شرائط التملك بالشفعة .
و أما بيان شرائط التملك فالتملك بالشفعة له شرطان : .
أحدهما : رضا المشتري أو قضاء القاضي لأن تملك مال الغير مما لا سبيل إليه في الشرع إلا بالتراضي أو بقضاء القاضي فلا يثبت التملك بدونهما .
و الثاني : أن لا يتضمن التملك تفريق الصفقة على المشتري فإن تضمن ليس له أن يتملك لأن في التفريق ضررا بالمشتري و هو ضرر الشركة و دفع الضرر بالضرر متناقض .
و على هذا يخرج ما إذا أراد الشفيع أن يأخذ بعض المشترى بالشفعة دون بعض أنه هل يملك ذلك ؟ فجملة الكلام فيه أن المشترى لا يخلو إما أن يكون بعضه ممتازا عن البعض و إما أن لا يكون فإن لم يكن بأن اشترى دارا واحدة فأراد الشفيع أن يأخذ بعضها بالشفعة دون البعض أو يأخذ الجانب الذي يلي الدار دون الباقي ليس ذلك بلا خلاف بين أصحابنا و لكن يأخذ الكل أو يدع لأنه لو أخذ البعض دون البعض لتفرقت الصفقة على المشتري لأن الملك له في كل الدار ثبت بقول واحد فكان أخذ البعض تفريقا فلا يملكه الشفيع و سواء اشترى واحد من واحد أو واحد من اثنين أو أكثر حتى لو أراد الشفيع أن يأخذ نصيب أحد البائعين ليس له لما قلنا سواء كان المشتري قبض أو لم يقبض في ظاهر الرواية عن أصحابنا و روي عنهم أن للشفيع أن يأخذ نصيب أحد البائعين قبل القبض و ليس له أن يأخذ من المشتري نصيب أحدهما بعد القبض .
وجه هذه الرواية : أن التملك قبل القبض لا يتضمن معنى التفريق لأن التملك يقع على البائع و قد خرج نصيبه عن ملكه فلا يلزمه ضرر التفريق و هو ضرر الشركة بخلاف ما بعد القبض لأن التملك بعد القبض يقع على المشتري ألا ترى أن العهدة عليه و فيه تفريق ملكه فيلزمه ضرر الشركة .
و لو اشترى رجلان من رجل دارا فللشفيع أن يأخذ نصيب أحد المشترين في قولهم جميعا لأن الأخذ هنا لا يتضمن التفريق لأن الصفقة حصلت متفرقة وقت وجودها إذ الملك في نصيب كل واحد منهما ثبت بقوله فلم تتحد الصفقة فلا يقع الأخذ تفريقا لحصول التفريق قبله و سواء كان بعد القبض أو قبله في ظاهر الرواية .
و روي أنه ليس للشفيع أن يأخذ قبل القبض إلا الكل و بعد القبض له أن يأخذ نصيب أحد المشتريين .
وجه هذه الرواية : أن أخذ البعض قبل القبض يتضمن تفريق اليد على البائع و التملك قبل القبض لا يتضمن التفريق لأن التملك يقع على البائع و أنه لا يجوز ألا ترى أن أحد المشتريين لو أراد أن يقبض حصته دون صاحبه ليس له ذلك .
وجه ظاهر الرواية : ما ذكرنا أن الصفقة حصلت متفرقة من الابتداء فلا يكون أخذ البعض تفريقا لحصول التفريق قبل الأخذ و قوله فيه تفريق اليد و هو القبض ممنوع فالشفيع يتملك نصيب أحد المشتريين بالشفعة و لكنه لا يفرق اليد حتى لو نقد الثمن ليس له أن يقبض أحد النصفين ما لم ينقد الآخر كيلا يتفرق القبض و سواء سمى لكل نصف ثمنا على حدة أو سمى للجملة ثمنا واحدا فالعبرة لاتحاد الصفقة و تعددها لا لاتحاد الثمن و تعدده لأن المانع من التفريق هو الضرر و الضرر ينشأ عن اتحاد الصفقة لا عن اتحاد الثمن و سواء كان المشتري عاقدا لنفسه أو لغيره في الفصلين جميعا حتى لو وكل رجلان جميعا رجلا واحدا بالشراء فاشترى الوكيل من رجلين فجاء الشفيع ليس له أن يأخذ نصيب أحد البائعين بالشفعة و لو وكل رجل واحد رجلين فاشتريا من واحد فللشفيع أن يأخذ ما اشتراه أحد الوكيلين و كذا لو كان الوكلاء عشرة اشتروا لرجل واحد فللشفيع أن يأخذ من واحد أو من اثنين أو من ثلاثة .
قال محمد C : و إنما أنظر في هذا إلى المشتري و لا أنظر إلى المشترى له و هو نظر صحيح لأن الأخذ بالشفعة من حقوق البيع و أنها راجعة إلى الوكيل فكانت العبرة لاتحاد الوكيل و تعدده دون الموكل و الله سبحانه و تعالى أعلم .
و إن كان المشترى بعضه ممتازا عن البعض بأن اشترى دارين صفقة واحدة فأراد الشفيع أن يأخذ إحداهما دون الأخرى فإن كان شفيعا لهما جميعا فليس له ذلك و لكن يأخذهما جميعا أو يدعهما و هذا قول أصحابنا الثلاثة رضي الله تعالى عنهم و قال زفر C : له أن يأخذ إحداهما بحصتها من الثمن .
وجه قوله : أن المانع من أخذ البعض دون البعض هو لزوم ضرر الشركة و لم يوجد ههنا لانفصال كل واحدة من الدارين عن الأخرى .
و لنا : أن الصفقة وقعت مجتمعة لأن المشتري ملك الدارين بقبول واحد فلا يملك الشفيع تفريقها كما في الدار الواحدة و قوله ليس فيه ضرر الشركة مسلم لكن فيه ضرر آخر و هو أن الجمع بين الجيد و الرديء في الصفقة معتاد فيما بين الناس فلو ثبت له حق أخذ أحدهما لأخذ الجيد فيتضرر له المشتري لأن الرديء لا يشترى وحده بمثل ما يشترى مع الجيد فيتضرر به و سواء كانت الدارين متلاصقتين أو متفرقتين في مصر واحد أو مصرين فهو على الاختلاف لما ذكرنا من المعنى في الجانبين فإن كان الشفيع شفيعا لإحداهما دون الأخرى و وقع البيع صفقة واحدة فهل له أن يأخذ الكل بالشفعة روي عن أبي حنيفة أنه ليس له أن يأخذ إلا التي تجاوره بالحصة .
و كذا روي عن محمد في الدارين المتلاصقين إذا كان الشفيع جارا لأحدهما أنه ليس له بالشفعة إلا فيما يليه و كذا قال محمد في الأقرحة المتلاصقة و واحد منها يلي أرض إنسان و ليس بين الأقرحة طريق و لا نهر إنما هي منساة إنه لا شفعة له إلا في القرح الذي يليه خاصة .
و كذلك في القرية إذا بيعت بدورها و أراضيها أن لكل شفيع أن يأخذ القراح الذي يليه خاصة و روى الحسن عن أبي يوسف Bه أن للشفيع أن يأخذ الكل في ذلك كله بالشفعة .
قال الكرخي : و رواية الحسن تدل على أن قول أبي حنيفة كان مثل قول محمد C ثم رجع عن ذلك فجعله كالدار الواحدة .
وجه الرواية الأولى : أن سبب ثبوت الحق و هو الجوار وجد في أحدهما و هو ما يليه فلا يملك إلا أخذ أحدهما و الصفقة و إن وقعت مجتمعة و لكنها أضيفت إلى شيئين أحدهما ثبت فيه حق الشفعة و الأخر لم يثبت فيه حق الشفعة فله أن يأخذ ما ثبت فيه الحق كما إذا اشترى عقارا أو منقولا صفقة واحدة أنه يأخذ العقار خاصة كذا هذا .
وجه الرواية الأخرى : أن سبب الوجوب و إن وجد فيما يليه دون الباقي لكن لا سبيل إلى أخذه خاصة بدون الباقي لما فيه من تفريق الصفقة فيأخذ ما يليه قضية للسبب و يأخذ الباقي ضرورة التحرز عن تفريق الصفقة