الاستئجار على الطاعة .
و منها : أن لا يكون العمل المستأجر له فرضا و لا واجبا على الأجير قبل الإجارة فإن كان فرضا أو واجبا عليه قبل الإجارة لم تصح الإجارة لأن من أتى بعمل يستحق عليه لا يستحق الأجرة كمن قضى دينا عليه و لهذا قلنا إن الثواب على العبادات و القرب و الطاعات أفضال من الله سبحانه غير مستحق عليه لأن وجوبها على العبد بحق العبودية لمولاه لأن خدمة المولى على العبد مستحقة و لحق الشكر للنعم السابقة لأن شكر النعمة واجب عقلا وشرعا و من قضى حقا مستحقا عليه لغيره لا يستحق قبله الأجر كمن قضى دينا عليه في الشاهد .
و على هذا يخرج الاستئجار على الصوم و الصلاة و الحج أنه لا يصح لأنها من فروض الأعيان و لا يصح الاستئجار على تعليم العلم لأنه فرض عين و لا على تعليم القرآن عندنا و قال الشافعي : الإجارة على تعليم القرآن جائزة لأنه استئجار لعمل معلوم ببدل معلوم فيجوز .
و لنا : أنه استئجار لعمل مفروض فلا يجوز كالاستئجار للصوم و الصلاة لأنه غير مقدور على الاستيفاء في حق الأجير لتعلقه بالمتعلم فأشبه الاستئجار لحمل خشبة لا يقدر على حملها بنفسه .
[ و قد روي أن أبي بن كعب Bه أقرأ رجلا فأعطاه قوسا فسأل النبي صلى الله عليه و سلم عن ذلك فقال صلى الله عليه و سلم : أتحب أن يقوسك الله بقوس من نار قال : لا فقال صلى الله عليه و سلم فرده ] و لا على الجهاد لأنه فرض عين عند عموم النفير وفرض كفاية في غير تلك الحال و إذا شهد الوقعة فتعين عليه فيقع على نفسه .
و روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ مثل من يغزو في أمتي و يأخذ الجعل عليه كمثل أم موسى ترضع ولدها و تأخذ عليه أجرا ] و لا على الأذان و الإقامة و الإمامة لأنها واجبة .
[ و قد روي عن عثمان بن أبي العاص الثقفي أنه قال : آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أصلي بالقوم صلاة أضعفهم و أن اتخذ مؤذنا لا يأخذ على الأذان أجرا ] و لأن الاستئجار على الأذان و الإقامة و الإمامة و تعليم القرآن و العلم سبب لتنفير الناس عن الصلاة بالجماعة و عن تعليم القرآن و العلم لأن ثقل الأجر يمنعهم من ذلك و إلى هذا أشار الرب جل شأنه في قوله عز و جل : { أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون } فيؤدي إلى الرغبة عن هذه الطاعات و هذا لا يجوز و قال تعالى : { وما تسألهم عليه من أجر } أي على ما تبلغ إليهم أجرا و هو كان صلى الله عليه و سلم يبلغ بنفسه و بغيره بقوله صلى الله عليه و سلم : [ ألا فليبلغ الشاهد الغائب ] فكان كل معلم مبلغا فإن لم يجز له أخذ الأجر على ما يبلغ بنفسه لما قلنا فكذا لمن يبلغ بأمره لأن ذلك تبليغ منه معنى و يجوز الاستئجار على تعليم اللغة و الأدب لأنه ليس بفرض و لا واجب .
و كذا يجوز الاستئجار على بناء المساجد و الرباطات و القناطر لما قلنا و لا يجوز الاستئجار على غسل الميت ذكره في الفتاوى لأنه واجب و يجوز على حفر القبور .
و أما على حمل الجنازة فذكر في بعض الفتاوى أنه جائز على الإطلاق و في بعضها أنه إن كان يوجد غيرهم يجوز و إن كان لا يوجد غيرهم لا يجوز لأن الحمل عليهم واجب .
و على هذا يخرج ما إذا استأجر الرجل ابنه و هو حر بالغ ليخدمه أنه لا يجوز لأن خدمة الأب الحر واجبة على الابن الحر فإن كان الولد عبدا و الأب حرا فاستأجر ابنه من مولاه جاز لأنه إن كان عبدا لا يجب عليه خدمة الأب و كذلك إن كان الابن مكاتبا لأنه لا يلزمه خدمة أبيه فكان كالأجنبي .
و لو استأجر امرأته لتخدمه كل شهر بأجر مسمى لم يجز لأن خدمة البيت عليها فيما بينها و بين الله تعالى لما روي : [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قسم الأعمال بين علي و فاطمة Bهما فجعل ما كان داخل البيت على فاطمة و ما كان خارج البيت على علي ] فكان هذا استئجارا على عمل واجب فلم يجز و لأنها تنتفع بخدمة البيت و الاستئجار على عمل ينتفع به الأجير غير جائز و لا يجوز استئجار الزوجة على رضاع ولده منها لأن ذلك استئجار على خدمة الولد و إنما اللبن يدخل فيه تبعا على ما ذكرنا فكان الاستئجار على أمر عليها فيما بينها و بين الله تعالى و لأن الزوجة مستحقة للنفقة على زوجها و أجرة الرضاع تجري مجرى النفقة فلا تستحق نفقتين على زوجها حتى لو كان للولد مال فاستأجرها لإرضاع ولدها منه من مال الولد جاز كذا روى ابن رستم عن محمد لأنه لا نفقة لها على الولد فلا يكون فيه استحقاق نفقتين .
و لو استأجر لولده من ذوات الرحم المحرم اللاتي لهن حضانته جاز لأنه ليس عليهن خدمة البيت و لا نفقة لهن على أب الولد و يجوز استئجار الزوجة لترضع ولده من غيرها لأنه ليس عليها خدمة ولد غيرها