كيفية الوجوب .
و أما كيفية الوجوب فأنواع : منها أنها تجب في وقتها وجوبا موسعا و معناه أنها تجب من جملة الوقت غير عين كوجوب الصلاة في وقتها ففي أي وقت ضحى من عليه الواجب كان مؤديا للواجب سواء كان في أول الوقت أو وسطه أو آخره كالصلاة .
و الأصل : أن ما وجب في جزء من الوقت غير عين يتعين الجزء الذي أدى فيه الوجوب أو آخر الوقت كما في الصلاة و هو الصحيح من الأقاويل على ما عرف في أصول الفقه .
و على هذا يخرج ما إذا لم يكن أهلا للوجوب في أول الوقت ثم صار أهلا في آخره بأن كان كافرا أو عبدا أو فقيرا أو مسافرا في أول الوقت ثم أسلم أو أعتق أو أيسر أو أقام في آخره أنه يجب عليه و لو كان أهلا في أوله ثم لم يبق أهلا في آخره بأن ارتد أو أعسر أو سافر في آخره لا يجب عليه .
و لو ضحى في أول الوقت و هو فقير ثم أيسر في آخر الوقت فعليه أن يعيد الأضحية عندنا و قال بعض مشايخنا ليس عليه الإعادة و الصحيح هو الأول لأنه لما أيسر في آخر الوقت تعين آخر الوقت للوجوب عليه و تبين أن ما أداه و هو فقير كان تطوعا فلا ينوب عن الواجب .
و ما روي عن الكرخي C في الصلاة المؤداة في أول الوقت أنها تنفل مانع عن الوجوب في آخر الوقت فاسد عرف فساده في أصول الفقه و لو كان ميسرا في جميع الوقت فلم يضح حتى مضى الوقت ثم صار فقيرا صار قيمة شاة صالحة للأضحية دينا في ذمته يتصدق بها متى وجدها لأن الوجوب قد تأكد عليه بآخر الوقت فلا يسقط بفقره بعد ذلك كالمقيم إذا مضى عليه وقت الصلاة و لم يصل حتى سافر لا يسقط عنه شطر الصلاة و كالمرأة إذا مضى عليها وقت الصلاة و هي طاهرة ثم حاضت لا يسقط عنها فرض الوقت حتى يجب عليها القضاء إذا طهرت من حيضها كذا ههنا .
و لو مات الموسر في أيام النحر قبل أن يضحي سقطت عنه الأضحية و في الحقيقة لم تجب لما ذكرنا أن الوجوب عند الأداء أو في آخر الوقت فإذا مات قبل الأداء مات قبل أن تجب عليه كمن مات في وقت الصلاة قبل أن يصليها أنه مات و لا صلاة عليه كذا ههنا .
و على هذا تخرج رواية الحسن عن أبي حنيفة C أن الرجل الموسر إذا ولد له ولد في آخر أيام النحر أنه يجب عليه أن يذبح عنه و هي إحدى الروايتين اللتين ذكرناهما أنه كما يجب على الإنسان إذا كان موسرا أن يذبح عن نفسه يجب عليه أن يذبح عن ولده الصغير لأنه ولد وقت تأكد الوجوب بخلاف صدقة الفطر أنه إذا ولد له ولد بعد طلوع الفجر من يوم الفطر أنه لا تجب عليه صدقة فطره لأن الوجوب هناك تعلق بأول اليوم فلا تجب بعد مضي جزء منه و ههنا بخلافه .
و على هذا يخرج ما إذا اشترى شاة للأضحية و هو موسر ثم إنها ماتت أو سرقت أو ضلت في أيام النحر أنه يجب عليه أن يضحي بشاة أخرى لأن الوجوب في جملة الوقت و المشترى لم يتعين للوجوب و الوقت باق و هو من أهل الوجوب فيجب إلا إذا كان عينها بالنذر بأن قال لله تعالى علي أن أضحي بهذه الشاة و هو موسر أو معسر فهلكت أو ضاعت أنه تسقط عنه التضحية بسبب النذر لأن المنذور به معين لإقامة الواجب فيسقط الواجب بهلاكه كالزكاة تسقط بهلاك النصاب عندنا غير أنه إن كان الناذر موسرا تلزمه شاة أخرى بإيجاب الشرع ابتداء لا بالنذر و إن كان معسرا فاشترى شاة للأضحية فهلكت في أيام النحر أو ضاعت سقطت عنه و ليس عليه شيء آخر لما ذكرنا أن الشراء من الفقير للأضحية فهلكت في أيام النحر أو ضاعت سقطت عنه و ليس عليه شيء آخر بإيجاب الشرع ابتداء لفقد شرط الوجوب و هو اليسار .
و لو اشترى الموسر شاة للأضحية فضلت فاشترى شاة أخرى ليضحي بها ثم وجد الأولى في الوقت فالأفضل أن يضحي بهما فإن ضحى بالأولى أجزأه و لا تلزمه التضحية بالأخرى و لا شيء عليه غير ذلك سواء كانت قيمة الأولى أكثر من الثانية أو أقل .
و الأصل فيه ما روي عن سيدتنا عائشة Bها أنها ساقت هديا فضاع فاشترت مكانه آخر ثم وجدت الأول فنحرتهما ثم قالت الأول كان بجزئ عني فثبت الجواز بقولها و الفضيلة بفعلها Bها و لأن الواجب في ذمته ليس إلا بالتضحية بشاة واحدة و قد ضحى .
و إن ضحى بالثانية أجزأه و سقطت عنه الأضحية و ليس عليه أن يضحي بالأولى لأن التضحية بها لم تجب بالشراء بل كانت الأضحية واجبة في ذمته بمطلق الشاة فإذا ضحى بالثانية فقد أدى الواجب بها بخلاف المنتقل بالأضحية إذا ضحى بالثانية أنه يلزمه التضحية بالأولى أيضا لأنه لما اشتراها للأضحية فقد وجب عليه التضحية بالأولى أيضا بعينها فلا يسقط بالثانية بخلاف الموسر فإنه لا يجب عليه التضحية بالشاة المشتراة بعينها و إنما الواجب في ذمته و قد أداه بالثانية فلا تجب عليه التضحية بالأولى .
و سواء كانت الثانية مثل الأولى في القيمة أو فوقها أو دونها لما قلنا غير أنها إن كانت دونها في القيمة يجب عليه أن يتصدق بفضل ما بين القيمتين لأنه بقيت له هذه الزيادة سالمة من الأضحية فصار كاللبن و نحوه و لو لم يتصدق بشيء و لكنه ضحى بالأولى أيضا و هو في أيام النحر أجزأه و سقطت عنه الصدقة لأن الصدقة إنما تجب خلفا عن فوات شيء من شاة الأضحية فإذا أدى الأصل في وقته سقط عنه الخلف .
و أما على قول أبي يوسف C فإنه لا تجزيه التضحية إلا بالأولى لأنه يجعل الأضحية كالوقف و لو لم يذبح الثانية حتى مضت أيام النحر ثم وجد الأولى ذكر الحسن بن زياد في الأضاحي أن عليه أن يتصدق بأفضلهما و لا يذبح و ذكر فيها أنه قول زفر و أبي يوسف و الحسن بن زياد رحمهم الله لأنه لم يجب عليه في آخر الوقت إلا التضحية بشاة فإذا خرج الوقت تحول الواجب من الإراقة إلى التصدق بالعين .
و لو اشترى شاة للأضحية و هو معسر أو كان موسرا فانتقص نصابه بشراء الشاة ثم ضلت فلا شيء عليه و لا يجب عليه شيء آخر أما الموسر فلفوات شرط الوجوب وقت الوجوب و أما المعسر فلهلاك محل إقامة الواجب فلا يلزمه شيء آخر .
و منها : أن لا يقوم غيرها مقامها حتى لو تصدق بعين الشاة أو قيمتها في الوقت لا يجزيه عن الأضحية لأن الوجوب تعلق بالإراقة و الأصل أن الوجوب إذ تعلق بفعل معين أنه لا يقوم غيره مقامه كما في الصلاة و الصوم و غيرهما بخلاف الزكاة فإن الواجب أداء جزء من النصاب .
و لو أدى من مال آخر جاز لأن الواجب هناك ليس جزأ من النصاب عند أصحابنا بل الواجب مطلق المال و قد أدي و عند بعضهم و إن كان الواجب أداء جزء من النصاب لأن مبنى أصول الزكاة على التيسير و التيسير في الوجوب من حيث إنه مال لا من حيث إنه العين و الصورة و ههنا الواجب في الوقت إراقة الدم شرعا غير معقول المعنى فيقتصر الوجوب على مورد الشرع و بخلاف صدقة الفطر أنها تتأدى بالقيمة عندنا لأن الواجب هناك معلول بمعنى الإغناء قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم ] و الإغناء يحصل بأداء القيمة و الله عز شأنه أعلم .
و منها : أن تجزئ فيها النيابة فيجوز للإنسان أن يضحي بنفسه و بغيره بإذنه لأنها قربة تتعلق بالمال فتجزئ فيها النيابة كأداء الزكاة و صدقة الفطر و لأن كل أحد لا يقدر على مباشرة الذبح بنفسه خصوصا النساء فلو لم تجز الاستنابة لأدى إلى الحرج و سواء كان المأذون مسلما أو كتابيا حتى لو أمر مسلم كتابيا أن يذبح أضحيته يجزيه لأن الكتابي من أهل الذكاة إلا أنه يكره لأن التضحية قربة و الكاف ليس من أهل القربة لنفسه فتكره إنابته في إقامة القربة لغيره و سواء كان الأذن نصا أو دلالة حتى لو اشترى شاة للأضحية فجاء يوم النحر فأضجعها و شد قوائمها فجاء إنسان و ذبحها من غير أمره أجزأه استحسانا و القياس أنه لا يجوز و أن يضمن الذابح قيمتها و هو قول زفر C و قال الشافعي : يجزيه عن الأضحية و يضمن الذابح .
أما الكلام مع زفر فوجه القياس : أنه ذبح شاة غيره بغير أمره فلا يجزي عن صاحبها و يضمن الذابح كما لو غصب شاة و ذبحها و هو وجه الشافعي في وجوب الضمان على الذابح .
وجه الاستحسان : أنه لما اشتراها للذبح و عينها لذلك فإذا ذبحها غيره فقد حصل غرضه و أسقط عنه مؤنة الذبح فالظاهر أنه رضي بذلك فكان مؤذنا فيه دلالة فلا يضمن و يجزيه عن الأضحية كما لو أذن له بذلك نصا و به تبين و هي قول الشافعي C أنه يجزيه عن الأضحية و يضمن الذابح لأن كون الذبح مأذونا فيه يمنع وجوب الضمان كما لو نص على الإذن و كما لو باعها بإذن صاحبها و لو لم يرض به و أراد الضمان يقع عن المضحي و ليس للوكيل أن يضحي ما وكل بشرائه بغير أمر موكله ذكره أبو يوسف C في الإملاء فإن ضحى جاز استحسانا لأنه أعانه على ذلك فوجد الإذن منه دلالة إلا أن يختار أن يضمنه فلا يجزي عنه .
و على هذا إذا غلط رجلان فذبح كل واحد منهما أضحية صاحبه عن نفسه أن يجزى كل واحد منهما أضحيته عنه استحسانا و يأخذها من الذابح لما بينا أن كل واحد منهما يكون راضيا بفعل صاحبه فيكون ماذونا فيه دلالة فيقع الذبح عنه و نية صاحبه تقع لغوا حتى لو تشاحا و أراد كل واحد منهما الضمان تقع الأضحية له و جازت عنه لأنه ملكه بالضمان على ما نذكره في الشاة المغصوبة إن شاء الله تعالى .
و ذكر هشام عن أبي يوسف رحمهما الله في نوادره في رجلين اشتريا أضحيتين فذبح كل واحد منهما أضحية صاحبه غلطا عن نفسه و أكلها قال : يجزئ كل واحد منهما في قول أبي حنيفة C .
و قولنا : و يحلل كل واحد منهما صاحبه فإن تشاحا ضمن كل واحد منهما لصاحبه قيمة شاته فإن كان قد انقضت أيام النحر يتصدق بتلك القيمة أما جواز إحلالهما فلأنه يجوز لكل واحد منهما أن يطعمها لصاحبه ابتداء قبل الأكل فيجوز أن يحلله بعد الأكل و له أن يضمنه لأن من أتلف لحم الأضحية يضمن و يتصدق بالقيمة لأن القيمة تدل عن اللحم فصار كما لو باعه قال : و سألت أبا يوسف C عن البقرة إذا ذبحها سبعة في الأضحية أيقتسمون لحمها جزافا أو وزنا قال : بل وزنا قال : قلت : فإن اقتسموها مجازفة و حلل بعضهم بعضا قال : أكره ذلك قال : قلت : فما تقول في رجل باع درهما بدرهم فرجح أحدهما فحلل صاحبه الرجحان قال : هذا جائز لأنه لا يقسم معناه أنه هبة المشاع فيما لا يحتمل القسمة و هو الدرهم الصحيح .
أما عدم جواز القسمة مجازفة فلأن فيها معنى التملك و اللحم من الأموال الربوية فلا يجوز تمليكه مجازفة كسائر الأموال الربوية .
و أما عدم جواز التحليل فلأن الربوي لا يحتمل الحل بالتحليل و لأنه في معنى الهبة و هبة المشاع فيما يحتمل القسمة لا تصح بخلاف ما إذا رجح الوزن و منها أنها تقضى إذا فاتت عن وقتها و الكلام فيه من موضعين : .
أحدهما : في بيان مضمونة بالقضاء في الجملة .
و الثاني : في بيان ما تقضى به .
أما الأول : فلأن وجوبها في الوقت إما لحق العبودية أو لحق شكر النعمة أو لتكفير الخطايا لأن العبادات و القربات إنما تجب لهذه المعاني و هذا لا يوجب الاختصاص بوقت دون وقت فكان الأصل فيها أن تكون واجبة في جميع الأوقات و على الدوام بالقدر الممكن إلا أن الأداء في السنة مرة واحدة في وقت مخصوص أقيم مقام الأداء في جميع السنة تيسيرا على العباد فضلا من الله عز و جل و رحمة كما أقيم صوم شهر في السنة مقام جميع السنة و أقيم خمس صلوات في يوم و ليلة مقام الصلاة آناء الليل و أطراف النهار فإذا لم يؤد في الوقت بقي الوجوب في غيره لقام المعنى الذي له وجبت في الوقت .
و أما الثاني : فنقول إنها لا تقضى بالإراقة لأن الإراقة لا تعقل قربة و إنما جعلت قربة بالشرع في وقت مخصوص فاقتصر كونها قربة على الوقت المخصوص فلا تقضى بعد خروج الوقت ثم قضاؤها قد يكون بالتصدق بعين الشاة حية و قد يكون بالتصدق بقيمة الشاة فإن كان أوجب التضحية على نفسه بشاة بعينها فلم يضحها حتى مضت أيام النحر يتصدق بعينها حية لأن الأصل في الأموال التقرب بالتصدق بها لا بالإتلاف و هو الإراقة إلا أنه نقل إلى الإراقة مقيدا في وقت مخصوص حتى يحل تناول لحمه للمالك و الأجنبي و الغني و الفقير لكون الناس أضياف الله عز شأنه في هذا الوقت فإذا مضى الوقت عاد الحكم إلى الأصل و هو التصدق بعين الشاة سواء كان موسرا أو معسرا لما قلنا .
و كذلك المعسر إذا اشترى شاة ليضحي بها فلم يضح حتى مضى الوقت لأن الشراء للأضحية من الفقير كالنذر بالتضحية و أما الموسر إذا اشترى شاة للأضحية فكذلك الجواب .
و من المشايخ من قال : هذا الجواب في المعسر لأن الشاة المشتراة للأضحية من المعسر تتعين للأضحية فأما من الموسر فلا تتعين بدليل أنه يجوز له التضحية بشاة أخرى في الوقت مع بقاء الأولى و تسقط عنه الأضحية و الصحيح أنها تتعين من الموسر أيضا بلا خلاف بين أصحابنا فإن محمدا C ذكر عقيب جواب المسألة و هذا قول أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله و قولنا .
و وجهه : أن نية التعيين قارنت الفعل و هو الشراء فأوجبت تعيين المشتري للأضحية إلا أن تعيينه للأضحية لا يمنع جواز التضحية بغيرها كتعيين النصاب لأداء الزكاة منه لا يمنع جواز الأداء بغيره و تسقط عنه الزكاة و هذا لأن المتعين لا يزاحمه غيره فإذا ضحى بغيره أو أدى الزكاة من غير النصاب لم يبق الأول متعينا فكانت الشاة متعينة للتضحية ما لم يضح بغيرها كالزكاة و إن لم يوجب على نفسه و لا اشترى و هو موسر حتى مضت أيام النحر تصدق بقيمة شاة تجوز في الأضحية لأنه إذا لم يوجب و لم يشتر لم يتعين شيء للأضحية و إنما الواجب عليه إراقة دم شاة فإذا مضى الوقت قبل أن يذبح و لا سبيل إلى التقرب بالإراقة بعد خروج الوقت لما قلنا انتقل الواجب من الإراقة و العين أيضا لعدم التعيين إلى القيمة و هو قيمة شاة يجوز ذبحها في الضحية .
و لو صار فقيرا بعد مضي أيام النحر لا يسقط عنه التصدق بعين الشاة أو قيمتها لأنه إذا مضى الوقت صار ذلك دينا في ذمته فلا يسقط عنه لفقره بعد ذلك و لو وجب عليه التصدق بعين الشاة فلم يتصدق و لكن ذبحها يتصدق و يجزيه ذلك إن لم ينقصها الذبح و إن نقصها يتصدق باللحم و قيمة النقصان و لا يحل له أن يأكل منها و إن أكل منها شيئا غرم قيمته و يتصدق بها لما يذكر في موضعه .
و كذلك لو أوجب على نفسه أن يتصدق بها لا يأكل منها إذا ذبحها بعد وقتها أو في وقتها فهو سواء .
و من وجبت عليه الأضحية فلم يضح حتى مضت أيام النحر ثم حضرته الوفاة فعليه أن يوصي بأن يتصدق عنه بقيمة شاة من ثلث ماله لأنه لما مضى الوقت فقد وجب عليه التصدق بقيمة شاة فيحتاج إلى تخليصه نفسه عن عهدة الواجب و الوصية طريق التخليص فيجب عليه أن يوصي كما في الزكاة و الحج و غير ذلك .
و لو أوصى بأن يضحى عنه و لم يسم شاة و لا بقرة و لا غير ذلك و لم يبين الثمن أيضا جاز و يقع على الشاة بخلاف ما إذا وكل رجلا أن يضحي عنه و لم يسم شيئا و لا ثمنا أنه لا يجوز .
و الفرق : أن الوصية تحتمل من الجهالة شيئا لا تحتمله الوكالة فإن الوصية بالمجهول و للمجهول تصح و لا تصح الوكالة .
و لو أوصى بأن يشترى له شاة بعشرين درهما فيضحى عنه إن مات فمات و ثلثه أقل من ذلك فإنه يضحى عنه بما يبلغ الثلث على قياس الحج إذا أوصى بأن يحج عنه بمائة و ثلثه أقل من مائة فإنه يحج بمائة بخلاف العتق إذا أوصى بأن يعتق عنه عبد بمائة و ثلثه أقل أن عند أبي حنيفة C تبطل الوصية و عندهما يعتق عنه بما بقي لأنه أوصى بمال مقدر فيما هو قربة فتنفذ الوصية فيما أمكن كما في الحج .
و وجه الفرق لأبي حنيفة C : أن مصرف الوصية في العتق هو العبد فكأنه أوصى بعبد موصوف بصفة و هو أن يكون ثمنه مائة فإذا اشتري بأقل كان هذا غير ما أوصى به فلا يجوز بخلاف الحج و الأضحية فإن المصرف ثمة هو الله عز شأنه فسواء كان قيمة الشاة أقل أو مثل ما أوصى به يكون المصرف واحدا و المقصود بالكل واحد و هو القربة و ذلك حاصل فيجوز .
و منها : أن وجوبها نسخ كل دم كان قبلها من العقيقة و الرجبية و العتيرة كذا حكى أبو بكر الكيساني عن محمد C أنه قال : قد كانت في الجاهلية ذبائح يذبحونها .
منها : العقيقة كانت في الجاهلية ثم فعلها المسلمون في أول الإسلام فنسخها ذبح الأضحية فمن شاء فعل و من شاء لم يفعل .
و منها : شاة كانوا يذبحونها في رجب تدعى الرجبية كان أهل البيت يذبحون الشاة فيأكلون و يطبخون و يطعمون فنسخها ذبح الأضحية .
و منها : العتيرة كان الرجل إذا ولدت له الناقة أو الشاة ذبح أول ولد تلده فأكل و أطعم قال محمد C : هذا كله كان يفعل في الجاهلية فنسخه ذبح الأضحية و قيل في تفسير العتيرة كان الرجل من العرب إذا نذر نذرا أنه إذا كان كذا أو بلغ شاة كذا فعليه أن يذبح من كل عشرة منها كذا في رجب و العقيقة الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه و إنما عرفنا انتساخ هذه الدماء بما روي عن سيدتنا عائشة Bها أنها قالت نسخ صوم رمضان كل صوم كان قبله و نسخت الأضحية كل ذبح كان قبلها و نسخ غسل الجنابة كل غسل كان قبله .
و الظاهر أنها قالت ذلك سماعا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم لأن انتساخ الحكم مما لا يدرك بالاجتهاد و منهم من روى هذا الحديث مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و نسخت الزكاة كل صدقة كانت قبلها و كذا قال أهل التأويل في قوله عز شأنه : { أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } إن ما أمروا به من تقديم الصدقة على النجوى مع رسول الله صلى الله عليه و سلم نسخ بقوله جل شأنه : { وآتوا الزكاة } .
و ذكر محمد C في العقيقة فمن شاء فعل و من شاء لم يفعل و هذا يشير إلى الإباحة فيمنع كونه سنة .
و ذكر في الجامع الصغير و لا يعق عن الغلام و لا عن الجارية و أنه إشارة إلى الكراهة لأن العقيقة كانت فضلا و متى نسخ الفضل لا يبقى إلا الكراهة بخلاف الصوم و الصدقة فإنهما كانا من الفرائض لا من الفضائل فإذا نسخت منهما الفرضية يجوز التنفل بهما و قال الشافعي C : العقيقة سنة عن الغلام شاتان و عن الجارية شاة .
و احتج بما روي [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم عق عن الحسن و الحسين Bهما كبشا كبشا ] و إنا نقول إنها كانت ثم نسخت بدم الأضحية بحديث سيدتنا عائشة Bها و كذا روي عن سيدنا علي Bه أنه قال : نسخت الأضحية كل دم كان قبلها و العقيقة كانت قبلها كالعتيرة و [ روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن العقيقة فقال : إن الله تعالى لا يحب العقوق من شاء فليعق عن الغلام شاتين و عن الجارية شاة ] و هذا ينفي كون العقيقة سنة لأنه عليه الصلاة و السلام علق العق بالمشيئة و هذا إمارة الإباحة و الله عز شأنه أعلم