سبب الاستيلاد .
فصل : و أما شرطه فما هو شرط ثبوت النسب شرعا و هو الفراش و لا فراش إلا بملك اليمين أو شبهة أو تأويل الملك أو ملك النكاح أو شبهته لا تصير الأمة فراشا في ملك اليمين بنفس الوطء بل بالوطء مع قرينة الدعوى عندنا و هي من مسائل كتاب الدعوى فلا يثبت الاستيلاد بدون الدعوى و يستوي في الاستيلاد ملك القنة و المدبرة لاستوائهما في إثبات النسب إلا أن المدبرة إذا صارت أم ولد بطل التدبير لأن أمية الولد أنفع لها .
ألا ترى أن أم الولد لا تسعى لغريم و لا لوارث و المدبرة تسعى و يستوي في ثبات النسب ملك كل الجارية و بعضها .
و كذا في الاستيلاد حتى لو أن جارية بين اثنين علقت في ملكهما فجاءت بولد فادعاه أحدهما يثبت نسبه منه و صارت الجارية كلها أم ولد له بالضمان و هو نصف قيمة الجارية و يستوي في هذا الضمان اليسار و الإعسار و يغرم نصف العقر لشريكه و لا يضمن من قيمة الولد شيئا .
أما ثبوت النسب : فلحصول الوطء في محل له فيه ملك لأن ذلك القدر من الملك أوجب ثبوت النسب ثبت بشبهة الملك فلأن يثبت بحقيقة الملك أولى .
و أما صيرورة الجارية كلها أم ولد له فالنصف قضية للتسبب لأن نصف الجارية مملوك له و النصف الآخر إما باعتبار أن الاستيلاد لا يتجزأ فيما يمكن نقل الملك فيه فإذا ثبت في البعض يثبت في الكل لضرورة عدم التجزي و إما باعتبار أنه وجد سبب التكامل و هو النسب على كونه متجزئا في نفسه لأن سبب الاستيلاد هو ثبوت النسب و النسب لا يتجزأ و الحكم على وفق العلة فثبت الاستيلاد و في نصيبه قضية للسبب ثم يتكامل في الباقي بسبب النسب و أما باعتبار سبب آخر أوجب التكامل على ما عرف في الخلافيات ثم لا سبيل إلى التكامل بدون ملك نصيب شريكه فيصير متملكا نصيب شريكه ضرورة صحة الاستيلاد في ذلك النصيب و لا سبيل إلى تملك مال الغير من غير بدل فيتملكه بالبدل و هو نصف قيمتها و إنما استوى في هذا الضمان حالة اليسار و الإعسار لأنه ضمان ملك كضمان البيع .
و أما وجوب نصف العقر فلوجود الإقرار منه بوطء ملك الغير و إنه حرام إلا أن الحد لم يجب لمكان شبهة لحصول الوطء في ملكه و ملك شريكه فلا بد من وجوب العقر و لا يدخل العقر في ضمان القيمة لأن ضمان نصف القيمة ضمان الجزء و ضمان الضع ضمان الجزء و لأن منافع البضع لها حكم الأجزاء و ضمان الجزء لا يدخل في مثله .
و أما عدم وجوب نصف قيمة الولد فلأنه يملك نصيب شريكه بالعلوق السابق فصار الولد جاريا على ملكه فلا يكون مضمونا عليه و لأن الولد في حال العلوق لا قيمة له فلا يقابل في الضمان و لأنه كان بمنزلة الأوصاف فلا يفرد بالضمان و يستوي في ثبوت النسب و صيرورة الجارية أم ولد ملك الذات و ملك اليد كالمكاتب إذا استولد جارية من إكسابه على ما نذكر في كتاب الدعوى إن شاء الله تعالى و يستوي في دعوى النسب حالة الصحة و المرض لأن النسب من الحوائج الأصلية .
و كذلك إذا ادعاه أحدهما و أعتقه الآخر و خرج القول منهما معا فعتقه باطل و دعوى صاحبه أو لا لأن الدعوى استندت إلى حالة متقدمة و هي العلوق العتق وقع في الحال فصارت الدعوى أسبق من الإعتاق فكانت أولى و إن ادعياه جميعا فهو ابنهما و الجارية أم ولد لهما تخدم لهذا يوما و لذاك يوما و لا يضمن واحد منهما من قيمة الأم لصاحبه شيئا و يضمن كل واحد منهما نصف العقر فيكون قصاصا .
أما ثبوت النسب منهما فمذهبنا .
و عند الشافعي : يثبت من أحدهما و يتعين بقول القافة و هي من مسائل كتاب الدعوى و أما صيرورة نصيب كل واحد منهما من الجارية أم ولد فاثبوت نسب ولدها منه فصار كأنه انفرد بالدعوى و إنما لا يضمن أحدهما للآخر شيئا من قيمة الأم لأن نصيب كل واحد منهما لم ينتقل إلى شريكه و إنما ضمن كل واحد منهما لصاحبه نصف العقر لوجود سبب وجوب الضمان و هو القرار بالوطء في ملك الغير فسصسر أحدهما قصاصا للآخر لعدم الفائدة في الاستيفاء .
و كذلك لو كانت الجارية بين ثلاثة أو أربعة أو خمسة فادعوه جميعا معا يثبت نسبه منهم و تصير الجارية أم ولد لهم في قول أبي حنيفة و عند أبي يوسف لا يثبت النسب من أكثر من اثنين و عند محمد من أكثر من ثلاثة و نذكر الحجج في كتاب الدعوى إن شاء الله تعالى .
و إن كانت الأنصباء مختلفة بأن كان لأحدهم السدس و الآخر الربع و الآخر الثلث و لآخر ما بقي يثبت نسبه منهم و يصير نصيب كل واحد منهم من الجارية أم ولد له لا يتعدى إلى نصيب صاحبه حتى تكون الخدمة و الكسب و الغلة على قدر أنصبائهم لأن كل واحد منهم ثبت الاستيلاد منه في نصيبه فلا يجوز أن يثبت فيه استيلاد غيره .
و لو كانت الأمة بين الأب و الابن فجاءت بولد فادعياه جميعا معا أو كانت بين حر و عبد فادعياه أو بين حر و مكاتب أو بين مكاتب و عبد أو بين مسلم و ذمي أو بين كتابي و مجوسي أو بين عبد مسلم و مكاتب مسلم و بين حر كافر أو بين ذمي و مرتد فحكمه يذكر في كتاب الدعوى .
هذا إذا كان العلوق في ملك المدعين فإذا لم يكن بأن اشترياها و هي حامل فجاءت بولد فادعاه أحدهما أو كلاهما فهو من مسائل الدعوى نذكره هناك إن شاء الله تعالى .
و كذا إذا ولدت الجارية المشتركة بين اثنين ولدين فادعى كل واحد منهما ولدا ولدتهما في بطن أو بطنين و الدعوتان جرجتا معا أو على التعاقب و كذا إذا ولدت جارية لإنسان ثلاث أولاد فادعى أحدهم و هم ولدوا في بطن واحد أو في بطون مختلفة و ادعى المولى أحدهما بعينه أو بغير عينه فحكم هذه الجملة في كتاب الدعوى و كذا دعوى الأب نسب ولد جارية ابنه مع فروعها و دعوى اللقيط مع فصولها تذكر ثمة إن شاء الله تعالى .
أما بين رجلين أقر أحدهما أنها أم ولد لصاحبه و أنكر ذلك صاحبه قال أبو حنيفة يبطل حق الشاهد في رقبتها موسرا كان المشهود عليه أو معسرا و تخدم المشهود عليه يوما و يرفع عنها يوما فإن مات للمشهود عليه سعت لورثته و كانت في حال السعاية كالمكاتبة فإن أدت عتقت و كان نصف ولائها للمشهود عليه و النصف لبيت المال و هو قول أبي يوسف الآخر و قال محمد يسعى الساعة في نصف قيمتها للمشهود عليه فإذا أدت فهي حرة لا سبيل لأحد عليها وجه قوله أن المقر قد أفسد على شريكه ملكه بإقراره لأنه لما لم يصدقوا الشريك انقلب إقراره على نفسه فمن اشترى عبدا ثم أقر أن البائع كان قد أعتقه و أنكر البائع أنه ينقلب إقراره عليه و يجعل معتقا كذا ههنا و إذا انقلب راره على نفسه صار مقرا بالاستيلاد في نصيبه و متى ثبت في نصيبه ثبت في نصيب صاحبه لأنه لم يتجزأ فقد أفسد نصيب صاحبه لكن لا سبيل إلى تضمينه لأن شريكه قد كذبه في إقراره فكان لشريكه السعاية كما لو أعتق المقر نصيبه و هو معسر و إذا سعت في نصيبه و عتق نصيبه يعتق الكل لعدم تجزي العتق عنده و لهما أن المقر بهذا الإقرار يدعي الضمان على المنكر بسبب تملك الجارية لأن الاستيلاد لا يتجزأ فيما يحتمل النقل و الملك و يجب الضمان فيه على الشريك في حالة اليسار و الإعسار و دعوى الضمان توجب براءة الأمة عن السعاية فبطل حقه في رقبتها و بقي حق المنكر في نصيبه كما كان و لأن المقر لا يخلو إما إن كان صادقا في الإقرار و إما إن كان فيه كاذبا فإن كان صادقا كانت الجارية كلها أم ولد لصاحبه فيسلم له كمال الاستخدام و إن كان كاذبا كانت الجارية بينهما على ما كانت قبل الإقرار فنصف الخدمة ثابتة للمنكر بيقين و اعتبار هذا المعنى يوجب أن لا سعاية عليها أيضا فأما المقر فقد أسقط حق نفسه عن الخدمة لزعمه أن كل الخدمة لشريكه إلا أن شريكه لما رد عليه بطلت خدمة اليوم و بيع هذه الجارية متعذر لأن الشاهد أقر أنها أم ولد و حينما أقر كان له ملك فيها في الظاهر فينفذ إقراره في حقه و إذا مات المشهود عليه فإنها تسعى في نصف قيمتها لورثته لأن في زعم الشاهد أنها عتقت بموت صاحبه لزعمه أنه أم ولد صاحبه و الأمة المشتركة بين اثنين إذا أقر أحدهما على شريكه بالعتق كان له عليها السعاية و إن كذبه صاحبه في الإقرار كذلك ههنا و نصف الولاء للمشهود عليه لأنه عتقت على ملكه و وقف النصف الآخر لأن المقر أقر أنه للمشهود عليه و المشهود عليه رد عليه إقراره فلا يعرف لهذا النصف مستحق معلوم فيكون لبيت المال فإن جاءت بولد فقال أحدهما : هو ابن الشريك و أنكر الشريك فالجواب في الأم كذلك و أما الولد فيعتق و يسعى في نصف قيمته للمشهود عليه لأن الشريك المقر أقر بحرية الولد من جهة شريكه و أحد الشريكين إذا شهد على الآخر بالعتق و أنكر الآخر يسعى العبد للمشهود عليه و في مسألتنا لا يسعى للشاهد لأنه أقر أنه حر الأصل و أنه لا سعاية عليه .
و نظير هذه المسألة ما روى بشر عن أبي يوسف في جارية بين شريكين ادعى أحدهما أن شريكه دبرها و أنكر الشريك فإن أبا حنيفة قال الشاهد بالخيار إن شاء دبر فخدمته يوما و الآخر يوما و إن شاء أمسك و لم يدبر فخدمته يوما و الآخر يوما و إن شاء استسعاها في نصف قيمتها .
فسعت له يوما و خدمت الآخر يوما فإذا أدت فعتقت سعي للآخر و كان قول أبي يوسف في ذلك أنها كأم الولد ثم رجع و قال توقف كما قال أبو حنيفة إلا في تبعيض التدبير و قال محمد : تسعى الساعة .
وجه قول محمد على نحو ما ذكرنا في الاستيلاد و هو أن الشريك لما لم يصدقه في إقراره انقلب عليه إقراره و ثبت التدبير في نصيبه و أنه يتعدى إلى نصيب المنكر لعدم تجزي التدبير عنده فقد أفسد نصيب المنكر و تعذر إيجاب الضمان عليه للمنكر بتكذيبه إياه فتسعى الجارية له كما لو أنشأ التدبير في نصيبه و من أصل أبي حنيفة أن التدبير يتجزأ فلا يصير نصيبه بإقراره بالتدبير على صاحبه مدبرا كما لو دبر أحد الشريكين نصيبه أن يبقى نصيب الآخر على حاله و له التدبير و الاستسعاء و الترك على حاله إلا أن ههنا لو اختار السعاية فإنما يستسعاها يوما و يتركها يوما و لأنه لا يملك جميع منافعها فلا يملك أن يستسعي إلا على مقدار حقه فإذا أدت عتق نصيبه و يسعى للمنكر في نصيبه لأنه فسد نصيبه و تعذر تضمين المقر فكان له أن يستسعي و أبو يوسف وافق أبا حنيفة إلا أنه يقول إن التدبير يتجزأ فهو بدعوى التدبير على شريكه يدعي الضمان عليه موسرا كان أو معسرا فكان مبرئا للأمة عن السعاية فلم يبق له حق الاستسعاء و لا حق الاستخدام فيوقف نصيبه و الله عز و جل أعلم .
و روى ابن سماعة عن أبي يوسف : أنه إذا شهد كل واحد منهما بالتدبير على صاحبه أو شهد كل واحد منهما على صاحبه بالاستيلاد فلا سبيل لواحد منهما على صاحبه و لا على الأمة موسرين كانا أو معسرين لأن كل واحد منهما يدعي حق الحريةو من جهته و الإبراء للأمة من السعاية و يدعي الضمانة على شريكه و هذا قول أبي حنيفة و أبي يوسف فأما محمد فوافق أبا حنيفة في هذا الفصل لأن كل واحد من الشريكين ههنا أبرأ الأمة من السعاية و ادعى الضمان على شريكه و روى المعلى عن أي يوسف في عبد بين شريكين قال أحدهما للآخر هذا ابني و ابنك أو ابنك و ابني فقال الآخر : صدقت فهو ابن المقر خاصة دون المصدق و كذلك قال محمد في الزيادات في صبي لا يعقل في يد الرجلين قال أحدهما : هو ابني و ابنك و صدقه صاحبه و إنما كان كذلك لأنه لما قال هو ابني فكما قال ذلك ثبت نسبه منه لوجد الإقرار منه بالنسب في ملكه فلا يحتمل الثبوت من غيره بعد ذلك .
قال محمد : لو قال هذا ابنك و سكت فلم يصدقه صاحبه حتى قال هو ابني معك فهو موقوف فإن قال صاحبه هو ابني دونك فهو كما قال لأنه أقر له بالنسب ابتداء و سكت فقد استقر إقراره و وقف على التصديق فقوله بعد ذلك هو ابني يتضمن إبطال الإقرار فلا يسمع فإذا وجد التصديق من المقر له ثبت النسب منه قال فإن قال له ليس بابني و لكنه ابنك أو قال ليس بابني و لا ابنك أو قال ليس يابني و سكت فليس بابن لواحد منهما في قياس قول أبي حنيفة و قال محمد إن صدقه فهو ابن المقر له و إن كذبه فهو ابن المقر فهذا فرع اختلافهم فيمن أقر بعبد أنه ابن فلان و كذبه المقر له و ادعاه المولى أنه لم تصح دعوته في قول أبي حنيفة و في قولهما أنه لما كذبه المقر له فقد بطل إقراره كما في الإقرار بالمال و إذا بطل إقراره التحق بالعدم فجاز أن يدعيه لنفسه و لأبي حنيفة أنه لما أقر بالنسب لغيره فقد زعم أنه ثابت النسب منه فتكذيبه ينفي ثبوت النسب منه في حقه لا في حق الشريك بل بقي ثابت النسب منه في حقه فإذا ادعى ولدا هو ثابت النسب من الغير في حقه فلا تسمع دعواه و لو قال هو ابني و ابنك فهو من الثاني لأنه لما قال هو ابني فقد صدقه فقد ثبت نسبه منه فإقراره بعد ذلك بقوله و ابنك لم يصح .
قال محمد : فإن كان هذا الغلام يعقل فالمرجع إلى تصديقه لأنه إذا كان عاقلا كان في يد نفسه فلا تقبل دعوى النسب عليه من غير تصديقه قال و إن كان الولد من أمة ولدته في ملكهما فالجواب كالأول في النسب أن على قول أبي حنيفة لا يثبت من المقر بعد اعترافه لشريكه و على قولهما يثبت قال : و الأمة أم ولد لمن ثبت النسب منه لأن الاستيلاد يتبع النسب .
و من هذا النوع ما إذا اشترى رجلان جارية فجاءت بولد في ملكهما لستة أشهر فصاعدا و ادعى أحدهما : أن الولد ابنه و ادعى الآخر أن الجارية بنته و خرجت الدعوتان معا فالدعوى دعوى من يدعي الولد و دعوة مدعي الأم باطلة لأن مدعي الولد دعوته دعوى الاستيلاد و الاستيلاد يستند إلى وقت العلوق و مدعي الأم دعوة التحرير و التحرير يثبت في الحال و لا يستند فكانت دعوى مدعي الولد سابقة فيثبت نسب الولد منه و يصير نصيبه من الجارية أم ولد له و ينتقل نصيب شريكه منها إليه فكان دعوى الشريك دعوى فيما لا يملك فلا يسمع و هل يضمن مدعي الولد بنصف قيمة الأم و نصف عقرها قال محمد يضمن .
و ذكر في الجامع الكبير : أن هذا قياس قول أبي حنيفة و هي رواية بشر بن الوليد عن أبي يوسف و روى ابن سماعة عن أبي يوسف أنه لا شيء على مدعي الولد من قيمة الأم و لا من العقر و لا شيء له أيضا على مدعي الأم نفسه فله نصف قيمة الأم و نصف عقرها على مدعي الولد و ذكر الكرخي أن هذا القول أقيس .
و وجهه : أن مدعي الأم أقر أنها حرة الأصل فكان منكرا ضمان القيمة فلا يثبت له حق التضمين فإن رجع عن دعواه و أكذب نفسه ثبت له حق الضمان الذي اعترف به له شريكه .
وجه قول أبي حنيفة و محمد و إحدى الروايتين عن أبي يوسف : أنه لما ثبت نسب الولد من المدعي فقد صار نصيبه من الجارية أم ولد فكذا نصيب شريكه لعدم تجزي الجارية في حق الاستيلاد فيما يحتمل النقل فصار متلفا نصيب شريكه عليه و لا يجوز تملك مال الغير إلا بعوض فيضمن لشريكه نصف قيمة الأم و يضمن له نصف عقر الجارية أيضا لأن الوطء لاقاها و نصفها مملوك للشريك فما صادف ملك غيره يجب به العقر .
و أما قوله : إن مدعي الأم أقر أنها حرة الأصل فالجواب من وجهين : أحدهما : أنه لما قضى بكونها أم ولد للمدعي فقد صار مكذبا شرعا فبطل كما لو ادعى المشتري أنه اشترى الدار بألف و ادعى البائع البيع بألفين و أقام البائع البينة و قضى القاضي بألفين على المدعي عليه أن الشفيع يأخذها بالألفين من المشتري و إن سبق من المشتري الإقرار بالشراء بألف لما أنه كذبه شرعا كذا هذا و الثاني : إن إقراره بحريتها وجد بعدما حكم بزوالها عن ملكه لأنها جعلت زائلة عنه من وقت العلوق فلم يصح إقراره فلم يصر إقراره إبراء إياه عن الضمان كما في مسألة الشفيع .
و من مسائل دعوى الولد إذا كاتب الرجل أمته فجاءت بولد ليس له نسب معروف فادعاه المولى ثبت نسبه منه صدقته أم كذبته و سواء جاءت بالولد لستة أشهر أو لأكثر أو لأقل فإن نسب الولد يثبت على كل حال إذا ادعاه لأن المكاتبة باقية على ملك المولى فكان ولدها مملوكا له دعوى المولى ولد أمته لا تقف صحتها على التصديق و عتق الولد لأن نسبه ثبت من المولى و لا ضمان عليه فيه لأن غرض المكاتبة من الكتابة عتقها و عتق أولادها و قد حصل لها هذا الغرض فلا يضمن لها شيئا ثم إن جاءت بالولد لأكثر من ستة أشهر فعليه العقر لأنه تبين أن الوطء حصل في حال الكتابة .
و إن جاءت به لأقل من ستة أشهر منذ كاتبها فلا عقر عليه لأنه علم أنه علم أنه وطئها قبل الكتابة و المكاتبة بالخيار إن شاءت مضت على كتابتها و إن شاءت عجزت لأن الحرية توجهت إليها من جهتين و لها في كل واحدة منهما غرض صحيح لأن بالكتابة تتعجل لها الحرية و بالاستيلاد تسقط عنها السعاية فكان التخيير مفيدا فكان لها أن تختار أيهما شاءت .
و إن ادعى المولى ولد جارية المكاتب له و قد علقت به في ملك المكاتب فإنه يرجع إلى تصديق المكاتب فإن كذب المولى لم يثبت نسب الولد و لا تصير الجارية أم ولد له و كانت الجارية و ولدها مملوكين و إن صدقه كان الولد ابن المولى و عليه قيمته يوم ولد .
و ذكر محمد في الزيادات و لم يحك خلافا و كذا ذكر في الدعاوى إلا أنه قال : أستحسن ذلك إذا كان الحبل في ملك المكاتب و هذا يشير إلى أن القياس أن لا يعتق الولد و إن صدقه المكاتب و هو رواية عن أبي يوسف و روى ابن سماعة في نوادره عن أبي يوسف أن المولى يصدق بغير تصديق المكاتب وجه القياس أنه لما لم يقبل قوله بغير تصديق فكذا مع التصديق لأن المكاتب لا يملك التحرير بنفسه فلا يملك التصديق بالحرية أيضا .
وجه الرواية الأخرى لأبي يوسف : أن حق الرجل في مال مكاتبه أقوى من حقه في مال ولده فلما ثبت النسب في جارية الابن من غير تصديق فههنا أولى .
وجه ظاهر الرواية : أن حق المكاتب في كسبه أقوى من حق المولى بدليل أنه لا يملك النزع من يده فكان المولى في حق ملك التصرف في مال المكاتب بمنزلة الأجنبي فتقف صحة دعوته على تصديق المكاتب فإن صدقه كان الولد ابن المولى و عليه قيمته يوم ولد لأنه يشبه ولد المغرور لثبوت الملك في الأم من وجه دون وجه لأن ملك الذات في المكاتب للمولى و ملك التصرفات للمكاتب كالمغرور أنه يثبت الملك في الأم ظاهرا و للمستحق حقيقة و ولد المغرور حر بالقيمة .
قال محمد في الزيادات : إذا اشترى المكاتب أمة حاملا فادعى مولاها و لدها أو اشترى عبدا صغيرا فادعاه لم يجز دعوته إلا بالتصديق كما في المسألة الأولى إلا أن هناك إذا صدقه يثبت النسب و يعتق و ههنا إن صدقه المكاتب ثبت نسبه و لا يعتق لأن تلك الدعوة دعوة استيلاد لعدم العلوق في الملك فكانت دعوى تحرير و المولى لا يملك تحريره ألا ترى أنه لو أعتقه لا تصح إلا أن النسب يثبت و ليس من ضرورة ثبوت النسب ثبوت العتق ألا ترى أن من ادعى ولد أمة أجنبي فصدقه مولاه يثبت النسب و لا يعتق في الحال كذا ههنا