الحوض الكبير .
ثم النجاسة إذا وقعت في الحوض الكبير كيف يتوضأ منه فنقول : النجاسة لا تخلو إما أن تكون مرئية أو .
غير مرئية فإن كانت مرئيه كالجيفة و نحوها ذكر في ظاهر الرواية أنه لا يتوضأ من الجانب الذي وقعت فيه النجاسة و لكن يتوضأ من الجانب الآخر و معناه : أنه يترك من موضع النجاسة قدر الحوض الصغير ثم يتوضأ كذا فسره في الإملاء عن أبي حنيفة لأنا تيقنا بالنجاسة في ذلك الجانب و شككنا فيما وراءه .
و على هذا قالوا : فيمن استنجى في موضع من حوض الحمام لا يجزيه أن يتوضأ من ذلك الموضع قبل تحريك الماء و روي عن أبي يوسف : أنه يجوز التوضؤ من أي جانب كان إلا إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه لأن حكمه حكم الماء الجاري .
و لو وقعت الجيفة في وسط الحوض على قياس ظاهر الرواية إن كان بين الجيفة و بين كل جانب من الحوض مقدار ما لا يخلص بعضه إلى بعض يجوز التوضأ فيه و إلا فلا لما ذكرنا و إن كانت غير مرئية بأن بال فيه إنسان أو اغتسل جنب اختلف المشايخ فيه .
قال مشايخ العراق : إن حكمه حكم المرئية حتى لا يتوضأ من ذلك الجانب و إنما يتوضأ من الجانب الآخر لما ذكرنا في المرئية بخلاف الماء الجاري لأنه ينقل النجاسة من موضع إلى موضع فلم يستيقن بالنجاسة في موضع الوضوء و مشايخنا بما وراء النهر فصلوا بينهما ففي غير المرئية أنه يتوضأ من أي جانب كان كما قالوا جميعا في الماء الجاري و هو الأصح لأن غير المرئية لا يستقر في مكان واحد بل ينتقل لكونه .
مائعا سيالا بطبعه فلم نستيقن بالنجاسة في الجانب الذي يتوضأ منه فلا نحكم بنجاسته بالشك على الأصل المعهود أن اليقين لا يزول بالشك بخلاف المرئية و هذا إذا كان الماء في الحوض غير جامد فإن كان جامدا و ثقب في موضع منه فإن كان الماء غير متصل بالجمد يجوز التوضؤ منه بلا خلاف و إن كان متصلا به فإن كان الثقب واسعا بحيث لا يخلص بعضه إلى بعض فكذلك لأنه بمنزلة الحوض الكبير و إن كان الثقب صغيرا اختلف المشايخ فيه .
قال نصير بن يحيى و أبو بكر الإسكاف لا خير فيه وسئل ابن المبارك فقال : لا بأس به و قال : أليس الماء يضطرب تحته ؟ .
و هو قول الشيخ أبي حفص الكبير و هذا أوسع و الأول أحوط و قالوا : إذا حرك موضع الثقب تحريكا بليغا يعلم منه أن ما كان راكدا ذهب عن هذا المكان و هذا ماء جديد يجوز بلا خلاف .
و لو وقعت نجاسة في الماء القليل فالماء القليل لا يخلو من أن يكون في الأواني أو في البئر أو في الحوض الصغير فإن كان في الأواني فهو نجس كيفما كانت النجاسة متجسدة أو مانعة لأنه لا ضرورة في الأواني لإمكان صونها عن النجاسات حتى لو وقعت بعرة أو بعرتان في المحلب عند الحلب ثم رميت من ساعتها لم ينجس اللبن كذا روى عنه خلف بن أيوب و نصير بن يحيى و محمد بن مقاتل الرازي لمكان الضرورة و إن كان في البئر فالواقع فيه لا يخلو من أن يكون حيوانا أو غيره من النجاسات فإن كانا حيوانا فإما إن أخرج حيا و أما إن أخرج ميتا فإن أخرج حيا فإن كان نجس العين كالخنزير ينجس جميع .
الماء و في الكلب اختلاف المشايخ في كونه نجس العين فمن جعله نجس العبن استدل بما ذكر من ا لعيون .
عن أبي يوسف أن الكلب إذا وقع في الماء ثم خرج منه فانتفض فأصاب إنسانا منه أكثر من قدر الدرهم لا تجوز صلاته و ذكر في العيون أيضا أن كلبا لو أصابه المطر فانتفض فأصاب إنسانا منه أكثر من قدر الدرهم إن كان المطر الذي أصابه وصل إلى جلده فعليه أن يغسل الموضع الذي أصابه و إلا فلا ونص محمد في الكتاب قال : و ليس الميت بأنجس من الكلب و الخنزير فدل أنه نجس العين .
وجه قول من قال : أنه ليس نجس العين أنه يجوز بيعه و يضمن متلفه و نجس العين ليس محلا للبيع و لا مضمونا بالإتلاف كالخنزير دل عليه أنه يطهر جلده بالدباغ و نجس العين لا يطهر جلده بالدباغ كالخنزير و كذا روى ابن المبارك عن أبي حنيفة في الكلب و السنور وقعا في الماء القليل ثم خرجا أنه يعجن بذلك و لذلك قال مشايخنا فيمن صلى و في كمه جرو كلب : إنه تجوز صلاته و قيد الفقيه أبو جعفر الهندواني الجواز بكونه مسدود الفم فدل أنه ليس بنجس العين و هذا أقرب القولين إلى الصواب .
و إن لم يكن نجس العين فإن كان آدميا ليس على بدنه نجاسة حقيقية و لا حكمية و قد استنجى لا ينزح شيء في ظاهر الرواية .
و روى الحسن عن أبي حنيفة : أنه ينزح عشرون دلوا و هذه الرواية لا تصح لأن الماء إنما يصير مستعملا بزوال الحدث أو بقصد القربة ولم يوجد شيء من ذلك و إن كان على بدنه نجاسة حقيقية أو لم يكن مستنجيا ينزح جميع الماء لاختلاط النجس بالماء و إن كان على بدنه نجاسة حكمية بأن كان محدثا أو جنبا أو حائضا أو نفسا فعلى قول من لا يجعل هذا الماء مستعملا لا ينزح شيء لأنه طهور وكذا على قول من جعله مستعملا و جعل الماء المستعمل طاهرا لأن غير المستعمل أكثر فلا يخرج عن كونه طهورا ما لم يكن المستعمل غالبا عليه كما لو صب اللبن في البئر بالإجماع أو بالت شاة فيها عند محمد