أرض الموات .
قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ الناس شركاء في ثلاث ] و الشركة العامة هي الإباحة سواء خرج الكلأ بماء السماء من غير مؤونة أو ساق الماء إلى أرض و لحقه مؤنة لأن سوق الماء إليه ليس بإحراز فلم يوجد سبب الملك فيه فبقي مباحا كما كان و كذا بيع الكمأة و بيع صيد لم يوجد في أرضه لا ينعقد لأنه مباح غير مملوك لانعدام سبب الملك فيه و كذا بيع الحطب و الحشيش و الصيود التي في البراري و الطير الذي لم يصد في الهواء و السمك الذي لم يوجد في الماء .
و على هذا يخرج بيع رباع مكة و إجارتها أنه لا يجوز عند أبي حنيفة Bه و روي عنه أنه يجوز و به أخذ الشافعي C لعمومات البيع من غير فصل بين أرض الحرم و غيرها و لأن الأصل في الأراضي كلها أن تكون محلا للتمليك إلا أنه امتنع تملك بعضها شرعا لعارض الوقف كالمساجد و نحوها و لم يوجد في الحرم فبقي محلا للتمليك و لنا ما [ روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي عليه الصلاة و السلام أنه قال : إن الله تبارك و تعالى حرم مكة يوم خلقها لم تحل لأحد قبلي و لا تحل لأحد بعدي و إنما حلت لي ساعة من نهار لا يختلى خلاها و لا يعضد شجرها و لا ينفر شجرها و لا ينفر صيدها و لا يحتش حشيشها ] أخبر عليه الصلاة و السلام أن مكة حرام و هي اسم للبقعة و الحرام لا يكون محلا للتمليك .
و روي [ عن عبد الله بن سيدنا عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي عليه الصلاة و السلام أنه قال : مكة حرام و بيع رباعها حرام ] و هذا نص في الباب و لأن الله تبارك و تعالى وضع للحرم حرمة و فضيلة و لذلك جعله سبحانه و تعالى مأمنا قال الله تبارك و تعالى جل شأنه : { أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا } فابتذاله بالبيع و الشراء و التمليك و التملك امتهان و هذا لا يجوز بخلاف سائر الأراضي و قيل إن بقعة مكة وقف حرم سيدنا إبراهيم عليه الصلاة و السلام و لا حجة في العمومات لأنه خص منها الحرم بالحديث المشهور و يجوز بيع بناء بيوت مكة لأن الحرم للبقعة لا للبناء .
و روي عن أبي حنيفة Bه أنه قال : كره إجارة بيوت مكة في الموسم من الحاج و المعتمر فأما من المقيم و المجاور فلا بأس بذلك و هو قول محمد C و يجوز بيع أراضي الخراج و القطيع و المزارعة و الإجارة و الإكارة و المراد من الخراج أرض سواد العراق التي فتحها سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه لأنه من عليهم و أقرهم على أراضيهم فكانت مبقاة على ملكهم فجاز لهم بيعها و أرض القطيعة هي الأرض التي قطعها الإمام لقوم و خصهم بها فملكوها بجعل الإمام لهم فيجوز بيعها و أرض المزارعة أن يدفع الإنسان أرضه إلى من يزرعها و يقوم بها و بهذا لا تخرج عن كونها مملوكة و أرض الإجارة هي الأرض التي يأخذها الإنسان من صاحبها ليعمرها و يزرعها و أرض الإكارة التي في أيدي الأكرة فيجوز بيع هذه الأرض لأنها مملوكة لأصحابها .
و أما أرض الموات التي أحياها رجل بغير إذن الإمام فلا يجوز بيعها عند أبي حنيفة Bه لأنها لا تملك بدون إذن الإمام و عندهما يجوز بيعها لأنها تملك بنفس الإحياء و المسألة تذكر في كتاب إحياء الموات .
و ذكر القدوري C أنه لا يجوز بيع دور بغداد و حوانيت السوق التي للسلطان عليها غلة لأنها ليست بمملوكة لما روي أن المنصور أذن للناس في بنائها و لم يجعل البقعة ملكا لهم و الله سبحانه و تعالى أعلم .
و منها : و هو شرط إنعقاد البيع للبائع أن يكون مملوكا للبائع عند البيع فإن لم يكن لا ينعقد و إن ملكه بعد ذلك بوجه من الوجوه إلا السلم خاصة و هذا بيع ما ليس عنده [ و نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن بيع ما ليس عند الإنسان و رخص في السلم ] .
و لو باع المغصوب فضمنه قيمته نفذ بيعه لأن سبب الملك قد تقدم فتبين أنه باع ملك نفسه و ههنا تأخر سبب الملك فيكون بائعا ما ليس عنده فدخل تحت النهي و المراد منه بيع ما ليس عنده ملكا لأن قصة الحديث تدل عليه فإنه [ روي أن حكيم بن حزام كان يبيع الناس أشياء لا يملكها و يأخذ الثمن منهم ثم يدخل السوق فيشتري و يسلم إليهم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : لا تبع ما ليس عندك ] و لأن بيع ما ليس عنده بطريق الأصالة و أنه محال و هو الشرط فيما يبيعه بطريق الصالة عن نفسه .
فأما ما يبيعه بطريق النيابة عن غيره ينظر إن كان البائع وكيلا و كفيلا فيكون المبيع مملوكا للبائع ليس بشرط و إن كان فضوليا فليس بشرط للانعقاد عندنا بل هو من شرائط النفاذ فإن بيع الفضولي عندنا منعقد موقوف على إجازة المالك فإن أجاز نفذ و إن رد بطل و عند الشافعي C هو شرط الانعقاد لا ينعقد بدونه و بيع الفضولي باطل عنده و سيأتي إن شاء الله تعالى