العنة و الخنوثة و حكمها .
و أما العنة و الخنوثة فالعنين و المخنث رجلان فإن قيل : أليس إن المملوك بملك اليمين للمرأة مستثنى من قوله جل و علا : { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن } إلى قوله عز شأنه : { أو ما ملكت أيمانهن } من غير فصل بين العبد و الأمة و الاستثناء من الحظر إباحة فالجواب أن قوله سبحانه و تعالى : { أو ما ملكت أيمانهن } ينصرف إلى الإماء لأن حكم العبيد صار معلوما بقوله سبحانه و تعالى : { أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال } إذ العبد من جملة التابعين من الرجال فكان قوله عز شأنه : { أو ما ملكت أيمانهن } مصروفا إلى الإماء لئلا يؤدي إلى التكرار .
فإن قيل : حكم الإماء صار معلوما بقوله تبارك و تعالى : { أو التابعين } فالصرف إليهن يؤدي إلى التكرار أيضا فالجواب أن المراد بالنساء الحرائر فوقعت الحاجة إلى تعريف حكم الإماء فأبان بقوله عز شأنه : { أو ما ملكت أيمانهن } إن حكم الحرة و الأمة فيه سواء .
و [ روي عن سيدتنا عائشة Bها أنها قالت : كان يدخل على نساء رسول الله صلى الله عليه و سلم مخنث فكانوا يعدونه من غير أولى الإربة فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم و هو ينعت امرأة فقال : لا أرى هذا يعلم ما ههنا لا يدخل عليكن فحجبوه ] .
و كذا [ روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل على أم سلمة Bها و عندها مخنث فأقبل على أخي أم سلمة فقال : يا عبد الله إن فتح الله عليكم غدا الطائف دللتك على بنت غيلان فإنها تقبل بأربع و تدبر بثمان فقال عليه الصلاة و السلام : لا أرى يعرف هذا ما ههنا لا يدخلن عليكم هذا ] إذا بلغ الأجنبي مبلغ الرجال فإن كان صغيرا لم يظهر على عورات النساء و لا يعرف العورة من غير العورة فلا بأس لهن من إبداء الزينة لهم لقوله جل و علا : { أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء } مستثنى من قوله عز شأنه : { ولا يبدين زينتهن } إلا لمن ذكر و الطفل في اللغة الصبي ما بين أن يولد إلى أن يحتلم .
و أما الذي يعرف التمييز بين العورة و غيرها و قرب من الحلم فلا ينبغي لها أن تبدي زينتها له ألا ترى أن مثل هذا الصبي أمر بالاستئذان في بعض الأوقات بقوله تبارك و تعالى : { والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات } إلا إذا لم يكونا من أهل الشهوة بأن كانا شيخين كبيرين لعدم احتمال حدوث الشهوة فيهما و [ روي أن أعميين دخلا على سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم و عنده بعض أزواجه سيدتنا عائشة و أخرى فقال لهما : قوما فقالتا : إنما أعميان يا رسول الله فقال : أعمياوان أنتما ] هذا حكم النظر إلى الوجه و الكفين .
و أما حكم مس هذين العضوين فلا يحل مسهما لأن حل النظرين للضرورة التي ذكرناها فلا ضرورة إلى المس مع ما إن المس في بعث الشهوة و تحريكها فوق النظر و إباحة أدنى الفعلين لا يدل على إباحة أعلاهما هذا إذا كانا شابين فإن كانا شيخين كبيرين فلا بأس بالمصافحة لخروج المصافحة منهما من أن تكون مورثة للشهوة لانعدام الشهوة .
و قد [ روي : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يصافح العجائز ] ثم إنما يحرم النظر من الأجنبية إلى سائر أعضائها سوى الوجه و الكفين أو القدمين أيضا على اختلاف الروايتين إذا كانت مكشوفة فأما إذا كانت مستورة بالثوب فإن كان ثوبها صفيقا لا يلتزق ببدنها فلا بأس أن يتأملها و يتأمل جسدها لأن المنظور إليه الثوب و إن كان ثوبها رقيقا يصف ما تحته و يشف أو كان صفيقا لكنه يلتزق ببدنها حتى يستبين له جسدها فلا يحل له النظر لأنه إذا استبان جسدها كانت كاسية صورة عارية حقيقية و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ لعن الله الكاسيات العاريات ] .
و [ روي عن سيدتنا عائشة Bه أنها قالت : دخلت على أختي السيدة أسماء و عليها ثياب شامية رقاق و هي اليوم عندكم صفاق فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هذه ثياب تمجها سورة النور فأمر بها فأخرجت فقلت : يا رسول الله زارتني أختي فقلت لها ما قلت فقال : يا عائشة إن المرأة إذا حاضت لا ينبغي أن يرى منها إلا وجهها و كفاها ] فإن ثبت هذا من النبي عليه الصلاة و السلام كان تفسيرا لقوله عز و جل : { إلا ما ظهر منها } فدل على صحة ظاهر الرواية أن الحرة لا يحل النظر منها إلا إلى وجهها و كفيها و الله سبحانه و تعالى أعلم