حكم ذات الرحم المحرم .
و أما النوع الثالث : و هو ذات الرحم المحرم فيحل للرجل النظر من ذوات محارمه إلى رأسها و شعرها و أذنيها و صدرها و عضدها و ثديها و ساقها و قدمها لقوله تبارك و تعالى : { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن } الآية نهاهن سبحانه و تعالى عن إبداء الزينة مطلقا و استثنى سبحانه إبداءها للمذكورين في الآية الكريمة منهم ذو الرحم المحرم و الاستثناء من الحظر إباحة في الظاهر و الزينة نوعان : ظاهرة و هو الكحل في العين و الخاتم في الأصبع و الفتخة للرجل و باطنة و هو العصابة للرأس و العقاص للشعر و القرط للأذن و الحمائل للصدر و الدملوج للعضد و الخلخال للساق و المراد من الزينة مواضعها لا نفسها لأن إبداء نفس الزينة ليس بمنهي و قد ذكر سبحانه و تعالى الزينة مطلقة فيتناول النوعين جميعا فيحل النظر إليها بظاهر النص و لأن المخالطة بين المحارم للزيارة و غيرها ثابتة عادة فلا يمكن صيانة مواضع الزينة عن الكشف إلا بحرج و أنه مدفوع شرعا وكل ما جاز النظر إليه منهن من غير حائل جاز مسه لأن المحرم يحتاج إلى إركابها و إنزالها في المسافرة معها و تتعذر صيانة هذه المواضع عن الانكشاف فيتعذر على المحرم الصيانة عن مس المكشوف و لأن حرمة النظر إلى هذه المواضع و مسها من الأجنبيات إنما ثبت خوفا عن حصول الشهوة الداعية إلى الجماع و النظر إلى هذه الأعضاء و مسها في ذوات المحارم لا يورث الشهوة لأنهما لا يكونان للشهوة عادة بل للشفقة و لهذا جرت العادة فيما بين الناس بتقبيل أمهاتهم و بناتهم .
و قد روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ كان إذا قدم من الغزو قبل رأس السيدة فاطمة Bها ] و هذا إذا لم يكن النظر و المس عن شهوة و لا غلب على ظنه أنه لا يشتهي فأما إذا كان يشتهي أو كان غالب ظنه و أكبر رأيه أنه لو نظر أو مس اشتهى لم يجز له النظر و المس لأنه يكون سببا للوقوع في الحرام فيكون حراما و لا بأس أن يسافر بها إذا أمن الشهوة لما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا يحل لامرأة تؤمن بالله و اليوم الآخر أن تسافر ثلاثا فما فوقها إلا و معها زوجها أو ذو حرم محرم منها ] و لأن الذي يحتاج إلى المحرم إليه في السفر مسها في الحمل و الإنزال و يحل له مسها فتحل المسافرة معها و كذا لا بأس أن يخلو بها إذا أمن على نفسه لأنه لما حل المس فالخلوة أولى فإن خاف على نفسه لم يفعل لما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا يخلون الرجل بمغيبة و إن قبل حموها ألا حموها الموت ] و هو محمول على حالة الخوف أو يكون نهي ندب و تنزيه و الله أعلم .
و لا يحل النظر إلى بطنها و ظهرها و إلى ما بين الركبة و السرة منها و مسها لعموم قوله تبارك و تعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } الآية إلا أنه سبحانه و تعالى رخص النظر للمحارم إلى مواضع الزينة الظاهرة و الباطنة بقوله عز شأنه : { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن } الآية فبقي غض البصر عما وراءها مأمورا به و إذا لم يحل النظر فالمس أولى لأنه رخصة النظر إلى مواضع الزينة للحاجة التي ذكرناها و لا حاجة إلى النظر إلى ما وراءها فكان النظر إليها بحق الشهوة و إنه حرام و لأن الله تبارك و تعالى جعل الظهار منكرا من القول و زورا و الظهار ليس إلا تشبيه المنكوحة بظهر الأم في حق الحرمة و لو لم يكن ظهر الأم حرام النظر و المس لم يكن الظهار منكرا من القول و زورا فيؤدي إلى الخلف في خبر من يستحل عليه الخلف .
هذا إذا كانت هذه الأعضاء مكشوفة فأما إذا كانت مستورة بالثياب و احتاج ذو الرحم المحرم إلى إركابها و إنزالها فلا بأس بأن يأخذ بطنها أو ظهرها أو فخذها من وراء الثوب إذا كان يأمن على نفسه لما ذكرنا أن مس ذوات الرحم المحرم لا يورث الشهوة عادة خصوصا من وراء الثوب إذا كان يأمن على نفسه لما ذكرنا أن مس ذوات الرحم المحرم لا يورث الشهوة عادة خصوصا من وراء الثوب حتى لو خالف الشهوة في المس لا يمسه و ليتجنب ما استطاع و كل ما يحل للرجل من ذوات الرحم المحرم منه من النظر و المس يحل للمرأة ذلك من ذي رحم محرم منها و كل ما يحرم عليه يحرم عليها و الله عز و جل أعلم