حكم دخول بيت الغير .
و أما حكم الدخول في بيت الغير فالداخل لا يخلو : إما أن يكون أجنبيا أو من محارمه فإن كان أجنبيا فلا يحل له الدخول فيه من غير استئذان لقوله تبارك و تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها } قيل : تستأنسوا أي تستأذنوا و قيل : تستعلموا و هما متقاربان لأن الاستئذان طلب الإذن و الاستعلام طلب العلم و الإذن إعلام و سواء كان السكن في البيت أو لم يكن لقوله تعالى : { فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم } و هذا يدل على أن الاستئذان ليس للسكان أنفسهم خاصة بل لأنفسهم و لأموالهم لأن الإنسان كما يتخذ البيت سترا لنفسه يتخذه سترا لأمواله و كما يكره إطلاع الغير على نفسه يكره إطلاعه على أمواله و في بعض الخبار إن من دخل بيتا بغير إذن قال له الملك الموكل به عصيت و آذيت فيسمع صوته الخلق كلهم إلا الثقلين فيصعد صوته إلى السماء الدنيا فتقول ملائكة السماء أف لفلان عصى ربه و أذى و إذا استأذن فأذن له حل له الدخول يدخل ثم يسلم و لا يقدم التسليم على الدخول كما قال بعض الناس لقوله سبحانه و تعالى : { فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة } و لأنه لو سلم قبل الدخول فإذا دخل يحتاج إلى التسليم ثانيا و إن لم يؤذن له بالدخول و قيل : له ارجع فليرجع .
و يكره له أن يقعد على الباب لقوله عز و جل : { وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا } و في بعض الأخبار الاستئذان ثلاث مرات من لم يؤذن له فيهن فليرجع أما الأول فيسمع الحي .
و أما الثاني : فيأخذوا حذرهم .
و أما الثالث : فإن شاؤا أذنوا : و إن شاؤا ردوا فإذا استأذن ثلاث مرات و لم يؤذن له ينبغي أن يرجع و لا يقعد على الباب لينتظر لأن للناس حاجات و أشغالا في المنازل فلو قعد على الباب و انتظر لضاق ذرعهم و شغل قلوبهم و لعله لا تلتئم حاجاته فكان الجوع خيرا له من القعود و ذلك قوله تعالى : { هو أزكى لكم } هذا إذا كان الدخول للزيارة و نحوها فأما إذا كان الدخول لتغيير المنكر بأن سمع في دار صوت المزامير و المعازف فليدخل عليهم بغير إذنهم لأن تغيير المنكر فرض فلو شرط الإذن لتعذر التغيير و الله سبحانة و تعالى أعلم .
و إن كان من محارمه فلا يدخل بغير استئذان أيضا و إن كان يجوز له النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة و الباطنة لعموم النص الذي تلونا و لو دخل عليها من غير استئذان فربما كانت مكشوفة العورة فيقع بصره عليها فيكرهان ذلك و هكذا [ روي أن رجلا سأل النبي عليه الصلاة و السلام : و قال : أنا أخدم أمي و أفرشها إلي أستأذن عليها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : نعم فسأله ثلاثا فقال عليه الصلاة و السلام : يسرك أن تراها عريانة فقال : لا قال : استأذن عليها ] .
و كذا روي عن حذيفة Bه أن رجلا سأله فقال : استأذن على أختي فقال Bه : إن لم تستأذن رأيت ما يسوءك إلا أن الأمر في الاستئذان على المحارم أيسر و أسهل لأن المحرم مطلق النظر إلى موضع الزينة منها شرعا هذا الذي ذكرنا حكم الأحرار البالغين