تصرف الوكيل .
منها : أن يكون له مجيز عند وجوده فما لا مجيز له عند وجوده لا تلحقه الإجازة لأن ماله مجيز متصور منه الإذن للحال و بعد وجود التصرف فكان الانعقاد عند الإذن القائم مفيدا فينعقد و ما لا مجيز له لا يتصور الإذن به للحال و الإذن في المستقبل قد يحدث و قد لا يحدث فإن حدث كان الانعقاد مفيدا و إن لم يحدث لم يكن مفيدا فلا ينعقد مع الشك في حصول الفائدة على الأصل المعهود أن ما لم يكن ثابتا بيقين لا يثبت مع الشك و إذا لم ينعقد لا تلحقه الإجازة لأن الإجازة للمنعقد .
و على هذا يخرج ما إذا طلق الفضولي امرأة البالغ أو أعتق عبده أو وهب ماله أو تصدق به أنه ينعقد موقوفا على الإجازة لأن البالغ يملك هذه التصرفات بنفسه فكان لها مجيزا حال وجودها فيتوقف على إجازة المالك و بمثله لو فعل ذلك على الصبي لا ينعقد لأن الصبي ليس من أهل هذه التصرفات بنفسه .
ألا ترى لو فعل ذلك بنفسه لا تنعقد فلم يكن لها مجيز حال وجودها فلم ينعقد و كذلك الصبي المحجور عليه إذا باع مال نفسه أو اشترى أو تزوج امرأة أو زوج أمته أو كاتب عبده أو فعل بنفسه ما لو فعل عليه وليه لجاز عليه يتوقف على إجازة وليه ما دام صغيرا أو على إجازته بنفسه بعد البلوغ إن لم يوجد من وليه في حال صغره حتى لو بلغ الصبي قبل إجازة الولي فأجاز بنفسه جاز و لا يتوقف على نفس البلوغ من غير إجازة لأن هذه التصرفات لها مجيز حال وجودها .
ألا ترى أنه لو فعلها وليه جازت فاحتمل التوقف على الإجازة و إنما يتوقف على إجازته بنفسه أيضا بعد البلوغ كما يتوقف على إجازة وليه في حال صغره لأنه لما بلغ فقد مالك الإنشاء فأولى أن يملك الإجازة و لأن ولايته على نفسه فوق ولاية وليه عليه في حال صغره فلما جاز بإجازة وليه فلأن يجوز بإجازة نفسه أولى و لا يجوز بمجرد البلوغ لأن الإجازة لها حكم الإنشاء من وجه و أنه فعل فاعل مختار و البلوغ ليس صنعه فلا يعقل إجازة .
و كذا إذا وكل الصبي وكيلا بهذه التصرفات ففعل الوكيل قبل بلوغ الصبي أو بعده توقف على إجازته بعد البلوغ إلا التوكيل بالشراء فإنه لا يتوقف بل ينفذ على الوكيل لأن الشراء وجد نفاذا على الوكيل فلا يتوقف إلا إذا بلغ الصبي قبل أن يشتري الوكيل فأجاز التوكيل ثم اشترى الوكيل بعد ذلك فيكون الشراء للصبي لا للوكيل لأن إجازة الوكالة منه بعد البلوغ بمنزلة إنشاء التوكيل .
و لو وكله ابتداء لكان الشراء له لا للوكيل كذا هذا و بمثله إذا طلق الصبي امرأته أو خالعها أو أعتق عبده على غير مال أو على مال أو وهب ماله أو تصدق به أو زوج عبده امرأته أو باع ماله بمحاباة أو اشترى شيئا بأكثر من قيمته قدر ما لا يتغابن الناس في مثله عادة أو غير ذلك من التصرفات مما لو فعله وليه في حال صغره لا يجوز عليه لا ينعقد حتى لو أجاز وليه أو الصبي بعد البلوغ لا يصح لأن هذه التصرفات ليس لها مجيز حال وجودها فلا تحتمل التوقف على الإجازة إلا إذا أجازه الصبي بعد البلوغ بلفظ يصلح للإنشاء بأن يقول بعد البلوغ أوقعت ذلك الطلاق أو ذلك العتاق فيجوز و يكون ذلك إنشاء لا إجازة و لو وكل الصبي وكيلا بهذه التصرفات ففعل الوكيل ينظر إن فعل قبل البلوغ لا يتوقف و هو باطل لأن فعل الوكيل كفعل الموكل و لو فعل الصبي بنفسه لا يتوقف فكذا إذا فعله الوكيل و إن فعل بعد البلوغ يتوقف على إجازته بمنزلة الفضولي على البائع و إن بلغ الصبي فأجاز التوكيل بعد البلوغ قبل أن يفعل الوكيل شيئا ثم فعل جاز لأن إجازة التوكيل منه بمنزلة إنشائه و كذا وصية الصبي لا تنعقد لأنها تصرف لا مجيز له حال وجوده .
ألا ترى أنه لو فعل الولي لا يجوز عليه فلا يتوقف و سواء أطلق الوصية أو أضافها إلى حال البلوغ لما قلنا حتى لو أوصى ثم مات قبل البلوغ أو بعده لا تجوز وصيته إلا إذا بلغ و أجاز تلك الوصية بعد البلوغ فتجوز لأن الإجازة منه بمنزلة إنشاء الوصية و لو أنشأ الوصية بعد البلوغ صح كذا هذا .
و على هذا تصرف المكاتب و العبد المأذون إن ماله مجيز حال وجوده يتوقف على إجازة المولى و ما لا مجيز له حالة وجوده يبطل و لا يتوقف لما ذكرنا من الفقه إلا أن بين المكاتب و العبد المأذون و الصبي فرقا من وجه و هو أن المكاتب أو المأذون إذا فعل ما يتوقف على الإجازة بأن زوج نفسه امرأة ثم عتق ينفذ بنفس الإعتاق و في الصبي لا ينفذ بنفس البلوغ بنفس البلوغ ما لم توجد الإجازة .
و وجه الفرق : أن العبد بعد الإذن يتصرف بمالكية نفسه على ما عرف فكان ينبغي أن ينفذ للحال إلا أنه توقف لحق المولى فإذا عتق فقد زال المانع فنفذ بخلاف الصبي فإن في أهليته قصورا لقصور عقله فانعقد موقوفا على الإجازة و البلوغ ليس بإجازة على ما مر .
و أما حكم شراء الفضولي فجملة الكلام فيه أن الفضولي إذا اشترى شيئا لغيره فلا يخلو أما إن أضاف العقد إلى نفسه و أما إن أضافه إلى الذي اشترى له فإن أضافه إلى نفسه كان المشتري له سواء وجدت الإجازة من الذي اشترى له أو لم توجد لأن الشراء إذا وجد نفاذا على العاقد نفذ عليه و لا يتوقف لأن الأصل أن يكون تصرف الإنسان لنفسه لا لغيره .
قال الله تعالى عز من قائل : { لها ما كسبت } و قال عز من قائل : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } و شراء الفضولي كسبه حقيقة فالأصل أن يكون له إلا إذا جعله لغيره أو لم يجد نفاذا عليه لعدم الأهلية فيتوقف على إجازة الذي اشترى له بأن كان الفضولي صبيا محجورا أو عبدا محجورا فاشترى لغيره يتوقف على إجازة ذلك الغير لأن الشراء لم يجد نفاذا عليه فيتوقف على إجازة الذي اشترى له ضرورة فإن أجاز نفذ و كانت العهدة عليه لا عليهما لأنهما ليسا من أهل لزوم العهدة و إن أضاف العقد إلى الذي اشترى له بأن قال الفضولي للبائع بع عبدك هذا من فلان بكذا فقال بعت و قبل الفضولي البيع فيه لأجل فلان أو قال البائع بعت هذا العبد من فلان بكذا و قبل المشتري الشراء منه لأجل فلان فإنه يتوقف على إجازة المشترى له لأن تصرف الإنسان و إن كان له على اعتبار الأصل إلا أن له أن يجعله لغيره بحق الوكالة و غير ذلك و ههنا جعله لغيره فينعقد موقوفا على إجازته .
و لو قال الفضولي : للبائع اشتريت منك هذا العبد بكذا لأجل فلان فقال : بعت أو قال البائع : للفضولي بعت منك هذا العبد بكذا لفلان فقال اشتريت لا يتوقف و ينفذ الشراء عليه لأنه لم توجد الإضافة إلى فلان في الإيجاب و القبول و إنما وجدت في أحدهما و أحدهما شطر العقد فلا يتوقف لما ذكرنا أن الأصل أن لا يتوقف و إنما توقف لضرورة الإضافة من الجانبين فإذا لم يوجد يجب العمل بالأصل .
و هذا بخلاف الوكيل بالشراء أنه إذا اشترى شيئا يقع شراؤه للموكل و إن أضاف العقد إلى نفسه لا إلى الموكل لأنه لما أمره بالشراء فقد أنابه مناب نفسه فكان تصرف الوكيل كتصرفه بنفسه و لو اشترى بنفسه كان المشتري له كذا هذا و الله تعالى أعلم .
و لو اشترى الفضولي شيئا لغيره و لم يضف المشتري إلى غيره حتى لو كان الشراء له فظن المشتري و المشترى له أن المشترى يكون للمشترى له فسلم إليه بعد القبض بالثمن الذي اشتراه به و قبل المشترى له صح ذلك و يجعل ذلك تولية كأنه ولاه منه بما اشترى و لو علم المشتري بعد ذلك أن الشراء نفذ عليه و المشترى له فأراد أن يسترد من صاحبه بغير رضاه لم يكن له ذلك لأن التولية منه قد صحت فلا يملك الرجوع كمن اشترى منقولا فطلب جاره الشفعة فظن المشتري أن له شفعة فسلم إليه ثم أراد أحدهما أن ينقض ذلك من غير رضا الآخر لم يكن له ذلك لأنه لما سلم إليه صار ذلك بيعا بينهما .
و لو اختلفا فقال المشترى له كنت أمرتك بالشراء و قال المشتري اشتريته لك بغير أمرك فالقول قول المشترى له لأن المشتري لما قال اشتريته لك كان ذلك إقرارا منه بأنه اشتراه بأمره لأن الشراء له لا يكون إلا بأمره عادة فكان القول قوله ثم إن أخذه بقضاء القاضي لا يحل له ذلك إلا إذا كان صادقا في كلامه فيما بينه و بين الله جل شأنه و إن أخذه بغير قضاء طاب له لأنه أخذه برضاه فصار ذلك بيعا منهما بتراضيهما .
و منها : قيام البائع و المشتري حتى لو هلك أحدهما قبل الإجازة من المالك لا تلحقه الإجازة .
و منها : قيام المالك حتى لو هلك المالك قبل إجازته لا يجوز بإجازة ورثته .
و منها : قيام المبيع حتى لو هلك قبل إجازة المالك لا يجوز بإجازة المالك غير أنه إن هلك في يد الملك يملك بغير شيء و إن هلك بعد التسليم إلى المشتري فالمالك بالخيار إن شاء ضمن البائع و إن شاء ضمن المشتري لوجود سبب الضمان من كل واحد منهما و هو التسليم من البائع و القبض من المشتري لأن تسليم مال الغير و قبضه بغير إذن صاحبه كل واحد منهما سبب لوجوب الضمان و أيهما اختار تضمينه بريء الآخر و لا سبيل عليه بحال لأنه لما ضمن أحدهما فقد ملك المضمون فلا يملك تمليكه من غيره لما فيه من الاستحالة و هو تمليك شيء واحد في زمان واحد من اثنين على الكمال فإن اختار تضمين المشتري رجع المشتري بالثمن على البائع و بطل البيع و ليس له أن يرجع عليه بما ضمن كما في المشتري من الغاصب