شرائط الركن .
و أما شرائط الركن فأنواع بعضها يتعلق بالناذر و بعضها يتعلق بالمنذور به و بعضها يتعلق بنفس الركن أما الذي يتعلق بالنذر فشرائط الأهلية منها العقل و منها البلوغ فلا يصح نذر المجنون و الصبي الذي لا يعقل لأن حكم النذر وجوب المنذور به و هما ليسا من أهل الوجوب و كذا الصبي العاقل لأنه ليس من أهل وجوب الشرائع .
ألا ترى أنه لا يجب عليهما شيء من الشرائع بإيجاب الشرع ابتداء فكذا بالنذر إذ الوجوب عند وجود الصيغة من الأهل في المحل بإيجاب الله تعالى لا بإيجاب العبد إذ ليس للعبد ولاية الإيجاب و إنما الصيغة علم على إيجاب الله تعالى .
و منها : الإسلام فلا يصح نذر الكافر حتى لو نذر ثم أسلم لا يلزمه الوفاء به و هو ظاهر مذهب الشافعي C لأن كون المنذور به قربة شرط صحة النذر و فعل الكافر لا يوصف بكونه قربة .
و أما حرية الناذر : فليست من شرائط الصحة فيصح نذر المملوك ثم إن كان المنذور به من القرب الدينية كالصلاة و الصوم و نحوهما يجب عليه للحال و لو كان من القرب المالية كالإعتاق و الإطعام و نحو ذلك يجب عليه بعد الإعتاق لأنه ليس من أهل الملك للحال و لو قال : إن اشتريت هذه الشاة فهي هدي أو إن اشتريت هذا العبد فهو حر فعتق لم يلزمه حتى يضيفه إلى ما بعد العتق في قياس قول أبي حنيفة و قد ذكرناه في كتاب العتاق .
و أما الطواعية : فليست بشرط عندنا خلافا للشافعي C كما في اليمين و كذا الجد و الهزل و الله عز شأنه أعلم .
و أما الذي يرجع إلى المنذور به فأنواع : منها أن يكون منصور الوجود في نفسه شرعا فلا يصح النذر بما لا يتصور وجوده شرعا كمن قال لله تعالى علي أن أصوم ليلا أو نهارا أكل فيه و كالمرأة إذا قالت لله علي أن أصوم أيام حيضي لأن الليل ليس محل الصوم و الأكل مناف للصوم حقيقة و الحيض مناف له شرعا إذ الطهارة عن الحيض و النفاس شرط وجود الصوم الشرعي .
و لو قالت : لله علي أن أصوم غدا فحاضت في غد أو قالت لله علي أن أصوم يوم يقدم فلان فقدم يوم حاضت فيه لا شيء عليها عند محمد و عند أبي يوسف عليها قضاء ذلك اليوم و هي من مسائل الصوم .
و على هذا يخرج ما إذا قال لله تعالى علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان فقدم في النهار أنه إن قدم قبل الزوال أو قبل أن يتناول من المفطرات يلزمه صومه و إن قدم بعد الزوال أو بعد ما تناول شيئا من المفطرات يلزمه صومه و إن قدم بعد الزوال أو بعد ما تناول شيئا من المفطرات لا يلزمه شيء لأنه أوجب على نفسه صوم يوم موصوف بأنه يوجد فيه قدوم فلان و لا علم له بهذا اليوم قبل القدوم و لا دليل العلم و لا وجوب لهذا الصوم بدون العلم أو دليله لأن ما ثبت أداؤه على قصد المؤدي في تحصيله لا يجب أداؤه إلا بعد العلم بوجوبه أو دليل العلم فلم يجب الصوم ما لم يوجد اليوم الموصوف و لا وجود إلا بالقدوم فصار الوجوب على هذا التخريج متعلقا بالقدوم و وجوب صوم يوم لم تزل فيه الشمس و لم يتناول فيه شيئا من المفطرات منصور كما لو أنشأ النذر فوجب عليه للحال و لا تصور له بعد التناول و بعد الزوال فلا يجب عليه شيء بخلاف اليمين بأن قال و الله لأصومن اليوم الذي يقدم فيه فلان فقدم بعدما أكل أو بعد الزوال حنث في يمينه .
و الفرق : أن في باب النذر يجب الفعل حقا لله تعالى لأن الوجوب بإيجاب الله تعالى عند مباشرة سبب الوجوب من العبد فصار هذا و سائر العبادات المقصودة على السواء .
و أما في باب اليمين فالفعل في نفسه غير واجب بل الواجب هو الامتناع عن هتك حرمة اسم الله تعالى عز شأنه و إنما وجب الفعل لضرورة حصول البر و حصول البر أيضا لضرورة الامتناع عن الهتك فوجوبه لا يفتقر إلى العلم فكان وجوب تحصيل البر و الامتناع ثابتا قبل وجود دليل الوجوب و هو القدوم فوجب عليه البر من أول وجود هذا اليوم الذي حلف أن يصومه و إن لم يكن له به علم فإذا لم يصم بأن أكل أو امتنع من النذر حتى زالت الشمس حنث في يمينه لفوات البر و الله عز شأنه أعلم