ما يرجع إلى العتق - القسم الثالث .
و ذكر محمد في الزيادات يقال له : بين و هذا إشارة إلى الوقوع في غير المعين لأن البيان للموجود لا للمعدوم و إلى هذا ذهب الكرخي و القدوري و حققا الاختلاف بين أبي يوسف و محمد إلا أن القدوري حكى عن الكرخي أنه كان يفرق بين العتاق و الطلاق فيجعل الاختيار بيانا في الطلاق بالإجماع من قبل أن العتاق يحتمل الثبوت في الذمة و الطلاق لا يحتمل قال : و كان غيره من أصحابنا يسوي بينهما لأن الطلاق أيضا يحتمل الثبوت في الذمة في الجملة ألا ترى أن الفرقة واجبة على العنين و إنما يقوم القاضي مقامه في التفريق و هو الصحيح أنهما يستويان لأن تعلق العتق بالذمة ليس معناه إلا انعقاد سبب الوقوع من غير وقوع و هو معنى حق الحرية دون الحقيقة و هما في هذا المعنى مستويان .
وجه القول الأول : أن قوله : أحدكما حر تنجيز الحرية في أحدهما و ليس بتعليق حقيقة لانعدام حرف التعليق إلا أنه تنجيز في غير المعين فيتعين بالاختيار و وجه القول الثاني أن العتق إما أن يثبت باختيار العتق و إما أن يثبت بالكلام السابق و الثاني لا سبيل إليه لأن اختيار العتق لم يعرف إعتاقا في الشرع ألا ترى أنه لو قال لعبده : اخترت عتقك لا يعتق فلا بد و أن يثبت بالكلام السابق فلا يخلو إما أن يثبت حال وجوده في أحدهما غير عين و يتعين باختياره و إما أن يثبت عند وجود الاختيار في أحدهما عينا و هو تفسير التعليق بشرط الاختيار لا وجه للأول لأنه ربما يختار غير الحر فيلزم القول بانتقال الحرية من الحر إلى الرقيق أو انتقال الرق من الرقيق إلى الحر أو استرقاق الحر و الأول محال و الثاني غير مشروع فتعين الثاني ضرورة و هي أن يثبت العتق عند وجود الاختيار بالكلام السابق مقصورا على حال الاختيار و هو تفسير التعليق ثم القائلون بالبيان اختلفوا في كيفية البيان منهم من قال البيان إظهار محض و منهم من قال هو إظهار من وجه و إنشاء من وجه .
و استدلوا بما ذكر محمد في الزيادات في موضع يقال له بين و في موضع يقال له أعتق و زعموا أن المسائل تتخرج عليه و هذا غير سديد لأن القول الواحد لا يكون إظهارا و إنشاء إذ الإنشاء إثبات أمر ام يكن و الإظهار إبداء أمر قد كان و بينهما تناف و ثمرة هذا الاختلاف تظهر في الأحكام و إنها في الظاهر متعارضة بعضها يدل على صحة القول الأول و بعضها يدل على صحة القول الثاني و نحن نشير إلى ذلك إذا انتهينا إلى بيان حكم الإعتاق و بيان وقت ثبوت حكمه فأما ترجيح أحد القولين على الآخر و تخرج المسائل عليه فمذكوران في الخلافيات .
و أما التعليق بالملك أو بسببه صورة و معنى فنحو أن يقول لعبد لا يملكه : إن ملكتك فأنت حر أو إن اشتريتك فأنت حر و أنه صحيح عندنا حتى لو ملكه أو اشتراه يعتق و إن لم يكن الملك موجودا وقت التعليق .
و قال الشافعي : لا يصح و لا يعتق .
و قال بشر المريسي : يصح التعليق بالملك و لا يصح بسبب الملك و هو الشراء أما الكلام مع الشافعي فعلى نحو ما ذكرنا في كتاب الطلاق و أما مع بشر فوجه قوله : أن اليمين بالطلاق و العتاق لا يصح إلا في الملك أو مضافا إلى الملك و لم توجد الإضافة إلى الملك لأن الشراء قد يفيد الملك للمشتري و قد لا يفيد كالشراء بشرط الخيار و شراء الوكيل فلم توجد الإضافة إلى الملك فلا يصح بخلاف قوله إن ملكتك .
و لنا : أن مطلق الشراء ينصرف إلى الشراء المتعارف و هو الشراء لنفسه و من غير شرط الخيار و أنه من أسباب الملك فكان ذكره ذكرا للملك و الإضافة إليه إضافة إلى الملك كأنه قال إن ملكتك فأنت حر و لأنه لما علق العتق بالشراء و لا بد من الملك عند الشراء لثبوت / العتق كان هذا تعليق العتق بالشراء الموجب للملك كأنه قال : إن اشتريتك شراء موجبا للملك فأنت حر فإذا اشتراه شراء موجبا للملك فقد وجد الشرط فيعتق .
و لو قال : إن تسريت جارية فهي حرة فاشترى جارية فتسراها لا تعتق عند أصحابنا الثلاثة و عند زفر : تعتق و لو تسرى جارية كانت في ملكه يوم حلف عتقت بالإجماع .
وجه قول زفر : أنه وجدت الإضافة إلى الملك لأن التسري لا يصح بدون الملك فكانت الإضافة إلى التسري إضافة إلى الملك فيصح التعليق .
و لنا : أنه لم يوجد الملك وقت التعليق و لا الإضافة إلى الملك و الكلام فيه و لا إلى سبب الملك لأن التسري ليس من أسباب الملك ألا ترى أنه يتحقق في غير الملك كالجارية المغصوبة و اليمين بالعتاق و الطلاق لا يصح إلا في الملك أو مضافا إلى الملك أو سببه و لم يوجد شيء من ذلك .
و أما قوله : إن التسري لا صحة له بدون الملك فهذا مسلم أن الملك شرط صحة التسري و جوازه لكن الحالف جعل وجوده شرط العتق و التسري نفسه يوجد من غير ملك فلم يكن التعليق به تعليقا بسبب الملك فلم يصح ثم اختلف في تفسير التسري قال أبو حنيفة و محمد هو أن يطأها و يحصنها و يمنعها من الخروج و البروز سواء طلب منها الولد أو لم يطلب و قال أبو يوسف طلب الولد مع التحصين شرط .
وجه قوله : أن الإنسان يطأ جاريته و يحصنها و لا يقال لها : سرية و إنما يقال ذلك إذا كان يطلب منها الولد أو تكون أم ولده هذا هو العرف و العادة .
و لهما : أنه ليس في لفظ التسري ما يدل على طلب الولد لأنه لا يخلو إما أن يكون مأخوذا من السرو و هو الشرف فتسمى الجارية سرية بمعنى أنه أسرى الجواري أي أشرفهن و إما أن يكون مأخوذا من السر و هو الجماع قال الله تعالى : { و لكن لا تواعدوهن سرا } قيل جماعا و ليس في أحدهما ما ينبي عن طلب الولد و لو وطىء جارية كانت في ملكه يوم الحلف فعلقت منه لم تعتق لعدم التسري لأنه لم يوجد منه إلا الوطء و الوطء وحده لا يكون تسريا بلا خلاف فلم يوجد شرط العتق فلا تعتق .
و لو قال لامرأة حرة : إن ملكتك فأنت حرة أو قال لها : إن اشتريتك فأنت حرة فارتدت عن الإسلام و لحقت بدار الحرب ثم سبيت فاشتراها الحالف ذكر محمد في الجامع أن على قياس قول أبي حنيفة لا تعتق و عند أبي يوسف و محمد تعتق يعني به قياس قوله في المكاتب و العبد المأذون إذا قال : كل عبد أملكه فيما استقبل فهو حر أو قال : كل عبد أشتريه فهو حر فيعتق ثم ملك عبدا أو اشترى عبدا على قول أبي حنيفة لا يعتق و على قولهما : يعتق و المسألة تأتي في موضعها .
و لو قال لأمة لا يملكها : إن اشتريتك فأنت حرة بعد موتي فاشتراها صارت مدبرة لأنه علق تدبيرها بسبب الملك و هو الشراء لأن قوله : أنت حرة بعد موتي صورة التدبير و قد علقه بالشراء فيصير عند الشراء قائلا : أنت حرة بعد موتي .
و أما التعليق بالملك أو بسببه معنى لا صورة فهو أن يقول الحر : كل مملوك أملكه فيما يستقبل فهو حر و يتعلق العتق بملك يستفيده لأنه نص على الاستقبال و روى ابن سماعة عن محمد في النوادر إذا قال : كل جارية أشتريها إلى سنة فهي حرة فكل جارية يشتريها إلى سنة فهي حرة ساعة يشتريها قال : و إن قال : كل جارية أشتريها فهي حرة إلى سنة فاشترى جارية لم تعتق إلى سنة لأنه في الفصل الأول عقد يمينه على الشراء في السنة فتعتق كل جارية يشتريها في السنة ساعة الشراء كأنه قال عند الشراء : أنت حرة فتعتق .
و في الفصل الثاني جعل الشراء شرطا لعتق مؤقت بالسنة فكأنه قال بعد الشراء أنت حرة إلى سنة .
قال : و لو قال : كل مملوك أشتريه فهو حر غدا فهذا عندي على كل مملوك يشتريه قبل الغد و إن اشترى مملوكا غدا لا يعتق لأنه جعل الشراء شرطا لزوال حرية مؤقتة بوجود الغد فلا بد من تقدم الملك على الغد لينزل العتق الموقت به .
و لو قال : كل مملوك أملكه إلى ثلاثين سنة فهذا على ما يستقبل ملكه في الثلاثين سنة أولها من حين حلف بعد سكوته في قولهم جميعا و لا يكون على ما في ملكه قبل ذلك لأنه لما أضاف العتق إلى الاستقبال تعين اللفظ للمستقبل و إذا انصرف إلى الاستقبال لا يحمل على الحال إذ اللفظ الواحد لا ينتظم معنيين مختلفين بخلاف قوله غدا عند محمد لأن ذاك ليس أصلا إلى الاستقبال بل هو إيقاع عتق على موصوف بصفة فيتناول كل من كان على تلك الصفة .
و كذلك إذا قال : كل مملوك أملكه ثلاثين سنة أو قال : / أملكه إلى سنة أو سنة أو في سنة أو قال : أملكه أبدا أو إلى أن أموت فهذا كله باب واحد يدخل فيه ما يستقبل دون ما كان في ملكه لأنه أضاف الحرية إلى المستقبل فإن قالت أردت بقولي كل مملوك أملكه سنة أن يكون ما في ملكه يوم حلف مستداما سنة دين فيما بينه و بين الله تعالى و لم يدين في القضاء لأن الظاهر أنه إنما وقت السنة لاستفادة الملك لا لاستمرار الملك القائم فلا يصدق في العدول عن الظاهر .
و لو قال : إن دخلت الدار فكل مملوك أملكه يومئذ فهو حرا أو قال إذا قدم فلان فكل مملوك أملكه يومئذ حر و لا نية له عتق ما في ملكه يوم دخل الدار لأنه علق عتق كل عبد يكون مملوكا له يوم الدخول بالدخول لأن معنى قوله يومئذ أي يوم الدخول هذا هو مقتضى اللغة لأن تقديره يوم إذا دخل الدار لأنه حذف الفعل و عوض عنه بالتنوين فيعتق كل ما كان مملوكا له يوم الدخول فكأنه قال عند الدخول : كل مملوك لي فهو حر و سواء دخا الدار ليلا أو نهارا لأن اليوم يذكر و يراد به الوقت المطلق قال الله سبحانه و تعالى : { و من يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله و مأواه جهنم و بئس المصير } و هذا الوعد يلحق المولى دبره ليلا و نهارا و لأن غرض الحالف الامتناع من تحصيل الشرط فلا يختص بوقت دون وقت .
و لو قال : كل مملوك اشتريته فهو حر إن كلمت أو إذا كلمت فلانا أو إذا جاء غد و لا نية له فهذا يقع على ما يشتريه قبل الكلام فكل مملوك اشتراه قبل الكلام ثم تكلم عتق و ما اشتراه بعد الكلام لا يعتق و لو قدم الشرط فقال : إن كلمت فلانا أو إذا كلمت فلانا أو إذا جاء غد فكل مملوك اشتريته فهو حر فهذا على ما يشتريه بعد الكلام لا قبله حتى لو كان اشترى مماليك قبل الكلام ثم كلم لا يعتق واحد منهم و ما اشترى بعده يعتق .
و وجه الفرق : أن في الفصل الأول جعل الكلام شرط انحلال اليمين لأن قوله كل مملوك أشتريه فهو حر بيمين تامة لوجود الشرط و الجزاء فإذا قال إن كلمت فلانا فقد جعل كلام فلان غاية لانحلالها فإذا كلمه انحلت فلا يدخل ما بعد الكلام كقوله : كل مملوك لي حر إن دخلت الدار .
و في الفصل الثاني : جعل كلام فلان شرط انعقاد اليمين فإذا كلمه الآن انعقدت اليمين فيدخل فيه ما بعده لا ما قبله فيصير كأنه قال : عند الكلام كل مملوك أشتريه فهو حر و ذلك يتناول المستقبل .
و لو قال : كل مملوك أشتريه إذا دخلت الدار فهو حر أو قال : إن قدم فلان فهذا على ما يشتري بعد الفعل الذي حلف عليه و لا يعتق ما اشترى قبل ذلك إلا أن يعينهم لأنه جعل دخول الدار شرطا لانعقاد اليمين فيصير عند دخول الدار كأنه قال : كل مملوك أشتريه فهو حر .
و الدليل على أنه جعل دخول الدار شرط انعقاد اليمين أن قوله : كل مملوك أشتريه شرط و قوله : إذا دخلت الدار شرط و قوله : إذا دخلت الدار شرط آخر و لا يمكن أن يجعلا شرطا واحدا لعدم حرف العطف و لا سبيل إلى إلغاء الشرط الثاني لأن إلغاء تصرف العاقل مع إمكان تصحيحه خارج عن العقل و لتصحيحه وجهان : .
أحدهما : أن يجعل الشرط الثاني مع جزائه يمينا و جزاء الشرط الأول و حينئذ لا بد من إدراج حرف الفاء لأن الجزاء المتعقب للشرط لا يكون بدون حرف الفاء و فيه تغيير .
و الثاني : أن يجعل شرط الانعقاد و فيه تغيير أيضا يجعل المقدم من الشرطين مؤخرا إلا أن التغيير فيه أقل لأن فيه تبديل محل الكلام لا غير و في الأول إثبات ما ليس بثابت فكان الثاني أقل تغييرا فكان التصحيح به أولى و تسمى هذه اليمين اليمين المعترضة لاعتراض شرط بين الشرط و الجزاء و لو نوى الوجه الأول صحت نيته لأن اللفظ يحتمله و لهذا قال محمد : إلا أن يعني غير ذلك فيكون على ما عنى .
و لو قال المكاتب أو العبد المأذون : كل عبد أملكه فهو حر فعتق ثم ملك عبدا لا يعتق لأن قوله أملك للحال لما يتناوله للحال نوع ملك إلا أنه غير صالح للإعتاق فتنحل اليمين لا إلى جزاء .
و لو قال : كل مملوك أملكه إذا أعتقت فهو حر فعتق فملك عبدا عتق لأنه علق العتق بالملك الحاصل له بعد عتقه و إنه ملك صالح للإعتاق فصحت الإضافة بخلاف الصبي إذا قال : كل مملوك أملكه بعد البلوغ فهو حر ثم بلغ فملك عبدا أنه لا يعتق لأن الصبي ليس من أهل الإعتاق تنجيزا و تعليقا لكونه من التصرفات الضارة المحضة / فأما العبد فهو من أهله لكونه عاقلا بالغا إلا أنه لا ينفذ تنجيز العتق منه لعدم شرط و هو الملك الصالح فإذا علق بملك يصلح شرطا له صح .
و لو قال : كل مملوك أملكه فيما استقبل فهو حر أو قال : كل مملوك أشتريه فهو حر فعتق فملك بعد ذلك عبدا أو اشترى عبدا لا يعتق عند أبي حنيفة .
و عند أبي يوسف 0 و محمد : يعتق .
وجه قولهما : أن قول أملكه فيما استقبل يتناول كل ما يملكه إلى آخر عمره فيعمل بعموم اللفظ كما في الحر و لأن في الحمل على الاستقبال تصحيح تصرفه و في الحمل على الحال إبطال فكان الحمل على الاستقبال أولى .
و لأبي حنيفة : أن للمكاتب نوع ملك ضروري ينسب إليه في حالة الرق في حالة الكتابة بمنزلة المجاز لمقابلة الملك المطلق ألا ترى إلى قول النبي صلى الله عليه و سلم [ من باع عبدا و له مال ] الحديث أضاف المال إليه بلام الملك دل أن له نوع ملك فهو مراد بهذا الإيجاب بالإجماع بدليل أنه لو قال : إن ملكت هذا العبد بعينه في المستقبل فهو حر فملكه في حال الكتابة فباعه ثم اشتراه بعدما صار حرا لا يعتق و تنحل اليمين بالشراء الأول لأن الملك المجازي مراد فخرجت الحقيقة عن الإرادة كي لا يؤدي إلى الجمع بين الحقيقة و المجاز في لفظ واحد و قد قالوا في عبد قال لله تعالى علي عتق نسمة أو إطعام مسكين لزمه ذلك و كان عليه إذا عتق لأن هذا إيجاب الإعتاق و الإطعام في الذمة و ذمته تحتمل الإيجاب فيصح و يلزمه الخروج عنه بعد العتق .
و لو قال : إن اشتريت هذا العبد فهو حر و إن اشتريت هذه الشاة فهي هدي لم يلزمه ذلك في قياس قول أبي حنيفة حتى يضيف إلى ما بعد العتق فيقول : إن اشتريته بعد العتق .
و قال أبو يوسف و محمد : يلزمانه لأن من أصل أبي حنيفة أن العبد يضاف إليه الشراء في الحال و إن كان بمنزلة المجاز بمقابلة الشراء بعد الحرية و المجاز مراد فلا تكون الحقيقة مرادة و من أصلهما أن هذا يتناول ما يستقبل من الشراء في عمره و تصحيح اليمين أيضا أولى من إبطالها و قد قالوا جميعا في مكاتب أو عبد قال إن دخلت هذه الدار فعبدي هذا حر ثم أعتق فدخل الدار : لم يعتق العبد لأن هذا الملك غير صالح للعتق و لم توجد الإضافة إلى ما يصلح و قالوا في حر قال لامرأة إذا ملكتك فأنت حرة أو إذا اشتريتك فأنت حرة فارتدت و لحقت بدار الحرب ثم سبيت فاشتراها الحالف إنها لا تعتق في قياس قول أبي حنيفة و عندهما تعتق بناء على أن من أصل أبي حنيفة أنه يحمل الملك أو الشراء على ما يقبله المحل في الحال و هو ملك النكاح ههنا و الشراء أيضا يصلح عبارة عن سبب هذا الملك و هو النكاح و الحرية أيضا تصلح عبارة عما يبطله و هو الطلاق .
و كلام أبي حنيفة في هذا الفصل ظاهر لأن اليمين تحمل على ما يسبق إلى الأوهام و لا تنصرف الأوهام إلى ارتدادها و لحوقها بدار الحرب و سبيها لأن ذلك غير مظنون بالمسلمة فكان صرف كلامه إلى ما ذكرنا أولى من صرفه إلى ما تسبق إليه الأوهام و من أصلهما أنه يحمل مطلق الملك على الملك الحقيقي الصالح للإعتاق و هو الذي يوجد بعد السبي .
و لو قال لها : إذا ارتدت و سبيت فملكتك أو اشتريتك فأنت حرة فكان ذلك فعتقت في قولهم لأنه أضاف العتق إلى الملك الحقيقي فيضاف إليه و الله عز و جل أعلم .
و من هذا القبيل إذا قال : أول عبد أشتريه فهو حر فاشترى عبدا عتق لأن الأول اسم لفرد سابق و قد وجد و لو اشترى عبدين معا لم يعتق أحدهما لأنه إن وجد معنى السبق فلم يوجد معنى التفرد فإن اشترى عبدين معا ثم اشترى آخر لم يعتق الثالث لأنه إن وجد فيه معنى التفرد فقد انعدم معنى السبق و قد استشهد محمد في الكتاب لبيان الثالث ليس بأول أنه لو قال : آخر عبد أشتريه فهو حر فاشترى عبدين معا ثم اشترى آخر ثم مات المولى أنه يعتق الثالث فدل أنه آخر و إذا كان آخرا لا يكون أولا ضرورة لاستحالة كونه ذات واحدة من المخلوقين أولا و آخرا .
و لو قال : أول عبد أشتريه واحدا فهو حر عتق الثالث لأنه أعتق عبدا يتصف بكونه فردا سابقا في حال الشراء و قد وجد هذا الوصف في العبد الثالث و لو قال آخر عبد أشتريه فهو حر فاشترى عبدا ثم لم يشتر غيره حتى مات المولى لم يعتق لأن الآخر اسم لفرد لاحق و هذا فرد سابق فكان أولا لا آخرا و لو اشترى عبدا ثم عبدا ثم مات المولى عتق الثاني لأنه آخر عبد اشتراه .
و اختلف / في وقت ثبوت العتق فعند أبي حنيفة يعتق يوم اشتراه و عند أبي يوسف و محمد : يوم مات .
وجه قولهما : أنه علق العتق بصفة الآخرية و إنما يتحقق عند موته إذا لم يشتر آخرا ألا ترى أنه لو اشترى بعده عبدا آخر حرم هو من أن يكون آخرا فيتوقف اتصافه بكونه آخرا على عدم الشراء بعده و لا يتحقق ذلك إلا بالموت لأبي حنيفة أنه لما لم يشتر آخر بعده حتى مات تبين أنه كان آخرا يوم اشتراه إلا أنا كنا لا نعرف ذلك لجواز أن يشتري آخر بعده فتوقفنا في تسميته آخرا فإذا لم يشتر آخر حتى مات زال التوقف و تبين أنه كان آخرا من وقت الشراء و لو اشترى عبدا ثم عبدين معا لم يعتق أحدهم .
أما الأول : فلا شك فيه لأنه أول فلا يكون آخرا و أما الآخران فلأن الآخر اسم لفرد لاحق و لم يوجد معنى التفرد فلا يعتق أحدهما و أما بيان ما يظهر به وجود الشرط فالحالف لا يخلو إما أن يكون مقرا بوجود الشرط و إما أن يكون منكرا وجوده فإن كان مقرا يظهر بإقراره كائنا ما كان من الشرط و إن كان منكرا فإن كان الشرط مما لا يعرف إلا من قبل المحلوف بعتقه كمشيئة و محبة و بغضه و الحيض و نحو ذلك يظهر بقوله و إذا اختلفا كان القول قوله لأنه إذا كان أمرا لا يعرف إلا من قبله كان الظاهر شاهدا له فكان القول قوله و إن كان أمرا يمكن الوصول إليه من قبل غيره كدخول الدار و كلام زيد و قدوم عمرو و نحو ذلك إذا اختلفا لا يظهر إلا ببينة تقوم عليه من العبد و يكون القول عند عدم البينة قول المولى لأن العبد يدعي عليه العتق و هو ينكر فكان القول قول المنكر مع يمينه و لو كان الشرط ولادة الأمة بأن قال لها : إن ولدت فأنت حرة فقالت ولدت فكذبها المولى فشهدت امرأة على الولادة لا تعتق عند أبي حنيفة حتى يشهد بالولادة رجلان أو رجل و امرأتان و عندهما تعتق بشهادة امرأة واحدة ثقة و المسألة مرت في فصول العدة من كتاب الطلاق .
و أما الثالث : و هو بيان من يدخل تحت مطلق اسم المملوك في الإعتاق المضاف إليه و من لا يدخل فنقول و بالله التوفيق : يدخل تحته عبد الرهن و الوديعة و الآبق و المغصوب و المسلم و الكافر و الذكر و الأنثى لانعدام الخلل في الملك و الإضافة .
و لو قال : عنيت به الذكور دون الإناث لم يدين في القضاء لأنه أدخل كلمة الإحاطة على المملوك فإذا نوى به البعض فقد نوى تخصيص العموم و أنه خلاف الظاهر فلا يصدق في القضاء و يصدق فيما بينه و بين الله تعالى لأنه نوى ما يحتمله كلامه و يدخل فيه المدبر و المدبرة و أم الولد و ولداهما لما قلنا .
ألا ترى أن للمولى أن يطأ المدبرة و أم الولد مع أن حل الوطء منفي شرعا إلا بأحد نوعي الملك مطلقا بقوله تعالى : { و الذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } و لا يدخل فيه المكاتب إلا أن يعينه لأنه خرج عن يده بعقد الكتابة و صار حرا يدا فاختل الملك و الإضافة فلا يدخل تحت إطلاق اسم المملوك و لهذا لا يحل له وطؤها و لو وطئها يلزمه العقر و إن عنى المكاتبين عتقوا لأن الاسم يحتمل ما عنى و فيه تشديد على نفسه فيصدق و كذا لا يدخل فيه العبد الذي أعتق بعضه لأنه حر عندهما و عنده بمنزلة المكاتبة و يدخل عبده المأذون سواء كان عليه دين أو لم يكن لما قلنا و أما عبيد عبده المأذون إذا لم يكن عليه دين فهل يدخلون ؟ .
قال أبو حنيفة و أبو يوسف : لا يدخلون إلا أن ينويهم و قال محمد : يدخلون من غير نية .
وجه قوله : أنه إذا لم يكن على العبد دين فعبد عبده ملكه بلا خلاف فيعتق و لهما : أن في الإضافة إليه قصور ألا ترى أنه يقال : هذا عبد فلان و هذا عبد عبده فلا يدخل تحت مطلق الإضافة إلا بالنية لأنه لما نوى فقد اعتبر الملك دون الإضافة .
و الحاصل : أن محمدا يعيبر نفس الملك و لا خلل في نفسه و هما يعتبران معه الإضافة و في الإضافة خلل و اعتبارهما أولى لأن الحالف اعتبر الأمرين جميعا بقوله : كل مملوك لي فما لم يوجدا على الإطلاق لا يعتق .
و إن كان على عبده دين محيط برقبته و بما في يده لم يعتق عبيده عند أبي حنيفة و إن نواهم بناء على أصله أن المولى لا يملك عبد عبده المأذون المديون دينا مستغرقا لرقبته و كسبه .
و قال أبو يوسف : إن نواهم عتقوا لأنهم مماليكه إلا أنهم لا يضافون إليه عند الإطلاق فإذا نوى و فيه تشديد على نفسه عتقوا و عند محمد يعتقون و إن لم ينوهم بناء على ما ذكرنا أن محمدا لا ينظر إلا إلى الملك و هما ينظران إلى الملك و الإضافة جميعا و لا يدخل فيه مملوك / بينه و بين أجنبي كذا قال أبو يوسف لأن بعض المملوك لا يسمى مملوكا حقيقة و إن نواه عتق استحسانا لأنه نوى ما يحتمله لفظه في الجملة و فيه تشديد على نفسه فيصدق و هل يدخل فيه الحمل إن كان أمة في ملكه يدخل و يعتق بعتقها و إن كان في ملكه الحمل دون الأمة بأن كان موصى له بالحمل لم يعتق لأنه لا يسمى مملوكا على الإطلاق لأن في وجوده خطرا و لهذا لا يجب على المولى صدقة الفطر عنه .
و الدليل عليه أنه لو قال : إن اشتريت مملوكين فهما حران فاشترى جارية حاملا لم يعتقا لأن شرط الحنث شراء مملوكين و الحمل لا يسمى مملوكا على الإطلاق و كذا لو قال لأمته كل مملوك لي غيرك حر لم يعتق حملها فثبت أن إطلاق اسم المملوك لا يتناول الحمل فلا يعتق إلا إذا كانت أمة في ملكه فيعتق بعتقها لأنه في حكم أجزائها .
و أما التعليق الذي فيه معنى المعاوضة فهو الكتابة و الإعتاق على مال : أما الكتابة فلها كتاب مفرد .
و أما الإعتاق على مال فالكلام فيه في مواضع في بيان ألفاظه و في بيان ماهية الإعتاق على مال .
و في بيان ما يصح تسميته فيه من البدل و ما لا يصح و في بيان حكم صحة التسمية و فسادها .
أما الأول : فنحو أن يقول لعبده : أنت حر فلي ألف درهم أو بألف درهم أو على أن تعطيني ألفا أو على أن تؤدي إلي ألفا أو على أن تجيئني بألف أو على أن لي عليك ألفا أو على ألف تؤديها إلي .
و كذا لو قال : بعت نفسك منك على كذا أو وهبت لك نفسك على أن تعوضني كذا فهذا و قوله أنت حر على كذا أو أعتقك على كذا سواء إذا قبل عتق لما ذكر فيما تقدم أن البيع إزالة ملك البائع عن المبيع و الهبة إزالة ملك الواهب عن الموهوب .
ثم لو كان المشتري و الموهوب له ممن يصح له الملك في المبيع و الموهوب يثبت الملك لهما و العبد ممن لا يصح أن يملك نفسه لما فيه من الاستحالة فنفي البيع و الهبة إزالة الملك لا إلى أحد ببدل على العبد و هذا تفسير الإعتاق على مال .
و لو قال : أنت حر و عليك ألف درهم يعتق من غير قبول و لا يلزمه المال عند أبي حنيفة .
و عندهما : لا يعتق إلا بالقبول فإذا قبل عتق و لزمه المال و على هذا الخلاف إذا قال العبد لمولاه : اعتقني و لك ألف درهم فأعتقه و المسألة ذكرت في كتاب الطلاق .
و أما بيان ماهيته : فالإعتاق على مال من جانب المولى تعليق و هو تعليق العتق بشرط قبول العوض فيراعى فيه من جانبه أحكام التعليق حتى لو ابتدأ المولى فقال أنت حر على ألف درهم ثم أراد أن يرجع عنه قبل قبول العبد لا يملك الرجوع عنه و لا الفسخ و لا النهي عن القبول و لا يبطل بقيامه عن المجلس قبل قبول العبد و لا يشترط حضور العبد حتى لو كان غائبا عن المجلس يصح و يصح تعليقه بشرط و إضافته إلى وقت بأن يقول له إن دخلت الدار و إن كلمت فلانا فأنت حر على ألف درهم أو يقول إن دخلت أو إن كلمت فلانا فأنت حر على ألف درهم غدا أو رأس شهر كذا و نحو ذلك و لا يصح شرط الخيار فيه بأن قال : أنت حر على ألف على أني بالخيار لثلاثة أيام و من جانب العبد معاوضة و هو معاوضة المال بالعتق لأنه من جانبه تمليك المال بالعوض و هذا معنى معاوضة المال فيراعى فيه من جانبه أحكام معاوضة المال كالبيع و نحوه حتى لو ابتدأ العبد فقال اشتريت نفسي منك بكذا فله أن يرجع عنه و يبطل بقيامه عن المجلس قبل قبول المولى و بقيام المولى أيضا و لا يقف على الغائب عن المجلس و لا يحتمل التعليق بالشرط و الإضافة إلى الوقت بأن قال : اشتريت نفسي منك بكذا إذا جاء غد أو قال : عند رأس شهر كذا .
و لو قال : إذا جاء غد فأعتقني على كذا جاز لأن هذا توكيل منه بالإعتاق حتى يملك العبد عزله قبل وجود الشرط و بعده و قبل أن يعتق و لو لم يعزله حتى أعتقه نفذ إعتاقه و يجوز بشرط الخيار لهما عند أبي حنيفة على ما ذكرنا في كتاب الطلاق في فصل الخلع و الطلاق على مال و لا يصح الإعتاق على مال إلا في الملك لأن التعليق بما سوى الملك و سببه من الشروط لا صحة له بدون الملك و كذا المعاوضة .
و يعتق العبد بنفس القبول لأنه من جانبه تعليق العتق بشرط قيول العوض و قد وجد الشرط فينزل المعلق كالتعليق بدخول الدار و غيره و من جانب العبد معاوضة و زوال الملك عن المعوض يتعلق بنفس قبول العوض في المعاوضات كالبيع و نحوه بخلاف قوله إن أديت إلي ألفا فأنت حر لأن ليس فيه معنى المعاوضة رأسا بل هو تعليق محض و قد علقه بشرط الأداء فلا يعتق قبله و العتق / ههنا تعلق بالقبول فإذا قبل عتق .
و لو قال المولى : أعتقتك أمس بألف درهم فلم يقبل و قال العبد : قبلت فالقول قول المولى مع يمينه لأنه من جانب المولى تعليق بشرط القبول و العبد يدعي وجود الشرط و المولى ينكر فكان القول قول المولى كما لو قال لعبده إن دخلت الدار اليوم فأنت حر فمضى اليوم و العبد يدعي الدخول و أنكر المولى كان القول قول المولى كذا ههنا .
و لو كان الاختلاف في البيع كان القول قول المشتري بأن قال البائع بعتك عبدي أمس بألف درهم فلم تقبل و قال المشتري بل قبلت فالقول قول المشتري و الفرق أن البيع لا يكون بيعا إلا بقبول المشتري فإذا قال بعتك فقد أقر بالقبول فبقوله لم تقبل يريد الرجوع عما أقر به و إبطال ذلك فلم يقبل بخلاف الإعتاق على مال لأنه كونه تعليقا لا يقف على وجود القبول من العبد إنما ذاك شرط وقوع العتق فكان الاختلاف واقعا في ثبوت العتق و عدمه فكان القول قول المولى .
و لو اختلف المولى و العبد في مقدار البدل فالقول قول العبد لأنه هو المستحق عليه المال فكان القول قوله في القدر المستحق كما في سائر الديون و لأنه لو وقع الاختلاف في أصل الدين كان القول قول المنكر فكذا إذا وقع في القدر و إن أقاما بينة فالبينة بينة المولى لأنها تثبت زيادة بخلاف التعليق بالأداء إذا اختلفا في مبلغ المال أن القول فيه قول المولى لأن الاختلاف هناك وقع في شرط ثبوت العتق إذ هو تعليق محض فالعبد يدعي العتق على المولى و هو ينكر فكان القول قوله و إن أقاما البينة فالبينة بينة العبد لأن الأصل هو العمل بالبينتين ما أمكن إذ هو عمل بالدليلين و ههنا أمكن الجمع بينهما لعدم التنافي لأنا نجعل كأن المولى علق عتقه بكل واحد من الشرطين على حياله فأيهما وجد عتق ثم إذا قبل العبد عتق و صار البدل المذكور دينا في ذمته إذا كان مما يحتمل الثبوت في الذمة في الجملة على ما تبين و يسعى و هو حر في جميع أحكامه