بيان ما يحصل به العلم بالمبيع و الثمن .
و أما ما يحصل به العلم بالمبيع و الثمن فنقول العلم بالمبيع لا يحصل إلا بالإشارة إليه لأن التعيين لا يحصل إلا بها إلا إذا كان دينا كالمسلم فيه فيحصل العلم بالتسمية و العلم بالثمن لا يحصل إلا بالتسمية و الإشارة إليه عندنا مجاز عن تسمية جنس المشار إليه و نوعه و صفته و قدره على ما يعرف في موضعه إن شاء الله تعالى غير أن المبيع إن كان أصلا لا بد من الإشارة إليه بطريق الأصالة ليصير معلوما و إن كان تبعا يصير معلوما بالإشارة إلى الأصل لأن التبع كما لا يفرد بعلة على حدة لا يفرد بشرط على حدة إذ لو أفرد لانقلب أصلا و هذا قلب الحقيقة .
و بيان ذلك في مسائل : إذا باع جارية حاملا من غير مولاها أو بهيمة حاملا دخل الحمل في لبيع تبعا للأم كسائر أطرافها و إن لم يسمه و لا أشار إليه و لو باع عقارا دخل ما فيها من البناء و الشجر بنفس البيع و لا يدخل الزرع و الثمر إلا بقرينة .
و جملة الكلام في بيع العقار : أن المبيع لا يخلو من أن يكون أرضا أو كرما أو دارا أو منزلا أو بيتا و كل ذلك لا يخلو أما إن لم يذكر في بيعه الحقوق و لا المرافق و لا ذكر كل قليل و كثير منها و أما إن ذكر شيئا من ذلك فإن كان المبيع أرضا و لم يذكر شيئا من القرائن دخل ما فيها من الأبنية و الأشجار ولم يدخل الزرع و الثمار عند عامة العلماء .
و قال مالك C : ثمار سائر الأشجار كذلك و كذلك ثمر النخل إذا أبر فأما إذا لم يؤثر يدخل .
و احتج بما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع ] قيد عليه الصلاة و السلام ملك البائع في الثمرة بوصف التأبير و لو لم يكن يختلف الجكم لم يكن للتقييد فائدة .
و لنا : ما روي عن محمد C في كتاب الشفعة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من اشترى أرضا فيها نخل فالثمرة للبائع إلا أن يشترطها المبتاع ] جعل عليه الصلاة و السلام الثمرة للبائع مطلقا عن وصف و شرط فدل أن الحكم لا يختلف بالتأبير و عدمه و لأن النخل اسم لذات الشجرة فلا يدخل ما عداه إلا بقرينة زائدة و لهذا لم يدخل ثمار سائر الأشجار و لا حجة له فيما روي لأن تقييد الحكم بوصف لا يدل على أن الحكم في غير الموصوف بخلافه بل يكون الحكم فيه مسكوتا موقوفا على قيام الدليل و قد قام و هو ما روينا و لا يحمل المطلق على المقيد عندنا لما فيه من ضرب النصوص بعضها في بعض و هذا لا يجوز لما عرف في أصول الفقه .
و كذلك إن كان كرما يدخل في بيعه ما فيه من الزراعة و العرايش و الحوائط من غير ذكر قرينة و لا تدخل الفواكه و البقول و الأصل أن كل ما ركب في الأرض يدخل و ما لم يركب فيها أو ركب لا للبقاء بل لوقت معلوم لا يدخل و كذا يدخل الطريق إلى الطريق الأعظم و الطريق إلى سكة غير نافذة من غير قرينة و إن ذكر شيئا من القرائن : .
فإن ذكر الحقوق أو المرافق دخل فيها الشرب و مسيل الماء و الطريق الخاص الذي يكون في ملك إنسان و هو حق المرور في ملكه و لا يدخل الزرع و الثمر لأنها أعيان قائمة بنفسها بنفسها فلا يتناولها اسم الحقوق و المرافق بخلاف الشرب و المسيل و التطرق فإنها عبارة عن حق الشرب و السقي و التسيل و المرور فيتناولها الاسم .
و إن ذكر القليل و الكثير بأن قال بعتها منك بكل قليل كثير هو فيها و منها فهل يدخل الزرع و الثمر ينظر إن قال في آخره من حقوقها فلا يدخلان لأن قوله من حقوقها خرج تفسيرا لأول الكلام فكأنه نص على البيع بحقوقها و إن لم يقل في آخره من حقوقها دخل فيه الزرع و الثمر و كل ما كان متصلا به لأن اسم القليل و الكثير فيه و منه يتناول ذلك .
و أما المنفصل عنها كالثمار المجذوذة و الزرع المحصود و الحطب و اللبن و القصب الموضوع فلا يدخل في البيع إلا بالتسمية فرق بين البيع و الإجارة أن الشرب و المسيل و الطريق الخاص في ملك إنسان يدخل في الإجارة من غير الحقوق و المرافق و في البيع لا يدخل بدونه .
و القياس : أن لا يدخل في البابين جميعا إلا بالتسمية إلا أنهم استحسنوا في الإجارة لأنها تعقد للانتفاع بالمستأجر و لا يمكن الانتفاع به بدون الحقوق فصارت الحقوق مذكورة بذكر المستأجر بدلالة بخلاف البيع فإنه يعقد للملك و الانتفاع ليس من ضرورات الملك فإنه يثبت الملك فيما لا ينتفع به .
و كذا فرق بين البيع و الرهن فإن من رهن عند رجل أرضا فيها زرع و أشجار عليها ثمار و سلمها إليه أنه يدخل في الرهن كل ما كان متصلا بها من غير تسمية الحقوق و القليل و الكثير .
و وجه الفرق : أن تمييز الرهن من غيره شرط صحة الرهن على ما نذكر في كتابه فمتى أقدما على عقد الرهن فقد قصدا صحته و لا صحة له إلا بدخول ما كان متصلا بالمرهون فدخل فيه تصحيحا للتصرف إذ لا صحة له بدون بخلاف البيع فإن تمييز المبيع من غيره ليس بشرط لصحة البيع فلا ضرورة في الدخول بغير التسمية فلا يدخل بدونها .
هذا إذا كان المبيع أرضا أو كرما فإن كان دارا يدخل في بيعها جميع ما ما كان من بيت و منزل و علو و سفل و جميع ما تجمعه الحدود الأربعة من غير ذكر قرينة و تدخل أغاليق الدار و مفاتيح أغاليقها .
أما الغاليق فلأنها ركبت للبقاء لا لوقت معلوم فتدخل كالميزاب .
و أما المفاتيح فلأن مفتاح الغلق من الغلق ألا ترى أنه لو اشترى الغلق دخل المفتاح فيه من غير تسمية فيدخل في البيع بدخول الغلق و يدخل طريقها إلى طريق العامة و طريقها إلى سكة غير نافذة كما يدخل في الأرض و الكرم و يدخل الكنيف و الشارع و الجناح كل ذلك يدخل من غير قرينة و هل تدخل الظلة ينظر إن لم يكن مفتحها إلى الدار لا تدخل بالإتفاق و إن كان الدار لا تدخل أيضا عند أبي حنيفة C و عند أبي يوسف و محمد رحمهما الله تدخل .
وجه قولهما : أن الظلة إذا كانت مفتحها إلى الدار كانت من أجزاء الدار فتدخل ببيع الدار كالجناح و الكنيف .
و لأبي حنيفة : أن ظلة الدار خارجة عن حدودها فإنها اسم لما يظل عند باب الدار خارجا منها فلا تدخل تحت بيع الدار كالطريق الخارج و بهذا لو حلف لا يدخل هذه الدار فدخل ظلتها لا يحنث .
و أما ما كان لها من بستان فينظر إن كان داخل حد الدار يدخل و إن كان يلي الدار لا يدخل من غير تسمية و قال بعضهم : إن كانت الدار صغيرة يدخل و إن كانت كبيرة لا يدخل لأنها إذا كانت صغيرة يمكن أن يجعل تبعا للدار و إذا كانت كبيرة لا يمكن و قال بعضهم : يحكم الثمن فإن صلح لهما يدخل و إلا فلا يدخل