القسم الثاني من ـ حكم الإجارة .
و لو استأجر لبانا ليضرب له لبنا في ملكه أو فيما في يده لا يستحق الأجرة حتى يجف اللبن و ينصبه في قول أبي حنيفة .
و قال أبو يوسف و محمد : حتى يجف أو ينصبه و يشرجه و لا خلاف في أنه إذا ضربه و لم يقمه أنه لا يستحق الأجرة لأنه ما لم يقلبه عن مكانه فهو أرض فلا يتناوله اسم اللبن و الخلاف بينهم يرجع إلى أنه هل يصير قابضا له بالإقامة أو لا يصير إلا بالتشريج فعلى قول أبي حنيفة يصير قابضا له بنفس الإقامة لأن نفس الإقامة من تمام هذا العمل فيصير اللبن مسلما إليه بهما .
و على قولهما : لا يصير قابضا ما لم يشرج لأن تمام العمل به حتى لو هلك قبل النصب في قول أبي حنيفة و قبل التشريج في قولهما فلا أجر له على اختلاف الأصلين و لو هلك بعده فله الأجر لأن العمل قد تم فصار مسلما إليه لكونه في ملكه أو في يده فهلاكه بعد ذلك لا يسقط البدل .
وجه قولهما : أن الأمن عن الفساد يقع بالتشريج و لهذا جرت العادة بين الناس أن اللبان هو الذي يشرج ليؤمن عليه الفساد فكان ذلك من تمام العمل كإخراج الخبز من التنور .
و لأبي حنيفة : أن المستأجر له ضرب اللبن و لما جف و نصبه فقد وجد ما ينطلق عليه اسم اللبن و هو في يده أو في ملكه فصار قابضا له فأما التشريج فعمل زائد لم يلزمه العامل بمنزلة النقل من مكان إلى مكان فلا يلزمه ذلك و إن كان ذلك في غير ملكه و يده لم يستحق الأجرة حتى يسلمه و هو أن يخلي الأجير بين اللبن و بين المستأجر لكن ذلك بعد ما نصبه عند أبي حنيفة و عندهما بعدما شرجه .
و روى ابن سماعة عن محمد في رجل استأجر خبازا ليخبز له قفيزا من دقيق بدرهم فخبز فاحترق الخبز في التنور قبل أن يخرجه و ألزقه في التنور ثم أخذه ليخرجه فوقع من يده في التنور فاحترق فلا أجرة له لأنه هلك قبل تمام العمل لأن عمل الخبز لا يتم إلا بالإخراج من التنور فلم يكن قبل الإخراج خبز فصار كهلاك اللبن قبل أن يتمه قال : و لو أخرجه من التنور و وضعه و هو يخبز في منزل المستأجر فاحترق من غير جنايته فله الأجر و لا ضمان عليه في قول أبي حنيفة أما استحقاق الأجر فلأنه فرغ من العمل بإخراج الخبز من التنور و حصل مسلما إلى المستأجر لكونه في ملك المستأجر .
و أما عدم وجوب الضمان فلأن الهلاك من غير صنع الأجير المشترك لا يتعلق به الضمان عنده .
و أما على قول من يضمن الأجير المشترك فإنه ضامن له دقيقا مثل الدقيق الذي دفعه إليه و لا أجر له و إن شاء ضمنه قيمة الخبز مخبوزا و أعطاه الأجر لأن قبض مضمون عندهما فلا يبرأ عن الضمان بوضعه في منزل مالكه و إنما يبرأ بالتسليم كالغاصب إذا وجب الضمان عليه عندهما فصاحب الدقيق بالخيار إن شاء ضمنه دقيقا و أسقط الأجر لأنه لم يسلم إليه العمل و إن شاء ضمنه خبزا فصار العمل مسلما إليه فوجب الأجر عليه قال : و لا أضمنه القصب و لا الملح لأن ذلك صار مستهلكا قبل وجوب الضمان عليه و حين وجب الضمان عليه لا قيمة له لأن القصب صار رمادا و الملح صار ماء .
و كذلك الخياط الذي يخيط له في منزله قميصا فإن خاط له بعضه لم يكن له أجرته لأن هذا العمل لا ينتفع ببعضه دون بعضه فلا تلزم الأجرة إلا بتمامه فإذا فرغ منه ثم هلك فله الأجرة في قول أبي حنيفة لأن العمل حصل مسلما إليه لحصوله في ملكه .
و أما على قولهما : فالعين مضمونة فلا يبرأ عن ضمانها إلا بتسليمها إلى مالكها فإن هلك الثوب فإن شاء ضمنه قيمته صحيحا و لا أجر له و إن شاء ضمنه قيمته مخيطا و له الأجر لما بينا .
و لو استأجر حمالا ليحمل له دنا من السوق إلى منزله فحمله حتى إذا بلغ باب دار الذي استأجره كسره إنسان فلا ضمان على الحامل في قول أبي حنيفة و له الأجر و هو على ما ذكرنا أن العمل إذا لم يكن له أثر ظاهر في العين كما وقع يحصل مسلما إلى المستأجر .
و ذكر ابن سماعة عن محمد في رجل دفع ثوبا إلى خياط يخيطه بدرهم فمضى فخاطه ثم جاء رجل فتقه قبل أن يقبضه رب الثوب : فلا أجر للخياط لأن المنافع هلكت قبل التسليم فسقط بدلها قال : و لا أجير الخياط على أن يعيد العمل لأنه لما فرغ من العمل فقد انتهى العقد فلا يلزمه العمل ثانيا و إن كان الخياط هو الذي فتق الثوب عليه أن يعيده لأنه لما فتقه فقد فسخ المنافع التي عملها فكأنه لم يعمل رأسا و إذا فتقه الأجنبي فقد أتلف المنافع بدليل أنه يجب عليه الضمان .
و قالوا في الملاح إذا حمل الطعام إلى موضع فرد السفينة إنسان فلا أجر للملاح و ليس عليه أن يعيد السفينة فإن كان الملاح هو الذي ردها لزمه إعادة لحمل إلى الموضع الذي شرط عليه لما قلنا و إن كان الموضع الذي رجعت إليه السفينة لا يقدر رب الطعام على قبضه فعلى الملاح أن يسلمه في موضع يقدر رب الطعام على قبضه و يكون له أجر مثله فيما سار في هذا المسير لأنا لو جوزنا للملاح تسليمه في مكان لا ينتفع به لتلف المال على صاحبه و لو كلفناه حمله بالأجر إلى أقرب المواضع التي يمكن القبض فيه فقد راعينا الحقين .
و قالوا : و لو اكتراه بغلا إلى موضع يركبه فلما سار إلى بعض الطريق جمح به فرده إلى موضعه الذي خرج منه فعليه الكري بقدر ما سار لأنه استوفى ذلك القدر من المنافع فلا يسقط عنه الضمان .
و قال في الجامع الصغير : عن أبي حنيفة في رجل استأجر رجلا يذهب إلى البصرة فيجيء بعياله فذهب فوجد فلانا قد مات فجاء بمن بقي قال له من الأجر بحسابه .
و عن أبي حنيفة : في رجل استأجر رجلا يذهب بكتابه إلى البصرة إلى فلان و يجيء بجوابه فذهب فوجد فلانا قد مات فرد الكتاب فلا أجر له و هو قول أبي يوسف .
و قال محمد : له الأجر في الذهاب أما في المسألة الأولى فلأن مقصوده حمل العيال فإذا حمل بعضهم دون بعض كان له من الأجر بحساب ما حمل .
و أما في الثانية فوجه قول محمد أن الأجر مقابل بقطع المسافة لا بحمل الكتاب لأنه لا حمل له و لا مؤنة و قطع المسافة في الذهاب وقع على الوجه المأمور به فيستحق حصته من الأجر و في العود لم يقع على الوجه المأمور به فلا يجب به شيء .
و لهما : أن المقصود من حمل الكتاب إيصاله إلى فلان و لم يوجد فلا يجب شيء على أن المقصود و إن كان نقل الكتاب لكنه إذا رده فقد نقص تلك المنافع فبطل الأجر كما لو استأجره ليحمل طعاما إلى البصرة إلى فلان فحمله فوجده قد مات فرده أنه لا أجر له لما قلنا كذا هذا و للمستأجر في إجارة الدار و غيرهما من العقار أن ينتفع بها كيف شاء بالسكنى و وضع المتاع و أن يسكن بنفسه و بغيره و أن يسكن غيره بالإجارة و الإعارة إلا انه ليس له أن يجعل فيها حدادا و لا قصارا و نحو ذلك مما يوهن البناء لما بينا فيما تقدم .
و لو أجرها المستأجر بأكثر من الأجرة الأولى فإن كانت الثانية من خلاف جنس الأولى طابت له الزيادة و إن كانت من جنس الأولى لا تطيب له حتى يزيد في الدار من بناء أو حفر أو تطيين أو تجصيص فإن لم يزد فيه شيئا فلا خير في الفضل و يتصدق به لكن تجوز الإجارة .
أما جواز الإجارة فلا شك فيه لأن الزيادة في عقد لا يعتبر فيه المساواة بين البدل و المبدل لا تمنع صحة العقد و ههنا كذلك فيصح العقد .
و أما التصديق بالفضل إذا كانت الأجرة الثانية من جنس الأولى فلأن الفضل ربح ما لم يضمن لأن المنافع لا تدخل قي ضمان المستأجر بدليل أنه لو هلك المستأجر فصار بحيث لا يمكن الانتفاع به كان الهلاك على المؤاجر و كذا لو غصبه غاصب فكانت الزيادة ربح ما لم يضمن و نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك فإن كان هناك زيادة كان الربح في مقابلة الزيادة فيخرج من أن يكون ربحا و لو كنس البيت فلا يعتبر ذلك لأنه ليس بزيادة فلا تطيب به زيادة الأجر .
و كذا في إجارة الدابة إذا زاد في الدابة جوالق أو لجاما أو ما أشبه ذلك يطيب له الفضل لما بينا علفها لا يطيب له لأن الأجرة لا يصير شيء منها مقابلا بالعلف فلا يطيب له الفضل .
و لو استأجر دابة ليركبها ليس له أن يركب غيره و إن فعل ضمن و كذا إذا استأجر ثوبا ليلبسه ليس له أن يلبسه غيره و إن فعل ضمن لأن الناس متفاوتون في الركوب و اللبس فإن أعطاه غيره فلبسه ذلك اليوم ضمنه إن أصابه شيء لأنه غاصب في إلباسه غيره و إن لم يصبه شيء فلا أجر له لأن المعقود عليه ما يصير مستوفيا بلبسه فما يكون مستوفى يلبس غيره لا يكون معقودا عليه و استيفاء غير المعقود عليه لا يوجب اليد .
ألا يرى أنه لو استأجر ثوبا بعينه ثم غصب منه ثوبا آخر فلبسه فلم يلزمه الأجر فكذلك إذا ألبس ذلك الثوب غيره لأن تعيين اللابس كتعيين الملبوس فإن قيل هو قد تمكن من استيفاء المعقود عليه و ذلك لا يكفي لوجوب الأجر عليه كما لو وضعه في بيته و لم يلبسه قلنا تمكنه من الاستيفاء باعتبار يده فإن وضعه في بيته فيده عليه معتبرة و لهذا لو هلك لم يضمن فأما إذا ألبسه غيره فيده عليه معتبرة حكما .
ألا ترى أنه ضامن و إن هلك من غير اللبس فإن يد اللابس عليه معتبرة حتى يكون لصاحبه أن يضمن غير اللابس و لا يكون إلا بطريق تفويت يده حكما فلهذا لا تلزمه الأجرة و إن سلم و إن كان استأجره ليلبس يوما إلى الليل و لم يسم من يلبسه فالعقد لجهالة المعقود عليه فإن اللبس يختلف باختلاف اللابس و باختلاف الملبوس و كما أن ترك التعيين في الملبوس عند العقد يفسد العقد فكذلك ترك تعيين اللابس و هذه جهالة تفضي إلى المنازعة لأن صاحب الثوب يطالبه بإلباس أرفق الناس في اللبس و صيانة الملبوس و هو يأبى أن يلبس إلا أحسن الناس في ذلك و يحتج كل واحد منهما بمطلق التسمية و لا تصح التسمية مع فساد العقد و إن اختصما فيه قبل اللبس فسدت الإجارة و إن لبسه هو و أعطاه غيره فلبسه إلى الليل فهو جائز و عليه الأجر استحسانا و القياس عليه أجر المثل .
و كذلك لو استأجر دابة للركوب و لم يبين من يركبها أو للعمل و لم يسم من يعمل عليها فعمل عليها إلى الليل فعليه المسمى استحسانا و في القياس عليه أجر المثل لأنه استوفى المنفعة بحكم عقد فاسد و وجوب المسمى باعتبار صحة التسمية و لا تصح التسمية مع فساد العقد .
وجه الاستحسان : أن المفسد و هو الجهالة التي تفضي إلى المنازعة قد زال و بانعدام العلة المفسدة ينعدم الفساد و هذا لأن الجهالة في المعقود عليه و حق الإجارة في حق المعقود عليه كالمضاف و إنما يتجدد انعقادها عند الاستيفاء و لا جهالة عند ذلك ووجوب الأجر عند ذلك أيضا فلهذا أوجبنا المسمى و جعلنا التعيين في الانتهاء كالتعيين في الابتداء و لا ضمان عليه إن ضاع منه لأنه غير مخالف سواء لبس بنفسه أو ألبس غيره بخلاف الأول فقد عين هناك لبسه عند العقد فيصير مخالفا بإلباس غيره .
و إذا استأجر قميصا ليلبسه يوما إلى الليل فوضعه في منزله حتى جاء الليل فعليه الأجر كاملا لأن صاحبه مكنه من استيفاء المعقود عليه بتسليم الثوب إليه و ما زاد على ذلك ليس في وسعه و ليس له أن يلبسه بعد ذلك لأن العقد انتهى بمضي المدة و الإذن في اللبس كان بحكم العقد .
و لو استأجر دابة ليركبها أو ثوبا ليلبسه لا يجوز له أن يؤاجر غيره للركوب و اللبس لما قلنا و لو باع المؤاجر الدار المستأجرة بعدما أجرها من غير عذر ذكر في الأصل أن البيع لا يجوز .
و ذكر في بعض المواضع : أن البيع موقوف و ذكر في بعضها : أن البيع باطل و التوفيق ممكن لأن في معنى قوله لا يجوز أي لا ينفذ و هذا لا يمنع التوقف و قوله باطل أي ليس له حكم ظاهر للحال و هو تفسير التوقف .
و الصحيح : أنه جائز في حق البائع و المشتري موقوف في حق المستأجر حتى إذا انقضت المدة يلزم المشتري البيع و ليس له أن يمتنع من الأخذ و ليس للبائع أن يأخذ المبيع من يد المستأجر من غير إجازة البيع فإن أجاز جاز و إن أبى فللمشتري أن يفسخ البيع و متى فسخ لا يعود جائزا بعد انقضاء مدة الإجارة و هو يملك المستأجر فسخ هذا البيع ذكر في ظاهر الرواية أنه لا يملك الفسخ حتى لو فسخ لا ينفسخ حتى إذا مضت مدة الإجارة كان للمشتري أن يأخذ الدار .
و روى الطحاوي عن أبي حنيفة و محمد : أن له أن ينقض البيع و إذا نقضه لا يعود جائزا و روي عن أبي يوسف أنه ليس للمستأجر نقض البيع و الإجارة كالعيب فإن كان المشتري عالما بها وقت الشراء وقعت الإجارة لازمة و إن لم يكن عالما بها وقت الشراء فهو بالخيار إن شاء نقض البيع لأجل العيب و هو الإجارة و إن شاء أمضاه و هذا كله مذهب أصحابنا و قال الشافعي : البيع نافذ من إجازة المستأجر .
وجه قوله : أن البيع صادف محله لأن الرقبة ملك المؤاجر و إنما حق المستأجر في المنفعة و محل البيع العين و لا حق للمستأجر فيها .
و لنا : أن البائع غير قادر على تسليمه لتعلق حق المستأجر به و حق الإنسان يجب صيانته عن الإبطال ما أمكن و أمكن ههنا بالتوقف في حقه فقلنا بالجواز في حق المشتري و بالتوقف في حق المستأجر صيانة للحقين و مراعاة للجانبين .
و على هذا إذا أجر داره ثم أقر بها لإنسان إن إقراره ينفذ في حق نفسه و لا ينفذ في حق المستأجر بل يتوقف إلى أن تمضي مدة الإجارة فإذا مضت نفذ الإقرار في حقه أيضا فيقضى بالدار للمقر له و هذا بخلاف ما إذا أجر داره من إنسان ثم أجر من غيره إن الإجارة الثانية تكون موقوفة على إجازة المستأجر الأول فإن أجازها جازت و إن أبطلها بطلت و ههنا ليس للمستأجر أن يبطل البيع .
و وجه الفرق : أن عقد الإجارة يقع على المنفعة إذ هو تمليك المنفعة و المنافع ملك المستأجر الأول فتجوز بإجازته و تبطل بإبطاله فأما الإقرار فإنما يقع على العين و العين ملك المؤاجر لكن للمستأجر فيها حق فإذا زال حقه بتقديم المستأجر الأول إذا أجاز الإجارة الثانية حتى نفذت كانت الأجرة له لا لصاحب الدار و في البيع يكون الثمن لصاحب الملك .
و وجه الفرق على نحو ما ذكرنا لأن الإجارة وردت على المنفعة و إنها ملك المستأجر الأول فإذا أجاز كان بدلها له فأما الثمن فإنه بدل العين و العين ملك المؤاجر فكان بدلها له و بالإجارة لا ينفسخ عقد المستأجر الأول ما لم تمض مدة الإجارة الثانية فإذا مضت فإن كانت مدتهما واحدة تنقضي المدتان جميعا و إن كانت مدة الثانية أقل فللأول أن يسكن حتى تتم المدة .
و كذلك لو رهنها المؤاجر قبل انقضاء مدة الإجارة إن العقد جائز فيما بينه و بين المرتهن موقوف في حق المستأجر لتعلق حقه بالمستأجر و له أن يحبس حتى تنقضي مدته .
و على هذا بيع المرهون من الراهن أنه جائز بين البائع و المشترى موقوف في حق المرتهن و له أن يحبسه حتى يستوفي ماله فإذا أفتكها الراهن يجب عليه تسليم الدار إلى المشتري كما في الإجارة إلا أن ههنا إذا أجاز المرتهن البيع حتى جاء و سلم الدار إلى المشتري فالثمن يكون رهنا عند المرتهن قائما مقام الدار لأن حق حبس العين كان ثابتا له ما دامت في يده و بدل العين قائم مقام العين فثبت له حق حبسه .
و فرق القدوري بين الرهن و الإجارة فقال في الرهن : للمرتهن أن يبطل البيع و ليس للمستأجر ذلك لأن حق المستأجر في المنفعة لا في العين فكان الفسخ منه تصرفا في محل حق الغير فلا يملكه و أما في حق المرتهن فتعلق بعين المرهون .
ألا ترى أنه يصير به مستوفيا للدين فكان الفسخ منه تصرفا في محل حقه فيملك و الله عز و جل أعلم و للأجير أن يعمل بنفسه و أجرائه إذا لم يشترط عليه في العقد أن يعمل بيده أن العقد وقع على العمل و الإنسان قد يعمل بنفسه و قد يعمل بغيره لأن عمل أجرائه يقع له فيصير كأنه عمل بنفسه إلا إذا شرط عليه عمله بنفسه لأن العقد وقع على عمل من شخص معين و التعيين مفيد لأن العمال متفاوتون في العمل فيتعين فلا يجوز تسليمها من شخص آخر من غير رضا المستأجر كمن استأجر جملا بعينه للحمل لا يجبر على أخذ غيره .
و لو استأجر على الحمل و لم يعين جملا كان للمكاري أن يسلم إليه أي جمل شاء كذا ههنا و تطيين الدار و إصلاح ميزابها و ما هي من بنائها على رب الدار دون المستأجر لأن الدار ملكه و إصلاح الملك على المالك لكن لا يجبر على ذلك لأن المالك لا يجبر على إصلاح ملكه و للمستأجر أن يخرج إن لم يعمل المؤاجر ذلك لأنه عيب بالمعقود عليه و المالك لا يجبر على إزالة العيب عن ملكه لكن للمستأجر أن لا يرضى بالعيب حتى لو كان استأجر و هي كذلك و رآها فلا خيار له لأنه رضي بالمبيع المعيب و إصلاح دلو الماء و البالوعة و المخرج على رب الدار و لا يجبر على ذلك و إن كان امتلأ من فعل المستأجر لما قلنا .
و قالوا في المستأجر إذا انقضت مدة الإجارة و في الدار تراب من كنسه فعليه أن يرفعه لأنه حدث بفعله فصار كتراب وضعه فيها و إن امتلأ خلاها و مجراها من فعله فالقياس أن يكون عليه نقله لأنه حدث بفعله فيلزمه نقله كالكناسة و الرماد إلا أنهم استحسنوا و جعلوا نقل ذلك على صاحب الدار للعرف و العادة إذ العادة بين الناس أن ما كان مغيبا في الأرض فنقله على صاحب الدار فحملوا ذلك على العادة فإن أصلح المستأجر شيئا من ذلك لم يحتسب له ما أنفق لأنه أصلح ملك غيره بغير أمره و لا ولاية عليه فكان متبرعا و قبض المستأجر على المؤاجر حتى لو استأجر دابة ليركبها في حوائجه في المصر وقتا معلوما فمضى الوقت فليس عليه تسليمها إلى صاحبها بأن يمضي بها إليه .
و على الذي أجرها أن يقبض من منزل المستأجر لأن المستأجر و إن انتفع بالمستأجر لكن هذه المنفعة إنما حصلت له بعوض حصل للمؤاجر فبقيت العين أمانة في يده كالوديعة و لهذا لا يلزمه نفقتها فلم يكن عليه ردها كالوديعة حتى لو أمسكها أياما فهلكت في يده و لم يضمن شيئا سواء طلب منه المؤاجر أم لم يطلب لأنه لم يلزمه الرد إلى بيته بعد الطلب فلم يكن متعديا في الإمساك فلا يضمن كالمودع إذا امتنع عن رد الوديعة إلى بيت المودع حتى هلكت و هذا بخلاف المستعار إن رده على المستعير لأن نفعه له على الخلوص فكان رده عليه لقوله صلى الله عليه و سلم : [ الخراج بالضمان ] و لهذا كانت نفقته عليه فكذا مؤنة الرد .
فإن كان استأجرها من موضع مسمى في المصر ذاهبا و جائيا فإن على المستأجر أن يأتي بها إلى ذلك الموضع الذي قبضها فيه لا لأن الرد واجب عليه بل لأجل المسافة التي تناولها العقد لأن عقد الإجارة لا ينتهي إلا برده إلى ذلك الموضع فإن حملها إلى منزله فأمسكها حتى عطبت ضمن قيمتها لأنه تعدى في حملها إلى موضع العقد .
فإن قال المستأجر أركبها من هذا الموضع كذا و أرجع إلى منزلي فليس على المستأجر ردها إلى منزل المؤاجر لأنه لما عاد إلى منزله فقد انقضت مدة الإجارة فبقيت أمانة في يده و لم يتبرع المالك بالانتفاع بها فلا يلزم ردها كالوديعة و ليس للظئر أن تأخذ صبيا آخر فترضعه مع الأول فإن أخذت صبيا آخر فأرضعته مع الأول فقد أساءت و أثمت إن كانت قد أضرت بالصبي و لها الأجر على الأول و الآخر .
أما الإثم فلأنه قد استحق عليها كمال الرضاع و لما أرضعت صبيين فقد أضرت بأحدهما لنقصان اللبن