حكم اختلاف العاقدين .
و أما حكم اختلاف العاقدين في عقد الإجارة فإن اختلفا في مقدار البدل أو المبدل و الإجارة وقعت صحيحة ينظر إلى أن اختلافهما قبل استيفاء المنافع تحالفا لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا اختلف المتبايعان تحالفا و ترادا ] و الإجارة نوع بيع فيتناولها الحديث .
و الرواية الأخرى و هي قوله : [ و السلعة قائمة بعينها ] يتناول بعض أنواع الإجارة و هو ما إذا باع عينا بمنفعة و اختلفا فيها و إذا ثبت التحالف في نوع بالحديث ثبت في الأنواع كلها بنتيجة الإجماع لأن أحدا لا يفصل بينهما و لأن التحالف قبل استيفاء المنفعة موافق الأصول لأن اليمين في أصول الشرع على المنكر و كل واحد منهما منكر من وجه و مدع من وجه لأن المؤاجر يدعي على المستأجر زيادة الأجرة و المستأجر منكر و المستأجر يدعي على المؤاجر وجوب تسليم المستأجر بما يدعي من الأجرة و المؤاجر ينكر فكان كل واحد منهما منكرا من وجه اليمين وظيفة المنكر في أصول الشرع و لهذا جرى التحالف قبل القبض فبيع العين و التحالف ههنا قبل القبض لأنهما اختلفا قبل استيفاء المنفعة ثم إن كان الاختلاف في قدر البدل يبدأ بيمين المستأجر لأنه منكر وجوب الأجرة الزائدة و إن كان في قدر المبدل يبدأ بيمين المؤاجر لأنه منكر وجوب تسليم زيادة المنفعة .
و إذا تحالفا تفسخ الإجارة و أيهما نكل لزمه دعوى صاحبه لأن النكول بذل أو إقرار و البدل و المبدل كل واحد منهما يحتمل البذل و الإقرار و أيهما أقام البينة يقضى ببينته لأن الدعوى لا تقابل الحجة .
و إن أقاما جميعا البينة فإن كان الاختلاف في البدل فبينة المؤاجر أولى لأنها تثبت زيادة الأجرة و إن كان الاختلاف في المبدل فبينة المستأجر أولى لأنها تثبت زيادة المنفعة فإن ادعى المؤاجر فضلا فيما يستحقه من الأجر و ادعى المستأجر فضلا فيما يستحق من المنفعة بأن قال المؤاجر أجرتك هذه الدابة إلى القصر بعشرة و قال المستأجر إلى الكوفة بخمسة أو قال المؤاجر أجرتك شهرا بعشرة و قال المستأجر شهرين بخمسة فالأمر في التخالف و النكول و إقامة أحدهما البينة على ما ذكرنا .
و لو أقاما جميعا البينة قبلت بينة كل واحد منهما على الفعل الذي يستحقه بعقد الإجارة فيكون إلى الكوفة بعشرة و شهرين بعشرة لأن بينة كل واحد منهما تثبت زيادة لأن بينة المؤاجر تثبت زيادة الأجر و بينة المستأجر تثبت زيادة المنفعة فتقبل كل واحدة منهما على الزيادة التي تثبتها و إن كان اختلافهما بعدما استوفى المستأجر بعض المنفعة بأن سكن الدار المستأجرة بعض المدة أو ركب الدابة المستأجرة بعض المسافة .
ثم اختلفوا فالقول قول المستأجر فيما مضى مع يمينه و يتحالفان و تفسخ الإجارة فيما بقي لأن العقد على المنافع ساعة فساعة على حسب حدوثها شيئا فشيئا فكان كل جزء من أجزاء المنفعة معقودا عليه مبتدأ فكان ما بقي من المدة و المسافة منفردا بالعقد فيتحالفان فيه بخلاف ما إذا هلك بعض المبيع على قول أبي حنيفة أنه لا يثبت التحالف عنده لأن البيع ورد على جملة واحدة و هي العين القائمة للحال و كل جزء من المبيع ليس بمعقود عليه مبتدأ إنما الجملة معقود عليها بعقد واحد فإن تعذر الفسخ في قدر الهالك يسقط في الباقي .
و إن كان اختلافهما بعد مضي وقت الإجارة أو بعد بلوغ المسافة التي استأجر إليها لا يتحالفان فيه و القول قول المستأجر في مقدار البدل مع يمينه و لا يمين على المؤاجر لأن التحالف يثبت الفسخ و المنافع المنعدمة لا تحتمل فسخ العقد فلا يثبت التحالف .
و هذا على أصل أبي حنيفة و أبي يوسف ظاهر لأن قيام المبيع في باب البيع شرط جريان التحالف في المبيع الهالك و المنافع ههنا هالكة فلا يثبت فيها التخالف و أما محمد فيحتاج إلى الفرق بين المبيع الهالك و بين المنافع الهالكة .
و وجه الفرق له : أن المنافع غير متقومة بأنفسها على أصلنا و إنما تتقوم بالعقد فإذا فسخت الإجارة بالتحالف تبقى المنافع مستوفاة من غير عقد فلا تتقوم فلا يثبت التحالف بخلاف الأعيان فإنها متقومة بأنفسها فإذا فسخ البيع بالتخالف يبقى العقد متقوما بنفسه في يد المشتري فيجب عليه قيمته و إنما كان القول قول المستأجر لأنه المستحق عليه و الخلاف متى وقع في الاستحقاق كان القول قول المستحق و الله عز و جل أعلم .
و إن كان الاختلاف في جنس الأجر بأن قال المستأجر استأجرت هذه الدابة إلى موضع كذا بعشرة دراهم و قال الآخر : بدينار فالحكم في التحالف و النكول و إقامة أحدهما البينة ما وصفنا فإن أقاما البينة فالبينة بينة المؤاجر لأنها تثبت الأجرة حقا له و بينة المستأجر لا تثبت الأجرة حقا له فكانت بينة المؤاجر أولى بالقبول .
و لو اختلفا فقال المؤاجر أجرتك هذه الدابة إلى القصر بدينار و قال المستأجر إلى الكوفة بعشرة دراهم و أقاما البينة فهي إلى الكوفة بدينار و خمسة دراهم لأن الاختلاف إلى القصر وقع في البدل فكانت بينة المؤاجر أولى لما قلنا و تثبت الإجارة إلى القصر بدينار ثم المستأجر يدعي من القصر إلى الكوفة بخمسة لأن القصر نصف الطريق و المؤاجر يجحد هذه الإجارة فالبينة المثبتة للإجارة أولى من النافية .
و قد روى ابن سماعة عن أبي يوسف : في رجل استأجر من رجل دارا سنة فاختلفا فأقام المستأجر البينة أنه استأجر إحدى عشر شهرا منها بدرهم و شهرا بتسعة و أقام البينة رب الدار أنه أجرها بعشرة قال فإني آخذ ببينة رب الدار لأنه يدعي فضل أجرة في أحد عشر شهرا و قد أقام على ذلك بينة فتقبل بينته فأما الشهر الثاني عشر فقد أقر المستأجر للمؤاجر فيه بفضل الأجرة فيما ادعى فإن صدقه على ذلك و إلا سقط الفضل بتكذيبه .
و لو اختلف الخياط و رب الثوب فقال رب الثوب أمرتك أن تقطعه قباء و قال الخياط أمرتني أن أقطعه قميصا فالقول قول رب الثوب مع يمينه عندنا و الخياط ضامن قيمة الثوب و إن شاء رب الثوب أخذ الثوب و أعطاه أجر مثله و قال ابن أبي ليلى : القول قول الخياط مع يمينه و اختلف قول الشافعي فقال في موضع مثل قولهما و قال في موضع يتحالفان فإن حلفا سقط الضمان عن الخياط و سقط الأجر .
وجه قول ابن أبي ليلى : أن صاحب الثوب أقر بالإذن بالقطع غير أنه يدعي زيادة صفة توجب الضمان و تسقط الأجر و الخياط ينكر فكان القول قوله .
و لنا : أن الإذن مستفاد من قبل صاحب الثوب فكان القول في صفة الإذن قوله و لهذا لما وقع الخلاف في أصل الإذن بالقطع فقال صاحب الثوب لم آذن بالقطع كان القول قوله و كذا إذا قال لم آذن بقطعه قميصا و قد خرج الجواب عن قول ابن أبي ليلى لأن المأذون فيه قطع القباء لا مطلق القطع و لا معنى لأحد قولي الشافعي لأن التحالف وضع للفسخ و لا يمكن الفسخ ههنا فلا يثبت التحالف و لأن صاحبه يدعي على الخياط الغصب و الخياط يدعي الأجر و ذلك مما لا يثبت فيه التحالف و إن كان له تضمين الخياط قيمة الثوب لأن صاحب الثوب لما حلف على دعوى الخياط فقد صار الخياط بقطعه الثوب لا على الصفة المأذون فيها متصرفا في ملك غيره بغير إذنه فصار متلفا الثوب عليه فيضمن قيمته و إن شاء رب الثوب أخذ الثوب و أعطاه أجر مثله .
أما اختيار أخذ الثوب فلأنه أتى بأصل المعقود عليه مع تغير الصفة فكان لصاحب الثوب الرضا به و إعطاؤه أجر المثل لا المسمى لأنه لم يأت بالمأمور به على الوصف الذي أمر به و طريقة أخرى لبعض مشايخنا أن منفعة القباء و القميص متقاربة لأنه يمكن أن ينتفع بالقباء انتفاع القميص بأن يشد وسطه و أزراره و إنما يفوت بعض الأغراض فقد وجد المعقود عليه مع العيب فيستحق الأجرة حتى قالوا لو قطعه سراويل لم تجب له الأجرة بخلاف منفعة القباء و السراويل فلم يأت المعقود عليه رأسا .
قال القدوري : و الرواية بخلاف هذا فإن هشاما روى أن محمدا قال : في رجل دفع إلى رجل شبها ليضرب له طشتا موصوفا فضربه كوزا أن صاحبه بالخيار إن شاء ضمنه مثل شبهه و الكوز للعامل و إن شاء أخذه و أعطاه أجر مثله لا يجاوز ما سمى ففي السراويل يجب أن يكون كذلك و وجه ما مر أن العقد وقع على الضرب و الصناعة صفة له فقد وافق في أصل المعقود عليه و خالف في الصفة فيثبت للمستعمل الخيار .
و روى ابن سماعة و بشر عن أبي يوسف في رجل أمر رجلا أن ينزع له ضرسا متآكلا فنزع ضرسا متآكلا فقال الآمر أمرتك بغير هذا بهذا الأجر و قال المأمور أمرتني بالذي نزعت فإن أبا حنيفة قال في ذلك القول قول الآمر مع يمينه لما بينا أن الأمر يستفاد من قبله خاصة فكان القول في المأمور به قوله و ذكر في الأصل في رجل دفع إلى صباغ ثوبا ليصبغه أحمر فصبغه أحمر على ما وصف له بالعصفر ثم اختلفا في الأجر فقال الصباغ عملته بدرهم و قال رب الثوب بدانقين فإن قامت لهما بينة أخذت بينة الصباغ و إن لم يقم لهما بينة فإني أنظر إلى ما زاد العصفر في قيمة الثوب فإن كان درهما أو أكثر أعطيته درهما بعد أن يحلف الصباغ ما صبغته بدانقين و إن كان ما زاد في الثوب من العصفر أقل من دانقين أعطيته دانقين بعد أن يحلف صاحب الثوب ما صبغته إلا بدانقين أما إذا قامت لهما بينة فلأن بينة الصباغ تثبت زيادة الأجرة فكانت أولى بالقبول و أما إذا لم تقم لهما بينة فلأن ما زاد العصفر في قيمة الثوب إذا كان درهما أو أكثر كان الظاهر شاهدا للصباغ إلا أنه لا يزاد على درهم لأنه رضي بسقوط الزيادة و إذا كان ما زاد العصفر دانقين كان الظاهر شاهدا لرب الثوب إلا أنه لا ينقص من دانقين لأنه رضي بذلك .
و إن كان يزيد في الثوب نصف درهم قال أعطيت ذلك بعد أن يحلف ما صبغته بدانقين لما ذكرنا أن الدعوى إذا سقطت للتعارض بحكم الصبغ فوجب قيمة الصبغ و هذا بخلاف القصار مع رب الثوب إذا اختلفا في مقدار الأجرة و لا بينة لهما أن القول قول رب الثوب مع يمينه لأنه ليس في الثوب عين مال قائم للقصار فلم يوجد ما يصلح حكما فيرجع إلى قول صاحب الثوب لأن القصار يدعي عليه زيادة ضمان و هو ينكر فكان القول قوله مع يمينه .
و كذلك كل صبغ له قيمة فإن كان الصبغ أسود فالقول قول رب الثوب مع يمينه على أصل أبي حنيفة أن السواد نقصان عنده و كذلك كل صبغ ينقص الثوب لأنه تعذر القضاء بالدعوى للتعارض و لا سبيل إلى الرجوع إلى قيمة الصبغ لأنه لا قيمة له فيرجع إلى قول المستحق عليه .
و لو اختلف الصباغ و رب الثوب فقال رب الثوب أمرتك بالعصفر .
و قال الصباغ بالزعفران فالقول قول رب الثوب في قولهم جميعا لأن الأمر يستفاد من قبله و من هذا النوع ما إذا أمر المستعمل الصانع بالزيادة من عنده ثم اختلفا فقال في الأصل في رجل دفع غزلا إلى حائك ينسجه ثوبا و أمره أن يزيد في الغزل رطلا من عنده مثل غزله على أن يعطيه ثمن الغزل و أجرة الثوب دراهم مسماة فاختلفا بعد الفراغ من الثوب فقال الحائك : قد زدت و قال رب الثوب لم تزد فالقول قول رب الغزل مع يمينه على عمله لأن الصانع يدعي على صاحب الثوب الضمان و هو ينكر فكان القول قول المنكر مع يمينه على عمله لأنه يمين على فعل الغير فإن حلف برئ و إن نكل عن اليمين لزمه مثل الغزل لأن النكول حجة يقضى بها في هذا الباب فإن أقام الصانع بينة قبلت بينته .
و لو اتفقا أن غزل المستعمل كان منا و قال الصانع قد زدت فيه رطلا فوزن الثوب فوجد زائدا على ما دفع إليه زيادة لم يعلم أن مثلها يكون من الدقيق و ادعى رب الثوب أن الزيادة من الدقيق فالقول قول الصانع لأن رب الثوب يدعي خلاف الظاهر و إن كان الثوب مستهلكا قبل أن يعلم وزنه و لم يقر المستعمل أن فيه ما قال الصانع فالقول قول رب الثوب لأن الصانع يدعي عليه الضمان و لا ظاهر ههنا يشهد له فلم يقبل قوله .
و قال هشام عن محمد : في رجل دفع إلى صائغ عشرة دراهم فضة و قال زد عليها درهمين قرضا علي فصغه قلبا و أجرك درهم فصاغه و جاء به محشوا فاختلفا فقال الصائغ قد زدت عليه درهمين و قال رب القلب لم تزد شيئا .
قال محمد : يتحالفان ثم الصائغ بالخيار إن شاء دفع القلب و أخذ منه أجرة خمسة دوانيق و إن شاء دفع إليه عشرة دراهم فضة و أخذ القلب .
أما التحالف : فلأن الصائغ يدعي على صاحب القلب القرض و هو ينكر فيستحلف و صاحب القلب يدعي على الصائغ استحقاق القلب بغير شيء و هو ينكر فيستحلف و إذا بطل دعوى الصائغ في القلب علم أن الوزن عشرة و إنما بذل صاحب القلب للصائغ درهما لصياغته اثني عشر درهما فإذا لم تثبت الزيادة تلزمه للعشرة خمس دوانيق و إنما كان للصائغ أن يحبس القلب و يعطي صاحب القلب مثل فضته لأن عنده أن الزيادة ثابتة و أنه يتقرر ببطلان حقه عليها من غير عوض القرض فلا يجوز استحقاقها من غير رضاه و لا ضرر على صاحب القلب لأنه وصل إليه مثل حقه .
و قال ابن سماعة عن محمد : في رجل دفع إلى نداف ثوبا و قطنا يندف عليه و أمره أن يزيد من عنده ما رأى ثم إن صاحب الثوب أتاه و قد ندف على الثوب عشرين أستارا من قطن فاختلفا فقال صاحب الثوب دفعت إليك خمسة عشر أستارا من قطن و أمرتك أن تزيد عليه عشرة و تنقص إن رأيت فلم تزد إلا خمسة أساتير .
و قال النداف : دفعت إلي عشرة و أمرتني أن أزيد عشرة فزدتها فالقول قول النداف و على صاحب الثوب أن يدفع إليه عشرة أساتير من قطن كما ادعى لأن صاحب الثوب لا يدعي على النداف مخالفة ما أمره به و إنما يدعي أنه دفع إليه خمسة عشر أساتير فكان القول قول النداف في مقداره فتبقى العشرة زيادة فيضمنها صاحب اللثوب و إن كان صاحب الثوب قال دفعت إليك خمسة عشر و أمرتك أن تزيد عليه خمسة عشر .
و قال النداف : دفعت إلي عشرة و أمرتني أن أزيد عليه عشرة فردت عليه عشرة فصاحب الثوب في هذا بالخيار إن شاء صدقه و دفع إليه عشرة أساتير و أخذ ثوبه و إن شاء أخذ قيمة ثوبه و مثل عشرة أساتير قطن و كان الثوب للنداف لأن النداف يزعم أنه فعل ما أمره به و صاحب الثوب يدعي الخلاف فكان القول قوله فيما أمره به و القول قول النداف في مقدار ما قبض .
وقال بشر : عن أبي يوسف في رجل أعطى رجلا ثوبا ليقطعه قباء محشوا و دفع إليه البطانة و القطن فقطعه فخاطه و حشاه و اتفقا على العمل و الأجر فإن الثوب ثوب رب الثوب و القطن قطن غير أن رب الثوب إن قال إن البطان ليست بطانتي فالقول في ذلك قول الخياط مع يمينه ألبتة أن هذا بطانته و يلزم رب الثوب و يسع رب الثوب أن يأخذ البطانة فيلبسها لأن البطانة أمانة في يد الخياط فكان القول قوله فيها ثم إن كانت بطانة صاحب الثوب حل له لبسها و إن كان غيرها فقد رضي الخياط بدفعها إليه بدل بطانته فحل له لبسها .
و روى بشر و ابن سماعة عن أبي يوسف : فيمن أعطى حمالا متاعا ليحملها من موضع بأجر معلوم فحمله ثم اختلفا فقال رب المتاع ليس هذا متاعي و قال الحمال هو متاعك فالقول قول الحمال مع يمينه و لا ضمان عليه و لا يلزم الآمر الأجر إلا أن يصدقه و يأخذه لأن المتاع أمانة في يد الحمال فمان القول قوله و لا يلزم صاحب المتاع لأنه لم يعترف باستيفاء المنافع فإن صدقه فقد رجع عن قوله فوجب عليه الأجر قال : و النوع الواحد و النوعان في هذا سواء إلا أنه في النوع الواحد أفحش و أقبح يريد بهذا لو حمله طعاما أو زيتا .
و قال الأجير : هذا طعامك بعينه و قال رب الطعام كان طعامي أجود من هذا فإن هذا يفحش أن يكون القول فيه رب الطعام و يبطل الأجر و يحسن أن يكون القول قول الحمال و يأخذ الأجر إن كان قد حمله فأما إذا كانا نوعين مختلفين بأن جاء بشعير .
و قال رب الطعام : كان طعامي حنطة فلا أجر للحمال حتى يصدقه و يأخذه و إنما قال يقبح في الجنس الواحد لأن عند اتحاد الجنس يملك صاحب الطعام أن يأخذ الشعير عوضا عن طعامه لأن الحمال قد بذل له ذلك فإذا أخذ العوض سلمت له المنفعة فأما في النوعين فلا يسعه أن يأخذ النوع الآخر إلا بالتراضي بالبيع فما لم يصدقه لا يستحق عليه الأجر .
و لو اختلف الصانع و المستأجر في أصل الأجر كالنساج و القصار و الخفاف و الصباغ فقال رب الثوب و الخف عملته لي بغير شرط و قال الصانع : لا بل عملته بأجرة درهم أو اختلف رب الدار مع المستأجر فقال رب الدار أجرتها منك بدرهم و قال الساكن : بل سكنتها عارية فالقول قول صاحب الثوب و الخف و ساكن الدار في قول أبي حنيفة مع يمينه و لا أجر عليه و قال أبو يوسف : إن كان الرجل حرا ثقة فعليه الأجر و إلا فلا .
و قال محمد : إن كان الرجل انتصب للعمل فالقول قوله و إن لم يكن انتصب للعمل فالقول قول صاحبه و على هذا الخلاف إذا اتفقا على أنهما لم يشترطا الأجر لكن الصانع قال إني إنما عملت بالأجر و قال رب الثوب ما شرطت لك شيئا فلا يستحق شيئا .
وجه قولهما : اعتبار العرف و العادة فإن انتصابه للعمل و فتحه الدكان لذلك دليل على أنه لا يعمل إلا بالأجرة و كذا إذا كان حرا ثقة فكان العقد موجودا دلالة و الثابت دلالة كالثابت نصا .
و لأبي حنيفة : أن المنافع على أصلنا لا تتقوم إلا بالعقد و لم يوجد أما إذا اتفقا على أنهما لم يشترطا الأجر فظاهر و كذا إذا اختلفا في الشرط لأن العقد لا يثبت من الاختلاف للتعارض فلا تجب الأجرة ثم إن كان في المصنوع عين قائمة للصانع كالصبغ الذي يزيد و النعل يغرم رب الثوب و الخف للصانع ما زاد الصبغ و النعل فيه لا يجاوز به درهما و إلا فلا و الله عز و جل أعلم