حكم المكاتبة ـ القسم الثاني .
و إن مات المكاتب من غبر وفاء و ترك ولدا مولودا في الكتابة بأن ولدت أمته التي اشتراها بأن كان المكاتب تزوج أمة إنسان بأذن مولاه فولدت منه ثم اشتراها المكاتب وولدها أو المكاتب ولدت من غير مولاها فإنه يسعى في الكتابة على نجوم أبيه و لايبطل الأجل لأنه إذا مات لاعن وفاء فقد بات عاجزا فقام الولد مقامه كأنه حي و لو كان حيا حقيقة لكان يسعى على نجومه فكذا ولده بخلاف ما إذا مات عن وفاء لأنه مات قادرا فيؤدي بدل الكتابة للحال و لايؤخر إلى أجله بل يبطل الأجل لأن موت من عليه الدين يبطل الأجل في الأصل كما في سائر الديون و ليس ههنا أحد يقوم مقامه حتى يجعل كأنه حي و إذا أدى السعاية عتق أبوه وهو .
وأما ولده المشتري في الكتابة فإنه لايسعى على نجومه بل يقال له : إما أن تؤدي السعاية حالا أو ترد إلى الرق و لايقال ذلك للمولود في الكتابة يل يسعى على نجوم أبيه و لايرد إلى الرق إلا إذا أخل بنجم أو بنجمين على الاختلاف و إنما كان ذلك لأن دخول الولد في الكتابة بطريق التبعية و تبعية الولد المولود في الكتابة أشد من تبعية المشتري في الكتابة لأن تبعيته باعتبار الجزئية و الجزئية في الولد المولود في الكتابة حصلت في العقد فانحطت درجته عنه فلابد من إظهار ذلك في الحكم ترتيبا للأحكام على مراتب الحجج في القوة و الضعف .
و ذكر القاضي في شرح الكافي الخلاف في المسألة وجعل ماذكرنا قول أبي حنيفة و أما على قولهما فالولد المشتري و الولد المولود سواء .
و جه قولهما : أن التكاتب على الولد المولود لمكان التبعية وهي موجودة في المشتري .
و جواب أبي حنيفة عن هذا : أن معنا / التبعية في المولود أقوى منه في المشتري فلا يصح القياس .
ولو مات من غير وفاء و ترك الديون التي ذكرنا فالخيار في ذلك إلى الولد يبدأ بأي ذلك شاء لأن المكاتب إذا لم يترك و فاء صار التدبير إلى الولد لأنه يقضي من كسبه فيبدأ بأي ذلك شاء فإن أخل بنجم أو نجمين على الاختلاف يرد في الرق و لو كان بعض أولاده غائبا و بعضهم حاضرا فعجز الحاضر لايرد في الرق حتى يحضر الغائب لجواز أن الغائب يحضر فيؤدي .
و لو مات المكاتب ولم يترك وفاء لكنه ترك أم ولد فإن لم يكن معها ولد بيعت في المكاتبة وإن كان معها ولد استسعت فيها على الأجل الذي كان للمكاتب صغيرا كان ولدها أم كبيرا بناء على أن المكاتب إذا اشترى أم ولد و ليس معها ولد فإنها لاتدخل في مكاتبته وكان له أن يبيعها عند أبي حنيفة .
وكذا المولاة عندهما : تدخل في مكاتبته فكذلك بعد موته تكون بمنزلته لما دخلت في الكتابة و إذا كان معها فإنها تتبع ولدها في الكتابة عند أبي حنيفة و لايجوز بيعها فكذا بعد الموت إذا كان معها ولد ولدته في الكتابة و يصير كأنه قائم لأن الإبن قام مقامه و على قولهما : لافرق بين وجود الولد وعدمه .
وجه قولهما : أنه إنما تسعى لأن عتاق الاستيلاد بمنزلة عتاق النسب فلا يبطل بموت الولد فكان حالها بعد موت الولد و قبله واحدا .
و لأبي حنيفة : أنه لا وراثة بينه و بينها و إنما دخلت في كتابه لكتابة ولدها تبعا فإذا مات الولد بطلت كتابتها لأن كتابة الولد بطلت بموته فيبطل ما كان تبعا له و الله عز و جل أعلم .
و لو ولدت المكاتبة ولدا و اشترت ولدا ثم ماتت سعيا في الكتابة على النجوم و الذي يلي الأداء المولود في الكتابة و هذا بناء على أن المولود في الكتابة يقوم مقام المكاتب و الولد المشتري لا يقوم مقامه على الإتفاق أو على الاختلاف إلا أنه يسعى تبعا للولد المولود في الكتابة فلا تجب عليه السعاية .
ألا ترى أن محمدا ذكر في الأصل فإن قلت : فلا يجب على الآخر شيء من السعاية قال : لأنها لو لم تدع غيره بيع إلا أن يؤدي الكتابة عاجلا و إنما قلنا إن الذي يلي الأداء هو الولد المولود في الكتابة لما ذكرنا أن الولد المشتري لا يقوم مقام المكاتب على الاتفاق أو على أصل أبي حنيفة و المكاتبة و لو كانت حية لكانت تملك كسب ولدها المشتري فكذا الذي يقوم مقامها و إن سعى المشتري فأدى الكتابة لم يرجع على أخيه بشيء لأنه أدى الكتابة من كسب الأم لأن كسب أم الولد المشتري للأم فإذا أدى الكتابة من كسبه فقد أدى كتابة الأم و كسبه لها فلا يرجع و لما ذكرنا أن الولد المولود قائم مقامها و لو كانت الأم باقية فأدى الولد المشتري فعتقت الأم لم يرجع عليه بشيء كذا هذا .
و كذا الولد المولود في الكتابة لو سعى و أدى لم يرجع على المشتري بشيء من هذا المعنى و قال بعضهم : هذا إذا أدى المولود في الكتابة من مال تركته الأم فأما إذا أدى من كسب اكتسبه بنفسه فإنه يرجع بنصفه على المشتري و لم يذكر في الأصل حكم المولود في الكتابة و إنما ذكر حكم المشتري أنه إذا أدى لا يرجع .
و لو اكتسب هذا الابن المشتري كان لأخيه أن يأخذه و يستعين به في كتابته لما ذكرنا أن الولد المولود قائم مقام الأم و هي لو كانت قائمة لكانت تملك أخذ كسب المشتري و كذا من يقوم مقامه و كذا إذا أراد أن يسلمه في عمل ليأخذ كسبه فيستعين به في مكاتبته كان له ذلك .
و كذلك لو أمره القاضي أن يؤاجر نفسه أو أمر أخاه أن يؤاجره و يستعين بأجره على أداء الكتابة كان ذلك جائزا لأنه بمنزلتها و ما اكتسب الولد المولود في الكتابة بعد موت أمه قبل الأداء فهو له خاصة لأنه داخل في كتابة الأم و قائم مقامها فما اكتسبه يكون له و ما يكتسب أخوه حسب من التركة فتقضي منه المكاتبة و الباقي منه ميراث بينهما .
و الفرق بينهما : أن الولد المولود في الكتابة قام مقامها فكان حكمها كحكمه و كسب المكاتبة لها كذا كسب ولدها و أما الولد المشتري فلم يقم مقامها غير أنه كسبها بجميع ما اكتسبه فيصير كأنها ماتت عن مال .
و لو ماتت على مال تؤدي منه كتابتها و الباقي ميراثا بينهما كذا هذا و قيل هذا كله قول أبي حنيفة فأما على قولهما فالولدان يقومان مقامها و لا يملك كل واحد منهما كسب صاحبه لأن كل واحد منهما لو كان منفردا لقام مقام المكاتبة و يسعى على النجوم عندهما / فكذا إذا اجتمعا لم يكن أحدهما بأولى من الآخر و الله عز و جل الموفق .
و أما الفاسد و هي التي فاتها شيء من شرلئط الصحة و هي ما ذكرنا فيما تقدم فلا يثبت بها شيء من الأحكام المتعلقة بما قبل الأداء لأن الكتابة الفاسدة لا توجب زوال شيء مما كان للمالك عنه إلى المكاتب فكان الحال بعد العقد كالحال قبله .
أما الحكم المتعلق بالأداء و هو العتق فالفاسد فيه كالصحيح حتى لو أدى يعتق لأن الفاسد من العقد عند اتصال القبض كالصحيح على أصل أصحابنا و نفس المكاتب في قبضته إلا أن في الكتابة الفاسدة إذا أدى يلزمه قيمة نفسه و في الكتابة الصحيحة يلزمه المسمى لما عرف أن الأصل أن يكون الشيء مضمونا بالمثل و القيمة هي المثل لأنها مقدار ماليته و إنما المصير إلى المسمى عند صحة التسمية تحرزا عن الفساد لجهالة القيمة فإذا فسدت فلا معنى للتحرز فوجب الرجوع إلى الأصل و هو القيمة كما في البيع و نحوه .
و كذا في الكتابة الفاسدة للمولى أن يفسخ الكتابة بغير رضا العبد و يرده إلى الرق و ليس له أن يفسخ في الصحيحة إلا برضا العبد و للعبد أن يفسخ في الصحيح و الفاسد جميعا بغير رضا المولى لما ذكرنا أن الفاسدة غير لازمة في حقهما جميعا و الصحيحة لا زمة في حق المولى غير لازمة في حق العبد ثم إذا أدى في الكتابة الفاسدة ينظر إلى المسمى و إلى قيمة العبد أيهما أكثر على ما ذكرنا الكلام فيه فيما تقدم و سواء كان الأداء في حياة المولى أو بعد موته إلى ورثته استحسانا و القياس أن لا يعتق بالأداء إلى الورثة .
وجه القياس : أن العتق في الكتابة الفاسدة يقع من طريق التعليق بالشرط لأن في الكتابة معنى المعاوضة و معنى اليمين فإذا فسدت بطل معنى المعاوضة فبقي معنى اليمين و اليمين تبطل بموت الحالف و لأن الكتابة الفاسدة لا توجب زوال ملك المولى و إذا بقي ملكه فإذا مات قبل الأداء انتقل إلى ورثته فلا يعتق بالأداء .
وجه الاستحسان : أنها مع كونها فاسدة فيها معنى المعاوضة و العتق فيها يثبت من طريق المعاوضة لا من طريق التعليق بالشرط بدليل أنه يجب فيها القيمة و لو كان العتق فيها بمحض اليمين لكان لا يجب فيها شيء لأن القيمة لم تدخل تحت اليمين و كذا الولد المنفصل و معلوم أن الولد المنفصل عند الشرط لا يدخل تحت اليمين فثبت أن فساد الكتابة لا يوجب زوال معنى المعاوضة عنها فثبت العتق فيها من طريق المعاوضة .
و أما قوله : إن ملك المولى لا يزول في الكتابة الفاسدة فنعم لكن قبل قبض البدل فأما بعد القبض فإنه يزول ذلك عند الأداء .
و لو كاتب أمته كتابة فاسدة فولدت ولدا ثم أدت عتقت و عتق ولدها معها لما ذكرنا أن الكتابة الفاسدة تعمل عمل الصحيح عند اتصال القبض به و الأولاد يدخلون في الكتابة الصحيحة كذا في الفاسدة فإن ماتت الأم قبل أن تؤدي لم يكن عمل ولدها أن يسعى لأن الولد قائم مقام الأم ثم الأم لا تجبر على السعاية كذلك الولد لكنه إذا سعى فيما على أمه يعتق استحسانا .
و القياس : أن لا يعتق و هو على ما ذكرنا فيما إذا مات المولى فأدت المال إلى ورثته تعتق استحسانا و القياس أن لا تعتق .
و أما الباطلة و هي التي فاتها شرط الانعقاد فلا يثبت بها شيء من الأحكام لأن التصرف الباطل لا وجود له إلا من حيث الصورة كالبيع الباطل و نحوه فلا يعتق الأداء إلا إذا نص على التعليق بأن قال : إن أديت إلي ألفا فأنت حر فأدى يعتق لكن لا بالمكاتبة بل بالتعليق بالشرط و لا يلزمه شيء كما في التعليق بسائر الشروط