا و كذلك إذا ولدت جارية ثم غلامين ثم جارية عتق الغلام الأول لا غير لوجود شرط العتق في حقه لا غير و كذلك إذا ولدت جارية ثم غلاما عتق الغلام الأول لا غير لما قلنا .
و إن لم يعلم بأن اتفقوا على أنهم لا يعلمون أيهم الأول يعتق من الأولاد من كل واحد ربعه لأن أحد الغلامين مع إحدى الجاريتين رقيقان على كل حال لأنه ليس لهما حال في الحرية و الجارية الأخرى و الغلام الآخر يعتق كل واحد منهما في حال و يرق في حال فيعتق من كل واحد نصفه فما أصاب الجارية يكون بينهما و بين الجارية الأخرى نصفين إذ ليست إحداهما بأولى من الأخرى فيعتق من كل واحدة ربعها و كذلك ما أصاب الغلام يكون بينه و بين الغلام الآخر نصفين لما قلنا .
و أما الأم فيعتق منها نصفها لأنه إن سبق ولادة الغلام فتعتق لوجود الشرط و إن سبقت ولادة الجارية لا تعتق فيعتق نصفها و تسعى في نصف قيمتها و إن اختلفوا فالقول قول المولى مع يمينه على علمه لما قلنا .
و لو قال لها : إن ولدت ما في بطنك فهو حر فإن جاءت به لأقل من ستة أشهر من يوم حلف عتق ما في بطنها و إن جاءت به لستة أشهر فصاعدا لا يعتق لأنها إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر تيقنا بكونه موجودا وقت التعليق لأن الولد لا يولد لأقل من ستة أشهر فتيقنا بكونه / داخلا تحت الإيجاب و إذا جاءت به لستة أشهر فصاعدا لم نتيقن بوجوده بل يحتمل أن لا يكون موجودا ثم وجد بعد فلا يدخل تحت الإيجاب مع الشك و كذا إذا قال لها ما في بطنك حر إلا أن ههنا يعتق من يوم حلف و في الفصل الأول يوم تلد لأن هناك شرط الولادة و لم تشترط ههنا .
و لو قال لها : إذا حملت فأنت حرة فولدت لأقل من سنتين أو لسنتين من وقت الكلام لا تعتق و إن ولدت لأكثر من سنتين تعتق لأن يمينه يقع على حمل يحدث بعد اليمين فإذا ولدت لأقل من سنتين أو لسنتين يحتمل أنها كانت حبلى من وقت الكلام لا تعتق و إن ولدت لأكثر من سنتين أو لسنتين يحتمل أنها كانت حبلى وقت اليمين و يحتمل أنه حدث الحمل بعد اليمين فيقع الشك في شرط ثبوت الحرية فلا تثبت الحرية مع الشك فأما إذا ولدت لأكثر من سنتين فقد تيقنا أن الحمل حصل بعد اليمين لأن الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين فقد وجد شرط العتق و هو الحمل بعد اليمين فيعتق .
فإن قيل : أليس أن من أصلكم أن الوطء إذا كان مباحا تقدر مدة الحبل بستة أشهر فهلا قدرتم ههنا كذلك فالجواب أن هذا من أصلنا فيما لم يكن فيه إثبات رجعة أو إعتاق بالشك و لو جعلنا مدة الحمل ههنا ستة أشهر لكان فيه إثبات العتق بالشك و هذا لا يجوز ثم إن ولدت بعد المقالة لأكثر من سنتين حتى عتقت و قد كان وطئها قبل الولادة فإن وطئها قبل الولادة لأقل من ستة أشهر فعليه العقر و إن وطئها قبل الولادة لستة أشهر فصاعدا لا عقر عليه لأنها إذا ولدت لأقل من ستة أشهر منذ وطئها علم أنه وطئها و هي حامل لأن الحمل لا يكون أقل من ستة أشهر فإذا وضعت لأقل من ستة أشهر بعد الوطء علم أن العلوق حصل قبل هذا الوطء فيجب عليه العقر لأنه علم أنه وطئها بعد ثبوت الحرية فإذا ولدت لستة أشهر فصاعدا من وقت الوطء يحتمل أن الحمل حصل بذلك الوطء فلا يجب العقر لأن الوطء لم يصادف الحرية و يحتمل أنه حصل بوطء قبله فيجب العقر فيقع الشك في وجوب العقر فلا يجب مع الشك و ينبغي في الورع و التنزه إذا قال لها هذه المقالة ثم وطئها أن يعتزلها حتى يعلم أحامل أم لا فإن حاضت وطئها بعدما طهرت من حيضها لجواز أنها قد حملت بذلك الوطء فعتقت فإذا وطئها بعد ذلك كان وطء الحرة فيكون حراما فيعتزلها صيانة لنفسه عن الحرام فإذا حاضت تبين أن الحمل لم يوجد إذ الحامل لا تحيض و لهذا تستبرأ الجارية المشتراة بحيضة لدلالتها على فراغ الرحم .
و لو باع هذه الجارية قبل أن تلد ثم ولدت في يد المشتري ينظر إن ولدت لأقل من سنتين أو لسنتين بعد اليمين يصح البيع لجواز أن الولد حدث بعد اليمين فلا يبطل البيع بالشك و إن ولدت لأقل من سنتين بعد اليمين ينظر إن كان ذلك لأقل من ستة أشهر قبل البيع لا يجوز البيع لأنه حدث الولد قبل البيع فعتقت هي و ولدها و بيع الحر لا يجوز و إن كان ذلك لستة أشهر فصاعدا من وقت البيع فإنها لا تعتق لأن من الجائز أن الولد حدث بعد البيعه و البيع قد صح فلا يفسخ بالشك .
و لو قال لها : إن كان حملك غلاما فأنت حرة و إن كان جارية فهي حرة فكان حملها غلاما و جارية لم يعتق أحد منهم لأن الحمل اسم لجميع ما في الرحم قال الله تعالى : { و أولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } و المراد مكنه جميع ما في البطن حتى لا تنقضي العدة إلا بوضع جميع ما في الرحم و ليس كل الحمل الغلام وحده و لا الجارية وحدها بل بعضه غلام و بعضه جارية فصار كأنه قال إن كان كل حملك غلاما فأنت حرة و إن كان كل حملك جارية فهي حرة فولدت غلاما و جارية فلا يعتق أحدهم و كذلك لو قال : إن كان ما في بطنك لأن هذا عبارة عن جميع ما في بطنها .
و لو قال : إن كان في بطنك عتق الغلام و الجارية لأن قوله إن كان في بطنك غلام ليس عبارة عن جميع ما في البطن بل يقتضي وجوده و قد وجد غلام و وجد أيضا جارية فعتقا .
و لو قال لها : إن كنت حبلى فأنت حرة فولدت لأقل من ستة أشهر فهي حرة و ولدها و إن ولدت لستة أشهر أو أكثر لم يعتق لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر فإذا أتت لأقل من ستة أشهر علم أن الحمل كان موجودا وقت اليمين فتعتق الأم لوجود شرط عتقها و هو كونها حاملا وقت اليمين و يعتق الحمل بعتقها تبعا لها و إذا أتت لستة أشهر أو أكثر يحتمل أن يكون بحمل حادث بعد اليمين فلا يعتق و يحتمل أن يكون بحمل موجود وقت اليمين فيعتق فوقع الشك في العتق فلا يعتق مع الشك .
و من هذا القبيل التدبير و الاستيلاد لأن كل واحد منهما تعليق العتق بشرط الموت إلا أن التدبير تعليق بالشرط قولا و الاستيلاد تعليق بالشرط فعلا لكن الشرط فيهما يدخل على الحكم لا على السبب و لكل واحد منهما كتاب مفرد .
و أما التعليق المحض بما سوى الملك و سببه معنى لا صورة فنحو أن يقول لأمته كل ولد تلدينه فهو حر و هذا ليس بتعليق من حيث الصورة لانعدام حرف التعليق و هو إن و إذا و نحو ذلك لأن كلمة كل ليست كلمة تعليق بل هي كلمة الاحاطة بم دخلت عليه لكنه تعليق من حيث المعنى / لوجود معنى التعليق فيه لأنه أوقع العتق على موصوف بصفة و هو الولد الذي تلده فيتوقف وقوع العتق على إنصافه بتلك الصفة كما يتوقف على وجود الشرط المعلق به صريحا في قوله إن وزلدت ولدا أو إن دخلت الدار و نحو ذلك فكان معنى التعليق موجودا فيه فلا يصح إلا إذا كانت الأمة في ملكه وقت التعليق حتى لو قال لأمة لا يملكها كل ولد تلدينه فهو حر لا يصح حتى لو اشتراها و ولدت منه ولدا لا يعتق الولد لعدم الملك وقت التعليق و عدم الإضافة إلى الملك و سببه و يصح إذا كانت الأمة في ملكه وقت التعليق و قيام الملك في الأمة يكفي لصحته و لا يشترط إضافة الولادة إلى الملك للصحة بأن يقول كل ولد تلدينه و أنت في ملكي فهو حر لما بينا فيما تقدم .
ثم إن ولدت في ملكه يعتق الولد لوجود الشرط في الملك و إن ولدت في غير ملكه لا يعتق لعدم الملك و تبطل اليمين لوجود الشرط كما إذا قال لعبده إن دخلت الدار فأنت حر فباعه فدخل الدار يبطل اليمين حتى لو اشتراه ثانية فدخل الدار لا يعتق كذا هذا .
و على هذا إذا قال لعبد يملكه أو لا يملكه كل ولد يولد لك فهو حر فولد له ولد من أمة فإن كانت الأمة ملك الحالف يوم حلف عتق الولد و إلا فلا و ينظر في ذلك إلى ملك الأمة لا إلى ملك العبد لأن الولد في الرق و الحرية يتبع الأم لا الأب فإذا كانت الأمة على ملكه وقت التكلم فالظاهر بقاء الملك فيها إلى وقت الولادة و ملك الأم سبب ثبوت ملك الولد فصار كأنه قال كل ولد يولد لك من أمة لي فهو حر فإذا لم تكن الأمة مملوكة له في الحال فالظاهر بقاؤه على العدم لا يوجد ملك الولد وقت الولادة ظاهرا فلن يوجد التعليق في الملك و لا الإضافة إلى الملك فلا يصح هذا إذا ولد الولد من أمة مملوكة للحالف من نكاح فأما إذا ولد منها من سفاح بأن زنى الغلام بها فولدت منه هل يعتق أم لا فقد اختلف المشايخ فيه و هي من مسائل الجامع .
و لو قال لأمته : أول ولد تلدينه فهو حر أو إن ولدت ولدا فهو حر فولدت ولدا ميتا ثم ولدت ولدا حيا لا شك في أنه لا يعتق الولد الميت و إن كان الولد الميت ولدا حقيقة و هل يعتق الولد الحي قال أبو حنيفة : يعتق و قال أبو يوسف و محمد لا يعتق .
و حاصل الكلام يرجع إلى كيفية الشرط أن الشرط ولادة ولد مطلق أو ولادة ولد حي فعندهما الشرط ولادة ولد مطلق فإذا ولدت ولدا ميتا فقد وجد الشرط فينحل اليمين فلا يتصور نزول الجزاء بعد ذلك و عند أبي حنيفة الشرط ولادة ولد حي فلم يتحقق الشرط بولادة ولد ميت فيبقى اليمين فينزل الجزاء عند وجود الشرط و هو ولادة ولد حي .
وجه قولهما : أن الحالف جعل الشرط ولادة ولد مطلق لأنه أطلق اسم الولد و لم يقيده بصفة الحياة و الموت و الولد الميت ولد حقيقة حتى تصير المرأة به نفساء و تنقضي به العدة و تصير الجارية أم ولد له و لهذا لو كان المعلق عتق عبد آخر أو طلاق امرأة نزل عند ولادة ولد ميت .
و كذا إذا قال لها : إن ولدت ولدا فهو حر و عبدي فلان فولدت ولدا ميتا عتق عبده و لو لم تكن هذه الولادة شرطا لما عتق فإذا ولدت ولدا ميتا فقد وجد الشرط لكن المحل غير قابل للجزاء فينحل اليمين لا إلى جزاء و تبطل كما إذا قال لعبده إن دخلت الدار فأنت حر فباعه قبل الدخول ثم دخل تنحل اليمين لكن لا إلى جزاء حتى لو اشتراه و دخل لا يعتق و إن أمكن تقييد التعليق بالملك كأنه قال إن دخلت الدار و أنت في ملكي مع ذلك لم يتقيد به كذا ههنا .
و لأبي حنيفة : أن الإيجاب أضيف إلى محل قابل للحرية إذ العاقل الذي لا يقصد إيجاب الحرية فيما لا يحتمل الحرية لأنه سفه و القابل للحرية هو الولد الحي فيتقيد به كأنه قال أول ولد ولدتيه حيا فهو حر كما إذا قال لآخر : إن ضربتك فعبدي حر أنه يتقيد بحال الحياة للمضروب حتى لو ضربه بعد موته لا يحنث لعدم قبول المحل للضرب كذا ههنا و لا فرق سوى أن ههنا تقيد لنزول الجزاء و هناك تقيد لتحقق الشرط بخلاف ما إذا علق بالولادة عتق عبد آخر أو طلاق امرأته لأن هناك المحل المضاف إليه الإيجاب قابل للعتاق و الطلاق فلا ضرورة إلى التقييد بحياة الولد كما إذا قال لها إن ولدت ولدا فأنت حرة أو قال أول ولد تلدينه فأنت حرة فولدت ولدا / ميتا عتقت و ههنا بخلافه و هو الجواب عن قوله إذا ولدت ولدا فهو حر و عبدي فلان إن ولادة الولد الميت تصلح شرطا في عتق عبد آخر لكون المحل قابل للتعليق و لا تصلح شرطا في عتق الولد لعدم قبول المحل .
و يجوز أن يعلق بشرط واحد جزآن ثم ينزل عند وجود أحدهما دون الآخر لمانع كمن قال لامرأته إذا حضت فأنت طالق و فلانة معك فقالت حضت فكذبها يقع الطلاق عليها و لا يقع على الأخرى و إن كان الشرط واحدا كذا هذا .
و أما التعليق بدخول الدار فإنما لم يتقيد بالملك لأن التقييد للتصحيح و الإيجاب هناك صحيح بدون الملك لقبول المحل العتق عند وجود الشرط ألا ترى أنه يقف على إجازة المالك و الباطل لا يقف على الإجازة و إنما الملك شرط النفاذ أما ههنا فلا وجه لتصحيح الإيجاب في الميت رأسا لعدم احتمال المحل إذ لا سبيل إلى إعتاق الميت بوجه فدعت الضرورة إلى التقييد بصفة الحياة .
و ذكر محمد في الأصل إذ قال أول عبد يدخل علي فهو حر فأدخل عليه عبد ميت ثم حي عتق الحي و لم يذكر خلافا فمن أصحابنا من قال هذا قول أبي حنيفة خاصة لأن ما أضيف إليه الإيجاب و هو العبد لا يحتمل الوجوب إلا بصفة الحياة فصار كأنه قال أول عبد يدخل علي حيا فهو حر كما في الولادة فأما على قولهما فلا يعتق لأن الحالف أطلق اسم العبد فيجري على إطلاقه و لا يقيد بحياة العبد كما في الولادة .
و منهم من قال : هذا قولهم جميعا .
قال القدوري : و هو الصحيح لأنه علق العتق باسم العبد و العبد اسم للمرقوق و قد بطل الرق بالموت فلم يوجد الشرط بإدخاله عليه فيعتق الثاني لوجود الشرط في حقه بخلاف الولد لأن الولد اسم للمولود و الميت مولود حقيقة .
فإن قيل : الرق لا يبطل بالموت بدليل أنه يجب على المولى كفن عبده الميت فالجواب : أن وجوب الكفن لا يدل على الملك ألا ترى أن من مات و لم يترك شيئا فكفنه على أقاربه و إن لم يكن هناك ملك و إذا زال ملكه عن الميت صار الثاني أول عبد من عبيده أدخل عليه فوجد الشرط فعتق .
و من هذا القبيل قول الرجل كل مملوك لي فهو حر و يقع على ما في ملكه في الحال حتى لو لم يكن يملك شيئا يوم الحلف كان اليمين لغوا حتى لو ملكه في المستقبل لا يعتق لأن هذا الكلام لا يستعمل إلا للحال فلا يتعلق به عتق ما ليس بمملوك له في الحال .
و كذا إذا علق بشرط أو أخر بأن قال : إن دخلت هذه الدار فكل مملوك لي حر أو قال : إذا دخلت أو إذا ما دخلت أو متى دخلت أو متى ما دخلت أو قال : كل مملوك لي حر إن دخلت الدار فهذا كله على ما في ملكه يوم حلف و كذا إذا قال : كل مملوك أملكه و لا نية له لأن صيغة أفعل و إن كانت تستعمل للحال و الاستقبال لكن عند الإطلاق يراد به الحال عرفا و شرعا و لغة أما العرف فإن من قال فلان يأكل أو يفعل كذا يريد به الحال أو يقول الرجل : أنا أملك ألف درهم يريد به الحال .
و أما الشرع : فإن من قال أشهد أن لا إله إلا الله يكون مؤمنا .
و لو قال : أشهد أن لفلان على فلان كذا يكون شاهدا و لو قال : أقر أن لفلان علي كذا صح إقراره و أما اللغة فإن هذه الصيغة موضوعة للحال على طريق الأصالة لأنه ليس للحال صيغة أخرى و للاستقبال السين و سوف فكانت الحال أصلا فيها و الاستقبال دخيلا فعند الإطلاق يصرف إلى الحال .
و لو قال : عنيت به ما أستقبل ملكه عتق ما في ملكه للحال و ما استحدث الملك فيه لما ذكرنا أن ظاهر هذه الصيغة للحال فإذا قال : أردت به الاستقبال فقد أراد صرف الكلام عن ظاهره فلا يصدق فيه و يصدق في قوله أردت ما يحدث ملكي فيه في المستقبل فيعتق عليه بإقراره كما إذا قال : زينب طالق و له إمرأة معروفة بهذا الاسم ثم قال لي امرأة أخرى بهذا الاسم عنيتها طلقت المعروفة بظاهر هذا اللفظ و المجهولة باعترافه كذا ههنا .
و كذا لو قال : كل مملوك أملكه الساعة فهو حر إن هذا يقع على ما في ملكه وقت الحلف و لا يعتني ما يستفيده بعد ذلك إلا أن يكون نوى ذلك فيلزمه ما نوى لأن المراد من الساعة المذكورة هي الساعة المعروفة عند الناس و هي الحال لا الساعة الزمانية التي يذكرها المنجمون فيتناول هذا الكلام من كان في ملكه وقت التكلم لا من يستفيده بعده فإن قالت أردت به من أستفيده في هذه الساعة الزمانية يصدق فيه لأن اللفظ يحتمله و فيه تشديد على نفسه و لكن لا يصدق في صرفه اللفظ عمن يكون في ملكه للحال سواء أطلق / أو علق بشرط قدم الشرط أو أخر بأن قال إن دخلت الدار فكل مملوك أملكه حر أو قال كل مملوك أملكه حر إن دخلت الدار فهذا و الأول سواء في أن اليمين إنما يتعلق بما في ملكه يوم حلف لأنه علق العتق بشرط فيتناول ما في ملكه لا ما يستفيده كما إذا قال : كل عبد يدخل الدار فهو حر فإن قال : أردت به ما استحدث ملكه عتق ما في ملكه إذا وجد الشرط باليمين و ما يستحدث بإقراره لأنه لا يصدق في صرف الكلام عن ظاهره و يصدق في التشديد على نفسه فإن لم يكن في ملكه يوم حلف مملوك فاليمين لغو لأنها تتناول الحال فإذا لم يكن له مملوك للحال لا تنعقد اليمين لانعدام المحلوف عليه بخلاف قوله إن كلمت فلانا أو إن دخلت الدار فكل مملوك أشتريه فهو حر أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق لأن قوله أشتري أو أتزوج لا يحتمل للحال فاقتضى ملكا مستأنفا و قد جعل الكلام أو الدخول شرطا لانعقاد اليمين فيمن يشتري أو يتزوج فيعتبر ذلك بعد اليمين .
و لو قال : كل مملوك أملكه اليوم فهو حر و لا نية له و له مملوك فاستفاد في يومه ذلك مملوكا آخر عتق ما في ملكه و ما استفاد ملكه في اليوم لو قال هذا الشهر أو هذه السنة لأنه لما وقت باليوم أو الشهر أو السنة فلا بد و أن يكون التوقيت مقيدا و لو لم يتناول إلا ما في ملكه يوم الحلف لم يكن مقيدا فإن قال عنيت به أحد الصنفين دون الآخر لم يدين في القضاء لأنه نوى تخصيص العموم و أنه خلاف الظاهر فلا يصدق في القضاء و يصدق فيما بينه و بين الله عز و جل لأن الله مطلع على نيته .
و لو قال : كل مملوك أملكه غدا فهو حر و لا نية له ذكر محمد في الجامع أنه يعتق من ملكه في غد و من كان في ملكه قبله و هو قوله في الإملاء أيضا و هو إحدى روايتي ابن سماعة عنه .
و قال أبو يوسف : لا يعتق إلا من استفاد من ملكه في غد و لا يعتق من جاء غد و هو في ملكه و هو إحدى روايتي ابن سماعة عن محمد .
وجه قول محمد أنه أوجب العتق لكل من يضاف إليه الملك في غد فيتناول الذي ملكه في غد و الذي ملكه قبل غد كأنه قال في الغد : كل مملوك أملكه اليوم فهو حر فيتناول الكل .
وجه قول أبي يوسف : أن قوله أملك إن كان للحال عند الإطلاق و لكنه لما أضاف العتق إلى زمان في المستقبل انصرف إلى الاستقبال بهذه القرينة كما ينصرف إليه بقرينة السير فلا يتناول الحال .
و على هذا الخلاف إذا قال : كل مملوك أملكه رأس شهر كذا فهو حر و رأس الشهر الليلة التي يهل فيها الهلال و من الغد إلى الليل و كان القياس : أن يكون رأس الشهر أول ساعة منه لأن رأس كل شهر ما رأس عليه و هو أوله إلا أنهم جعلوه اسما لما ذكرنا للعرف و العادة فإنه يقال في العرف و العادة لأول يوم من الشهر هذا رأس الشهر .
و روى ابن سماعة عن أبي يوسف فيمن قال : كل مملوك أملكه يوم الجمعة فهو حر قال : ليس هذا على ما في ملكه إنما هو على ما يملكه يوم الجمعة فهذا على أصل أبي يوسف صحيح لأنه أضاف العتق إلى زمان مستقبل فإن قال : كل مملوك لي حر يوم الجمعة فهذا على من في ملكه يعتقون يوم الجمعة ليس هو على من يستقبل لأنه عقد يمينه على من في ملكه في الحال و جعل عتقهم موقتا بالجمعة فلا يدخل فيه الاستقبال .
فأما إذا قال : كل مملوك أملكه إذا جاء غد فهو حر فهذا على ما في ملكه في قولهم لأنه جعل مجيء الغد شرطا لثبوت العتق لا غير فيعتق من ملكه لكن عند مجيء غد و الله عز و جل أعلم .
و من هذا القبيل الإعتاق للمضاف إلى المجهول عند بعض مشايخنا لأنه تعليق معنى لا صورة و لا يثبت العتق في أحدهما قبل الإختيار و إنما ثبت عند الاختيار في أحدهما عينا و هو الذي يختار العتق فيه مقصورا على الحال كأنه علق عتق أحدهما بشرط اختيار العتق فيه كالتعليق بسائر الشروط و من دخول الدار و غير ذلك إلا أنه ثمة الشرط يدخل على السبب و الحكم جميعا و ههنا يدخل على الحكم لا على السبب كالتدبير و البيع بشرط الخيار كذا قال بعض مشايخنا في كيفية الإعتاق المضاف إلى المجهول و بعضهم : نسب هذا القول لأبي يوسف و يقال : إنه قول أبي حنيفة أيضا .
و قال بعضهم : هو تنجيز للعتق في غير العتق للحال و اختيار العتق في أحدهما بيان و تعيين لمن وقع عليه العتق بالكلام السابق من حين وجوده و بعضهم نسب هذا القول إلى محمد .
و الحاصل : أن الخلاف في كيفية هذا التصرف على الوجه الذي وصفنا غير منصوص عليه من أصحابنا لكنه مدلول عليه و مشار إليه .
أما الدلالة فإنه ظهر الاختلاف بين أبي يوسف و محمد في الطلاق فيمن / قال لامرأتيه إحداكما طالق أن العدة تعتبر من وقت الاختيار في قول أبي يوسف و العدة إنما تجب من وقت وقوع الطلاق فيدل على أن الطلاق لم يكن واقعا و إنما يقع عند الاختيار مقصورا عليه و في قول محمد : تعتبر من وقت الكلام السابق و هذا يدل على أن الطلاق قد وقع من حين وجوده و إنما الاختيار بيان و تعيين لمن وقع عليها الطلاق .
و أما الإشارة فإنه روي عن أبي يوسف أنه قال : إذا أعتق أحد عبديه تعلق العتق بذمته و يقال له : أعتق و هذا إشارة إلى أن العتق غير نازل في المحل إذ لو كان نازلا لما كان معلقا بالذمة .
و معنى قوله : يقال له أعتق أي اختر العتق لإجماعنا على أنه لا يكلف بإنشاء الإعتاق