شرائط وجوب كل نوع .
و أما شرائط وجوب كل نوع فكل ما هو شرط انعقاد سبب وجوب هذه الكفارة من اليمين و الظهار و الإفطار و القتل فهو شرط وجوبها لأن الشروط كلها شروط العلل عندنا و قد ذكرنا ذلك في كتاب الأيمان و الظهار و الصوم و الجنايات و من شرائط وجوبها القدرة على أداء الواجب و هذا شرط معقول لاستحالة وجوب فعل بدون القدرة عليه غير أن الواجب إذا كان معينا تشترط القدرة على أدائه عينا كما في كفارة القتل و الظهار و الإفطار فلا يجب التحرير فيها إلا إذا كان واجدا للرقبة و هو أن يكون له فضل مال على كفايته يؤخذ به رقبة صالحة للتكفير فإن لم يكن لا يجب عليه التحرير لقوله جل و علا : { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين } شرط سبحانه وتعالى عدم وجدان الرقبة لوجوب الصوم فلو لم يكن الوجود شرطا لوجوب التحرير وكان يجب عليه وجد أو لم يجد لم يكن لشرط عدم وجدان الرقبة لوجوب الصوم معنى فدل أن عدم الوجود شرط الوجوب فإذا كان في ملكه رقبة صالحة للتكفير يجب عليه تحريرها سواء كان عليه دين أو لم يكن لأنه يكون واجد حقيقة فكذا إذا لم يكن في ملكه عين رقبة و له فضل مال على كفايته يجب رقبة صالحة للتكفير لأنه يكون واجدا من حيث المعنى .
فأما إذا لم يكن فضل مال على قدر كفاية ما يتوصل به إلى الرقبة و لا في ملكه عين الرقبة لا يجب عليه التحرير لأن قدر الكفارة مستحق الصرف إلى حاجته الضرورية فكان ملحقا بالعدم كالماء المحتاج إليه للشرب في السفر حتى يباح له التيمم و يدخل تحت قوله عز شأنه : { فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا } و إن كان موجودا حقيقة لكنه لما كان مستحق الصرف إلى الحاجة الضرورية ألحق بالعدم شرعا كذا هذا .
و إن كان الواجب واحدا منها كما في كفارة اليمين تشترط القدرة على أداء الواجب على الإبهام و هو أن يكون في ملكه فضل على كفاية ما يجد به أحد الأشياء الثلاثة لأنه يكون واجدا معنى أو يكون في ملكه واحد من المنصوص عليه عينا من عبد صالح للتكفير أو كسوة عشرة مساكين أو إطعام عشرة مساكين لأنه يكون واجدا حقيقة .
و كذا لا يجب الصيام و لا الإطعام فيما للطعام فيه مدخل إلا القادر عليها لأن إيجاب الفعل على العاجز ممتنع و لقوله عز اسمه في كفارة الظهار { فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا } شرط سبحانه و تعالى عدم استطاعة الصيام لوجوب الإطعام فدل أن استطاعة الصوم شرط لوجوبه و لا يجب على العبد في الأنواع كلها إلا الصوم لأنه لا يقدر إلا عليه لأنه ليس من أهل ملك المال لأنه مملوك في نفسه فلا يملك شيئا .
و لو اعتق عنه مولاه أو أطعم أو كسا لا يجوز لأنه لا يملك و إن ملك و كذا المكاتب لأنه عبد ما بقي عليه درهم و كذا المستسعى في قول أبي حنيفة Bه لأنه بمنزلة المكاتب .
و منها : العجز عن التحرير عينا في الأنواع الثلاثة شرط لوجوب الصوم فيها لقوله عز شأنه في كفارة القتل و الظهار { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين } أي من لم يجد رقبة شرط سبحانه و تعالى عدم وجود الرقبة لوجوب الصوم فلا يجب الصوم مع القدرة على التحرير .
و أما في كفارة اليمين فالعجز عن الأشياء الثلاثة شرط لوجوب الصوم فيها لقوله تعالى : { فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام } أي فمن لم يجد واحدا منها فعليه صيام ثلاثة فلا يجب الصوم مع القدرة على واحد منها .
و أما العجز عن الصيام فشرط لوجوب الإطعام فيما للإطعام فيه مدخل لقوله جل و علا : { فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا } أي من لم يستطع الصيام فعليه إطعام ستين مسكينا فلا يجب الإطعام مع استطاعة الصيام .
ثم اختلف في أن المعتبر هو القدرة و العجز وقت الوجوب أم وقت الأداء قال أصحابنا رحمهم الله : وقت الأداء و قال الشافعي C وقت الوجوب حتى لو كان موسرا وقت الوجوب ثم أعسر جاز له الصوم عندنا و عنده لا يجوز و لو كان على القلب لا يجوز عندنا و عنده يجوز .
وجه قوله : أن الكفارة وجبت عقوبة فيعتبر فيها وقت الوجوب كالحد فإن العبد إذا زنا ثم أعتق يقام عليه حد العبيد .
و الدليل على أنها وجبت عقوبة أن سبب وجوبها الجناية من الظهار و القتل و الإفطار و الحنث و تعليق الوجوب بالجناية تعليق الحكم بوصف مناسب مؤثر فيحال عليه و ربما قالوا هذا ضمان يختلف باليسار و الإعسار فيعتبر فيه حال الوجوب كضمان الإعتاق .
و لنا : أن الكفارة عبادة لها بدل و مبدل فيعتبر فيها وقت الأداء لا وقت الوجوب كالصلاة بأن فاتته صلاة في الصحة فقضاها في المرض قاعدا أو بالإيماء أنه يجوز .
و الدليل على أنها عبادة و أن لها بدلا أن الصوم بدل عن التكفير بالمال و الصوم عبادة و بدل العبادة عبادة و كذا يشترط فيها النية و أنها لا تشترط إلا في العبادات .
و إذا ثبت أنها عبادة لها بدل و مبدل فهذا يوجب أن يكون المعتبر فيها وقت الأداء لا وقت الوجوب لأنه إذا أيسر قبل الشروع في الصيام أو قبل تمامه فقد قدر على المبدل قبل حصول المقصود بالبدل فيبطل البدل و ينتقل الأمر إلى المبدل كالمتيمم إذا وجد الماء قبل الشروع في الصلاة أو بعده قبل الفراغ منها عندنا و كالصغيرة إذا اعتدت بشهر ثم حاضت أنه يبطل الاعتداد بالأشهر و ينتقل الحكم إلى الحيض و إذا أعسر قبل التكفير بالمال فقد عجز عن المبدل قبل حصول المقصود به و قدر على تحصيله بالبدل كواجد الماء إذا لم يتوضأ حتى مضى الوقت ثم عدم الماء و وجد ترابا نظيفا أنه يجوز له أن يتيمم و يصلي بل يجب عليه ذلك كذا ههنا بخلاف الحدود لأن الحد ليس بعبادة مقصودة بل هو عقوبة و لهذا لا يفتقر إلى النية .
و كذا لا بدل له لأن حد العبيد ليس بدلا عن حد الأحرار يل هو أصل بنفسه ألا ترى أنه يحد العبيد مع القدرة على حد الأحرار و لا يجوز المصير إلى البدل مع القدرة على المبدل كالتراب مع الماء وغير ذلك بخلاف الصلاة إذا وجبت على الإنسان و هو مقيم ثم سافر أو مسافر ثم أقام أنه يعتبر في قضائها وقت الوجوب لأن صلاة المسافر ليست بدلا عن صلاة المقيم و لا صلاة المقيم بدل عن صلاة المسافر بل صلاة كل واحد منهما أصل بنفسها .
ألا ترى أنه يصلي إحداهما مع القدرة على الأخرى و بخلاف ضمان الإعتاق لأنه ليس بعبادة و كذا السعاية ليست ببدل عن الضمان على أصل أبي حنيفة C لأنه الشريك مخير عندهم بين التضمين و الاستسعاء و لا يخير بين البدل و المبدل في الشريعة .
و أما قوله : إن سبب وجوب الكفارة الجناية فممنوع بل سبب وجوبها ما هو سبب وجوب التوبة إذ هي أحد نوعي التوبة و إنما الجناية شرط كما في التوبة و هذا قول المحققين من مشايخنا .
و على هذا يخرج ما إذا وجب عليه التحرير أو أحد الأشياء الثلاثة بأن كان موسرا ثم أعسر أنه يجزئه الصوم و لو كان معسرا ثم أيسر لم يجزه الصوم عندنا و عند الشافعي لا يجزئه في الأول و يجزئه في الثاني لأن الاعتبار لوقت الأداء عندنا لا لوقت الوجوب و هو في الأول يعتبر وقت الأداء فوجد شرط جواز الصوم و وجوبه و هو عدم الرقبة فجاز بل وجب و في الثاني لم يوجد الشرط فلم يجز و عنده لما كان المعتبر وقت الوجوب فيراعى وجود الشرط للجواز و عدمه وقت الوجوب و لم يوجد في الأول و وجد في الثاني .
و لو شرع في الصوم ثم أيسر قبل تمامه لم يجز صومه ذكر هذا في الأصل بلغنا ذلك عن عبد الله بن عباس و إبراهيم لما ذكرنا أنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل فلا يعتبر البدل .
و الأفضل أن يتم صوم ذلك اليوم فلو أفطر لا يلزمه القضاء عند أصحابنا الثلاثة رحمهم الله و عند زفر C يقضي و أصل هذه المسألة في كتاب الصوم و هو من شرع في صوم على ظن أنه عليه ثم تبين أنه ليس عليه فالأفضل له أن يتم الصوم و لو أفطر فهو على الاختلاف الذي ذكرنا .
و على قياس قول الشافعي C يمضي على صومه لأن العبرة في باب الكفارات لوقت الوجوب عنده و وقت الوجوب كان معسرا و لو أيسر بعد الإتمام جاز صومه لأنه قدر المبدل على بعد حصول المقصود بالبدل فلا يبطل البدل بخلاف الشيخ الفاني إذا فدى ثم قدر على الصوم أنه تبطل الفدية و يلزمه الصوم لأن الشيخ الفاني هو الذي لا ترجى له القدرة على الصوم فإذا قدر تبين أنه لم يكن شيخا فانيا و لأن الفدية ليست ببدل مطلق لأنها ليست بمثل للصوم صورة و معنى فكانت بدلا ضروريا و قد ارتفعت الضرورة فبطلت القدرة فأما الصوم فبدل مطلق فلا يبطل بالقدرة على الأصل بعد حصول المقصود به و الله عز شأنه أعلم