الكلام في الكسوة و بيان قدرها .
و أما الكسوة فالكلام فيها في ثلاثة مواضع : في بيان قدرها و في بيان صفتها و في بيان مصرفها .
أما الأول : فأدنى الكسوة ثوب واحد جامع لكل مسكين قميص أو رداء أو كساء أو ملحقة أو جبة أو قباء أو إزار كبير و هو الذي يستر البدن لأن الله تعالى ذكر الكسوة و لم يذكر فيه التقدير فكلما يسمى لابسه مكتسيا يجزي و ما لا فلا و لابس ما ذكرنا يسمى مكتسيا فيجزي عن الكفارة و لا تجزي القلنسوة و الخفان و النعلان لأن لابسهما لا يسمى مكتسيا إذا لم يكن عليه ثوب و لا هي تسمى كسوة في العرف .
و أما السراويل و العمامة فقد اختلفت الروايات فيها و روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمهم الله أنه إذا أعطى مسكينا قباء أو كساء أو سراويل أو عمامة سابغة يجوز و روي عن أبي يوسف أنه لا تجزى السراويل و العمامة و هو رواية عن محمد في الإملاء .
و روى هشام Bه أن السراويل تجزيه و هذا لا يوجب اختلاف الرواية في العمامة لأن في رواية الحسن شرط في العمامة أن تكون سابغة فتحمل رواية عدم الجواز فيها على ما إذا لم تكن سابغة و هي أن لا تكفي تقميص واحد .
و أما السراويل فوجه رواية الجواز تجوز فيه الصلاة فيجزي عن الكفارة كالقميص و وجه رواية عدم الجواز و هي التي صححها القدوري C أن لا بس السراويل لا يسمى مكتسيا عرفا و عادة بل يسمى عريانا فلا يدخل تحت مطلق الكسوة .
و ذكر الطحاوي : أنه إذا كسا امرأة فإنه يزيد فيه الخمار و هذا اعتبار جواز الصلاة في الكسوة على ما روي عن محمد لأن رأسها عورة لا تجوز صلاتها مع انكشافه و لو أعطى كل مسكين نصف ثوب لم يجزه من الكسوة و لكنه يجزي من الطعام عندنا إذا كان يساوي نصف صاع من حنطة .
أما عدم جوازه من الكسوة فلأن الواجب هو الكسوة و نصف ثوب لا يسمى كسوة لا يجوز أن تعتبر قيمته عن كسوة رديئة لأن الشيء لا يكون بدلا عن نفسه .
و أما جوازه عن الطعام إذا بلغ قيمته نصف صاع فلأن القيمة تجوز بدلا عن الكسوة عندنا كما تجوز بدلا عن الطعام و الوجه فيه على نحو ما ذكرنا في الطعام و هل تشترط نية البدلية قال أبو يوسف : تشترط و لا تجزي الكسوة عن الطعام إلا بالنية قال محمد : لا تشترط و نية التكفير كافية .
وجه قول محمد : أن الواجب عليه ليس إلا التكفير فيستدعي نية التكفير و قد وجدت فيجزيه كما لو أعطى المساكين دراهم بنية الكفارة و هي لا تبلغ قيمة الكسوة و تبلغ قيمة الطعام جازت عن الطعام و لو كانت لا تبلغ قيمة الطعام و تبلغ قيمة الكسوة جازت عن الكسوة من غير نية البدلية كذا هذا .
وجه قول أبي يوسف : أن المؤدى يحتمل الجواز عن نفسه لأنه يمكن تكميله بضم الباقي إليه فلا يصير بدلا إلا يجعله بدلا و ذلك بالنية بخلاف الدراهم لأنه لا جواز لها عن نفسها لأنها غير منصوص عليها فكانت متعينة للبدلية فلا حاجة إلى التعيين .
و كذلك لو كسا كل مسكين قلنسوة أو خفين أو نعلين لم يجزه في الكسوة و أجزأه في الطعام إذا كان يساويه في القيمة عند أصحابنا لما قلنا و كذا لو أعطى عشرة مساكين ثوبا واحدا بينهم كثير القيمة نصيب كل مسكين منهم أكثر من قيمة ثوب لم يجزه في الكسوة و أجزأه في الطعام لما ذكرنا أن الكسوة منصوص عليها فلا تكون بدلا عن نفسها و تصلح بدلا عن غيرها كما لو أعطى كل مسكين ربع صاع من حنطة يساوي ثوبا يجزي عن الكسوة لأن الطعام يجوز أن يكون قيمة عن الثوب و لا يجوز أن يكون قيمة عن الطعام لأن الطعام كله شيء واحد لأن المقصود منه واحد فلا يجوز بعضه عن بعض بخلاف الطعام مع الكسوة لأنهما متغايران ذاتا و مقصودا فجاز أن يقوم أحدهما مقام الآخر .
و كذا لو أعطى عشرة مساكين دابة أو عبدا و قيمته تبلغ عشرة أثواب جاز في الكسوة و إن لم تبلغ قيمته عشرة أثواب و بلغت قيمة الطعام أجزأه عنه عندنا لأن دفع البدل في باب الكفارة جائز عندنا .
قال أبو يوسف : لو أن رجلا عليه كفارة يمين فأعطى عشرة مساكين : مسكينا نصف صاع من حنطة و مسكينا صاعا من شعير و مسكينا ثوبا و غدى مسكينا و عشاه لم يجزه ذلك حتى يكمل عشرة من أحد النوعين لأن الله تبارك و تعالى جعل الكفارة أحد الأنواع الثلاثة من الإطعام أو الكسوة أو التحرير بقوله تبارك و تعالى : { فكفارته إطعام عشرة مساكين } إلى قوله تعالى : { أو كسوتهم } و أو تتناول أحدها فلا تجوز الجمع بينهما لأنه يكون نوعا رابعا و هذا لا يجوز لكنه اختار الطعام جاز له أن يعطي مسكينا حنطة و مسكينا شعيرا و مسكينا تمرا لأن اسم الطعام يتناول الكل .
و لو أعطى نصف صاع من تمر جيد يساوي نصف صاع من بر لم يجز إلا عن نفسه بقدره لأن التمر منصوص عليه في الإطعام كالبر فلا يجزي أحدهما عن الآخر كما لا يجوز الثمن عن التمر و يجزي التمر عن الكسوة لأن المقصود من كل واحد منهما غير المقصود من الآخر فجاز إخراج أحدهما عن الآخر بالقيمة و الله سبحانه و تعالى أعلم