كتاب البيوع .
الكلام في هذا الكتاب في الأصل في مواضع : في بيان ركن البيع و في بيان شرائط الركن و في بيان أقسام البيع و في بيان ما يكره من البياعات و ما يتصل بها و في بيان حكم البيع و في بيان ما يرفع حكم البيع .
أما ركن البيع فهو مبادلة شيء مرغوب بشيء مرغوب و ذلك قد يكون بالقول و قد يكون بالفعل أما القول فهو المسمى بالإيجاب و القبول في عرف الفقهاء و الكلام في الإيجاب و القبول في موضعين .
أحدهما : في صيغة الإيجاب و القبول .
و الثاني : في صفة الإيجاب و القبول .
أما الأول فنقول : و بالله التوفيق الإيجاب و القبول قد يكون بصيغة الماضي و قد يكون بصيغة الحال .
أما بصيغة الماضي فهي أن يقول البائع بعت و يقول المشتري اشتريت فيتم الركن لأن هذه الصيغة و إن كانت للماضي وضعا لكنها جعلت إيجابا للحال في عرف أهل اللغة و الشرع و العرف قاض على الوضع و كذا إذا قال البائع : خذ هذا الشيء بكذا أو أعطيتكه بكذا أو هو لك بكذا أو بذلتكه بكذا و قال المشتري قبلت أو أخذت أو رضيت أو هويت و نحو ذلك فإنه يتم الركن لأن كل واحد من هذه الألفاظ يؤدي معنى البيع و هو المبادلة و العبرة للمعنى و لا للصورة .
و أما صيغة الحال فهي أن يقول البائع للمشتري أبيع منك هذا الشيء بكذا و نوى الإيجاب فقال المشتري اشتريت أو قال المشتري : أشتري منك هذا الشيء بكذا و نوى الإيجاب و قال البائع أبيعه منك بكذا و قال المشتري اشتريه و نويا الإيجاب يتم الركن و ينعقد و إنما اعتبرنا النية ههنا و إن كانت صيغة أفعل للحال هو الصحيح لأنه غلب استعمالها للاستقبال إما حقيقة أو مجازا فوقعت الحاجة إلى التعيين بالنية و لا ينعقد بصيغة الاستفهام بالاتفاق بأن يقول المشتري للبائع أتبيع مني هذا الشيء بكذا أو أبعته مني بكذا فقال البائع بعت لا ينعقد ما لم يقل المشتري اشتريت .
و كذا إذا قال البائع للمشتري اشتر مني هذا الشيء بكذا فقال : اشتريت لا ينعقد ما لم يقل البائع بعت و هل ينعقد بصيغة الاستقبال و هي صيغة الأمر بأن يقول المشتري للبائع بع عبدك هذا مني بكذا فيقول البائع بعت قال أصحابنا رحمهم الله لا ينعقد ما لم يقل المشتري اشتريت و كذا إذا قال البائع للمشتري اشتر مني هذا الشيء بكذا فقال اشتريت لا ينعقد ما لم يقل البائع بعت عندنا و قال الشافعي C : ينعقد .
وجه قوله : أن هذه الصيغة تصلح شطر العقد في الجملة ألا ترى أن من قال لآخر تزوج ابنتي فقال المخاطب تزوجت أو قال زوج ابنتك مني فقال زوجت ينعقد النكاح فإذا صلحت هذه الصيغة شطرا في النكاح صلحت شطرا في البيع لأن الركن في كل واحد منهما هو الإيجاب و القبول .
و لنا : أن قوله بع أو اشتر طلب الإيجاب و القبول و طلب الإيجاب و القبول لا يكون إيجابا و قبولا فلم يوجد إلا أحد الشطرين فلا يتم الركن و لهذا لا ينعقد بلفظ الاستفهام لكون الاستفهام سؤال الإيجاب و القبول لا إيجابا و قبولا كذا هذا و هذا هو القياس في النكاح إلا أنا استحسنا في النكاح بنص خاص و هو ما روى أبو يوسف أن بلالا خطب إلى قوم من الأنصار فأبوا أن يزوجوه فقال : لولا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرني أن أخطب إليكم لم أخطب فقالوا له : أملكت و لم ينقل أن بلالا Bه قال : قبلت فتركنا القياس هناك بالنص و لا نص في البيع فوجب العمل بالقياس و لأن هذه الصيغة مساومة حقيقية فلا تكون إيجابا و قبولا حقيقة بل هي طلب الإيجاب و القبول فلا بد للإيجاب و القبول من لفظ آخر يدل عليهما و لا يمكن حمل هذه الصيغة على المساومة في باب النكاح لآن المساومة لا توجد في النكاح عادة فحملت على الإيجاب و القبول على أن الضرورة توجب أن يكون قول القائل زوج ابنتك مني شطر العقد فلو لم تجعل شطر العقد لتضرر به الولي لجواز أن يزوج و لا يقبل المخاطب فيلحقه الشين فجعلت شطرا لضرورة و دفع الضرر عن الأولياء و هذا المعنى في باب البيع منعدم فبقيت سؤالا فلا يتم به الركن ما لم يوجد الشطر الآخر