الفأرة تموت بالسمن .
و أما الفقه الخفي : فهو أن في هذه الأشياء دما مسفوحا و قد تشرب في أجزائها عند الموت فنجسها .
و قد جاورت هذه الأشياء الماء و الماء يتنجس أو يفسد بمجاورة النجس لأن الأصل أن ما جاور النجس نجس بالشرع قال صلى الله عليه و سلم : [ في الفأرة تموت في السمن الجامد يقور ما حولها و يلقى و يؤكل الباقي ] فقد .
حكم النبي صلى الله عليه و سلم بنجاسة جار النجس و في الفأرة و نحوها ما يجاورها من الماء مقدار ما قدره أصحابنا و هو عشرون دلوا أو ثلاثون لصغر جثتها فحكم بنجاسة هذا القدر من الماء لأن ما وراء هذا القدر لم يجاور الفأرة بل جاور ما جاور الفأرة و الشرع ورد بتنجيس جار النجس لا بتنجيس جار جار النجس .
ألا ترى أن النبي صلى الله عليه و سلم [ حكم بطهارة ما جاور السمن الذي جاور الفأرة و حكم بنجاسة ما جاور الفأرة ] .
و هذا لأن جار جار النجس لو حكم بنجاسته لحكم أيضا بنجاسة ما جاور جار جار النجس ثم هكذا إلى ما لا نهاية له فيؤدي إلى أن قطرة من بول أو فارة لو وقعت في بحر عظيم أن يتنجس جميع مائه للاتصال بين أجزائه و ذلك فاسد .
و في الدجاجة و السنور و أشباه ذلك المجاورة أكثر لزيادة ضخامة في جثتها فقدر بنجاسة ذلك القدر و الآدمي و ما كان جثته مثل جثته كالشاة و نحوها يجاور جميع الماء في العادة لعظم جثته فيوجب تنجيس جميع الماء و كذا إذا تفسخ شيء من هذه الواقعات أو انتفخ ! لأن عند ذلك تخرج البلة منها لرخاوة فيها فتجاور جميع أجزاء الماء .
و قيل : ذلك لا يجاور إلا قدر ما ذكرنا لصلابة فيها و لهذا قال محمد : إذا وقع في البئر ذنب فأرة ينزح جميع الماء لأن موضع القطع لا ينفك عن بلة فيجاور أجزاء الماء فيفسدها .
هذا إذا كان الواقع واحدا فإن كان أكثر روي عن أبي يوسف أنه قال : في الفأرة و نحوها ينزح .
عشرون إلى الأربع فإذا بلغت خمسا ينزح أربعون إلى التسع فإذا بلغت عشرا ينزح ماء البئر كله .
و روي عن محمد أنه قال : في الفأرتين ينزح عشرون و في الثلاث أربعون و إذا كانت الفارتان كهيئة الدجاج ينزح أربعون هذا إذا كان الواقع في البئر حيوانا فان كان غيره من الأنجاس فلا يخلو إما أن تكون مستجسدا أو غير مستجسد فإن كان غير مستجسد كالبول و الدم و الخمر ينزح ماء البئر كله لأن النجاسة خلصت إلى جميع الماء و إن كان مستجسدا فإن كان رخوا متخلخل الأجزاء كالعذرة وخرء الدجاج و نحوهما ينزح ماء البئر كله قليلا كان أو كثيرا رطبا كان أو يابسا لأنه لرخاوته يتفتت عند ملاقاة الماء فتختلط أجزاؤه بأجزاء الماء فيفسده و إن كان صلبا نحو بعر الإبل و الغنم ذكر في الأصل أن القياس أن ينجس الماء قل الواقع فيه أو كثر .
و في الاستحسان : إن كان قليلا لا ينجس و إن كان كثيرا ينجس ولم يفصل بين الرطب و اليابس و الصحيح و المنكسر .
و اختلف المشايخ قال بعضهم : إن كان رطبا ينجس قليلا كان أو كثيرا و إن كان يابسا فإن كان منكسرا ينجس قل أو كثر و إن لم يكن منكسرا لا ينجس ما لم يكن كثيرا و تكلموا في الكثير .
قال بعضهم : أن يغطي جميع وجه الماء و قال بعضهم : ربع وجه الماء و قال بعضهم : الثلاث كثير لأنه ذكر في الجامع الصغير في بعرة أو بعرتين وقعتا في الماء لا يفسد الماء ولم يذكر الثلاث فدل على أن الثلاث كثير .
و عن محمد بن سلمة : إن كان لا يسلم كل دلو عن بعرة أو بعرتين فهو كثير و قال بعضهم : الكثير ما استكثره الناظر و هو الصحيح .
و روي عن الحسن بن زياد أنه قال : إن كان يابسا لا ينجس صحيحا كان أو منكسرا قليلا كان أو كثيرا و إن كان رطبا و هو قليل لا يمنع للضرورة و عن أبي يوسف في الروث اليابس إذا وقع في البئر ثم أخرج من ساعته لا ينجس و الأصل في هذا أن للمشايخ في القليل من البعر اليابس الصحيح طريقتين .
إحداهما : أن لليابس صلابة فلا يختلط شيء من أجزائه بأجزاء الماء فهذا يقتضي أن الرطب ينجس باختلاط رطوبته بأجزاء الماء و كذلك ذكر في النوادر و الحاكم في الإشارات و كذا اليابس المنكسر لما قلنا و كذا الروث لأنه شيء رخو يداخله الماء لتخلخل أجزائه فتختلط أجزاؤه بأجزاء الماء و يقتضي أيضا أن الكثير من اليابس الصحيح لا ينجس و كذلك قال الحسن بن زياد و الصحيح أن الكثير ينجس لأنها إذا كثرت تقع المماسة بينهما فيصطك البعض بالبعض فتتفتت أجزاؤها فتنجس .
و الطريقة الثانية : إن آبار الفلوات لا حاجز لها على رؤوسها و يأتيها الأنعام فتسقي فتبعر فإذا يبست الأبعار عملت فيها الريح فألقتها في البئر فلو حكم بفساد المياه لضاق الأمر على سكان البوادي و ما ضاق أمره اتسع حكمه فعلى هذه الطريقة الكثير منه يفسد المياه لانعدام الضرورة في الكثير و كذا الرطب لأن الريح تعمل في اليابس دون الرطب لثقله و إليه أشار الشيخ أبو منصور الماتريدي .
و عن الشيخ أبي بكر محمد بن الفضل : أن الرطب و اليابس سواء لتحقق الضرورة في الجملة فأما اليابس المنكسر فلا يفسد إذا كان قليلا لأن الضرورة في المنكسر أشد .
و الروث إن كان في موضع يتقدر بهذه الضرورة فالجواب فيه كالجواب في البعر هذا في آبار الفلوات