ما ثبت حرمته في حق الرجال دون النساء .
و أما الذي ثبت حرمته في حق الرجال دون النساء فثلاثة أنواع : .
منها : لبس الحرير المصمت من الديباج و القز لما [ روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم و بإحدى يديه حرير و بالأخرى ذهب فقال : هذان حرامان على ذكور أمتي حل لإناثها ] .
[ و روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطى سيدنا عمر Bه حلة فقال : يا رسول الله كسوتني حلة و قد قلت في حلة عطارد إنما يلبسه من لا خلاق له في الآخرة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إني لم أكسكها لتلبسها ] و في رواية : [ إنما أعطيتك لتكسو بعض نسائك ] .
فإن قيل : أليس روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج و عليه قباء من ديباج قيل : نعم ثم نسخ لما روي عن أنس Bه أنه قال : [ لبس رسول الله صلى الله عليه و سلم جبة حرير أهداها له أكيدر رومة و ذلك قبل أن ينهى عنه ] كذا قال أنس و هذا غير حال الحرب .
و أما في حال الحرب فكذلك عند أبي حنيفة و عند أبي يوسف و محمد لا يكره لبس الحرير في حال الحرب .
وجه قولهما : أن في لبس الحرير في حال الحرب ضرورة لأنه يحتاج إلى دفع ضرر السلاح عنه و الحرير أدفع و أهيب للعدو و أيضا فرخص للضرورة .
و لأبي حنيفة Bه : إطلاق التحريم الذي روينا من غير فصل بين حال الحرب و غيرها و ما ذكراه من الضرورة يندفع بلبس ما لحمته حرير و سداه غير حرير لأن دفع ضرر السلاح و تهيب العدو يحصل به فلا ضرورة إلى لبس الحرير الخالص فلا تسقط الحرمة من غير ضرورة و لا فرق بين الكبير و الصغير في الحرمة بعد أن كان ذكرا لأن النبي عليه الصلاة و السلام أدار هذا الحكم على الذكورة بقوله عليه الصلاة و السلام : [ هذان حرامان على ذكور أمتي ] إلا أن اللابس إن كان صغيرا فالإثم على من ألبسه لا عليه لأنه ليس من أهل التحريم عليه كما إذا سقي خمرا كان الإثم على الساقي لا عليه كذا ههنا .
هذا إذا كان كله حريرا و هو المصمت فإن كانت لحمته حريرا و سداه غير حرير لا يكره لبسه في حال الحرب بالإجماع لما ذكرنا من ضرورة دفع مضرة السلاح و تهييب العدو فأما من غير حال الحرب فمكروه لانعدام الضرورة و إن كان سداه حريرا و لحمته غير حرير لا يكره في حال الحرب و غيرها و ههنا نكتتان : .
إحداهما : أن الثوب يصير ثوبا للحمة لأنه إنما يصير ثوبا بالنسج و النسج تركيب اللحمة بالسدى فكانت اللحمة كالوصف الأخير فيضاف الحكم إليه و هذه النكتة تقتضي إباحة لبس الثياب العتابي و النكتة الثانية و هي نكتة الشيخ أبي منصور أن السدى إن كان حريرا و اللحمة غير حرير يصير السدى مستورا باللحمة فأشبه الحشو و هذه النكتة تقتضي لا يباح لبس العتابي لأن سداه ظاهر غير مستور .
و الصحيح هو النكتة الأولى لأن رواية الإباحة في لبس مطلق ثوب سداه حرير و لحمته غير حرير منصوصة فتجري على إطلاقها فلا تناسبها إلا النكتة الأولى و لو جعل حشو القباء حريرا أو قزا لا يكره لأنه مستور بالظهارة فلم يحصل معنى التزيين و التنعيم .
ألا يرى أن لابس هذا الثوب لا يسمى لابس الحرير و القز و لو جعل الحرير بطانة يكره لأنه لابس الحرير حقيقة و كذا معنى التنعيم حاصل للتزيين بالحرير و لطفه هذا إذا كان الحرير كثيرا فإن كان قليلا كأعلام الثياب و العمائم قدر أربعة أصابع فما دونها لا يكره و كذا العلم المنسوج بالذهب لأنه تابع و العبرة للمتبوع .
ألا ترى أن لابسه لا يسمى لابس الحرير و الذهب و كذا جرت العادة بتعميم العمائم و لبس الثياب المعلمة بهذا القدر في سائر الأعصار من غير نكير فيكون إجماعا و كذا الثوب و القلنسوة الذي جعل على أطرافها حرير لا يكره إذا كان قدر أربعة أصابع فما دونها لما قلنا و [ روي أن النبي صلى الله عليه و سلم : لبس فروة و على أطرافها حرير ] و عن محمد أنه لا يسع ذلك في القلنسوة و إن كان أقل من أربعة أصابع و إنما رخص أبو حنيفة Bه إذا كان في عرض الثوب .
و ذكر في نوادر هشام عن محمد C أنه يكره تكة الديباج و الإبريسم لأنه استعمال الحرير مقصودا لا بطريق التبعية فيكره و إن قل بخلاف العلم و نحوه هذا الذي ذكرنا حكم لبس الحرير .
فأما حكم التوسد به و الجلوس و النوم عليه فغير مكروه عند C عليه الرحمة و عند أبي يوسف و محمد مكروه لهما إطلاق التحريم الذي روينا من غير فصل بين اللبس و غيره و لأن معنى التزين و التنعم كما يحصل باللبس يحصل بالتوسد و الجلوس و النوم و لأبي حنيفة ما روي أنه كان على بساط عبد الله بن عباس Bهما مرفقة من حرير .
و روي أن أنسا Bه حضر وليمة فجلس على وسادة حرير عليها طيور فدل فعله Bه على رخصة الجلوس على الحرير و على الوسادة الصغيرة التي عليها صورة و به تبين أن المراد من التحريم في الحديث تحريم اللبس فيكون فعل الصحابي مبينا لقول النبي صلى الله عليه و سلم لا مخالفا له و القياس باللبس غير سديد لأن التزين بهذه الجهات دون التزين باللبس لأنه استعمال فيه إهانة المستعمل بخلاف اللبس فيبطل الاستدلال به .
و أما المرأة فيحل لها لبس الحرير المصمت و الديباج و القز لأن النبي صلى الله عليه و سلم أحل هذا للأناث بقوله عليه الصلاة و السلام : [ حل لإناثها ]