حكم عظم الخنزير و الآدمي .
و أما عظم الخنزير و عصبه فلا يجوز بيعه لأنه نجس العين و أما شعره فقد روي أنه طاهر يجوز بيعه و الصحيح أنه نجس لا يجوز بيعه لأنه جزء منه إلا أنه رخص في استعماله للخرازين للضرورة .
و أما عظم الآدمي و شعره فلا يجوز بيعه لا لنجاسته لأنه طاهر في الصحيح من الرواية لكن احتراما له و الابتذال بالبيع يشعر بالإهانة و قد [ روي عن النبي عليه الصلاة و السلام أنه قال : لعن الله الواصلة و المستوصلة ] .
و أما عظم الكلب و شعره فقد اختلف المشايخ فيه على الأصل الذي ذكرنا و روي عن أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله أنه لا بأس ببيع عظم الفيل و الانتفاع به و قال محمد C : عظم الفيل نجس لا يجوز بيعه و لا الانتفاع به ذكره في العيون .
و يجوز بيع كل ذي مخلب من الطير معلما كان أو غير معلم بلا خلاف و أما بيع كل ذي ناب من السباع سوى الخنزير كالكلب و الفهد و الأسد و النمر و الذئب و الهر و نحوها فجائز عند أصحابنا و عند الشافعي C لا يجوز ثم عندنا لا فرق بين المعلم و غير المعلم في رواية الأصل فيجوز بيعه كيف ما كان .
و روي عن أبي يوسف C أنه لا يجوز بيع الكلب العقور و احتج الشافعي C بما [ روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : و من السحت مهر البغي و ثمن الكلب ] و لو جاز بيعه لما كان ثمنه سحتا و لأنه نجس العين فلا يجوز بيعه كالخنزير إلا أنه رخص الانتفاع به بجهة الحراسة و الاصطياد للحاجة و الضرورة .
و هذا لا يدل على جواز البيع كما في شعر الخنزير .
و لنا : أن الكلب مال فكان محلا للبيع كالصقر و البازي و الدليل على أنه مال أنه منتفع به حقيقة مباح الانتفاع به شرعا على الإطلاق فكان مالا و لا شك أنه منتفع به حقيقة و الدليل على أنه مباح الانتفاع به شرعا على الإطلاق أن الانتفاع به بجهة الحراسة و الاصطياد مطلق شرعا في الأحوال كلها فكان محلا للبيع لأن البيع إذا صادف محلا منتفعا به حقيقة مباح الانتفاع به على الإطلاق مست الحاجة إلى شرعه لأن شرعه يقع سببا و وسيلة للاختصاص القاطع للمنازعة إذ الحاجة إلى قطع المنازعة فيما يباح الانتفاع به شرعا على الإطلاق لا فيما يجوز .
و أما الحديث فيحتمل أنه كان في ابتداء الإسلام لأنهم كانوا ألفوا اقتناء الكلاب فأمر بقتلها و نهى عن بيعها مبالغة في الزجر أو يحمل على هذا توفيقا بين الدلائل قوله أنه نجس العين ؟ قلنا هذا ممنوع فإنه يباح الانتفاع به شرعا على الإطلاق اصطيادا و حراسة و نجس العين لا يباح الانتفاع به شرعا إلا في حالة الضرورة كالخنزير و لا ينعقد بيع الخنزير من المسلم لأنه ليس بمال في حق المسلمين فأما أهل الذمة فلا يمنعون من بيع الخمر و الخنزير أما على قول بعض مشايخنا فلأنه مباح الانتفاع به شرعا لهم كالخل و كالشاة لنا فكان مالا في حقهم فيجوز بيعه .
و روي عن سيدنا عمر بن الخطاب Bه كتب إلى عشاره بالشام أن ولوهم بيعها و خذوا العشر من أثمانها و لو لم يجز بيع الخمر منهم لما أمرهم بتوليتهم البيع .
و عن بعض مشايخنا : حرمة الخمر و الخنزير ثابتة على العموم في حق المسلم و الكافر لأن الكافر مخاطبون بشرائع هي حرمات هو الصحيح من مذهب أصحابنا فكانت الحرمة ثابتة في حقهم لكنهم لا يمنعون عن بيعها لأنهم لا يعتقدون حرمتها و يتمولونها و نحن أمرنا يتركهم و ما يدينون .
و لو باع ذمي من ذمي خمرا أوخنزيرا ثم أسلما أو أسلم أحدهما قبل القبض يفسخ البيع لأنه بالإسلام حرم البيع و الشراء فيحرم القبض و التسليم أيضا لأنه يشبه الإنشاء أو إنشاء من وجه فيلحق به في باب الحرمات احتياطا .
و أصله قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين } و الأمر بترك ما بقي من الربا هو النهي عن قبضته يؤيده قوله تعالى في آخر الآية الشريفة : { وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون } و إذا حرم القبض و التسليم لم يكن في بقاء العقد فائدة فيبطله القاضي كمن باع عبدا فأبق قبل القبض .
و لو كان إسلا مهما أو إسلام أحدهما بعد القبض مضى البيع لأن الملك قد ثبت على الكمال بالعقد و القبض في حالة الكفر و إنما يوجد بعد الإسلام دوام الملك و الإسلام لا ينافي ذلك فإن من تخمر عصيره لا يؤمر بإبطال ملكه فيها و لو أقرض الذمي ذميا خمرا ثم أسلم أحدهما فإن أسلم المقرض سقطت الخمر و لا شيء له من قيمة الخمر على المستقرض .
أما سقوط قيمة الخمر فلأن العجز عن قبض المثل جاء من قبله فلا شيء له و إن أسلم المستقرض روي عن أبي يوسف عن أبي حنيفة C أنه تسقط الخمر و ليس عليه قيمة الخمر أيضا كما لو أسلم المقرض .
و روى محمد و زفر و عافية بن زياد القاضي عن أبي حنيفة Bهم : أن عليه قيمة الخمر و هو قول محمد C وجه هذه الرواية أن امتناع التسليم من المستقرض إنما جاء لمعنى من قبله و هو إسلامه فكأنه استهلك عليه خمره و المسلم إذا استهلك عليه خمر الذمي يضمن قيمته .
وجه رواية أبي يوسف C : أنه لا سبيل إلى تسليم المثل لأنه يمنع منه ولا إلى القيمة لأن ذلك يوجب ملك المستقرض و الإسلام يمنع منه و الله سبحانه و تعالى أعلم و أما القرد فعن أبي حنيفة Bه روايتان .
وجه رواية عدم الجواز : أنه غير منتفع به شرعا فلا يكون مالا كالخنزير .
وجه رواية الجواز : أنه إن لم يكن منتفعا به بذاته يمكن الانتفاع بجلده و الصحيح هو الأول لأنه لا يشتري للانتفاع بجلده عادة بل للهو به و هو حرام فكان هذا بيع الحرام للحرام و أنه لا يجوز و يجوز بيع الفيل بالإجماع لأنه منتفع به حقيقة مباح الانتفاع به شرعا على الإطلاق فكان مالا و لا ينعقد بيع الحية و العقرب و جميع هوام الأرض كالوزغة و الضب و السلحفاة و القنفذ و نحو ذلك لأنها محرمة الانتفاع بها شرعا لكونها من الخبائث فلم تكن أموالا فلم يجز بيعها