الذكاة الاضطرارية .
و أما الذكاة الاضطرارية : فوقتها وقت الرمي و الإرسال لا وقت الإصابة لقول النبي صلى الله عليه و سلم لعدي بن حاتم Bه حين سأله عن صيد المعراض والكلب [ إذا رميت بالمعراض و ذكرت اسم الله عليه فكل و إن أرسلت كلبك المعلم و ذكرت اسم الله عليه فكل ] .
و قوله : عليه : أي على المعراض و الكلب و لا تقع التسمية على السهم و الكلب إلا عند الرمي و الإرسال فكان وقت التسمية فيها هو وقت الرمي و الإرسال و المعنى هكذا يقتضي و هو أن التسمية شرط و الشرائط يعتبر وجودها حال وجود الركن لأن عند وجودها يصير الركن علة كما في سائر الأركان مع شرائطها هو المذهب الصحيح على ما عرف في أصول الفقه و الركن في الذكاة الاختيارية هو الذبح و في الاضطرارية هو الجرح و ذلك مضاف إلى الرامي و المرسل و إنما السهم و الكلب آلة الجرح و الفعل يضاف إلى مستعمل الآلة لذلك اعتبر وجود التسمية وقت الذبح و الجرح و هو وقت الرمي و الإرسال و لا يعتبر وقت الإصابة في الذكاة الاضطرارية لأن الإصابة ليست من صنع العبد لا مباشرة و لا سببا بل محض صنع الله عز و جل يعني به مصنوعه هو مذهب أهل السنة و الجماعة و هي المسألة المعروفة بالمتولدات و هذا لأن فعل العبد لابد و أنه يكون مقدور العبد و مقدور العبد ما يقوم بمحل قدرته و هو نفسه و ذلك هو الرمي السابق و الإرسال السابق فتعتبر التسمية عندهما على أن الإصابة قد تكون و قد لا تكون فلا يمكن إيقاع التسمية عليها .
و على هذا يخرج ما روى بشر عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى أنه قال : لو أن رجلا أضجع شاة ليذبحها و سمى ثم بدا له فأرسلها و أضجع أخرى فذبحها بتلك التسمية لم يجزه ذلك و لا تؤكل لعدم التسمية على الذبيحة عند الذبح و لو رمى صيدا فسمى فأخطأ و أصاب آخر فقتله فلا بأس بأكله .
و كذلك إذا أرسل كلبا على صيد فأخطأ فأخذ غير الذي أرسله عليه فقتله لوجود التسمية على السهم و الكلب عند الرمي و الإرسال .
و ذكر في الأصل : أرأيت الذابح يذبح الشاتين و الثلاثة فيسمي على الأولى و يدع التسمية على غير ذلك عمدا قال : يأكل الشاة التي سمى عليها و لا يأكل ما سوى ذلك لما بينا .
و لو أضجع شاة ليذبحها و سمى عليها ثم ألقى السكين و أخذ سكينا آخر فذبح به يؤكل لأن التسمية في الذكاة الاختيارية تقع على المذبوح لا على الآلة و المذبوح واحد فلا يعتبر اختلاف الآلة بخلاف ما إذا سمى على سهم ثم رمى بغيره أنه لا يؤكل لأن التسمية في الذكاة الاضطرارية تقع على السهم لا على المرمي إليه .
و قد اختلف السهم فالتسمية على أحدهما لا تكون تسمية على الآخر و لو أضجع شاة ليذبحها و سمى عليها فكلمه إنسان فأجابه ثم استسقى ماء فشرب أو أخذ السكن فإن كان قليلا و لم يكثر ذلك منه ثم ذبح على تلك التسمية تؤكل و إن تحدث و أطال الحديث أو أخذ في عمل آخر أو حد شفرته أو كانت الشاة قائمة فصرعها ثم ذبح لا تؤكل لأن زمان ما بين التسمية و الذبح إذا كان يسيرا لا يعتد به لأنه لا يمكن التحرز عنه فيلحق بالعدم و يجعل كأنه سمى مع الذبح و إن كان طويلا يقصد فاصلا بين التسمية و الذبح فيصير كأنه سمى في يوم و ذبح في يوم آخر فلم توجد التسمية عند الذبح متصلة به و لو سمى ثم انقلبت الشاة و قامت من مضجعها ثم أعادها إلى مضجعها فقد انقطعت التسمية .
و على هذا يخرج ما إذا رمى صيدا و لم يسم متعمدا ثم سمى بعد ذلك أو أرسل كلبا و ترك التسمية متعمدا فلما مضى الكلب في تبع الصيد سمى أنه لا يؤكل لأن التسمية لم توجد وقت الرمي و الإرسال و كذا لو مضى الكلب إلى الصيد فزجره و سمى و انزجر بزجره أنه لا يؤكل أيضا و فرق بين هذا و بين ما إذا تبع الكلب الصيد بنفسه من غير أن يرسله أحد ثم زجره مسلم أنه إن انزجر بزجره فأخذ الصيد فقتله يؤكل و إن لم ينزجر لا يؤكل .
و وجه الفرق : نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى و لو رمى أو أرسل و هو مسلم ثم ارتد أو كان حلالا فأحرم قبل الإصابة و أخذ الصيد يحل و لو كان مرتدا ثم أسلم و سمى لا يحل لأن المعتبر وقت الرمي و الإرسال فتراعى الأهلية عند ذلك .
و على هذا الأصل ينبني شرط تعيين المحل بالتسمية في الذكاة الاختيارية و هو بيان القسم الثاني من الشرائط التي تخص أحد النوعين دون الآخر و هي أنواع يرجع بعضها إلى المذكي و بعضها يرجع إلى محل الذكاة و بعضها يرجع إلى آلة الذكاة